رينالدو ريز (رضا)

 رينالدو ريز (رضا) (مسيحي / الفلبّين)

ولد في دولة الفلبّين، ونشأ في كنف عائلة تنتمي إلى الديانة المسيحية، وتدرّج في الدراسة الأكاديمية حتى نال شهادة الدكتوراه في مجال طب الأسنان.

بقي «رينالدوريز» يطبّق المناهج العبادية التي تلقّاها من رجال الكنيسة، واستمرّ على هذا المنوال حتى تعرّف على مجموعة من المسلمين، فدفعه حبّ الاستطلاع ليتعرّف على مبادئهم وأُسسهم الدينية، فبيّن له أحدهم صورة مجملة عن مبادىء الإسلام، فوجد نفسه مندفعة إلى التعاطف الوجداني مع هذا الدين، فتوجّه إلى البحث العلمي في الإسلام، واستمرّ في البحث والتحقيق لتمييز الحقّ من الباطل بين المذاهب الإسلامية، وفي نهاية مطاف بحثه اختار مذهب أهل البيت(عليهم السلام) معتَقَداً وسبيلاً للوصول إلى رضوان بارئه عزّ وجلّ.

دلالات آية الولاية:

تُعّد مسألة الإمامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسألة أساسية من المسائل الخلافية بين أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وأتباع مدرسة الخلفاء، ولا يخفى على أيّ باحث منصف تمسّكُ علماء الإمامية بالأدلّة القرآنية على معتقدهم في جميع المسائل، في مجال إثبات مصداق الإمام والوليّ بعد النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله).

آية الولاية:

من الأدلة القرآنية التي يتمسّك بها الشيعة في تعيين الولي والإمام بعد الرسول الأكرم قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1).

ونذكر هنا أقوال عدد من علماء ومفسري السنّة في مصداق الآية، ثم نشير الى بعض الشبهات الواردة والإجابة عليها.

قال السيوطي في الدرّ المنثور: أخرج الخطيب في (المتّفق) عن ابن عبّاس، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) للسائل: من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع. فأنزل الله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ.

وأخرج عبدالرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه: عن ابن عبّاس في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ الآية، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في (الأوسط)، وابن مردويه: عن عمّار بن ياسر، قال: وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعلمه ذلك، فنزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) هذه الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أصحابه، ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه).

وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه: عن عليّ بن أبي طالب، قال: نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ، إلى آخر الآية فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)فدخل المسجد ـ وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم ـ يصلّي فإذا سائل فقال: يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلاّ ذاك الراكع ـ لعليّ بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه.

وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر: عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ، الآية.

وأخرج ابن جرير: عن مجاهد في قوله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ) الآية: نزلت في عليّ بن أبي طالب; تصدّق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير: عن السدّي، وعتبة بن حكيم مثله»(2).

وفي المناقب للخوارزمي:

«عن عليّ بن أبي طالب، قال: نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله): ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودخل المسجد، والناس يصلّون ما بين راكع وقائم، وإذا سائل، قال له: يا سائل! أعطاك أحدٌ شيئاً؟ قال: لا، إلاّ هذا الراكع ـ لعليّ ـ أعطاني خاتماً»(3).

وفي تفسير الثعالبي:

«… ولكن اتّفق مع ذلك أنّ عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) أعطى خاتمه وهو راكع»(4).

وفي مجمع الزوائد للهيثمى:

«عن عمّار بن ياسر، قال: وقف على عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) سائل وهو راكع في تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأعلمه بذلك، فنزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه»(5).

وفي جامع البيان لابن جرير الطبري:

وأمّا قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به; فقال بعضهم: عُني به: عليّ بن أبي طالب. وقال بعضهم: عني به: جميع المؤمنين.

ذكر من قال ذلك:

حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضّل، قال: ثنا أسباط، عن السدّي، قال: ثمّ أخبرهم بمن يتولاهم، فقال: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن عليّ بن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتمه.

حدّثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا عبدة، عن عبدالملك، عن أبي جعفر، قال: سألته عن هذه الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قلنا: من الذين آمنوا؟

قال: الذين آمنوا!

قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب.

قال: عليّ من الذين آمنوا.

حدّثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن عبدالملك، قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ.. وذكر نحو حديث هناد عن عبدة.

حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا عتبة ابن أبي حكيم في هذه الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ، قال: عليّ بن أبي طالب.

حدّثني الحرث، قال: ثنا عبدالعزيز، قال: ثنا غالب بن عبيدالله، قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ الآية، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب، تصدّق وهو راكع»(6).

وفي أحكام القرآن للجصّاص:

«قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ: روي عن مجاهد، والسدّي، وأبي جعفر، وعتبة بن أبي حكيم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع… وقوله تعالى: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة; لأنّ علياً تصدّق بخاتمه تطوّعاً، وهو نظير قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ(7).

وفي أسباب النزول للنيسابوري:

«قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ: قال جابر بن عبد الله: جاء عبد الله بن سلام إلى النبي (صلى الله عليه وآله)فقال: يا رسول الله! إنّ قوماً من بني قريظة والنضير قد هاجرونا(8) وفارقونا، وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبُعد المنازل. وشكا ما يلقى من اليهود، فنزلت هذه الآية، فقرأها عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.

ونحو هذا قال الكلبي، وزاد: إنّ آخر الآية في عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه; لأنّه أعطى خاتمه سائلاً وهو راكع في الصلاة.

(أخبرنا) أبو بكر التميمي، قال: (أخبرنا) عبد الله بن محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا الحسين بن محمّد بن أبي هريرة، قال: حدّثنا عبد الله بن عبد الوهّاب، قال: حدّثنا محمّد الأسود، عن محمّد بن مروان، عن محمّد السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول الله! إنّ منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ولا متحدّث، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله ورسوله وصدّقناه رفضونا، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا.

فقال لهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عليه الصلاة والسلام: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ، الآية.

ثمّ إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلاً، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم، خاتم من ذهب(9)، قال: من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم. وأومأ بيده إلى عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه).

فقال: على أيّ حال أعطاك؟

قال: أعطاني وهو راكع.

فكبّر النبي (صلى الله عليه وآله)، ثمّ قرأ: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(10).

وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني:

«عن ابن عبّاس: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام). و(أخبرنا) قراءة، قال: حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق التنوخي، قال: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا علي بن أبي بكر، قال: حدّثنا موسى مولى آل طلحة، عن الحكم، عن المنهال، عن محمّد بن الحنفية، قال: جاء سائل فلم يعطه أحد، فمرّ بعليّ وهو راكع في الصلاة، فناوله خاتمه، فأنزل الله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ، الآية.

وعن عبد الله بن محمّد بن الحنفية، عن أبيه، قال: فلم يعطه أحد شيئاً، فمر بعليّ وهو راكع، فسأله، فناوله يده، فأخذ خاتمه، ثمّ أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره، قال: أتعرف الرجل؟ قال: لا، فأرسل معه من يتعرّفه، فإذا هو عليّ ]بن أبي طالب[، فأنزل الله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(11).

وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي:

«المسألة الثانية: وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلم يعطه أحد شيئاً، وكان عليّ في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل حتّى أخذه. قال الكيا الطبري: وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة; فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة، ولم يبطل به الصلاة.

وقوله: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة; فإنّ عليّاً تصدّق بخاتمه في الركوع، وهو نظير قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ(12).

وقد روي أنّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة، وقد يجوز أن تكون هذه صلاة تطوّع، وذلك أنّه مكروه في الفرض. ويحتمل أن يكون المدح متوجّهاً على اجتماع حالتين، كأنّه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة، فعبّر عن الصلاة بالركوع، وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل، كما تقول: المسلمون هم المصلّون، ولا تريد أنّهم في تلك الحال مصلّون.

ولا يوجّه المدح حال الصلاة، فإنّما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده»(13).

وفي تفسير القرآن العظيم لابن كثير:

وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدّثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ: قال: هم المؤمنون وعليّ بن أبي طالب.

وحدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، حدّثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.

وقال ابن جرير: حدّثني الحارث، حدّثنا عبدالعزيز، حدّثنا غالب بن عبد الله، سمعت مجاهداً يقول في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ، الآية، نزلت في عليّ بن أبي طالب; تصدّق وهو راكع.

وقال عبدالرزّاق: حدّثنا عبدالوهّاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عبّاس في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ، الآية، نزلت في عليّ بن أبي طالب. عبدالوهّاب بن مجاهد لا يحتجّ به.

ورواه ابن مردويه عن طريق سفيان الثوري، عن أبي سنان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ، الآية. الضحّاك لم يلق ابن عبّاس.

وروى ابن مردويه أيضاً من طريق محمّد بن السائب الكلبي ـ وهو متروك ـ عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المسجد والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: ذلك الرجل القائم. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذلك عليّ بن أبي طالب.

قال: فكبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذلك وهو يقول: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(14). وهذا إسناد لا يقدح به.

ثمّ رواه ابن مردويه من حديث عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) نفسه، وعمّار بن ياسر، وأبي رافع، وليس يصحّ شيء منها بالكليّة; لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها.

ثمّ روى بإسناده عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس في قوله:

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ: نزلت في المؤمنين وعليّ بن أبي طالب أوّلهم.

وقال ابن جرير: حدّثنا هناد، حدّثنا عبدة، عن عبدالملك، عن أبي جعفر، قال: سألته عن هذه الآية: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قلنا: من الذين آمنوا؟

قال: الذين آمنوا.

قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب.

قال: عليّ من الذين آمنوا.

وقال أسباط، عن السدّي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين، ولكن عليّ ابن أبي طالب مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه»(15).

وقال الآلوسي: «غالب الأخباريين على أنّ هذه الآية نزلت في عليّ كرّم الله وجهه»(16).

الشبهات الواردة وردّها:

لقد قام عدد من الذين لم يرق لهم هذا المقام السامي لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام) بطرح الشبهات والإشكالات على دلالة هذه الآية نذكرها إجمالا:

١ ـ قال بعضهم: إنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.

٢ ـ هناك من أشكل في معنى «الولي»، وقال: إنّ الولاية في الآية بمعنى: النُصرة، كالفضل بن روزبهان.

٣ ـ هناك من قال باحتمال أن تكون الواوفي: ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ واو عاطفة لا واو حالية، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

٤ ـ يقال: كيف أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) يسمع صوت السائل، ويلتفت إليه، ويشير إليه، ويومىء إليه بالتقدّم نحوه، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من إصبعه، وهذا كله انشغال بأُمور دنيوية، وعدول عن التكلّم مع الله سبحانه وتعالى؟!

٥ ـ افتراءات ابن تيمية، حيث قال: «قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى: أنّ هذه الآية نزلت في عليّ لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بيّن، وأجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه، وأنّ علياً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر»(16).

٦ ـ أشكل البعض بأنّ علياً مفرد، فلماذا جاءت الألفاظ في الآية بصيغة الجمع؟

أمّا في مجال رد هذه الشبهات فنقول:

١ ـ أمّا من قال: إنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت، فنقول له:

إنّ هذه رواية شاذّة مقابل رواية نزولها في الإمام علي(عليه السلام) التي أخرجها وصحّحها علماء الحديث والتفسير.

فليراجع كلّ باحث عن الحقّ الكتب التي استوفت ذلك، وما أكثرها، والتي ذكرنا جملة منها.

وقد أنشد حسّان بن ثابت في ذلك فقال:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي وكلّ بطىء في الهدى ثابت ومسارعِ
أيذهب مدحيك المحبر ضائعاً وما المدح في ذات الإله بضائعِ
فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع فدتك نفوس القوم يا خير راكعِ
فأنزل فيك الله خير ولاية فأثبتها في محكمات الشرائعِ(17)

٢ ـ لفظة: (وليّ) هنا إنّما هي بمعنى: الأوْلى بالتصرّف، كما في قولنا: فلان وليّ القاصر، وقد صرّح اللغويون بأنّ كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه، فيكون المعنى: أنّ الذي يلي أُموركم يكون أوْلى بها منكم، وهو الله عزّ وجلّ ورسوله وعليّ; لأنّه هو الذي اجتمعت به هذه الصفات، الإيمان وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة في حال الركوع، وقد أثبت الله في الآية الولاية لنفسه تعالى ولنبيّه ولوليّه على نسق واحد، وولاية الله عزّ وجلّ عامّة مطلقة، وكذا ولاية النبيّ، والوليّ مثلها; إذ لم تقيّد.

ويتّضح ذلك أكثر بمراجعة الآية الكريمة: ﴿النَّبيُّ أوْلَى بالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهمْ(18)، فهنا جعل الله تعالى ولاية النبيّ على الناس أوْلى منهم لأنفسهم، ثمّ النبي (صلى الله عليه وآله) أكّد لعموم المسلمين بقوله: (ألست أوْلى بكم من أنفسكم؟)، ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): (فمن كنت مولاه فعليّ مولاه). يعني: أنّ المقام الذي تعترفون به بالنسبة إليّ فهو حقّ ثابت لعليّ(عليه السلام)، فبايعه المسلمون على ذلك منذ عيّنه الرسول (صلى الله عليه وآله)، فجعلوا يباركون لعليّ بإمرة المؤمنين، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(19).

والنصرة ما هي إلاّ أحد معاني لفظ الولاية، كما في الكتب اللغوية(20)، ولا يجوز عقلاً ـ بغضّ النظر عن النقل ـ أن يكون معنى الوليّ هنا بمعنى النصير، أو المحبّ، أو نحوهما; لأنّه لا يبقى لهذا الحصر وجه; إذ أنّه تعالى نفى أن يكون وليّاً غير الله ورسوله والذين آمنوا بلفظة: (إنّما)، وهي تفيد حصر الصفة على من ذُكر، ونفيها عمّن لم يُذكر.

فهل يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع هذه القرائن على النصرة؟!

وهل كان من شك في كون عليّ ناصراً للمؤمنين وهو المعروف بصاحب الراية، وفاتح خيبر، وقاتل ابن عبد ودّ، وصاحب ذي الفقار، و.. يتّضح من ذلك أنَّ الولاية المقصودة من هذه الآية هي: ما ذهب إليه شيعة أهل البيت، ولهم أدلّة أُخرى تؤيّد ما ذهبوا إليه، كحديث الغدير ونحوه; إذ كرّر (صلى الله عليه وآله) لفظ الولاية للإمام عليّ(عليه السلام) أكثر من مرّة، وبتعابير مختلفة، فمرّة يعبّر الرسول (صلى الله عليه وآله): أنّ الإمام علي(عليه السلام)منه، ومرّة: نفسه، ومرّة: خليفته، ومرّة: أخوه، ومرّة: وليّ كلّ مؤمن بعده فثبت أنّ للإمام علي(عليه السلام) من الولاية المطلقة كما لرسول الله (صلى الله عليه وآله); لأنّ ولايته اقترنت بولاية الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بلا استثناء ولا قيد.

٣ ـ أمّا الواو فهي حالية، كما جاء في النصوص السابقة: أنّ الإمام علي(عليه السلام)أعطى الخاتم حال كونه راكعاً.

٤ ـ أمّا قولهم: كيف ينشغل في حال صلاته بأُمور دنيوية؟

فنقول: لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال لَما عُدّ فعله هذا من مناقبه(عليه السلام)، ثمّ إنّ هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة، ومن اعترض فإنّما يعترض على الله تعالى; لأنّ ما ثبت بالنص لا مجال للنقاش فيه بالعقل، وتصدُّق الإمام علي(عليه السلام) ثبت بالنص القرآني، وأكّدته السُنّة المطهّرة، ورواه الفريقين.

يقول الآلوسي: قد سئل ابن الجوزي هذا السؤال، فأجاب بشعر: يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعه سكره حتّى تمكّن من فعل الصحاة فهذا واحد الناس(21)

٥ ـ أمّا ابن تيمية فهو لم يكذّب الشيعة فحسب بل كذّب المحدّثين، والمفسّرين، ومن نقل ذلك من كتب أهل السُنّة المعتبرة التي بيّنت نزول الآية المباركة في الإمام علي(عليه السلام) في القصة المشهورة، ولا عجب; إذ عادته تكذيب صحاح الأحاديث والروايات، واتّهام الناس بالكذب والشرك، ولا ندري من يقصد بـ «أهل العلم والإجماع»؟! يعني: رأيه ورأي الذين يقولون برأيه، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل!! وعلى كلّ حال، فهذه القضية واردة في كتبهم المعتبرة لديهم مع إجماع الشيعة.

٦ ـ أمّا قولهم: أنّ عليّاً مفرد، فلماذا جاءت الألفاظ بصيغة الجمع؟

فنقول: إنّ هناك آيات، كآية المباهلة أيضاً وردت بصيغة الجمع، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعليّ، مع أنّ اللفظ لفظ جمع: ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ، وجاء بفاطمة وحدها والحال أنّ اللفظ لفظ جمع: ﴿وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ(23).

بل إنّ علماءهم ردّوا على هذا الاعتراض، كالزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة; وقال ما ملخَصه: بأنّ الفائدة في مجيء اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين، لينبّه أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذا الحد من الحرص على الإحسان إلى الفقراء والمساكين، يكونون حريصين على مساعدة الفقراء وإعانة المساكين، حتّى في أثناه الصلاة، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين، ولذا جاءت الآية بصيغة الجمع(24).

هذا ويوجد في القرآن الكريم، والسُنّة النبوية، والاستعمالات العربية بعض الألفاظ بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد،

ثمّ إنَّ الروايات المعتبرة دلّت على أنّ المراد هنا خصوص علي(عليه السلام)، فمن أنكر هذا ولو جاء اسم علي في القرآن لأنكره، وأوّله بدون شك; لأنّ هذه أدلّة في ولاية علي(عليه السلام) وهي كالشمس في رابعة النهار، وهاهم يؤوّلونها ويصرفونها عن محلّها ما استطاعوا، ولكن الله متمّ نوره ولو كره الكافرون.

التحرر من التقليد الأعمى:

إنَّ الأدلّة القاطعة والبراهين الواضحة القرآنية، كآية الولاية لا تبقي مجالاً للريب والشك في ثبوت معتقد الإمامية في مجال البحث في الإمامة والخلافة بعد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وإنَّ «رينالدو» يعدُّ أحد الذين تنوّروا بنور هذه الأدلّة والمعارف، وتحررّوا من قيد اتّباع التقليد الأعمى للموروثات العقائدية، وتيمناً باسم الإمام الثامن من العترة الطاهرة غيّر اسمه إلى: «رضا»(25).

____________

1- المائدة -٥-: ٥٥.

2- الدرّ المنثور ٢: ٢٩٣.

3- المناقب: ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

4- تفسير الثعالبي، المسمّى: بـ «جواهر الحسان في تفسير القرآن» ٢: ٣٩٦.

5- مجمع الزوائد ٧: ١٧.

6- جامع البيان ـ المعروف بـ «تفسير الطبري» ٦: ٣٨٩.

7- الروم -٣٠-: ٣٩، أحكام القرآن ٢: ٥٥٧ ـ ٥٥٨.

8- في تفسير الثعلبي ٤: ٨٠: قد هجرونا…

9- غلط من الراوي أو المؤلّف!! والصحيح: خاتم من فضة، كما في تفسير الآلوسي ٦: ١٦٧ وشواهد التنزيل ١: ٢٤٧.

10- أسباب نزول الآيات: ١٣٣.

11- شواهد التنزيل ١: ٢٠٩ و٢١٧ بعدّة طرق، وكلّها تقول أنّه تصدّق حال الركوع.

12- الروم -٣٠-: ٣٩.

13- الجامع لأحكام القرآن المعروف بـ «تفسير القرطبي» ٦: ٢٢١.

14- المائدة -٥-: ٥٦.

15- تفسير القرآن العظيم ـ المعروف بـ «تفسير ابن كثير ـ» ٢: ص٧٣.

16- روح المعاني ٦: ١٦٨.

17- راجع: منهاج السنة ٤ :٥.

18- راجع ما في هامش شواهد التنزيل ١: ٢١٣، نقلاً عن كفاية الطالب، الباب: ٦١.

19- الأحزاب -٣٣-: ٦.

20- راجع: مسند أحمد ٤: ٢٨١، تاريخ بغداد ٨: ٢٨٤.

21- راجع: تاج العروس ٢٠: ٣١٠، ماده ولى.

22- تفسير الآلوسي ٦: ١٦٩.

23- آل عمران -٣-: ٦١.

24- راجع: الكشاف ١: ٦٢٤.

25- راجع: معرفة تحليلية عن الإسلام وبعض الأديان والمذاهب: ٥٦٧.