سليمان أحمد نادي

سليمان أحمد نادي (سنّي / غانا)

ولد عام ١٣٩٢هـ (١٩٧٣م) بمدينة «أكرا» في «غانا»، وبعد بلوغه سن الرشد هيأ اللّه‏ تعالى له الأجواء المناسبة للتعرّف على حقائق الدين الإسلامي الحنيف حيث حظى باهتمام أستاذه «أحمد بابا» الذي بعثه إلى معهد أهل البيت عليهم‏ السلام لطلب العلوم الإسلاميّة. في أجواء هذا المعهد تعرّف «سليمان» على عقائد مذهب أهل البيت عليهم ‏السلام، وبما أنّه كان يعير اهتماماً بالغاً للعقيدة بادر إلى دراسة تحليليّة للمقارنة بين العقائد الشيعيّة والسنيّة، فأكثر من السؤال في هذا المجال وقام بمناقشة عقائد الطرفين.

حديث المنزلة ومحاولات في ردّ الحديث:

إحدى الوقائع التي اتّفق عليها الشيعة وأهل السنّة هي رواية حديث المنزلة في حقّ الإمام علي أمير المؤمنين عليه‏السلام. فقد روى هذا الحديث – من العامّة – البخاري في صحيحه فقال: حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد عن أبيه: أنّ رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم خرج إلى تبوك واستخلف عليّاً، فقال [علي عليه‏السلام]: أتخلفني في الصبيان والنساء، قال صلى الله عليه و آله و سلم : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه ليس نبي بعدي(1).

كما رواه أصحاب الصحاح وغيرهم من أئمّة الحديث(2)، حتّى قال عنه ابن عبد البر في الاستيعاب(3) والمزّي في تهذيب الكمال(4): أنّه من أثبت الآثار وأصحّها.

إلاّ أنّ المغرضين من القوم لمّا رأوا في هذا الحديث الشريف دلالة على أفضليّة أمير المؤمنين عليه‏السلام على غيره – وهو ما يغاير ما بنوا عليه معتقداتهم – التجأوا إلى التشكيك فيه من جهات فشكّكو أوّلاً في نفس الدلالة على أفضليّة الإمام علي عليه‏السلام وإمامته بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ، وعندما انتبهوا إلى سقوط تلك التشكيكات(5) قاموا ثانية بالقدح في سنده وإن كان متّفقاً عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم.

وهناك من رأى أن لا جدوى في الطعن في سند الحديث ودلالته، فعمد إلى التحريف ووضع أحاديث بنفس السياق، إلاّ أنّه تصرّف في المشبه تارة والمشبه به تارة أخرى.

التحريف في المشبّه:

قام بعض المدلّسين في الحديث ومن الذين ضحّوا بدينهم وآخرتهم في سبيل الحماية عن الشيخين بوضع حديث المنزلة في حقّهما.

فقد جاء في كتاب الكامل لابن عدي: ثنا محمّد بن نوح بن عبد اللّه‏ الجنديسابوري، ثنا جعفر بن محمّد بن عيسى الناقد، ثنا عمّار بن هارون المستملي، ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم [في حديث]: أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى(6).

وذكر هذه الفقرة أيضاً الخطيب البغدادي باسناده، فقال: أخبرنا الطاهري، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، حدثنا أبو جعفر محمّد ابن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية حدّثنا قزعة بن سويد، عن أبن أبي مليكة، عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم : الحديث(7).

ويمكن تسليط الضوء على هذين الحديثين من جهتين:

١ – من جهة الرواة الذين وقعوا في السند.

٢ – من جهة أقوال العلماء في الحديثين.

أمّا من وقع في سند الحديث – بسنديه – فإنّ فيهم الضعفاء والمتروكين وسارقي الحديث ما يورث الاطمينان في أنّ هذا الحديث موضوع من قبلهم في سبيل عدم انحصار اتصاف أمير المؤمنين عليه‏السلام بهذه المزيّة. فقد وقع في سند «الكامل» عمّار بن هارون المستملي، وعمّار هذا غير مرضي عند علي بن عبد اللّه‏ المديني(8)، وقد قال فيه الرازي: سألته [أي أبي] عنه فقال:

متروك الحديث وترك الرواية عنه(9)، كما نقل عن ابن عدي أيضاً أنّه قال: عامّة ما يرويه غير محفوظ، كان يسرق الحديث(10)، ولذا ضعّفه ابن حجر في تقريب التهذيب(11).

كما أنّ في سند الخطيب علي بن زكريا الشاعر الذي اتّهمه ابن الجوزي بوضع هذا الحديث(12)، وفيه أيضاً بشر بن دحية الذي كذّبه الذهبي في ميزان الاعتدال(13). وأمّا الذين وقعا في كلا السندين فهما قزعة بن سويد وابن أبي مليكة الذي انتهى به السند إلى ابن عبّاس.

وقد ذكر النسائي قزعة هذا في كتابه «الضعفاء والمجروحين» ضمن الضعفاء(14)، كما ضعّفه يحيى بن معين(15) ونقل الرازي عن أحمد بن حنبل أنّه قال:

قزعة بن سويد مضطرب الحديث(16)، وأمّا ابن حبّان فقد قال عنه: كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، فلمّا كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره(17)، ونُقل عن أبي داود والغبري أنّهما قالا: إنّه ضعيف(18). والراوي الآخر الذي أنهى السند إلى ابن عبّاس هو ابن أبي مليكة، ويكفي في

سقوطه أنّه كان قاضياً لابن الزبير ومؤذّناً له(19). نعم، هذا السند الضعيف هو سند الحديثين الذين طالما افتخر بهما وتمسّك بكلماتهما علماء السلفيّة لاسيّما ابن تيميّة وابن روزبهان.

أمّا رأي علماء السنّة من السلف في هذين الحديثين:

فقد قال ابن الجوزي بعد ذكر الحديث بسند الخطيب: هذا حديث لا يصحّ، والمتّهم به الشاعر(20).

وقد أورد الذهبي الحديث في ترجمة «قزعة بن سويد» وقال: له حديث منكر عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاس مرفوعاً، ثمّ ذكر الحديث(21).

وذكره في موضع آخر وحكم بكذبه فقال بعد ذكر نصّ الحديث: هذا كذب، قال ابن عدي: ثنا ابن جرير الطبري، ثنا بشر بن دحية، ثنا قزعة نحوه، قلت [والقول للذهبي]: ومن بشر؟!

قال ابن عدي: قد حدّث به أيضاً مسلم بن إبراهيم عن قزعة، قلت: وقزعة ليس بشيء(22).

وذكره ثالئاً فقال: علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمّد بن جرير الطبري بخبر كذب هو المتّهم به، متنه: أبو بكر منّي بمنزلة هارون من موسى(23).

التحريف في المشبه به:

لقد سعى بعض النواصب إلى تحريف لفظ الحديث من حيث المشبّه به، فقالوا: إنّ في الحديث الوارد عن رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم شُبِّهَ الإمام علي عليه‏السلام بقارون لا بهارون عليه‏السلام. وواضع هذه الفريّة هو «حريز بن عثمان» الشهير بالنصب والعداء الشديد لأمير المؤمنين عليه‏السلام. يقول إسماعيل بن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» حقّ، ولكن أخطأ السامع قلت: فما هو؟ قال: إنّما هو «أنت منّي بمنزلة قارون من موسى»، قلت:عمّن ترويه؟

قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر(24).

ولم يكتف حريز بنقل هذه الأراجيف التي لم يتجرأ على قولها أحدٌ من أسياده السلف فضلاً عن غيرهم، بل أبرز نصبه وعداءه أكثر من ذلك، فقال في منقصة أمير المؤمنين عليه‏السلام: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لمّا أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبيطالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبيّ(25)!!

وحريزٌ هذا قال عنه عمرو بن علي: كان ينتقص علياً وينال منه، وقال جرير: إنّ حريزاً كان يشتم عليّاً على المنبر.

وأمّا ناقل الحديث عنه إسماعيل بن عياش فإنّه قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكّة فجعل يسبّ عليّاً ويلعنه، وقال الضحّاك بن عبد الوهاب: هو متروك متّهم.

وقيل ليحيى بن صالح: لِم لَم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتّى يلعن عليّاً سبعين مرّة.

وقال ابن حبّان: كان يلعن عليّاً بالغداة سبعين مرّة، وبالعشيّ سبعين مرّة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي(26). ورجلٌ كهذا لا ينبغي أن يقال بحقّه شيء إلاّ أنّه كافراً ومنافق، وذلك لما جاء في مصادر أهل السنّة المعتبرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال لعلي عليه‏السلام: لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق(27)، وجاء عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضاً: لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ كافر أو منافق(28). وقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم : من أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه‏(29).

والعجب كلّ العجب ممّن يدّعي الإسلام والإيمان بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم كأحمد بن حنبل – وهو الذي نقل الرواية في أن لا يبغض عليّاً إلاّ منافق – أن يقول بحقّ هذا الناصبي أنّه: ثقة ثقة(30)!!

اجتياز العقبات:

بعد أن دقّق «سليمان» النظر في عقائد الشيعة وأهل السنّة، وقام بمناقشة عقائدالطرفين حصل صراع نفسي في داخله ما أدّى في نهاية المطاف إلى الإعلان عن تحوّله مذهبياً، فأعلن استبصاره ثمّ بدأ بالدعوة لإتّباع مذهب أهل البيت عليهم‏ السلام، وكان ذلك عام ١٤٠٩ه (١٩٨٩م).

وفي هذا المجال كتب مقالة علميّة ذكر فيها أنّ الاستبصار وتغيير الانتماء المذهبي لا يحصل إلاّ باجتياز العديد من الموانع والعقبات، وهذا ما لا تتجرّأ عليه إلاّ الشخصيّة المتكاملة الشجاعة.

____________

1- صحيح البخاري ٥: ١٢٩، وقد ذكر الحديث أيضاً في ٤: ٢٠٨ من الكتاب إلاّ أنّه لم يذكر
الفقرة الأخيرة منه.

2- راجع: صحيح مسلم ٧: ١٢٠، ١٢١، مسند أحمد بن حنبل ١: ١٧٥ و١٨٤، ٣: ٣٣٨، النسائي في السنن الكبرى ٥: ٤٤، ١٠٨، ١٢٠، فضائل الصحابة: ١٣، ١٤، وخصائص أمير المؤمنين ٤٨، ٦٤، سنن الترمذي ٥: ٣٠٢، ٣٠٤، سنن ابن ماجة ١: ٤٣، ٤٥، السنن الكبرى للبيهقي ٩: ٤٠، مسند أبي داود: ٢٨، مسند الحميدي ١: ٣٨، مسند أبي يعلى ١: ٢٨٦، ٢: ٥٧، صحيح ابن حبان ١٥: ١٦، ٣٦٩، التاريخ الكبير للبخاري ٧: ٣٠١ المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٣٧، ٣: ١٠٩، المصنّف للصنعاني ٥: ٤٠٦، ١١: ٢٢٦، المصنف لابن أبي شيبة ٧: ٤٩٦، الطبراني في المعجم الكبير ١: ١٤٦، ٢: ٢٤٧، المعجم الاوسط ٢: ١٢٦ والمعجم الصغير ٢: ٢٢، الطبقات الكبرى ٣: ٢٣، الإصابة لابن حجر ٤: ٤٦٨، الاستيعاب ٣: ١٠٩٧، الجامع الصغير للسيوطي ٢: ١٧٧، وغيرها.

هذا وقد ذكر صاحب نفحات الأزهار أشهر رواة حديث المنزلة عبر القرون المختلفة والبالغ عددهم ٨٨ راوياً. راجع نفحات الأزهار ١٧: ٢٣.

3- الاستيعاب ٣: ١٠٩٧.

4- تهذيب الكمال ٢٠: ٤٨٣.

5- راجع: نفحات الأزهار للسيّد علي الميلاني ١٨: ٦٥، فقد ذكر الشبهات الواردة في دلالة الحديث ثمّ أجاب عنها بشكل كامل ووافي.

6- الكامل لابن عدي ٥: ٧٥.

7- تاريخ بغداد ١١: ٣٨٣.

8- ضعفاء العقيلي ٣: ٣١٩.

9- الجرح والتعديل ٦: ٣٩٤.

10- ميزان الاعتدال للذهبي ٣: ١٧١.

11- تقريب التهذيب ١: ٧٠٨.

12- العلل المتناهية ١: ١٩٩.

13- ميزان الاعتدال ٣: ١٧١.

14- كتاب الضعفاء والمتروكين: ٢٢٨.

15- ضعفاء العقيلي ٣: ٤٨٧.

16- الجرح والتعديل ٧: ١٩٣.

17- كتاب المجروحين ٢: ٢١٦.

18- راجع تهذيب التهذيب ٨: ٣٣٦.

19- تهذيب التهذيب ٥: ٢٦٨.

20- العلل المتناهية ١: ١٩٩.

21- ميزان الاعتدال ٣: ٣٩٠.

22- نفس المصدر ٣: ١٧٢.

23- نفس المصدر ٣: ١٢٢.

24- تهذيب التهذيب ٢: ٢٠٩.

25- تهذيب التهذيب ٢: ٢٠٩، نقلاً عن كتاب الضعفاء للأزدي.

26- راجع: ترجمة «حريز بن عثمان» في تهذيب التهذيب ٢٠٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ١٠:
١٢٣.

27- راجع: صحيح مسلم ١: ٦١ ومسند أحمد ١: ٩٥، ١٢٨.

28- تاريخ دمشق ٤٢: ٢٧٠.

29- المعجم الكبير ٢٣: ٣٨٠، وتاريخ دمشق ٤٢: ٢٧١.

30- تهذيب الكمال ٥: ٥٧٣، وتاريخ الإسلام ١٠: ١٢١.