مروي هانل كهنن

مروي هانل كهنن (مريم) (مسيحيّة / فنلندا)

ولدت في «فنلندا» ، واصلت دراستها الأكاديمية حتى نالت شهادة الماجستير في مادّة الطب ، كانت منتمية إلى الدين المسيحي ، لكنّها اندفاعاً من حب الاستطلاع توجّهت نحو دراسة الإسلام .

وممّا يثير انتباه الباحث في هذا المجال تأكيد الشريعة الإسلامية على أنَّ الحقّ لابدّ أن يكون واحداً ، وأنّه لا يتعدّد نتيجة اختلاف من يدّعي كونه مُحقّاً .

كما أنَّ المذاهب والرؤى المندرجة تحت دين واحد لا يمكن أن تكون كلّها على الحق .

الحق واحد لا يتعدّد :

دلّت الآيات القرآنية أنّ الحقّ من عند الله ، كما في قوله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ(1) .

وقوله تعالى : ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (2) ، وغيرها من الآيات الدالّة على ذلك .

ونبّه القرآن أنّ الحقّ لا يتعدّد ، وأنّ ما عند الله لا يكون فيه اختلافاً ; قال تعالى : ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا(3) .

فلابدّ أن يكون الدين الحقّ واحداً ; لأنّه لو تعدّد لم يكن من عند الله ، أو قل : لو كان اختلافه فاحشاً لم يصدق أنّه من عند الله ، وهذه قاعدة لتمييز ما أمر الله به ، فمجرّد أن يزيد الخلاف تعلم أنّ تحت الأكمة ما تحتها !

صدق الديانات الإلهية :

لا نختلف أنّ الديانات الإلهية كلّها صادقة في أصلها ، إنّما الكلام في أنّها هل ما زالت تحمل عنوان الصدق إلى هذا الزمان ؟ ولا يمكننا تمييز ذلك وتصديقه إلاّ بقانون إلهي يبيّن لنا الحقّ من الباطل . .

فالمسلم يدّعي بطلان المسيحية واليهودية ، والعكس بالعكس ، لذلك يمكننا أن نمحّص الأديان بقانون الاختلاف ; فيقال : إنّها كلّها مشتركة في عنوان التوحيد ، مختلفة في كيفيته ; فاليهود تعتقد بربٍّ على صورة رجل عجوز ، والمسيحية تعتقد بالثالوث : «الأب ، الابن ، الروح القدس» ، ومحقّقة علماء المسلمين قد أثبتوا بالأدلّة العقلية أنّ هذه الأوصاف لا تجتمع مع عنوان التوحيد ، فكان هذا نوع من الاختلاف ، الذي يُعلم به بطلان دين مَن يعتقد به ، وما حلّ من تحريف في دينه ، ولا ريب أنّ الذي أتى بتوحيد كامل متكامل ينسجم مع معنى التوحيد هو الدين الذي لم يمسّه تغيّر أو تبديل ، فكان الدين الإسلامي هو الأولى بالاتّباع .

المذاهب الإسلامية تحت المجهر :

يأتي قائل ليقول : «إنّ أكثر المذاهب الإسلامية وقع بينها اختلاف ، إمّا في نفس التوحيد والصفات أو غير ذلك ، حتّى في الخليفة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) والقائم مقامه ، فهل يمكن تمييز الحقّ من الباطل بهذه القاعدة ؟» .

والجواب : نعم ; لأنّنا نجد أنّ هناك ثوابت ورواسخ تبيّن الحقّ من الباطل ، كما مرّ ، فإنّ أيّ مذهب إ سلامي يعتقد بالتجسيم ، أو التثليث ، سيكون ضمن دائرة المخالفين للعقل وما دعا إليه التوحيد ، إلاّ أنّ المشكلة أنّك قد تجد الحقّ ممزوجّا مع الباطل في بعض المذاهب ، كأن يعتقدوا بأنّ الله لا جسم له ثم يقولوا : أنّ الخليفة فلان دون فلان ، أو أنّ صفاته كذا دون كذا ، فلا تعلم المحقّ !

ولكن يمكننا أن نميّز الحقّ في هذه الحالة بأن نقول : أنّ المتّفق عليه هو الحق ، وأنّ الخلاف هو الباطل . . نعم ، في الأمور العقلية يبقى العقل هو الحاكم ، لكن في مسألة مثل مسألة الإمامة يمكن القول بأنّ جميع المذاهب الإسلامية أقرّت بحب آل البيت (عليهم السلام) ، فكلّ من خالفهم فهو خارج عن عنوان الإسلام ، كما أنّ جميع المذاهب أقرّت بأنّ من آذى أهل البيت (عليهم السلام) ، وخصوصاً : الخمسة أصحاب الكساء ، كان مؤذياً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والمؤذي له كافر ، فكلّ من آذاهم ثم ادّعى محبّتهم فقد خالف الأُسس والأساس في معتقده ; فلابدّ أنّ لا يكون الحقّ إلاّ ضدّه .

وكلّهم قالوا : أنّ أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقالت المذاهب السنّية بأنّه رابعهم ، والمذاهب الشيعية أنّ غيره ليس بخليفة ، فعلى من يدّعي الزيادة الإثبات .

وكلّهم قالوا : أنّ الأئمّة الاثنا عشر عند الشيعة ، هم أفضل أهل الأرض في زمانهم ، ثم أخذوا العلم من غيرهم ، فناقضوا أنفسهم بأن تركوا الأعلم واتّبعوا من هو دونه ، فكان لابدّ أن نعلم أنّ ما اتّفقت عليه الأمّة هو الأساس في الحق ، أقصد : الرواسخ الثابتة في أذهان الأمّة ، كالصلاة ; فإنّ منكرها كافر .

ويتبادر للذهن تساؤل من خلال هذا السرد ، وهو : أنّ كلّ المذاهب اتّفقت أنّ المهدي (عليه السلام) مُخلِّص آخر الزمان ، وقالوا : إنّه سيولد ، إلاّ الجعفرية ، قالت : إنّه ولد ، فهل الجعفرية ممّن يمزجون الحق بالباطل ؟

فنقول : إنّ المفاهيم الأساسية عادة ما تكون كلّية وليست جزئية ; فإنّ الأصل : ثبوت المهدي ، وجزئية ولادته من عدمها قد تكون محل خلاف ; لأنّها تتبع دليل المدّعي ، فإنّك تجد أنّ كلّ المذاهب اتّفقوا على وجود خليفة إلاّ أنّهم اختلفوا في الجزئية ، وهل هو علي (عليه السلام) أم لا ؟ وهل خلافته بالنص الجلي أو الخفي ؟

وهذا الخلاف لم يأتِ لأنّ الأساس خطأ ، بل لأنّ فهم الجزئية لم يكن مأخوذاً من المنبع السليم ، فلو سَلّمَ شخص أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الخليفة وأنّ عشرة من ذرّيته هم خلفاء بعده ، ثم قال هؤلاء الأحد عشر : إنّ هذا بعينه هو الخليفة ، وهو المهدي ، وهو الإمام الثاني عشر ، أصبح الكلام في أنّ المخبرين مقبول كلامهم في ما شخّصوه أو لا ، وليس منشأ الخلاف من مجرد التسليم بالإمام المهدي ; فإنّ من سَلّم بغير أبائه لابدّ وأن يقول : إنّه سيولد ، ولن يقول : إنّه ولد ; لأنّ القائل بولادته هم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ، فلم يبقَ مجال لأن يشكل بما هو دون الثوابت الإسلامية المتّفق عليها ، فإنّ الباحث عن الحق ينظر لكلّ المذاهب نظرة سوية ، وأنّهم كلّهم في محلّ البحث ، فلابدّ له أن ينظر في ما اشتركوا وفي ما اختلفوا ، ويرى منشأ الاختلاف ليعلم المحقّ من المبطل .

اطّلعت على الحقائق فاستبصرت :

بعد أن اطّلعت «مروي» على الحقائق التي تنسجم مع الفطرة الإنسانية والقواعد العقليّة ، خلافاً للخرافات التي تسيطر على النظريات الأخرى أذعنت للحق ، وغالبت العصبية ، وأعلنت اعتناقها للإسلام ومذهب أهل البيت (عليهم السلام)(4) .

____________

1- البقرة -٢- : ٢٦ .

2- البقرة -٢- : ١٤٧ .

3- النساء -٤- : ٨٢ .

4- راجع كتاب : معرفة تحليليّة عن الإسلام وبعض الأديان والمذاهب : ٧٠٣ .