محمد علي كهوكهر

محمد علي كهوكهر (وهابي / باكستان)

ولد عام 1331هـ (1913م) في قرية “كهائي” التابعة للواء “لاهور”، ونشأ في أوساط مخالفة لمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ عمل موظّفاً في محكمة الدفاع في باكستان.

أجرى “محمّد عليّ” دراسة شاملة حول المعتقدات الإمامية، والبحث عمّا يدعمها من أدلّة وبراهين، وخصوصاً مسألة الإمامة الإلهيّة وما يرتبط بها من عصمة وقيادة دينيّة ودنيويّة، وتعرّف من خلال بحثه على نمط جديد من التفكير الإسلامي الذي لم يعهده من قبل، فرآه قائماً على أسس متينة وقواعد رصينة، لا تهزّها معارضة من عارض، ولا حُكم مَن حكم من أهل الأهواء على بطلان هذا المذهب، الذي ينتمي لأهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ورأى أنّ أحكامهم عليه تصطدم مع واقع الأدلّة التي تثبت أحقّية الشيعة والتشيّع.

تجاوَز “محمّد عليّ” مرحلة البحث وغربلة الموروثات إلى مرحلة الانتماء والاعتقاد بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وما ينطوي عليه من عقائد جليّة وجليلة مؤيّدة بالكتاب والسنّة الصحيحة والعقل.

وكان من جملتها، الاعتقاد بإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وعصمته وخلافته المباشرة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وبلا فصل.

أهمّية ثبوت العصمة للأئمة(عليهم السلام):

وكان لمسألة “العصمة” وصحّة ثبوتها للإمام عليّ والأئمّة من ولده(عليهم السلام)، الأثر المهم في ارتفاع رصيد المذهب الإمامي لدى تفكير “محمّد عليّ”، وذلك لأنّ الاعتقاد بعصمة الأئمّة(عليهم السلام) يجعل المسلم على سكينة وطمأنينة في حياته الدينيّة والدنيويّة، وعلى كافة الأصعدة، عقائديّاً وفقهيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً وغيرها.

وما ذلك إلاّ لأنّ الذي يرشده في هذه الحياة، أئمّة معصومون ومنزّهون من قِبل الباري عزّ وجلّ عن الرجس والرذيلة، بحيث يغدو المسلم قاطعاً بأنّ ما يصل إليه من عترة الرسول صلوات الله عليهم هو نفسه الذي جاء به الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بلا زيادة ولا نقصان.

وما يتمنّى المسلم أفضل من هذه الحياة التي يستطيع أن يصف فيها نفسه، بأنّه مسلم متّبع للرسول حقّاً، بلا شكّ ولا ارتياب.

نظريّة عدالة الصحابة:

إذا رجع المسلم السنّي إلى نفسه، وأعمل عقله، وجد أنّ ما يتلقّاه من أصول الدين وفروعه راجع في الحقيقة إلى ما يتوصّل إليه فهم علماء المذهب، ومصادر هؤلاء إمّا القياس والاستحسان، أو ما يرويه صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يعتقد فيهم علماء السنّة بأنّهم قد يخطؤون في نقل السنّة النبويّة من جهة ولكنُهم يحكمون بعدالة جميعهم من جهة أخرى.

مِن هنا يمكن لنا أن نسأل من يقول بعدالة جميع الصحابة: بأنّه على فرض أنّ كل الصحابة عدول، ويمكن لنا أن نأخذ السنّة النبويّة منهم، ولكن إذا كان الخطأ يتطرّق إليهم في كلّ حين، فما الدليل على أنّ ما يروونه هو فعلاً من السنّة النبويّة؟

فإنّه من المحتمل أن يكون هذا الصحابي قد أخطأ في فهم الحديث الذي تلقاه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيكون ما نقله ناقصاً، وعلى غيرما قصده(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يوجد دليل ينفي هذا الاحتمال.

هذا وقد نقل لنا التراث الإسلامي العديد من الاختلافات العقائديّة والفقهيّة لدى الصحابة، فكلٌّ يدّعي أنّ سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عنده!

ومن المحتمل أيضاً أن يكون هذا الصحابي ـ باعتباره معرّض للخطأ والاشتباه والنسيان ـ قد فاته حديث عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ونسي أن يذكره بل قد ينفيه لنفس الاسباب المذكورة، ولا يوجد مرجِّح ـ حسب الفرض ـ لصحابي على آخر يدعونا للالتزام بقوله، فهذا يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وذاك يقول: لم يقل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك، فأين الملجأ؟!

هذا كلّه على فرض القول بعدالة جميع الصحابة، أمّا إذا كان بطلان هذه النظريّة قد حكم عليها واقع التاريخ الإسلامي الذي لا يستطيع أن ينكره عاقل، فتلك مصيبة عظمى، وإرباك لأُسس الفكر السنّي، وأزمة يواجهها القائلون بعدالة جميع الصحابة ولا يستطيعون الخروج منها.

نماذج من عدالة الصحابة:

إنّ نظرة واحدة يلقيها الباحث المنصف على التاريخ الإسلامي تكفيه لأن يجده مملوءاً بالخلافات بين الصحابة، حيث فسقّ بعضهم بعضاً، وكفّر بعضهم بعضاً، بل قتل بعضهم بعضاً، فهل يحصل هذا وكلّهم محقّون وعادلون: مالكم كيف تحكمون؟

فهذا عمرو بن العاص البارع في صناعة الانحراف الديني، والذي هرب من الحكومة العادلة للإمام عليّ(عليه السلام) إلى أحضان معاوية بن أبي سفيان، وخرج على الخليفة الراشد وباع آخرته بدنياه، ثمّ قاتل إمامه إلى جانب معاوية في معركة صفّين، ومع ذلك يحكم عليه علماء السنّة بأنّه من الصحابة الأجلاّء!

وها هو “عمرو بن العاص” يقول في مرضه الذي مات فيه:

“أصلحت من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفُزتُ، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنحنق بين السماء والأض، لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين، فعظني بعضة أنتفع بها يا ابن أخي.

فقال له ابن عبّاس: هيهات يا أبا عبد الله، صار ابن أخيك أخاك، ولا تشاء أن أبكي إلاّ بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم؟

فقال عمرو: على حينها من ابن بضع وثمانين سنة ـ تقنطني من رحمة ربِّي اللّهم إنّ ابن عبّاس يقنطني من رحمتك، فخذ منّي حتّى ترضى.

قال ابن عبّاس: هيهات يا أبا عبد الله، أخذت جديداً، وتعطى خلقاً.

فقال عمرو: مالي ولك يا ابن عبّاس، ما أرسل كلمة إلاّ أرسلت نقيضها”(1).

إنّ الذي ينظر إلى موقف ابن عبّاس من عمرو بن العاص يجده موقفاً غير مطمئن له، ومعنى ذلك أنّ أفعال عمرو بن العاص كانت على درجة من القبح، بحيث يستبعد ابن عبّاس معها أن يرضى عنه الباري عزّ وجلّ.

وهناك نموذج آخر وهو الصحابي “أبو الغاديّة الجهني”(2)، الذي قتل الصحابي الجليل “عمّار بن ياسر”، وكان أبو الغاديّة في صفوف جيش معاوية، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كما في صحيح البخاري:

“ويح عمّار، تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار”(3).

وقال أيضاً: “قاتل عمّار وسالبُه في النار”(4).

فمن هم الذين يدعون عمّاراً إلى النار؟، أليس معاوية وعمرو بن العاص وأبو الغاديّة الجهني وغيرهم؟ وهؤلاء من الصحابة، فكيف يتّصف من يدعو إلى النار ومَن في النار بالعدالة؟!

دعوى الاجتهاد الخاطىء:

وأمّا دعوى علماء السنّة بأنّ بعض الصحابة “اجتهدوا فأخطأوا” فما هي إلاّ تضليل للمسلمين، وتزييف للحقيقة، وخروج عن الصراط المستقيم، ولا دليل عند مدّعيها بأنّهم اجتهدوا فتلك المؤامرات التي يحكيها لنا التاريخ، والتي خطّط لها وأحكمها بعض صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ضدّ البعض الآخر، والتي أدّت إلى سفك دماء عشرات الآلاف من المسلمين، هل كانت نابعة من اجتهاد خاطىء؟! أم حبُّ الدنيا واتّباع الهوى على حساب الإسلام والمسلمين.

ولو تنزّلنا وقلنا بأنّهم اجتهدوا فهل كان من حقّهم الاجتهاد في أمر لا يجوز فيه الاجتهاد؟! فبعد أن بايع المسلمون عليّاً(عليه السلام)، وأصبح خليفة عليهم، كيف يحقّ لعائشة وطلحة والزبير بالاجتهاد والخروج لقتال عليّ(عليه السلام) في معركة الجمل؟

فهل الصحابة العدول الذين يحملون على عاتقهم مسؤوليّة حفظ الإسلام والمسلمين، والذين جعل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الدين الإسلامي أمانة في أعناقهم، يكون اجتهادهم سبباً لقتل آلاف المسلمين، أليس هذا تحطيم للإسلام، وتفريق لكلمة المسلمين؟ فأيّ صحابي عادل يجتهد هكذا اجتهاد؟!

ثمّ إنّ هذه الهالة القدسيّة التي يحيطها أهل السنّة والجماعة بجميع الصحابة،هل لها أساس في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الصحيحة؟ أم أنّها وُضعت لتبرئة الظلمة الذين اهتضموا حقّ آل محمّد صلوات الله عليهم، وإيجاد الطريق للدفاع عنهم والاعتذار لهم، وكذا إغلاق الباب بوجه كلّ من يريد أن يستخرج دفائن التاريخ ; ليعرف حقيقة ما جرى بلا تضليل ولا تشويه.

هذا وقد روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: “أنا فرطكم على الحوض، انتظركم ليرفع لي رجال منكم، حتّى إذا عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: ربِّ أصحابي، ربِّ اصحابي! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك”(5).

وبعد هذا كلّه نستنتج بأنّ الصحابة الذين لا يُستأمنون على دماء عشرات الآلاف من المسلمين من أجل دنياهم وزخرفها، كيف يُستأمنون على سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟، وكيف يسلم هو وأحاديثه(صلى الله عليه وآله وسلم) من الوضع والتزوير حفظاً للمآرب والمصالح الشخصيّة والسياسيّة؟!

الحكمة من تأكيد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل البيت(عليهم السلام)

أكّد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمتّه ليتمسّكوا بعترته وأهل بيته الطيّبين الطاهرين فقال(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين:

“إنّي تارك فيكم ما إنّ تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما”(6).

وفي هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على عصمة أهل البيت(عليهم السلام) ; لأنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قرنهم بالكتاب العزيز، وحكم بأنّهما لن يتفرّقا، ومعنى ذلك أنّ أهل البيت(عليهم السلام) لا يفارقون القرآن ولا يخالفونه مثقال ذرّة وهذا معنى “العصمة” وكذا فإنّ حكم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم ضلالة من يتبعهم دليل على العصمة أيضاً ; لأنّهم لو كانوا يخطؤون ويذنبون بأقوالهم وأفعالهم لضلَّ من تبعهم، ومادام الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: “لن تضلّوا” فإنّه يعني أنّهم معصومون.

إذن فالمسلم الذي يريد أن تكون عقيدته مطابقة لمّا أنزله الله تعالى على رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتكون أقواله وأفعاله وعباداته ومعاملاته مطابقة لأحكام الشريعة الإسلاميّة، فلا مناص له من اتّباع عترة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يحملون السنّة الحقيقيّة والصحيحة للنبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وبذلك يكون قد أبرء ذمّته أمام الله تعالى يوم القيامة، وحظى بالسعادة في الدنيا والآخرة.

العثور على الطريق الصحيح:

تعرّف “محمّد عليّ” من خلال الآيات الكريمة والأخبار الصحيحة المروية في كتب الفريقين، أنّ لأئّمة أهل البيت(عليهم السلام) مكانة سامية ومقام عظيم عند الباري عزّ وجلّ، يتمثّل بمنصب “الإمام المعصوم”، ويجب على ا لأمّة أن تتّبعهم وتتمسّك بهديهم امتثالاً لأمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين، الذي قرنهم بالقرآن الكريم وبيّن بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض.

يقول “محمّد عليّ” ثبت لي بالطريق الصحيح أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) هو الإمام الحقّ، وخليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن بعده أولاده الأحد عشر خلفاؤه وأوصياؤه.

ولذا اعتنقت مذهب الشيعة عام1377هـ (1958م)، وأنّي لعلى يقين تام بأنّ هذا المذهب هو الطريق الأوحد للنجاة يوم القيامة.

____________

1-الاستيعاب في معرفة الأصحاب، للقرطبي 3: 269، ط ـ دار الكتب العلمية.

2-تعجيل المنفعة، ابن حجر العسقلاني: 509، دار الكتاب العربي.

3-صحيح البخاري 2: 226، ح2812 .

4-صحيح الجامع الصغير، الألباني: 2، ح4294.

5-صحيح الجامع الصغير، الألباني: 1، ح1471.

6-صحيح الجامع الصغير، الألباني: 1، ح2458 .