ريكاردو بوئينا (رضا)

ريكاردو بوئينا (رضا) (مسيحي / الفلبّين)

من مواليد الفلبّين، حاصل على شهادة الليسانس في الهندسة المعمارية، نشأ في عائلة تعتنق الدين المسيحي، لكنّه وجد نفسه لا تتقبّل المفاهيم التي تُلقى عليها من دون الإفصاح عمّا كان يخالجه من تساؤل أو استفسار. فبقي على ذلك حتى صادف أنّه التقى بمجموعة من علماء الشيعة الوافدين إلى الفلبّين للتبليغ، فتعرّف على الإسلام، فكان ذلك سبباً في تعلّقه بالدين الإسلامي.

ومن الأُمور التي يطرحها المبلّغون الشيعة، والتي طالما تلفت نظر الباحثين في مجال الديانات السماوية: القواعد التي فرضها الإسلام على الولاة والحكام في الدولة والحكومة.

فإذا كانت إمامة المسلمين والولاية عليهم أمراً لازماً فهل يصحّ أن يتولاها كلّ من قدر على بلوغها دون نظر إلى صفاته الشخصية وكفاءاته؟ أم أنّ من يصحّ له أن يلي منصب الإمامة يجب أن تتوفّر فيه شروط خاصّة يمتاز بها عن غيره من الناس؟ يتّفق المسلمون فيما بينهم على أنّ منصب الإمامة لا يليه إلا من توفّرت فيه شروط مميزة.

الصفات التي يجب توفّرها في الحاكم المسلم عند أمير المؤمنين(عليه السلام):

هنالك مجموعة من الصفات التي لابد أن يتصف بها الوالي الشرعي وقد أشار أمير المؤمنين(عليه السلام) اليها في كلامه فقال: (وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ(1) وَالأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ; فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ(2)، وَلا الْجَاهِلُ; فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلا الْجَافِي(3); فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلا الْحَائِفُ(4)لِلدُّوَلِ(5); فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلا الْمُرْتَشِي(6) فِي الْحُكْمِ; فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ(7)، وَلا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ; فَيُهْلِكَ الأُمَّةَ)(8).

يذكر أمير المؤمنين(عليه السلام) صفات يجب أن تنتفي من الحاكم، وذكر(عليه السلام) شروط الوالي الذي يحكم وتكون بيده مقاليد الأُمور:

قولـه(عليه السلام): (وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ) ; لأنّ هذه الصفة كما يعلّلها الإمام تجعله يحرص على سلب أموالهم وضمّها إليه، وجمعها من الناس وتكديسها عنده، ويمنعها عن أهلها، وهذا يستلزم نفورهم منه وبعدهم عنه، مع ما في ذلك ممّا لا يحبّه الله من قبيح الصفات.

وقد حفل التاريخ بالعديد من الصور التي تشير إلى هذا المعنى الذي أشار إليه الإمام(عليه السلام) منها أنّه:

ذكروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سُنّة رسول الله وسُنّة صاحبيه، وما كان من هبته خُمس أفريقية لمروان، وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان، حتى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة: داراً لنائلة، وداراً لعائشة، ولغيرهما من أهله وبناته، وبنيان مروان القصور بذي خشب، وعمارة الأموال بها من الخُمس الواجب لله ولرسوله، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني أُميّة، أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول، ولا تجربة لهم بالأُمور(9).

قولـه: (وَلا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ) ; لأنّه لجهله بقوانين الدين وتدبير أُمور العالم ضالّ، وضلاله يستلزم ضلال من اقتدى به، وذلك ضدّ مقصود الشارع، ومن المعلوم أنّ، الوالي قدوة فإذا كان جاهلاً فكيف يرضى الشارع بقدوة جاهل.

قولـه: (وَلا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ) ; لأنّ جفاءه يستلزم النفرة والانقطاع عنه، فيمتنع الناس عن لقائه، ويكفّوا عن الدخول عليه، وبذلك لا يصله منهم صوت ولا شكوى ولا أمر ينتفع به، وفي ذلك ضرر وفساد; فإنّه صاحب الأمر الذي يجب أن يفتح صدره لكلّ الناس ويستقبلهم ويسمع منهم، فإنّه الأب للجميع، والرحمة العامة لكلّ الرعية.

قوله: (وَلا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم) ; فيجب أن يقسم المال بالسوية، فلا يؤثر طائفة على أُخرى، فتكون الأُولى بطانةً له، والأُخرى عدوّة له، وليس ذلك بالمال والأعطيات فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى الولايات وغيرها من الشؤون.

وروي «الحائف» بالخاء، فيكون المعنى: أن يخصّص بعنايته من يخافه دون غيره، وذلك ظلم لا ينتظم معه نظام العالم.

قولـه: (وَلا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ) ; فإنّه إذا قبض مالاً مقابل الجور في الحكم والعدول فيه عن الحق فإنّ ذلك يخرج الحقّ من أيدي أصحابه ويسلبه منهم، بل يميت الحقّ ويبطله، فلا تصل الحقوق إلى أصحابها بهذه الرشوة.

قولـه: (وَلا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الأُمَّةَ) ; لأنّ الوالي إذا عطّل سُنّة رسول اللّه وما جاء عنه فقد ضاعت قواعد الشريعة وقوانينها; لأنّ السُنّة هي الشارحة للكتاب والمتولّية لبيانه وتفصيل مجمله، بها تبيّنت خصوصيات الفرائض وتفصيلاتها، وخذ لذلك مثلاً: الصلاة; فإنّ عدد ركعاتها وكيفيتها وما فيها من قراءة وذكر وركوع وسجود وتشهّد وتسليم وغير ذلك، كلّ هذا قد تكفّلت به السُنّة فإذا تعطّلت فكيف يهتدي الناس إلى الدين؟! وكيف نعرف متى يُرجم الزاني، وخصوصيات ذلك؟! فمن عطّل السُنّة أعاد الجاهلية، وفي ذلك هلاك الأُمّة في الدنيا والآخرة.

مدح الأعمال الصالحة التي يقوم بها الحكّام:

وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلام له لمّا اجتمع الناس عليه وشكوا ما نقموه على عثمان، وسألوه مخاطبته عنهم واستعتابه لهم، فدخل عليه، فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ: إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً، وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ، لَهَا أَعْلامٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلامٌ)(10).

قوله: (فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ هُدِيَ وَهَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً): يشير بذلك إلى قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(11).

قوله: (وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلاَمٌ); فبيت المال، السُنّة فيه كانت معلومة، من وجوب صرفه في مصالح الإسلام والمسلمين، وبذل عثمان ذلك لبني أُميّة أعداء الإسلام بدعة واضحة، وتسمية عثمان فعله: صلة الرحم، مخزاة له; فإنّ مورد صلة الرحم بذل الإنسان مال شخصه لرحمه الذي كان رضى اللّه في صلته، وأمّا من كان من أعداء اللّه فلا يجوز إعطاؤه من ماله فضلاً عن مال غيره.

جزاء الحاكم الجائر والأعمال التي تجعله ينال هذا الجزاء:

وهو أيضاً ما أشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) في كلام له لعثمان، قال(عليه السلام): (وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ: إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى، ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا)(12).

إنّ أشرّ الناس: إمام جائر ظالم، ضلّ عن الطريق و اتّبع غير سبيل المؤمنين، وأضلّ غيره بفعله وسلوكه وتصرّفه، فأمات سُنّة نبوية إلهية أخذ بها الناس واتّبعوها، فجاء ليعطّلها ويلغي وجودها، بينما عمد إلى بدعة متروكة مهملة فأحياها و عمل بها و أمر الناس أن يعملوا بها.

ثم أراد تخويفه لعلّه يرجع أو يتوب، فذكر له ما سمعه من رسول اللَّه في حقّ الإمام الظالم، وكيف يؤتى به يوم القيامة وليس له من ينصره، أو يدفع عنه نار جهنّم وعذابها، ولا عاذر يعذره في ظلمه، أو يبرّر له ما فعل، وعندها يُلقى في نار جهنّم، فيدور فيها كما تدور الرحى، فتطاله بنارها كلّها حتى يذوق جزاء عمله، ثم يشدّ في قعرها ولا يخرج منها، أجارنا اللَّه من عذابها.

وبدون شك هناك أئمّة عدل و هناك أئمّة ضلالة; قال تعالى: ﴿وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ(13).

الدعوة إلى النار هي: الدعوة إلى ما يستوجب النار من الكفر والمعاصي; لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يُعذّبون فيها، أو المراد بالنار: ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار: تصييرهم سابقين في الضلال، يقتدي بهم اللاحقون، ولا ضير فيه; لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجحود، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

قوله: (ويوم القيامة لا ينصرون)، أي: لا تنالهم شفاعة من ناصر.

قوله تعالى: ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ: بيان للازم ما وصفهم به في الآية السابقة; فهم لكونهم أئمّة يقتدى بهم من خلفهم في الكفر والمعاصي لا يزال يتبعهم ضلال الكفر والمعاصي من مقتديهم ومتّبعيهم، وعليهم من الأوزار مثل ما للمتّبعين، فيتبعهم لعن مستمر باستمرار الكفر والمعاصي بعدهم.

فالآية في معنى قوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ(14).

وقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين(15)، وتنكير اللعنة للدلالة على تفخيمها واستمرارها.

وكذا لما لم ينلهم يوم القيامة نصر ناصر كانوا بحيث تتنفّر وتشمئزّ عنهم النفوس، ويفرّ منهم الناس ولا يدنو منهم أحد، وهو معنى القبح، وقد وصف الله تعالى من قبح منظرهم شيئاً كثيراً في كلامه.

اتّضاح الحقائق:

لمّا اتضحت لـ «ريكاردو» جملة من الحقائق وعرف الحق اعتنق الإسلام، واتخذ من مذهب أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام) مذهباً يدين الله به، وسمّى نفسه: «رضا» تيمّناً بالإمام ثامن الحجج(عليه السلام)(16).

____________

1- الغنم: الفوز بالشيء في غير مشقّة. والاغتنام: انتهاب الغنم، الفيء. كتاب العين ٤: ٤٢٦.

2- النهمة: بلوغ الهمّة والشهرة في الشيء. هو منهوم بكذا، أي: مولع به، وفي الحديث: «منهومان لا يشبعان: منهوم بالعلم، ومنهوم بالمال». كتاب العين ٤: ٦١.

3- الجفاء ممدود: خلاف البر. وقد جفوت الرجل أجفوه جفاء. فهو مجفو. الصحاح ٦: ٢٣٠٣.

4- الحيف: الميل في الحكم. حاف يحيف حيفا. كتاب العين ٣: ٣٠٧.

5- الدُولة بالضم، في المال، ويقال: صار الفيء دولة بينهم يتداولونه: يكون مرّة لهذا ومرّة لهذا، والجمع دولات ودول. الصحاح ٤: ١٦٩٩.

6- الرشوة: الجعل، ورشاه يرشوه رشواً: أعطاه الرشوة. لسان العرب ١٤: ٣٢٢.

7- كل شيء يقطع منه، فهو مقطع. والمقطع: موضع القطع. لسان العرب ٨: ٢٨٤.

8- نهج البلاغة ٢: ١٤، الخطبة: ١٣١.

9- الإمامة والسياسة ١: ٥٠.

10- نهج البلاغة ٢: ٦٨، الخطبة: ١٦٤.

11- الأنبياء -٢١-: ٧٣.

12- نهج البلاغة ٢: ٦٨، الخطبة: ١٦٤.

13- القصص -٢٨-: ٤١ ـ ٤٢.

14- العنكبوت -٢٩-: ١٣.

15- يس -٣٦-: ١٢.

16- راجع: معرفة تحليلية عن الإسلام وبعض الأديان والمذاهب: ٥٦٤.