زنيدا كورس (زهراء)

زنيدا كورس (زهراء) (مسيحية / الفلبّين)

ولدت في «الفلبّين»، واصلت دراستها الأكاديمية حتّى تخرّجت من كليّة الطب ـ قسم الأمراض النسائية والولادة.

كانت «زنيدا» كثيرة الشوق لمعرفة الحقّ والحقيقة، ما سار بها إلى التحقيق في الأديان والمذاهب، ولمّا كانت صادقة مع نفسها في بحثها هذا، وكانت لا تبحث إلاّ لتجد الحقّ فتتّبعه، لذا نرى الله سبحانه هيّأ لها الطريق وسهّله لها واختصره.

وكانت بداية معرفتها بالإسلام عن طريق جماعة من المسلمين الشيعة، حيث عرّفوها الإسلام على خير وجه، فاقتنعت به واعتنقته.

دافعيّة المسيحيّة:

من خصائص الدين أن تكون له جاذبية، تجذب قلوب الناس وعقولهم إليه لا منفّراً ينفر عنه البشر. أي بمعنى أن يكون الدين فطريّاً ليأنس إليه الإنسان، ويكون منطقيّاً ليقبله العقل. أمّا إذا خلا من هاتين الخصلتين، أو إحداهما، فسوف يكون غريباً على طبع الناس، وهم لا يأنسون إلى ما يخالف طبعهم، وهذا أمر فطريّ، بديهيّ..

وذلك قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(1).

أمّا العقيدة المسيحيّة الموجودة الآن فهي خالية عن الجانب العقلي; إذ ضحّت به أمام العاطفة، فهي إذاً ديانة عاطفيّة بحتة ليس فيها للعقل أيّ دور.

ولذا نرى أنّ هذه الديانة لا تواكب العصر، والإنسان كلّما تقدّم به الزمان كلّما نضج عقله وفكره، فهو ليس ذلك البشر القديم الذي يتلبّس عليه الحقّ والباطل. بل أصبح يشعر بقيمته المخزونة في عقله، فالإنسان من دون العقل لا يساوي شيئاً.

إلى أنّ المقصود بالديانة المسيحيّة المذكورة هنا ليست تلك الديانة التي جاء بها عيسى بن مريم(عليه السلام); فتلك كانت ديانة تحتوي على العنصرين المذكورين، أي أنّها كانت فطريّة ومنطقيّة; لأنّها صادرة من حكيم كامل، وهو الله سبحانه وتعالى، وهو لا يرسل رسالة تخالف الفطرة البشريّة ولا العقل البشري.

والسؤال الذي يُطرح هنا هو: ماذا جرى على المسيحيّة حتّى وصل بها الحال إلى أن تركت الجانب العقلي وتمسّكت بالجانب العاطفي؟

لمعرفة جواب هذا السؤال علينا أن نقرأ تاريخ الديانة المسيحيّة بشيء من الإمعان والدقّة.

فنقول: لمّا عُرج بعيسى إلى السماء، كما نعتقد، أو صُلب، كما يعتقدون، قام اليهود وبدعم من الحكومة آنذاك بملاحقة أنصار عيسى وحواريّيه فضيّقوا عليهم دائرة العمل حتّى كادت المسيحيّة تُنسى تماماً، ولكن مع ذلك أخذ الناس يتعاطفون معهم وينضمّون إليهم.

لذا قام أعداء المسيح الحاقدين باتّباع أُسلوب خبيث، وهو محاربة المسيحيّة من الداخل وحرفها وإبعادها عن طريقها الأساسي، وهو: التوحيد. وتبنّى هذه العمليّة عدوّها اللدود: «شاؤول».

فلنقرأ عن هذا الذي استطاع أن ينفذ إلى المسيحيّة، ويهدم أساسها من الداخل، ومع ذلك أصبح أعظم رجل في المسيحيّة; فتجاوزت قدسيته قدسيّة الحواريّين، بل أصبح ينازع قدسيّة عيسى(عليه السلام) نفسه. فمَن هو شاؤول؟

شاؤول (بولس الرسول):

كان من اليهود المتطرّفين، وكان يضطهد المسيحيين بإفراط، فكان يسطو على الكنيسة، ويدخل البيوت، ويجرّ الرجال والنساء لإيداعهم السجون.

يقول «لوقا» عن كيفيّة دخول بولس إلى المسيحيّة: عندما كان بولس قريباً من دمشق، بغتة أبرق حوله نور من السماء فسقط على الأرض وسمع صوتاً قائلاً: يا شاؤول لماذا تضطهدني؟

فقال بولس: مَن أنت؟

فأجابه قائلاً: أنا يسوع الذي تضطهده.

فقال بولس مرتعداً متحيّراً: ماذا تريد أن أفعل؟

فقال: قم وكرّز بالمسيحيّة

ويستمر لوقا بقوله: وللوقت جعل ]بولس[ يكرّز في المجاميع بالمسيح أنّ هذا هو ابن الله.

والعجب أن بولس لم يكن متعلّماً عند أحد الحواريّين، بل كان يدّعي أنّ عيسى نفسه هو الذي تبنّى تربيته وتعليمه من وراء الحجاب، وكان يقول: أُعرّفكم أيّها الإخوة الإنجيل الذي بُشّرتُ به، أنّه ليس بحسب إنسان; لأنّي لم أقبله من عند إنسان، ولا علمته من إنسان بل بإعلان يسوع المسيح.

فهو بقوله هذا رفض تعاليم الحواريّين، الذين هم أقرب الناس إلى المسيح، وكانوا الواسطة بينه(عليه السلام) وبين الناس. والهدف الذي كان بولس يبغيه هو: أن يكون مبسوط اليد في تسطير بدعته وخرافاته، فكلّما جاء بقول غريب يعارض ما عند الحواريّين نسبه إلى المسيح دون واسطة; ولذا كان الحواريّون يعارضون بولس ويرفضون أفكاره المنحرفة، لكنّه استطاع أن يكرّز بدعته في أذهان مخاطبيه السذّج والمغفّلين ومن كانت لهم مصلحة في ذلك.

ومن جملة هؤلاء النفعيين: «لوقا»، الذي أخلص لبولس ولرسالته، وكأن لم يعرف من المسيحيّة سوى تعاليم أستاذه هذا. وخدم أُستاذه وأحلّه محلاًّ رفيعاً لا يقلّ عن مقام عيسى نفسه، وكتب «لوقا» رسالة تحت عنوان: أعمال الرسل، ولكنّها في الحقيقة كلّها في وصف أعمال بولس وحده، وهي لبولس كإنجيل متّى ومرقس للمسيح.

وفي المقابل أعطى بولس تلميذه فرصة ليكون في مصاف الحواريّين ومِن كتَبَة الأناجيل; فدوّن إنجيل «لوقا»، مع أنّهما ـ أي: الأُستاذ والتلميذ ـ لم يريا المسيح قط ولم يسمعا منه حرفاً واحداً.

بدعة بولس:

جمع بولس أفكاراً متعدّدة لثقافات وديانات متغايرة. ومزجها مع بعضها، فأصبح لديه معجون غريب سمّاه بـ «المسيحية»، وهي أبعد ما تكون عن المسيحية العيسويّة، سوى اسمها.

يقول ويلز في كتابه «التاريخ الصغير للعالم»: وقد أُوتي بولس قوّة عقليّة عظيمة، كما كان شديد الاهتمام بالحركات الدينيّة في زمانه، فتراه على علم عظيم باليهوديّة والميثرائيّة، وديانة ذلك الزمان التي تصنعها الاسكندرية، فنقل إلى المسيحيّة كثيراً من أفكارهم ومصطلح تعبيرهم ولم يهتم بتوسيع فكرة عيسى الأصليّة وتنميتها، وهي فكرة ملكوت السماوات، ولكنّه علّم الناس أنّ عيسى لم يكن المسيح الموعود فحسب، بل إنّه ابن الله نزل إلى الأرض ليقدّم نفسه قرباناً، ويُصلب تكفيراً عن خطيئة البشر، فموته كان تضحية مثل الأضاحي القديمة للآلهة في أيام الحضارات البدائيّة من أجل خلاص البشريّة وكذلك صرّح بعض المحقّقين المنصفين بأنّ الديانة المسيحيّة الموجودة حالياً لا تمتّ لعيسى بن مريم بصلة، بل هي ديانة بوليسيّة (إن صحّ التعبير)..

فهذا «بيري» يقول: شاؤول كوّن المسيحيّة على حساب عيسى. فشاؤول في الحقيقة هو مؤسّس المسيحيّة، وقد أدخل بولس على ديانته بعض تعاليم اليهود ليجذب أتباعاً له من اليونان(2).

وكذلك ابتكر بولس (شاؤول) فكرة جعل المسيح (LORD)، واستعار أيضاً من فلاسفة اليونان فكرة اتّصال الإله بالأرض عن طريق «الكلمة» (Logos)، أو «ابن الإله»، أو «صروح القدس»، وهذا كلّه تمهيداً لبدعة التثليث، التي قضى بها على المسيحيّة التي جاء بها عيسى بن مريم(عليه السلام)، والتي كانت تقوم على أساس التوحيد.

فهو إمّا عميل من قِبل الحكومات اليونانيّة لحرف وتشويه الديانة المسيحيّة، التي تعاطف معها جمهور واسع من الناس، وإمّا قد استطاع أن يحصل على ثقة الحكومات لمّا أدخل في ديانته الجديدة كثيراً من المعتقدات المنحرفة، وفي الحالين النتيجة واحدة، وهي أنّه استقوى بهذه الحكومات فأيّدته وقامت بمحو كلّ الآثار التي تعود إلى تعاليم المسيح والحواريّين الذين كانوا يدعون إلى التوحيد.

وهذا يذكّرنا بما جرى في صدر الإسلام; إذ قامت ثلّة من الصحابة بغصب خلافة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) من الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي نصّبه(صلى الله عليه وآله) خليفة له بأمر من الله تعالى، فقام الغاصبون بمحو معظم الأحاديث الصادرة من الرسول(صلى الله عليه وآله) في حقّ عليّ(عليه السلام)، وأخذوا يشرّعون على هواهم.

ومن يقارن بين سيرة بولس وبين سيرة عمر بن الخطّاب سيجد هناك الشبه الكبير بينهما، فعمر بن الخطّاب بالنسبة للمسلمين كبولس بالنسبة إلى المسيحين.

اتّباع الحقّ:

وهكذا تعرّفت «زنيدا» على التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شائبة، وهو الموافق للعقل السليم والفطرة الإنسانيّة.

فلمّا أخلصت نيّتها مع ربّها، مَنّ الله عليها أن هداها إلى الصراط المستقيم، وهو: ولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(3).

____________

1- الروم -٣٠-: ٣٠.

2- راجع: موسوعة مقارنة الأديان، المسيحيّة: ١٠١ نقلاً عن كتاب (التاريخ الصغير للعالم).

3- نقلاً عن: معرفة تحليلية عن الإسلام وبعض الأديان والمذاهب: ٥٧١.