كونستانسيو ماهيناي (علي ياسر)

كونستانسيو ماهيناي (علي ياسر) (مسيحي / الفلبّين)

ولد عام ١٣٩١هـ (١٩٧٢م) في مدينة «هولوسلو» التابعة لدولة الفلبّين، ونشأ في عائلة تنتمي إلى الديانة المسيحية، تدرّج في الدراسة حتى حصل على شهادة البكلوريوس، واعتنق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) سنة ١٤١٣هـ (١٩٩٣م)(1).

يقول «كونستانسيو» عن كيفية استبصاره: بعد أن تخرّجت من الجامعة اتّخذت قراراً مهمّاً، وكان ذلك تسجيل اسمي في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، والتي تبيّن الفكر الإسلامي الأصيل من خلال تعاليمها، وما إن مرّ على ذلك شهر واحد حتى منّ الله علَيّ بالهداية، وكان لقراءة الكتب الدينية الموجودة في المكتبة الأثر الكبير في استبصاري.

وممّا يلفت النظر في الكتب الدينية التي تبيّن المنهج الشيعي كثرة البحث في مسألة الإمامة، وليس ذلك إلاّ لأنّها تعدّ من الأركان الأساسية التي ابتنى عليها مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ولهذا نرى التأكيد عليها من قبل العلماء الأعلام إذ عدّوها أصلاً من أُصول الدين وأُصول مذهب الإمامية الاثني عشرية.

وقد تثار بين فترة وأُخرى أسئلة تتعرّض للمسلّمات العقائدية الموجودة لدى المسلمين، وبالذات لدى الطائفة المحقّة، أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، وتختلف دوافع تلك الأسئلة; فبعضها بدافع التعرّف والبحث عن الدليل تتناول تلك المواضيع، وتحتاج إلى إجابة شافية وافية، وربّما كان هدف بعضهم من طرح هذه الأسئلة هو التشكيك في تلك المسلّمات، وإلقاء الشبهة في قلوب العوام من أتباع هذا المذهب.

ومن سمات هؤلاء: أنّهم لا يطرحون إشكالاتهم ومناقشاتهم على العلماء المتخصّصين في العقائد، والقادرين على إثباتها بالدليل القاطع، وإنما يقومون بنشر تلك الشبهات والتشكيكات بين عامة الناس من الذين لم يطّلعوا بشكل دقيق على حدود تلك المسائل وعلى تفاصيل أدلّتها، ولذا يجدون فيهم سوقاً رائجة وعملة نافقة.

ومن هذه الأسئلة المطروحة: مسألة النص على أسماء الأئمّة(عليهم السلام); إذ لا يخفى على الباحثين في مجال المسائل العقائدية أهمّية هذه المسألة، وضرورة وجود النص على أسمائهم(عليهم السلام) لتعيين مصاديق الاثنى عشر خليفة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).

الروايات الصحيحة والصريحة التي تعيّن أسماء الأئمّة(عليهم السلام) في كتب الشيعة:

سنتعّرض هنا إلى ذكر بعض الروايات الصحيحة والصريحة التي تعيّن أسماء الأئمّة(عليهم السلام)، ممّا يقطع الطريق على من يدّعي عدم وجود النص عليهم أو على بعضهم، وسيثبت هذا أنّ المدّعي لعدم وجود النص ـ لو سلمت نيته ـ فإنّه ضعيف الاطّلاع جداً على أخبار أهل البيت، وغير بصير بأحاديثهم(عليهم السلام). وسنلتزم أن يكون النص الذي نورده صحيحاً من غير شبهة أو مناقشة، وإلا فالنصوص الأخرى كثيرة جداً.

وهذه النصوص تنقسم إلى ما هو نص على قسم من الأئمة(عليهم السلام)، مثل: النصوص الواردة الناصّة عليهم إلى الإمام الباقر(عليه السلام)، وأهميّة هذه النصوص أنّ المشككين يدّعون أنّه لا نصّ بعد الإمام الحسين(عليه السلام)، وما هو نص عليهم جملة واحدة.

ثم سنتعرّض إلى ذكر النصوص الواردة بشأن إمامة كلّ إمام بخصوصه، ونحن وإن كنّا لا نحتاج إلى ذكرها، بل كان يكفينا ويكفي من يريد الدليلَ رواية صحيحة واحدة تذكرهم جملة من غير حاجة إلى ذكر سائر الروايات، سواء كانت بالعنوان أو لكلّ شخص، إلا أنّنا نوردها للتأكيد، وأنّ النصّ عليهم كان حاصلاً بطرق مختلفة، وهو كاف; إذ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(2).

النصوص التي تعيّن أسماء الأئمّة المعصومين(عليهم السلام):

يوجد في مصادر الشيعة الحديثية العديد من الروايات التي تنصّ على تحديد أسماء الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، ولكن ـ ولاختصار المقالة ـ سنكتفي بذكر رواية صحيحة صريحة في كل باب (أو روايتين)، وفيها لمن أراد الدليل كفاية وغنى.

وهذه الروايات تنقسم بحسب المدلول إلى أقسام:

القسم الأوّل: روايات تنص على أسماء قسم من الأئمّة(عليهم السلام):

وهي الروايات التي تنصّ على أسماء الأئمّة(عليهم السلام) بدءاً من الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) حتى الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) وهي متعدّدة، نكتفي منها بروايتين:

الأُولى: صحيحة الكليني: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعلي بن محمد بن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وأطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الأمر منِكُم(3). فقال: «نزلت في عليّ ابن أبي طالب والحسن والحسين »(عليهم السلام).

فقلت: إنّ الناس يقولون: فما باله لم يسمِّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ؟

فقال: قولوا لهم: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسّر ذلك، ونزلت الزكاة ولم يسمّ لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسّرلهم ذلك، ونزل الحجّ فلم يقل لهم طوفوا أسبوعاً حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي فسّر لهم ذلك، ونزلت: ﴿وأطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الأمر منِكُم – ونزلت في عليّ والحسن والحسين – فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، وقال (صلى الله عليه وآله): أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، فإنّي سألت الله أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما علَيّ الحوض، فأعطاني ذلك، وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم، وقال: إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة.

فلو سكت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان، لكن الله أنزل في كتابه تصديقاً لنبيّه ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(4). فكان عليّ والحسن والحسين وفاطمة، فأدخلهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة، ثم قال: اللهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهلي وثقلي.

فقالت أُمّ سلمة: ألست من أهلك؟

قال: إنّك إلى خير، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي.

فلمّا قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان عليّ أوْلى الناس بالناس; لكثرة ما بلّغ فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإقامته للناس، وأخذه بيده، فلمّا مضى عليّ لم يكن يستطيع عليّ ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يدخل محمد بن علي ولا العبّاس بن علي ولا واحداً من ولده.. إذاً لقال الحسن والحسين: إنّ الله تبارك وتعالى أنزل فينا كما أنزل فيك، فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك، وبلّغ فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كما بلّغ فيك، وأذهب عنّا الرجس كما أذهبه عنك.

فلمّا مضى علي، كان الحسن أوْلى بها; لكبره، فلمّا توفّي لم يستطع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك، والله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَأُولُوا الأرحَام بَعضُهُم أولَى ببَعض فِي كِتَاب الله(5)، فيجعلها في ولده.. إذاً لقال الحسين: أمر الله بطاعتي كما أمر بطاعتك وطاعة أبيك، وبلّغ في رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كما بلّغ فيك وفي أبيك، وأذهب الله عنّي الرجس كما أذهب عنك وعن أبيك.

فلمّا صارت إلى الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعي على أخيه وعلى أبيه، لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه، ولم يكونا ليفعلاه، ثم صارت حين أفضت إلى الحسين فجرى تأويل هذه الآية: ﴿وَأُولُوا الأرحَام بَعضُهُم أولَى ببَعض فِي كِتَاب الله، ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين، ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلى محمد بن علي، ثم قال: الرجس هو الشك، والله لا نشكّ في ربّنا أبداً»(6).

وينبغي التوجّه إلى نقطتين مهمّتين توضّحهما هذه الرواية:

أُولاهما:

أنّها تجيب على سؤال ربّما طرحه بعضهم، وهو أنّه لو كانت الإمامة بتلك الأهمّية فلماذا لم ينص القرآن عليها، ولِمَ لم يذكر القرآن اسم أمير المؤمنين والأئمّة(عليهم السلام) حتى يرتفع الشك والتردّد بصورة قاطعة؟ ولا يضلّ الناس؟

والرواية تجيب بأنّه كما نزل أصل وجوب الصلاة والزكاة والحج في القرآن، ولم تُبيَّن فيه تفاصيل الأحكام، فكذلك الحال في الإمامة; إذ نزل وجوب الطاعة للأئمّة وأولي الأمر، وأُوكل تعيين أسماءهم إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وقد قام بذلك خير قيام.

وثانيتهما:

أنّ قضية الإمامة ونصب الإمام هي أمر إلهي لا يرتبط بقضية الوراثة، أو إرادة الإمام السابق في تعيين اللاحق; فإنّه لا يستطيع ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يغيّر مجراها عمّا هو عليه من النصب الإلهي. وفي هذه القضية كما أنّ أمير المؤمنين قد نُصّب نصباً إلهياً، فكذلك زين العابدين علي بن الحسين، والباقر محمد بن علي (عليهما السلام)، من دون فرق في هذه الجهة، ممّا يردّ بذلك على دعوى المشكّكين بأنّ النص إنّما هو على الثلاثة الأوائل من الأئمّة.

والأُخرى، المؤيّدة للأُولى: ما رواه الكليني أيضاً: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني وعمر بن أُذينة، عن أبان، عن سُليم بن قيس، قال: شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد على وصيّته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن: «يا بُني! أمرني رسول الله أن أوصي إليك، وأن أدفع إليك كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على ابنه الحسين، فقال: «وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا». ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: «وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي، واقرأه من رسول الله ومنّي السلام»(7).

القسم الثاني:

ما نصّ على أسماء الأئمّة(عليهم السلام) جميعاً:

ومع هذه الروايات، التي سوف نذكر بعضها، ينقطع عذر كلّ متعلّل; لصراحتها وقوّتها، وما يحفّ بها، ففي الأُولى نلتقي مع أسماء الأئمّة(عليهم السلام) في سجدة الشكر، عقيب كل صلاة، إذ يُشهِد المصلّي ربّه والملائكة والخلق بمجمل اعتقاداته التي ينبغي أن يلقاه بها، ومنها تولّيه للأئمّة الطاهرين من أهل البيت(عليهم السلام)، وأنّه يتولاهم ويتبرّأ من أعدائهم، ولا يخفى الارتباط بين الصلاة وبين ذكر الأئمة الهادين وفضلهم على الخلق في تعليمهم معالم الدين.

فمن هذه الروايات:

الصحيحة التي رواها الصدوق بإسناده: عن عبد الله بن جندب، عن موسى ابن جعفر(عليه السلام)، أنّه قال: تقول في سجدة الشكر: «اللّهمّ إني أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنّك أنت الله ربّي، والإسلام ديني ومحمداً نبيّي، وعلياً، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجّة ابن الحسن أئمّتي، بهم أتولّى ومن أعدائهم أتبرّأ»(8).

والصحيحة الأُخرى: التي رواها الكليني، فقال: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام)، قال: «أقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) ومعه الحسن بن علي وهو متكىء على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين، فردّ(عليه السلام)، فجلس، ثم قال: يا أمير المؤمنين! أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهنّ علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تكن الأُخرى علمت أنّك وهم شرع سواء!

فقال له أمير المؤمنين(عليه السلام): سلني عما بدا لك.

قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟

فالتفت أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى الحسن، فقال: يا أبا محمد أجبه!

قال: فأجابه الحسن.

فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمداً رسول الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنك وصي رسول الله والقائم بحجّته ـ أشار إلى أمير المؤمنين ـ ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته ـ أشار إلى الحسن ـ وأشهد أنّ الحسين بن علي وصيّ أخيه والقائم بحجّته بعده، وأشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمد أنّه القائم بأمر محمد، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمد، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمد أنّه القائم بأمر محمد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي أنّه القائم بأمر علي بن محمد، وأشهد على رجل من ولد الحسن(9) لا يُكنّى ولا يُسمّى حتى يظهر أمره، فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

ثم قام فمضى، فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمد اتّبعه! فانظر أين يقصد؟

فخرج الحسن بن علي(عليه السلام)، فقال: ما كان إلا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأعلمته، فقال: يا أبا محمد أتعرفه؟

قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم.

قال: هو الخضر»(10).

الروايات التي تنص على كلّ إمام بشخصه:

بعد أن ذكرنا الروايات التي تذكر أسماء الأئمّة الطاهرين، نعود ونذكر الروايات الخاصّة التي تنص على كلّ إمام بشخصه، وهي تارة تذكر الإمام باسمه، وتارةً بالقرينة والصفة; فإنّ بعض الروايات تعتمد على ذكر أمر، ذلك الأمر يلازم كونه إماماً، كما سيأتي في وصية الإمام الباقر لابنه الصادق (عليهما السلام) أن يغسله ويجهّزه ويكفّنه، فإنّ هذا من النص عليه; لمِا ثبت عندنا من النصوص والإجماع على أنّ الإمام لا يتولّى تجهيزه إلا الإمام بعده، وقد لا ينتبه لمثل هذه الإشارات إلا من كان على مستوى من الإحاطة بتعابير الأئمّة(عليهم السلام).

كما نرى أنّ هشاماً بن الحكم عندما سمع من علي بن يقطين قول الكاظم(عليه السلام): أنّ عليّاً الرضا(عليه السلام) سيّد ولده وأنّه قد نحله كنيته، استنتج أنّه نص عليه بالإمامة من بعده(11)، ومثل: أن يعطيه السلاح والكتب.

وهكذا ما يرافق إمامتهم من الكرامات، مثلما حصل في قضية شهادة الحجر الأسود لعلي بن الحسين(عليه السلام) بالإمامة في مناقشة محمد بن الحنفية إياه، كما ورد في رواية صحيحة رواها الكليني في الكافي(12).

فإنه بعدما احتجّ السجّاد(عليه السلام) عليه بأنّ سلاح رسول الله عنده، وأنّ الحسين قد أوصى إليه، دعاه للحجر الأسود ليحتكما إليه، فتكلّم محمد فلم يحصل على شيء، ثم تكلّم علي بن الحسين(عليه السلام)، فنطق الحجر بقدرة الله: (أنّ الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين)، فانصرف محمد بعد ذلك وهو مؤمن بإمامة علي بن الحسين(عليه السلام).

وبما أنّنا قد ذكرنا في القسم الأوّل من الروايات ما ينص على إمامة الأئمّة من الإمام أمير المؤمنين إلى الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام)، سنتعرّض هنا لذكر النصوص في إمامة الأئمّة بدءاً بالإمام الصادق(عليه السلام)، وسنكتفي بنصّ واحد بالنسبة لكلّ إمام، وسنذكر نصوصاً متعدّدة لخاتم الأوصياء والأئمّة صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام):

فممّا ورد من النص على إمامة جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام): الرواية الصحيحة التي نقلها الكليني(رحمه الله) في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن عبدالرحمن، عن عبدالأعلى، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): «إنّ أبي استودعني ما هناك، فلمّا حضرته الوفاة قال: ادع لي شهوداً.

فدعوت له أربعة من قريش، فيهم: نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اكتب:

هذا ما أوصى يعقوب بنيه: ﴿يا بُنَيَّ إنَّ اللهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاّ وَأنتُم مُّسلِمُونَ(13). وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد، وأمره أن يكفّنه في بُرده الذي كان يصلّي فيه الجمعة، وأن يعمّمه بعمامته، وأن يربع قبره، ويرفعه مقدار أربع أصابع، وأن يحلّ عنه أطماره عند دفنه… ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله.

فقلت له ـ بعدما انصرفوا ـ : يا أبتِ! ما كان في هذا بأن تشهد عليه؟

فقال: يا بني! كرهت أن تغلب وأن يقال: إنّه لم يوصَ إليه، فأردت أن تكون لك الحجّة»(14).

وهذا كما تقدّم، بمصاحبة ما دلّت عليه النصوص، وقام عليه الإجماع، أنّ الإمام عندنا لا يتولّى تجهيزة إلا إمام مثله إذا كان حاضراً، وأنّ الوصية هي من علائم الإمامة، ينتج ذلك: إمامة الصادق(عليه السلام).

الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام):

ممّا ورد في النصّ على إمامة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): الصحيحة التي رواها في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال له منصور بن حازم: بأبي أنت وأُمي! إنّ الأنفس يغدى عليها ويراح، فإذا كان ذلك فمن؟

فقال أبو عبد الله: «إذا كان ذلك فهو صاحبكم. وضرب بيده على منكب أبي الحسن الأيمن ـ فيما أعلم ـ وهو يومئذ خماسي(15)، وعبد الله بن جعفر جالس معنا»(16).

الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام):

من النصّ على إمامة الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): ما ورد في الكافي صحيحاً: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الحسين ابن نعيم الصحاف، قال: «كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي، فقال لي: يا علي بن يقطين! هذا علي سيّد ولدي، أما إنّي قد نحلته كُنيتي. فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته، ثم قال: ويحك! كيف قلت؟ فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما قلت. فقال هشام: أخبرَك أنّ الأمر فيه من بعده»(17).

يتضح للقارئ هنا أنّ هشاماً بن الحكم لمّا كان متبحّراً في العقائد، وعارفاً بإشارات الأئمّة في ما يرتبط بموضوع الإمامة، والصفات التي لابدّ من توفّرها في الإمام، فإنّه بمجرّد أن سمع تلك الكلمات، وضمّها إلى الكبريات الموجودة في ذهنه، المرتبطة بموضوع الإمامة، انتقل فوراً إلى معنى نص الإمام الكاظم على الرضا (عليهما السلام)، وإن كان مثل علي بن يقطين، على جلالته، ربما لم يتوجّه إلى ذلك المعنى بالسرعة نفسها.

الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام):

من النص على إمامة محمد بن علي الجواد(عليه السلام): الصحيحة التي نقلها في الكافي أيضاً: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا(عليه السلام)، وذكر شيئاً، فقال: «ما حاجتكم إلى ذلك؟ هذا أبو جعفر، أجلسته مجلسي وصيّرته مكاني. وقال: إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذّة بالقذّة»(18).

الإمام علي بن محمّد الهادي(عليه السلام):

من الروايات التي تنص على إمامة الإمام علي بن محمد الهادي(عليه السلام): ما رواه الكليني صحيحاً في الكافي: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران، قال: «لمّا خرج من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأُولى من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك! إنّي أخاف عليك في هذا الوجه، فإلى من الأمر من بعدك؟

فكرّ إليَّ بوجهه ضاحكاً: ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة.

فلمّا خرج به الثانية إلى المعتصم، صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك! أنت خارج فإلى من الأمر من بعدك؟

فبكى حتّى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليَّ فقال: عند هذه يُخاف علَيّ، الأمر من بعدي إلى ابني علي»(19).

الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام):

وردت عدّة روايات مصرّحة بإمامة الإمام الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)، منها: ما رواه في الكافي: عن علي بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري، قال: «أوصى أبو الحسن إلى ابنه الحسن قبل مضيّه بأربعة أشهر، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي»(20).

الحجة بن الحسن العسكري صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه:

وأما الروايات الواردة في إمامة الإمام الحجّة بن الحسن العسكري، صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وفي صفاته وعلائم ظهوره، وما يرتبط بخريطة تحرّكه بعد الظهور، وأنصاره، فهي كثيرة جداً، حتى اُلّفت كتب ومجلّدات خاصّة في هذا الأمر، وبما أنّ بناءنا الاختصار فسوف نذكر عدّة منها:

فقد روي في النص عليه(عليه السلام): عدّة أحاديث، منها ما رواه الصدوق: عن محمد بن علي بن ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري، قالوا: «عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا.

قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد(عليه السلام)»(21).

كما جاء في الروايات الشريفة أنّ الإيمان بالأئمّة كلّ لا يتجزّأ، وأنّ الاعتراف بهم من دون الإمام الحجّة لا يساوي شيئاً، وهو كإنكار أمير المؤمنين(عليه السلام)، يروى الخزار القمي في «كفاية الأثر»: عن الحسن بن علي، عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار، عن سعد بن عبد الله، عن موسى بن جعفر البغدادي، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) يقول:

«كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي، ألا إنّ المقرّ بالأئمّة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنكر لولدي كمن أقرّ بجميع الأنبياء والرسل ثم أنكر نبوّة رسول الله (صلى الله عليه وآله); لأنّ طاعة آخرنا كطاعة أوّلنا، والمنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا، أمّا إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله»(22).

وروى الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، أنّه قال في قول الله عزّ وجلّ: ﴿يَومَ يَأتِى بَعضُ آيات رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفساً إيمَانُها لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ(23). فقال(عليه السلام): «الآيات هم: الأئمّة، والآية المنتظرة: القائم(عليه السلام) ; فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدّمه من آبائه(عليهم السلام)»(24).

وقد روي أنّه(عليه السلام) أشبه الناس برسول الله، وله اسمه وكُنيته، روى الصدوق في «كمال الدين»: عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى المتوكّل، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري، ومحمد بن يحيى العطار جميعاً، عن أحمد بن محمد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم وأحمد بن أبي عبد الله البرقي ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب جميعاً، عن أبي علي الحسن بن محبوب السراد، عن داود بن الحصين، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام)، عن آبائه، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يُقبل كالشهاب الثاقب، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(25).

كما جاء في الأخبار أنّ من الابتلاء للخلق في زمان غيبته أن يشكّ بعضهم في ولادته، فقد روى الشيخ الصدوق في «كمال الدين» ذلك عن أحمد بن محمد ابن يحيى العطار، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عثمان ابن عيسى الكلابي، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «أنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم.

قلت له: ولم؟

قال: يخاف. وأومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة! هو المنتظر، وهو الذي يشكّ الناس في ولادته، منهم من يقول: هو حمل، ومنهم من يقول: هو غائب، ومنهم من يقول: ما ولد، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين، غير أن الله تبارك وتعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون»(26).

وقد ورد في النصوص أنّه قد ولد، وأنّه عجّل الله تعالى فرجه يحضر موسم الحج، فيعاين الخلق، وقد رآه ـ من جملة من رآه ـ نائبه الخاص (في الغيبة الصغرى) محمد بن عثمان العمري في الموسم متعلقاً بأستار الكعبة..

وتكمن أهمية مثل هذا النص في أنّه لا يؤكّد مولده فحسب بل اتّصاله بالخلق، وذلك أنّ قضية المهدي عجّل الله تعالى فرجه قضية اتّفاقية بين المسلمين جميعاً; لِما ورد من النصوص المتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكن الخلاف بينهم هو في: أنّه سيولد في آخر الزمان، كما يدّعي غير الشيعة؟

أو أنّه ولد، وأنّ أباه هو: الحسن بن علي العسكري، وأنّه غائب عن الأنظار، بعدما نصّ عليه أبوه (عليهما السلام)، ورآه خلص شيعته، وأنّ له غيبتين: صغرى، كان يمارس فيها توجيه العباد عن طريق سفرائه الأربعة الخاصّين، وكبرى إلى أوان ظهوره، وأنّه سيظهر عندما يأذن الله له; كما هو الحقّ، وبه يقول شيعة أهل البيت(عليهم السلام)؟

فقد روى الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه، بسند صحيح: عن عبد الله بن جعفر الحميري، أنّه قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟

قال: «نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: اللهم انجز لي ما وعدتني..

قال محمد بن عثمان رضي الله عنه وأرضاه: ورأيته صلوات الله عليه متعلّقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائك»(27).

ملاحظة هامة:

إنّ الوضع العام الذي عاش فيه الأئمّة(عليهم السلام)، خصوصاً بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، كان وضعاً عصيباً، وقد حاول فيه الظلمة بكلّ جهدهم أن ﴿يُطفِئُوا نُورَ الله بأفواهِهم(28)، فكانوا يتربّصون بالأئمّة الدوائر، ويبغونهم الغوائل; للقضاء عليهم.

وهؤلاء الظلمة ـ في العهدين الأُموي والعبّاسي ـ وإن لم يكونوا يقدمون على قتلهم جهراً وعلانية، إلا أنّهم كانوا يحاولون ذلك غيلة; وشاهد ذلك: ما نجده من إقدامهم على دس السُم للأئمّة(عليهم السلام)، وهذه الظروف والأوضاع غير خافية على المتتبّع لأحوالهم، والعارف بتأريخهم..

ويكفي لمعرفة ذلك: النظر إلى كيفية نصّ الإمام الصادق(عليه السلام) على إمامة الكاظم(عليه السلام) في وصيّته له; فقد كان العبّاسيون ينتظرون تعيين الإمام بنحو صريح من قبل الإمام الصادق(عليه السلام) ليقتلوه، فكان أن أوْصى لخمسة، فضيّع عليهم هذه الفرصة.

ثم ما جرى على الإمام الكاظم(عليه السلام) من سجنه، ثم قتله.

وأيضاً ما جرى من التضييق والاضطهاد للإمام الهادي، ومن بعده ابنه الحسن العسكري(عليهم السلام)، ومحاولتهم القبض على خليفته الإمام المهدي وقتله ـ بزعمهم ـ .

وهكذا عاش شيعة آل البيت من ظروف القمع والتقية، فلم يكونوا يسلموا

على عقائدهم في وقت كان يسلم فيه الكفّار في بلاد الإسلام على ما كانوا عليه من ضلالة، فكان الكشف في هذه الظروف عن أسماء الأئمّة المعصومين، خصوصاً من كان منهم في الفترات اللاحقة، وتناقل النصوص المصرّحة بإمامتهم بين الرواة أمراً في غاية الخطورة على الإمام، وعلى شخص الناقل أيضاً.

ولكنّهم مع ذلك قد حفظوا تلك النصوص وتناقلوها فيما بينهم، بالرغم ممّا كان يكتنفها من المشاكل والضغوط حتى أوصلوها الى الأجيال التالية، وبذلك تمّت الحجّة على من أنكر، والاحتجاج بها والاستناد عليها لمن آمن.

ولهذا أصبحت هذه القضية من المسلّمات العقائدية لدى شيعة أهل البيت، والمتواترة إجمالاً، إذ أنّهم عُرفوا، حتى عند أعدائهم، بتولّيهم لهؤلاء الأئمّة الطاهرين(عليهم السلام)، ومُيّزوا بأنّهم (الاثنا عشرية)، في إشارة إلى اعتقادهم بإمامة الأئمّة الاثني عشر(عليهم السلام). وصار الأمر عند الشيعة إلى أنّ من كان لا يؤمن بأحدهم، أو جعل غيره مكانه، لا يُعدّ من هذه الطائفة المحقّة.

بل ارتبط ذكر أسمائهم(عليهم السلام) بالصلاة وسجدة الشكر، كما في صحيحة ابن جندب عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)، وقد يراد في هذه الرواية مِن المؤمن أن يكون ذاكراً لأئمّته في سائر أوقات اليوم، وحتى لا تُنسى هذه الصفوة الطاهرة، أو يدّعي آخرون عدم وجود الدليل أو النص عليهم، أو على بعضهم(29).

التحرر من الشبهات:

بعد سرد هذه النصوص، التي تمتاز بأعلى درجات الصحّة والمتانة من ناحية السند والمتن، لا يبقى أي مجال للشكّ والريب في تعيين مصاديق الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، وإنّ اطّلاع عموم المؤمنين على هذه الأُمور خاصة، وعلى أجوبة الشبهات المثارة ضدّ المذهب الحقّ بصورة عامّة، هو من أهم العوامل التي تسبّب فشل مخطّطات أعداء الإسلام الأصيل لإلقاء الشبهات في أذهان أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)..

وإنّ «كونستانسيو» هو أحد الذين تحرّروا من قيود تلك الشبهات والافتراءات، واكتشفوا الحقيقة بعد البحث والتأمّل، والتحقوا بركب أتباع النبيّ الأعظم وأهل بيت النبوة(عليهم السلام).

____________

1- راجع: معرفة تحليلية عن الإسلام وبعض الأديان والمذاهب للعلاّمة النوري: ٥٦٨.

2- زار مركز الأبحاث العقائدية، وله ملف خاص في المركز.

3- ق -٥٠-: ٣٧.

4- النساء -٤-: ٥٩.

5- الأحزاب -٣٣-: ٣٣.

6- الأنفال -٨-: ٧٥، والأحزاب -٣٣-: ٦.

7- الكافي ١: ٢٨٦.

8- الكافي ١: ٢٩٧.

9- من لا يحضره الفقيه ١: ٣٢٩.

10- من ولد الحسين، كما في علل الشرايع ١: ٩٨.

11- الكافي ١: ٥٢٥.

12- الكافي ١: ٣١١.

13- الكافي ١: ٣٤٨.

14- البقرة -٢-: ١٣٢.

15- راجع: الكافي ١: ٣٠٧.

16- جاء في الإرشاد ٢: ٢١٨:… وضرب على منكب أبي حسن الأيمن، وهو فيما أعلم يومئذ خماسي.

17- الكافي ١: ٣٠٩.

18- الكافي ١: ٣١١.

19- الكافي ١: ٣٢٠.

20- الكافي ١: ٣٢٣.

21- الكافي ١: ٣٢٥.

22- كمال الدين: ٤٣٥.

23- كفاية الأثر: ٢٩٦.

24- الأنعام -٦-: ١٥٨.

25- كمال الدين: ١٨.

26- كمال الدين: ٢٨٧.

27- كمال الدين: ٣٤٢.

28- من لا يحضره الفقيه٢: ٥٢٠.

29- التوبة -٩-: ٣٢.