مشتاق أحمد قريشي

مشتاق أحمد قريشي (حنفي / باكستان)

ولد عام 1340هـ (1922م) في أسرة تنتمي إلى المذهب الحنفي، وترعرع فيها متعلّماً من أصول مذهبها وفروعه، ثمّ التحق بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1371هـ (1952م).

أسباب استبصاره:

من الدوافع المهمّة التي جعلت “مشتاق أحمد” ينتقل إلى المذهب الحقّ هي الفضائل الكثيرة للإمام عليّ(عليه السلام)، التي امتلأت بها كتب المسلمين من السنّة والشيعة، ويشهد بذلك ما نقله ابن حجر في فتح الباري حيث قال: “قال أحمد(1)وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو عليّ النيسابوري: “لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في عليّ”(2).

يقول “مشتاق أحمد قريشي”: قارنت بين فضائل الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وفضائل الصحابة على ضوء الأحاديث الواردة في كتب السنّة، واطّلعت على التفاسير الراجعة إلى آيات الكتاب العزيز، والأحاديث النبويّة الشريفة، فوجدت بينهما بعداً شاسعاً كبعد المشرقين.

ويضيف أيضاً: رايت عليّاً(عليه السلام) أشرفهم حسباً ونسباً، فإنّه ولد من أب وأم هاشميين، ولد في بيت الله الحرام، قبلة الأنام ومحل عبادة المسلمين، وقد مصَّ لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فياله من بيت طاهر، وأب طاهر، وبطن طاهرة، ووليد طاهر، ومغذٍّ طاهر.

آية المباهلة:

إنّ من الآيات القرآنية التي لفتت انتباه “مشتاق أحمد” قوله تعالى {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(3)، فأدرك أنّ دلالة هذه الآية المباركة على المقام الشامخ والفضل العظيم لأهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا سيّما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من أوضح الأمور وأبينها، وذلك من حيث نفس الحدث الهام الذي تثبت به عظمة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وصحّة نبوّته، وتقوم به دعائم رسالة الإسلام وإثبات أحقّيتها على كافة الأديان والمذاهب، فإنّه(صلى الله عليه وآله وسلم)اختار لهذا الأمر العظيم والحسّاس (المباهلة) صفوة خلق الله تعالى وأفضلهم على عباده، وهذا ممّا يدلّ على المكانة السامية لأهل البيت(عليهم السلام) عنده عزّ وجلّ، ولأجل ذلك أمر رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو فاطمة وعليّ والحسن والحسين(عليهم السلام).

وكذا من حيث الفضيلة التي امتاز بها أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) على سائر الخلق وهي كونه “نفس” رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: “روي أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا أورد الدلائل على نصارى نجران، ثمّ إنّهم أصرّوا على جهلهم، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): “إنّ الله أمرني إنّ لم تقبلوا الحجّة أن أباهلكم” فقالوا: يا أبا القاسم، بل نرجع فننظر في أمرنا، ثمّ نأتيك ،فلمّا رجعوا قالوا للعاقب: وكان ذا رأيهم، يا عبد المسيح، ماترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشرالنصارى، أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحقّ في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال، فإن أبيتم إلاّ الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعليّ رضي الله عنه خلفها، وهو يقول: إذا دعوت فأمّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، ثمّ قالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك، فقال صلوات الله عليه: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال: فإنّي إناجزكم القتال، فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلة: ألفاً في صفر، وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده، إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولا ستأصل الله نجران وأهله، حتّى الطير على رؤوس الشجر، ولمّا حال الحول على النصارى كلهم حتّى يهلكوا، وروي أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا خرج في المرط الأسود، فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله، ثمّ جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ثمّ فاطمة، ثمّ عليّ رضي الله عنهما، ثمّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(4)، واعلم أنّ هذه الرواية كالمتّفق على صحّتها بين أهل التفسير والحديث”(5).

وقال الجصّاص في “أحكام القرآن”: “فنقل رواة السير ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيد الحسن والحسين وعليّ وفاطمة رضي الله عنهم، ثمّ دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة، فاحجموا عنها، وقال بعضهم لبعض: إنّ باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً، ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة”(6).

وعلى هذا فإنّ أصحاب المباهلة هم: “رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)”، وذلك باتفاق المسلمين كافّة.

((وأنفسنا وأنفسكم)) :

إنّ الأمر المهم والملفت للنظر في هذه الآية الكريمة هو أنّ الإمام عليّ(عليه السلام)”نفس” رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أخبرنا الله تعالى بذلك من خلالها، فينبغي للمسلم أن يتأمّل في ما يترتّب على ذلك من معاني جليلة، وفضائل عظيمة، ومقام سامي لأمير المؤمنين(عليه السلام).

فإنّ وصف الإمام عليّ بـ”نفس” رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ـ وليس المقصود بذلك كما هو واضح أنّه نفسه حقيقة، وإنّما أقرب المجاز إلى الحقيقة ـ، ينتهي بنا إلى أنّ عليّاً(عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم(7) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا هو معنى “الإمامة”، وأنّه(عليه السلام) معصوم من كلّ ذنب ورذيلة كالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه(عليه السلام) أفضل من سائر الصحابة، بل الخلق جميعاً، كما أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل خلق الله تعالى، وإلى غير ذلك ممّا يتّصف به الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) من صفات.

بيد أنّ ما يختصّ برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من صفات ككونه “خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنّه لا نبي بعده”، وكونه أفضل ما خلق الله تعالى بمن فيهم عليّ(عليه السلام)، وما إلى ذلك من مختصّاته(صلى الله عليه وآله وسلم)، لا كلام فيه بين المسلمين سواء من السنّة أو الشيعة.

فيثبت إذن للإمام عليّ(عليه السلام) ما هو المطلوب في مقامنا من كونه(عليه السلام) ذا فضائل كثيرة وعظيمة، التي منها “الإمامة” و”العصمة” وأفضليّته على البشر عدا الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وغير ذلك.

____________

1-إمام المذهب الحنبلي.

2-فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني 7: 89 ، منشورات دارالكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.

3-آل عمران (3) : 61.

4-الأحزاب (33) : 33.

5-التفسير الكبير، الفخر الرازي 3: 247، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.

6-أحكام القرآن، الجصّاص 2: 14، نشر دار الكتاب العربي.

7-وهذا ما نصّ عليه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) في واقعة الغدير.