سليمان يعقوب بنداغوا

سليمان يعقوب بنداغوا (سني / غانا)

ولد «سليمان يعقوب» بمدينة (أكرا) في غانا، ونشأ في أسرة سنّية حبّذت أن توفّر له الأجواء المناسبة لتلقّي العلوم والمعارف الإسلاميّة، فلمّا بلغ أشدّه أرسله أبوه إلى المدرسة الشيعيّة لتعلّم العلوم الإسلاميّة وتمتاز هذه المدرسة بعمق علومها الإسلاميّة، ومتانة أدلّتها في مختلف المعارف الإسلاميّة ممّا أدّى إلى استبصار «سليمان» وتشرّفه بمذهب أهل البيت عليهم ‏السلام، وذلك سنة (١٤٠٥ه) ١٩٨٥م.

تعرّفه على مذهب أهل البيت عليهم ‏السلام:

عندما بلغ «سليمان» سنّ الرشد أصبح أبوه أمام طريقين، وهو إمّا أن يرسل ولده إلى المدرسة لأكاديميّة التي كانت تدرّس الطلاب باللغة الإنجليزية، وكانت الثقافة الحاكمة عليها هي الثقافة الغربية، وإمّا أن يرسله إلى المدارس التقليديّة، والتي كانت على قسمين: منها تابعة لمذهب أهل السنّة، ومنها تابعة لمذهب أهل البيت عليهم‏السلام أمّا المدارس التابعة لمذهب أهل البيت عليهم ‏السلام فكانت أقدر من غيرها على

ارتقاء المستوى العلمي لطلبتها لما فيها من مواصفات عالية، إلاّ أنّها تخالف مذهبه السنّي في العديد من القضايا العقائديّة والفكريّة.

ومع ذلك أرسل ابنه «سليمان» إلى المدرسة الشيعيّة، ولكنّه كان يحذّره من الانخداع بأفكارهم وعقائدهم، وغاية ما أراد من ولده أن يتلقّى من هذه المدارس العلم والمعرفة الخاصة المبتنية على الأسس والبراهين الرصينة فحسب، دون الاقتداء بمذهبهم.

من هذا المنطلق التحق «سليمان» بمعهد أهل البيت عليهم‏السلام، وبقي أبوه يخشى من فساد عقيدته، وكان يسأله دائماً عمّا يقال في هذا المعهد، ويحاول أن يصحّح أفكاره.

وكان يقول: إنّه سمع أنّ الأُمّة الإسلاميّة ستفترق إلى فرق متعدّدة، لكن ما هو عليه الآن هو الصحيح، وعهد على نفسه أن لا يبدّل دينه مادام حيّاً.

أسباب استبصاره:

وبعد فترة وجيزة من دراسة «سليمان» في المدرسة الشيعيّة سمع عن أمور غريبة لم يسمعها من قبل، فبدأ يناقش أساتذته في مسائل كثيرة من قبيل حديث الثقلين والأئمّة الاثنا عشر والمسائل المتعلّقة بالصحابة وغيرها، فانكشفت له حقائق كانت خافية عليه سابقاً.

يقول «سليمان»: إنّ نورانيّة كلام أهل البيت عليهم‏السلام أخذت بمجامع قلبي، ودفعتني إلى الانجذاب إليهم، والاتّجاه نحو اتّباعهم. كما أنّني لم أجد المذهب السنّي قادراً على درء الشبهات الموجّهة إليه، ولاسيّما القضايا المرتبطة بعدالة الصحابة وغيرها.

عدالة الصحابة:

الصحابي لغة: بمعنى المصاحبة والمعاشرة(1)، ويدلّ على مقارنة شيء ومقاربته(2).

وقال بعض اللغويين: إنّ الصاحب لا يقال في العرف إلاّ لمن كثرت ملازمته، ويقال: للمالك للشيء هو صاحبه، وكذلك لمن يملك التصرف فيه(3)، وإلاّ فلو جالس الشخص أحداً مرّة أو مرّتين، لا يقال: إنّه صاحبه أو أنّهما تصاحبا.

الصحابي في الاصطلاح: إنّ المدرسة السنّية تُعرّف الصحابي بأقوال مختلفة منها: «من صحب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه»(4). أو «من لقي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مؤمناً به ومات على الإسلام»(5). أو «فهو كلّ من جالس النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو

شاهد منه صلى الله عليه و آله و سلم أمراً يعيه، ولم يكن من المنافقين الذين عرف نفاقهم، واشتهر حتّى ماتوا على ذلك»(6). وعن سعيد بن المسيّب إنّه كان لا يعدّ في اصحابه إلاّ من أقام مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً(7). وترى هذه المدرسة عدالة جميع الصحابة كلّهم، وترجع إلى جميعهم في أخذ معالم دينها.

قال ابن الأثير: «والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل ؛ فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرّق إليهم الجرح»(8).

وقال ابن حجر: «اتّفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة»(9).

وروي عن أبي زرعة أنّه قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم فاعلم أنّه زنديق، وذلك أنّ الرسول حقّ، والقرآن حقّ، وما جاء به حقّ، وإنّما أدّى ذلك إلينا كلّه الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة(10).

فهذا هو الرأي السائد عند مدرسة الخلفاء في عدالة الصحابة حيث ذهبت إلى عدالة جميع الصحابة وأنّهم فوق قواعد الجرح والتعديل، ولا تنالهم يد الجرح والتعديل أصلاً وأبداً.

وفي مقابل ذلك فقد نسب بعض أصحاب الملل إلى فرقة المسلمين يقال لهم الكامليّة بكفر جميع الصحابة ؛ إذ فوّضوا الأمر إلى أبي بكر، وكفّروا علياً عليه‏السلام حيث لم يحارب أبا بكر(11). وأمّا مدرسة أهل البيت عليهم‏السلام ترى تبعاً للقرآن الكريم والسنّة الشريفة من أنّ أصحاب رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم لم يكونوا على نسق واحد حتّى يحكم بعدالة جميعهم، فكان منهم المؤمن الصالح، ومنهم المنافق الذي لم يدخل الإيمان في قلبه، ومنهم مجهول لا يعلم حاله، فيجب علينا أن ننظر إلى كلّ واحد منهم، ونجري قواعد الجرح والتعديل في حقّهم مثل بقيّة الرواة، فمن كان منهم عادلاً وجب تعظيمه واحترامه والاقتداء به، ومن ثبت نفاقه وانحرافه ونكثه وجب رفضه والبراءة منه، ومن لم يعلم حاله نتوقف في أمره، فباب النقاش في الصحابة غير مسدود وهو حقّ لكلّ فرد يطلب المعرفة والحقيقة.

ونذكر بعض ما جاء في القرآن الكريم في حقّ بعض الصحابة:

١ – في قلوبهم مرض: قال تعالى: «فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ»(12).

٢ – المرجفون: قال تعالى: ﴿لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا(13).

٣ – المخلّفون: قال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ(14).

﴿سَيَقُولُ الُْمخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ(15)﴿فَرِحَ الُْمخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ(16).

٤ – الخوالف: قال تعالى: ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ»، وفي آية أخرى «لاَ يَعْلَمُونَ(17).

٥ – المعذّرون: قال تعالى: ﴿وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(18).

٦ – يبتغون الفتنة: قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ(19).

٧ – ارتابت قلوبهم: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ(20).

٨ – السمّـاعون: قال تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ(21)﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(22).

٩ – الذين يؤذون النبيّ: قال تعالى: ﴿يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ(23).

١٠ – القاعدون: قال تعالى: ﴿وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ»(24) ﴿وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ(25).

١١ – الكاذبون: قال تعالى: «وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(26)، «وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»(27).

١٢ – الصادّون: قال تعالى: «رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا»(28)، «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ»(29)، «وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ»(30).

١٣ – العدو: قال تعالى: «هُمُ الْعَدُوُّ»(31).

١٤ – الماردون: قال تعالى: «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ»(32). إلى غير ذلك من الصفات المذكورة في حقّ بعضهم. كان هذا من جهة الآيات الكريمة، وأمّا الأخبار: فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «بينما أنا قائم فإذا زمرةُ حتّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم.

فقال: هلمّ.

فقلت: أين؟

قال: إلى النّار واللّه‏.

قلت: وما شأنهم؟

قال: إنّهم ارتدّوا بعدك أدبارهم القهقرى.

ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم.

فقال: هلمّ.

قلت: أين؟

قال: إلى النّار واللّه‏.

قلت: ما شأنهم؟

قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النّعم»(33).

وقال العيني في توضيح همل النّعم: «وهو ما يترك مهملاً لايتعهد ولا يرعى حتّى يضيع ويهلك، أي: لا يخلص منهم من النار إلاّ قليل»(34).

عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه‏ عنها قالت: قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم : «إنّي على الحوض حتّى أنظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس من دوني، فأقول: يا ربّ منّي ومن أمّتي.

فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ واللّه‏ ما برحوا يرجعون على أعقابهم».

فكان ابن أبي مليكة يقول: اللّهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا(35).

وعن ابن المسيّب أنّه كان يحدّث عن أصحاب النبيّ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي، فيحلّؤون عنه، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى»(36). وعن سهل بن سعد قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم : «إنّي فرطكم على الحوض، من مرّ عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردّن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثمّ يحالبيني وبينهم».

قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عيّاش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟

فقلت: نعم فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها.

«فأقول: إنّهم منّي.

فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

فأقول: سحقاً سحقاً لمَن غيّر بعدي»(37).

وعن أبي هريرة أنّه كان يحدّث أنّ رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلون عن الحوض.

فأقول: يا ربّ أصحابي.

فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى»(38).

وعن عبد اللّه‏ عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أنا فرطكم على الحوض، وليُرفعنّ رجال منكم، ثمّ ليختلجُنّ دوني، فأقول: يا ربّ أصحابي. فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»(39).

وعن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس رضى ‏الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «… وإنّ أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال. فأقول: أصحابي أصحابي.فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.

فأقول: كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيٍْ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(40)(41).

وعن عبد اللّه‏ بن عمر عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في خطبة حجّة الوداع قال: «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»(42). وعن أبي سعيد الخدري عن أبيه رضى‏الله‏عنه قال سمعت رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم يقول على المنبر: «… وإنّي أيّها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت، قام رجال. فقال هذا: يا رسول اللّه‏ أنا فلان، وقال هذا: يا رسول اللّه‏ أنا فلان، وقال هذا: يا رسول اللّه‏، أنا فلان. فأقول: قد عرفتكم، ولكنّكم أحدثتم بعدي، ورجعتم القهقرى».

وقال الحاكم بعد ذكره للحديث: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه(43). وعن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال: لقيت البرّاء بن عازب رضى‏الله‏عنه فقلت: طوبى لك صحبت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وبايعته تحت الشجرة فقال: يا بن أخي إنّك لا تدري ما أحدثناه بعده(44).

وهذه شهادة من صحابي كان على الأقل صريح مع نفسه ومع النّاس، وهي مؤكّدة لما قاله اللّه‏ فيهم: ﴿أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ(45). والبرّاء بن عازب من الصحابة ومن السّابقين الأوّلين الذين بايعوا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم تحت الشجرة، يشهد على نفسه وغيره من الصحابة بأنّهم أحدثوا بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم كي لا يغترّ بهم النّاس، وأوضح بأنّ صحبة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ومبايعته تحت الشجرة لا تمنعان من ضلالة الصحابي وارتداده بعده صلى الله عليه و آله و سلم .

النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم يلعن جماعة:

ما ورد في مرض موته صلى الله عليه و آله و سلم حيث قال: «جهّزوا جيش أسامة، لعن اللّه‏ من تخلّف عنه»(46).

وعن أبي الطفيل في غزوة تبوك أمر رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم منادياً فنادى أن لا يرد الماء أحد قبل رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم ، فورده رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم ، فوجد رهطاً قد وردوه قبله، فلعنهم رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم يومئذٍ(47).

وقال الحافظ أبو بكر الهيثمي بعد ذكره لهذا الحديث: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح(48).

فالنتيجة: ممّا تقدّم من أنّ رأي الشيعة الإماميّة في الصحابة أنّه أوسط الآراء، حيث لم تفرّط فيهم تفريط بعض الغلاة الذين كفّروهم جميعاً، ولا أفرطوا إفراط أهل السنّة الذين وثّقوهم أجمعين.

أمّا دليل الشيعة فهو: إنّ الصحبة بمجردها وإن كانت فضيلة، لكنّها بما هي غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وفيهم البغاة على الوصي، وأخي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال. أمّا العدول منهم فيقتدى بهم، ويحتجّ بحديثهم، وأمّا البغاة منهم، فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، وأمّا مجهول الحال منهم يتوقّف فيهم حتّى يتبيّن أمرهم.

إلاّ أنّ أهل السنّة بالغوا في تقديس وتعظيم كلّ من يسمّونه صحابيّاً حتّى خرجوا عن حدّ الاعتدال، فاحتجّوا بهم أجمعين أكتعين أبصعين الغث منهم والسمين، وأنكروا على كلّ من يخالفهم في هذا الرأي أشدّ الإنكار، وما أشدّ إنكارهم على الشيعة الإماميّة حين يردّون حديثاً من الصحابة مصرّحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال، عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينيّة، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة، فيتّهمونهم بالكفر والزندقة رجماً بالغيب، ولو رجعوا إلى قواعد العلم، لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليه، ولو تدبّروا القرآن الحكيم والأخبار المرويّة في الصحاح وغيرها لوجدوا فيهما ذكراً للمنافقين كما تقدّم جملة من ذلك.

التحوّل المذهبي:

وبعد فترة وجيزة توصّل «سليمان» من خلال المعلومات التي كان يبيّنهما له أساتذته إلى أحقّية مذهب أهل البيت عليهم‏السلام، فتفاعل مع عقائد الشيعة، وأدّى ذلك إلى تشرّفه بمذهب أهل البيت عليهم‏السلام، وشجّع والده أيضاً على اعتناق هذا المذهب.

ثمّ بدأ بتشجيع أقرباءه وأصدقاءه على قراءة الكتب الشيعيّة، والتعرّف على علوم ومعارف أهل البيت عليهم ‏السلام.

يقول «سليمان» في نهاية المطاف: إنّ معظّم أهل السنّة لا يعرفون حقيقة مذهب التشيّع، وأنا على يقين بأنّهم لو اطّلعوا على عقائد هذا المذهب، فإنّهم سيستبصرون بكلّ سهولة، ولتسابقوا إليه، ولكنّ المشكلة هي عدم المعرفة الصحيحة بعقيدة الشيعة، بل ممّا يؤسف له هي الصورة المشوّهة التي يبيّنها علماء أهل السنّة عن المذهب الشيعي، والتهم والافتراءات التي يلصقها البعض بهذا المذهب، ولكنّني على أمل بفضل الجهود المباركة التي يبذلها علماء الشيعة في مختلف أنحاء العالم أن يتعرّف جميع أبناء العالم على جميع علوم ومعارف أهل البيت عليهم‏السلام. سائلين اللّه‏ تعالى أن يوفّق الجميع إلى خدمة تراث العترة الطاهرة عليهم‏السلام وإحياء آثارها، إنّه سميع مجيب.

____________

1- لسان العرب ١: ٥١٩.

2- معجم مقاييس اللغة ٣: ٣٣٥.

3- مفردات غريب القرآن: ٢٧٥.

4- صحيح البخاري ٤: ١٨٨.

5- الإصابة في تمييز الصحابة ١: ٨.

6- الإحكام في أصول الأحكام ٥: ٦٦٣.

7- فتح الباري شرح صحيح البخاري ٧: ٣.

8- أسد الغابة ١: ٣.

9- الإصابة في تمييز الصحابة ١: ١٣١.

10- الإصابة في تمييز الصحابة ١: ٢٢.

11- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي: ٧٥، الفرق بين الفرق: ٥٤، بداية الفرقنهاية الملوك: ٨٧.

12- لاحظ: سورة البقرة ٢: ١٠، المائدة ٨: ٥٢، الأنفال : ٤٩، التوبة : ١٢٥، الحجّ: ٥٣، النور : ٥٠، الأحزاب : ١٢، ٦٠، محمّد : ٢٠، ٢٩، المدثر : ٣١.

13- الأحزاب ٣٣ : ٦٠.

14- الفتح ٤٨: ١٦.

15- الفتح ٤٨: ١٥.

16- التوبة ٩: ٨١.

17- التوبة ٩: ٨٧، ٩٣.

18- التوبة ٩: ٩٠.

19- آل عمران ٣: ٧.

20- التوبة ٩: ٤٥.

21- المائدة ٦: ٤١.

22- التوبة ٩: ٤٧.

23- التوبة ٩: ٦١.

24- التوبة ٩: ٤٦.

25- التوبة ٩: ٨٦.

26- التوبة ٩: ١٠٧.

27- الحشر ٥٩: ١١.

28- النساء ٤: ٦١.

29- المنافقون ٦٣: ٢.

30- المنافقون ٦٣: ٥ .

31- المنافقون ٦٣: ٤.

32- التوبة ٩: ١٠١.

33- صحيح البخاري ٧: ٢٠٨.

34- عمدة القاري في شرح البخاري ٢٣: ١٤٣.

35- صحيح البخاري ٧: ٢٠٩.

36- صحيح البخاري ٧: ٢٠٧ – ٢٠٨.

37- صحيح البخاري ٧: ٢٠٨.

38- صحيح البخاري ٧: ٢٠٨.

39- صحيح الخباري ٧: ٢٠٨.

40- المائدة ٥: ١١٧ – ١١٨.

41- صحيح البخاري ٤: ١١٠.

42- صحيح البخاري ٨: ٣٥.

43- المستدرك على الصحيحين ٤: ٧٤ – ٧٥.

44- صحيح البخاري ٥: ٦٥ – ٦٦.

45- آل عمران ٣: ١٤٤.

46- الملل والنحل ١: ٢٣.

47- مسند أحمد بن حنبل ٥: ٤٥٤.

48- جامع الزوائد ومنبع الفوائد ٦: ١٩٥.