مرغوب أحمد النقوي

مرغوب أحمد النقوي (حنفي / باكستان)

ولد عام 1330هـ (1912م) في “لاهور”، ونشأ في اسرة تنتمي إلى المذهب الحنفي، وشغل عدّة وظائف حكومية، منها: رئاسة شعبة لجنة السكك الحديدية في باكستان الغربية.

اختار مذهب الشيعة الإمامية بعد دراسة وتحقيق حول المذاهب المختلفة أصولاً وفروعاً.

بداية تحوّله المذهبي:

كانت بداية انتقال “مرغوب أحمد” في الصعيد المذهبي عندما أعلمه أحد أصدقائه بأنّ الصحابة قد أغضبوا فاطمة الزهراء(عليها السلام) في منعهم حقّها في فدك وتهديدهم إيّاها بإحراق بيتها إنّ لم يبايع عليّ(عليه السلام) أبا بكر، بل بلغ الأمر إلى ما تهتزّ له المشاعر عندما تمّ إحراق بيتها بأمر عمر بن الخطاب.

شعر “مرغوب أحمد” بالإحباط لدى سماعه لهذه الوقائع المؤلمة، فعزم على البحث في مجريات هذه الأحداث، ودراسة الظرف التاريخي الذي أنشأ الصراع بين الذين استولوا على دفّة الحكم بعد الرسول وبين آل بيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فتجلّى لديه الحقّ في استحقاق الشيخين غضب ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ورأى بأنّ ما فعلاه في حقّ فاطمة(عليها السلام) لا ينسجم مع ما يعتقده أهل السنّة من فضلهما.

غضب الزهراء(عليها السلام) :

ورد في صحيح البخاري، وفي كتاب الخمس ما نصّه: “فغضبت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى تُوفّيت”(1).

وكذا جاء في كتاب الفرائض: “فهجرته فاطمة، فلم تكلّمه حتّى ماتت”(2).

فلو سلّطنا الضوء على تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الإسلام ـ أي: الزمن الذي تلا وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ نجدها ملأى بالأحداث والمؤامرات التي حيكت من قبل الطامحين إلى الخلافة ضدّ البيت الهاشمي!

وتهدف هذه المؤامرات إلى إقصاء آل البيت(عليهم السلام) عن الخلافة التي خصّهم الله تعالى بها، ومن ثمّ الاستيلاء عليها، ولا سيما أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ـ زعيم البيت الهاشمي ـ هو المنصوص الوحيد من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لاستلام الخلافة الإسلاميّة.

وأغلب الظن أنّ إصرار أبي بكر وعمر على انتزاع فدك من الزهراء(عليها السلام) كان من أجل إضعاف أمير المؤمنين(عليه السلام) مالياً، وبالتالي عدم استطاعته للانتفاع من عائدات فدك من أجل الدفاع عن حقّه في الخلافة.

وإذا تجرّدنا عن المرتكزات، ووضعنا العواطف جانباً، وشرعنا بتقيم موقف أبي بكر اتّجاه الزهراء(عليها السلام)، وتسلّطه على أموالها بغير حقّ فإنّنا سنواجه تساؤلات كثيرة منها: أنّ أبا بكر كان قريب العهد بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل نسي أحاديثه بفضل ابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وعظم شأنها عند الباري عزّ وجلّ، وهل نسي وصاياه(صلى الله عليه وآله وسلم) بعترته وأهل بيته الطاهرين خيراً؟ بل وعيده لظالميهم بالعذاب والنكال!

أم كان أبو بكر يعتقد بأنّ الزهراء(عليها السلام) ليس من أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أو ليست من عترته(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو يظن أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد اشتبه عليه الوحي عندما تكلّم بفضائلها وعلِّو شأنها، وأنّها “سيدة نساء هذه الأمّة”(3) بل “سيدة نساء العالمين”(4).

ألم يعلم أنّ فاطمة الزهراء(عليها السلام) كانت إذا دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قام إليها، فقبّلها، ورحّبَ بها، وأخذ بيدها، فأجلسها مجلسه(5)!

هذا، والزهراء(عليها السلام) قد ذكّرته والقوم في خطبتها المعروفة التي أرادت منها إلقاء الحجّة على الأمة، وإيضاح الحقّ والبيان فيما اغتصبوه، فقالت: “هذا، والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لمّا يندمل والرسول لمّا يقبر”، وقالت في موضع آخر من خطبتها: “معاشر النقيبة وأعضاد الملة وحصون الإسلام! ما هذه الفترة في حقّي والسنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أبي يقول: المرء يحفظ في ولده”(6).

فبعد هذا يمكننا القول بأنّ أبا بكر قد مرَّ بامتحان عسير مع الزهراء(عليها السلام)، وكانت نتيجته أنّها(عليها السلام) توفيّت وهي غاضبة عليه!

نتائج غضب الزهراء(عليها السلام) :

ورد في صحيح البخاري عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مالفظه: “فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني”(7).

يدلّ هذا الحديث الشريف على وجود مقام عظيم تتمتّع به الزهراء(عليها السلام)، وهو مقام “العصمة”، ويمكن أن نثبت ذلك من خلال أمور:

الأمر الأوّل: (عصمتها من جهة الغضب ـ وهو الوارد في الحديث ـ):

إنّ مقتضى إطلاق كلام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، هو أنّ الزهراء(عليها السلام) لا تغضب إلاّ للحق، وأنّ آثار غضبها(عليها السلام) كآثار غضبه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو كان غير ذلك، لوضع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قيداً في كلامه يدلّ على أنّ غضبها كغضبه فيما إذا كان على الحقّ فقط ، ومادام هذا القيد منتفياً، فيكون الحديث دالاً على أنّ غضب الزهراء(عليها السلام) لا يكون إلاّ للحق، هذا من ناحية العصمة في الغضب.

الأمر الثاني: (عصمتها من الذنوب والآثام) وبيانه:

إنّ هذا الحديث يدلّ على أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى للزهراء(عليها السلام) مقام (من يغضب لغضبه)، وهذا ثابت لها ـ بما أنّها فاطمة الزهراء(عليها السلام) لا بما أنّها مؤمنة فقط ـ طيلة حياتها، ولا تخلو لحظة من وجودها(عليها السلام) إلاّ والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يغضب لغضبها، وهنا يأتي السؤال:

إذا افترضنا أنّ الزهراء(عليها السلام) ممن يقترف الذنب، فهل يستمرّ انطباق الحديث عليها، ويبقى مقامها مقام من يغضب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لغضبه، وهي في حال فعل المعصية، أولا؟

فإن قلنا باستمرارية الانطباق، ننتهي إلى نتيجة معلومة البطلان وهي، أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يغضب لغضب إنسان حتّى وهو في حالة يعصي فيها الله تعالى!

وإنّ قلنا بعدم استمرارية الانطباق، فقد ينطبق عليها إذا لم تكن في حال المعصية، وقد لا ينطبق فيما إذا كانت في حال المعصية، فنقول: إنّ هذا خلاف إطلاق الحديث، فإنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقيّد غضبه بحالة معيّنة من حالات الزهراء، وحينئذ لابدّ أن ننتهي إلى أنّ الزهراء(عليها السلام) معصومة من كلّ ذنب، وذلك لإطلاق الحديث، ولاستمرارية الانطباق.

وممّا تقدم يتجلّى لدينا أنّ نتائج غضبها(عليها السلام) وآثاره مهولة، ولا سيّما أنّها توفّيت وهي غضبى على أبي بكر وعمر، وقد شعرا بذلك عندما زاراها وطلبا ارضائها حيث قالت لهما: “فإني أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لأشكونّكما إليه.

فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة”(8).

وقول أبي بكر هذا يدلّ على أنّه كان يعلم مدى خطورة إيذاء فاطمة(عليها السلام)وأنّه ينتهي إلى غضب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وبالتالي غضب الله تعالى، وإذا رجعنا إلى الآية الشريفة نجدها تصرح بـ{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}(9)، وقد قام أبو بكر وعمر بمحاولات يائسة في طلب استرضاء الزهراء(عليها السلام) وعفوها، ولكن باءت جميعها بالفشل، وهذا من عواقب فعلتهم وتبعات أعمالهم.

والجدير بالذكر، أنّ أبا بكر وعمر لو كانا يستحقّان العفو والرضا من الزهراء(عليها السلام)، لمّا توانت لحظة واحدة في إصدار العفو عنهما، كيف وهي صاحبة القلب الكبير، ورمز الحنان والعطف، حتّى أنّ أباها(صلى الله عليه وآله وسلم) قد وصفها بـ”أم أبيها”(10)، وكيف، وهي بنت الدعوة المحمديّة، وقد بُعث أبوها رحمة للعالمين.

ولكنهما لم يكونا جادّين في طلب الرضا والعفو، وإلاّ فهل تقبل توبة غاصب يستولي على كلّ شيء ثمّ يقول سامحوني؟! فهل رجع الحقّ إلى صاحبه الشرعي، وهل عوقب على هتك البيت الطاهر الذي كان يقف على بابه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ يوم ولمدة ستة أشهر، يسلّم على أهله ويقرأ عليهم الآية الشريفة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(11)(12)، ولكنهما أرادا إظهار الأمر وكأنّه مشكلة عادية تنتهي بالاعتذار، وبذلك يكتسبان الشرعيّة لاغتصاب الخلافة وفدك من أهلها، ويتم إعادة الاعتبار لهما، وكأن شيئاً لم يكن.

ثمّ إنّ الزهراء(عليها السلام) أرادت إلاّ تُلقى ظلامتها، واغتصاب حقّها في مهملات التاريخ، ولئلا يمرّوا أصحابه على حادثتها مرور الكرام.

وأرادت بذلك أن تنير درب الأمّة وترشدها إلى طريق الحقّ والصراط المستقيم لكي لا تقع من بعدها في الضلال، وتُعلمها أنّ من استحق غضب الله تعالى وغضب رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) بغضبها، لا يحق له أن يكون خليفة، وقد قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}(13).

انتهاج العقل السليم:

اجتاز “مرغوب أحمد” مصاعب الوسوسة الفكرية في انتقاله من مذهب كان ينتمي إليه نتيجة التقليد الأعمى إلى مذهب مسلّح بنصوص تدعم صحّته وأحقّيّته، حيث يقول: تأمّلت في أصول المذاهب المختلفة وفروعها على ضوء العقل، فاتّضح لي أنّ المذهب الذي يطابق العقل السليم هو مذهب الإمامية الاثني عشرية، فاخترته، وكانت عقيدتي فيه تزداد رسوخاً وثباتاً مع الأيام منذ سبع وثلاثين سنة، وأسأل الله تعالى أن يختم لي بهذا الاعتقاد.

____________

1-صحيح البخاري ـ كتاب الخمس 4: 42.

2-صحيح البخاري 8: 3.

3-اُنظر: صحيح البخاري 7: 142 طبعة دار الفكر ـ بيروت، صحيح مسلم 7: 143، وغيرها.

4-المستدرك، الحاكم 3: 1422 ح4800، وقال عنه: هذا إسناد صحيح، وقال الذهبي: صحيح.

5-المستدرك على الصحيحين، الحاكم 3: 1426 ح4814 وقال: هذا حديث صحيح.

6-اُنظر تفاصيل الخطبة في: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 251، بلاغات النساء لابن طيفور: 14، الاحتجاج 1: 137، وغيرهامن المصادر.

7-صحيح البخاري 4: 210، وفي صحيح مسلم 7: 141، ورد “إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها”.

8-الإمامة والسياسة، لابن قتيبة: 31.

9-الأحزاب (33) : 57 .

10-المعجم الكبير للطبراني 22: 397، الاستيعاب لابن عبد البر 4: 1899.

11-الأحزاب (33) : 33.

12-اُنظر مسند أحمد 3: 259، المستدرك 3: 158.

13-الممتحنة (60) : 13.