وارتون كرباسين

وارتون كرباسين (حسين) (مسيحي / فرنسا)

ولد في قرية «فونتنبلو» التي تبعد مسافة خمسين كيلومتراً عن العاصمة الفرنسية باريس سنة ١٣٥٧هـ (١٩٣٩ م)، ونشأ في أُسرة مسيحية، ودرس في المدارس الأكاديمية في دار المعلمين للبنين.

حاز «وارتون» على شهادة المتوسطة، ومن ثَمّ توجه إلى بريطانيا لإكمال دراسته في قسم هندسة الراديو والكهرباء حتّى نال شهادته الهندسية، وبعدها سافر إلى بعض الدول الغربية والإسلامية، إلى أن جاء إلى إيران ليعمل فيها، فأُصيب بمرض شافاه الله ببركة الإمام الحسين(عليه السلام)، ممّا وفّقه إلى التشرّف بالانتماء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

تعرّفه على الإسلام والتشيّع:

وقّع «وارتون» عقداً بينه وبين إحدى شركات الطيران ليعمل في قسم الشعب الفنّية في مطار طهران الدولي، لمدّة سنة، وبعد انقضاء هذه المدّة رجّح البقاء في إيران على العودة إلى فرنسا، فعمل كمترجم في المعاهد التجارية المختلفة، ومن بعدها ذهب إلى جنوب إيران ليعمل في إحدى الشركات.

واغتنم «وارتون» أوقات فراغه مدّة إقامته في إيران بالمطالعة والدراسة عن الدين الإسلامي بشكل عامّ، وعن مذهب التشيّع بشكل خاصّ، كما قرأ القرآن عدّة مرّات ليرى ما فيه من الكنوز والذخائر.

الحكمة الإلهية:

شاءت الأقدار الإلهية أن يصاب «وارتون» بمرض عضال وهو «السينوزيت»، وبمرور الأيّام أخذ يتفاقم وضعه، ويزداد مرضه، وتكثر معاناته، فقرّر الأطباء نتيجة لفحوصاتهم الطبية إجراء عملية جراحية، فلم تطاوعه نفسه لإجراء تلك العملية.

وقد صادف أنّ تلك الأيّام التي كان يعاني فيها من هذا المرض كانت في شهر محرّم الحرام، وأيّام ذكرى استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام); يقول «وارتون»: كانت بجواري دار واسعة مغطّاة بخباء كبير أُعدّت للتعزية بمناسبة أيّام محرّم وذكرى عاشوراء، وكانت المآتم تُقام في الليالي، وتُذكر فيها مصائب سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، والوعظ والإرشاد، فاعتدت الجلوس خلف الشبّاك، والاستماع إلى كلمات الخطباء والمصائب التي كانوا يلقونها في المجلس.

فاتّفق أن قدّم أحد خدم المأتم طبقاً من شاي، وقال: أيّها السيّد! هل تشتهي أن تشرب شاي الإمام الحسين(عليه السلام)؟

وكانت الآلام تضيق عليّ لكنّي قبلت منه على اشتياق ورغبة تامّة.

وعندما لمست شفتاي الشاي أحسست نوراً خافتاً أضاء في فكري، فناجيت ربّي وقلت: «إلهي بحرمة الإمام الحسين(عليه السلام) ومنزلته أرني معجزة خارقة لأستريح من هذا الألم، ومن شدّة هذا المرض المهول».

وفي اليوم التالي وعند نهوضي من فراشي من النوم رأيت العجب العجاب، واتضح لي أنّي قد شفيت من مرضي كلّياً ببركة هذا الشاي للإمام الحسين(عليه السلام).

معاجز الإمام الحسين(عليه السلام):

رويت معاجز وكرامات خارقة للإمام الحسين(عليه السلام) قبل استشهاده، وبعد الشهادة.

فقد روى محمّد بن الحسن الصفّار بإسناده عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «إنّ الله عرض ولاية أمير المؤمنين فقبلتها الملائكة، وأباها مَلك يقال له: فطرس، فكسر الله جناحه، فلمّا ولد الحسين بن علي(عليه السلام) بعث الله جبرئيل في سبعين ألف مَلك إلى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يهنّئهم بولادته، فمرّ بفطرس. فقال له فطرس: يا جبرئيل! إلى أين تذهب؟

قال: بعثني الله إلى محمّد أهنئهم بمولود ولد في هذه الليلة.

فقال له فطرس: احملني معك، وسل محمّداً يدعو لي.

فقال له جبرئيل: اركب جناحي فركب جناحه، فأتى محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)، فدخل عليه وهنّأه، فقال له: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ فطرس بيني وبينه أُخوّة، وسألني أن أسألك أن تدعو الله له أن يردّ عليه جناحه.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفطرس: «أتفعل»؟.

قال: نعم.

فعرض عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) فقبلها، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «شأنك بالمهد، فتمسّح به وتمرّغ فيه».

قال: فمضى فطرس، فمشى إلى مهد الحسين بن علي ورسول الله يدعو له، قال: قال رسول الله: «فنظرت إلى ريشه وإنّه ليطلع ويجري منه الدم، ويطول حتّى لحق بجناحه الآخر، وعرج مع جبرئيل إلى السماء وصار إلى موضعه»(1).

وفي ذلك قال الشاعر:

غذاه النبي بإبهامه فما زال عن ريّها يصدر
به الله رَدّ على فطرس مقاماً به في السما يذكر(2).

ومن شعر للميرزا عبد المجيد بن عبد العلي الزنجاني وقد تعلّق بضريح الحسين(عليه السلام):

يدي وجناحا فطرس قد تعلّقا بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه
فإن ساد في أُمّ فأنت ابن فاطم وإن ساد في مهد فأنت أبو المهدي(3).

وروي من معاجزه أنّ قتلة الحسين(عليه السلام) لمّا قتلوه بعثوا برأسه إلى يزيد، فنزلوا أوّل مرحلة، فجعلوا يشربون بالرأس، فبينما هم كذلك، إذ خرجت عليهم من الجدار يدٌ معها قلم من حديد فكتبت سطراً بدم:

أترجو أُمّة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم الحساب(4).

فهربوا وتركوا الرأس.

أخرجه منصور بن عمّار، وذكر غيره أنّ هذا البيت وجد بحجر قبل مبعث النبيّ (صلى الله عليه وآله) بثلاثمائة سنة، وأنّه مكتوب في كنيسة من أرض الروم لا يُدرى من كتبه(5).

وكان رأسه الشريف يقرأ القرآن; فقد روى المنهال بن عمرو، قال: أنا والله رأيت رأس الحسين صلوات الله عليه على قناة يقرأ القرآن بلسان ذلق ذرب، يقرأ سورة الكهف حتّى بلغ: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا(6). فقال رجل: ورأسك – والله – أعجب يا ابن رسول الله من العجب(7).

وعنه أيضاً، قال: أُدخل رأس الحسين صلوات الله عليه دمشق على قناة، فمرّ برجل يقرأ سورة الكهف وقد بلغ هذه الآية: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، فأنطق الله تعالى الرأس، فقال: أمري أعجب من أمر أصحاب الكهف والرقيم(8).

وعن محمّد بن جرير الطبري الإمامي بإسناده عن الحارث بن وكيدة، قال: كنت فيمن حمل رأس الحسين(عليه السلام)، فسمعته يقرأ سورة الكهف، فجعلت أشكّ في نفسي، وأنا أسمع نغمة أبي عبد الله(عليه السلام)، فقال لي: «يا بن وكيدة، أما علمت أنّا معشر الأئمّة أحياء عند ربّنا نرزق؟».

قال: فقلت في نفسي: أسرق رأسه.

فنادى: «يا بن وكيدة، ليس لك إلى ذاك سبيل، سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييرهم رأسي، فذرهم: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الاَْغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ(9)(10).

الشفاء في تربة الحسين(عليه السلام):

روي عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الطين؟ فقال: «أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلاّ طين قبر الحسين(عليه السلام); فإنّ فيه شفاء من كلّ داء وأمناً من كلّ خوف»(11).

في حديث آخر: «ولكن لا يكثر منه، وفيه أمان من كلّ خوف»(12).

وعن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «طين قبر الحسين(عليه السلام) شفاء من كلّ داء»(13).

وفي خبر آخر: «وأماناً من كلّ خوف»(14).

وفي حديث آخر: «وهو الدواء الأكبر»(15).

وعنه(عليه السلام)، قال: «طين قبر الحسين(عليه السلام) فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل»(16).

وعنه(عليه السلام)، قال: «مَن أصابته علّة فبدأ بطين قبر الحسين(عليه السلام) شفاه الله من تلك العلّة إلاّ أن تكون علّة السام»(17)، أي: «الموت».

وعنه(عليه السلام)، قال: «لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرف حقّ أبي عبد الله(عليه السلام)وحرمته وولايته أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء»(18).

وعن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) حول طين قبر الحسين(عليه السلام)، قال: «هو أمان بإذن الله»(19).

وعن أبي عبد الله(عليه السلام) يقول: «حنّكوا أولادكم بتربة الحسين(عليه السلام) فإنّها أمان»(20).

وعن بعض أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام)، قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنّي رجل كثير العلل والأمراض، وما تركت دواء إلاّ تداويت به. فقال لي: «فأين أنتعن تربة قبر الحسين(عليه السلام); فإنّ فيها الشفاء من كلّ داء، والأمن من كلّ خوف، وقل إذا أخذته: «اللهم إني أسألك بحقّ هذه الطينة، وبحقّ الملك الذي أخذها، وبحقّ النبيّ الذي قبضها، وبحقّ الوصي الذي حلّ فيها، صلّ على محمّد وأهل بيته، واجعل لي فيها شفاء من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف».

قال: ثمّ قال(عليه السلام): «أمّا الملك الذي أخذها، فهو: جبرئيل(عليه السلام)، أراها النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: هذه تربة ابنك تقتله أُمّتك من بعدك، والنبيّ الذي قبضها محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، والوصي الذي حلّ فيها، فهو الحسين بن علي (عليهما السلام) سيّد الشهداء».

قلت: قد عرفت الشفاء من كلّ داء، فكيف الأمان من كلّ خوف؟

قال: «إذا خفت سلطاناً أو غير ذلك، فلا تخرجنّ من منزلك إلاّ ومعك من طين قبر الحسين(عليه السلام)، وقل إذا أخذته: «اللهم إنّ هذه طينة قبر الحسين وليّك وابن وليّك، اتّخذتها حرزاً لما أخاف ولما لا أخاف. فإنّه قد يرد عليك ما لا تخاف».

قال الرجل: فأخذتها كما قال لي، فصحّ والله بدني، وكانت لي أماناً من كلّ ما خفت وما لم أخف، كما قال(عليه السلام)، فما رأيت بحمد الله بعدها مكروهاً(21).

وروي عن جعفر الخلدي، قال: كان بي جرب عظيم كثير، فتمسّحت بتراب قبر الحسين(عليه السلام)، قال: فغفوت فانتبهت وليس عليّ منه شيء(22).

وفي عبارة: «فيها شفاء من كلّ داء» إشارة إلى جميع الأمراض البدنية والروحية والعقلية; لأنّ لفظة: «كلّ» وضعت للدلالة على العموم.

فلو تفهّمنا مغزى ومعنى: «فيها شفاء من كلّ داء» لاتّضح أنّ تربة كربلاء، والإمام الحسين(عليه السلام) لم يُعرفا إلى الآن! وأنّ تربة قبره إكسير يشفي داء أبداننا، وداء أفكارنا، وداء أرواحنا، وكل داء جسمي، أو روحي للبشر. وأمناً من كلّ خوف.

إنّها أمانٌ من الخوف الأكبر، لمن وضعها في قبره وتفضّل الله عليه بإكرامه إكراماً لهذه التربة، تربة الإمام الحسين(عليه السلام)، كما أنّها أمان من خوف الظالم في الدنيا لمن اصطحبها معه ليردّ ببركتها ظلم الظالم!

نقطة التحوّل

بعد شفاء «وارتون» من المرض الذي كان يعاني منه أقبل على اعتناق الدين الإسلامي والمذهب الشيعي، يقول «وارتون»: «فكانت مطالعاتي السابقة حول الإسلام وهذه الواقعة العجيبة التي شاهدتها عيناي أثّرت في نفسي فصممت على إعتناق الدين الإسلامي، وبعد أشهر عدت من جنوب إيران إلى طهران العاصمة، ومنها توجّهت إلى مدينة قم المقدّسة حيث الحوزة العلمية».

وعند مجيئه إلى قم حضر عند أحد علماء الشيعة، ونطق الشهادتين، واعتنق الإسلام ومذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وتسمّى باسم: الامام الحسين(عليه السلام)(23).

____________

1- راجع: بصائر الدرجات: ٨٨، كامل الزيارات: ١٤٠، الأمالي للصدوق: ٢٠٠ الحديث ٢١٤، روضة الواعظين: ١٥٥، دلائل الإمامة: ١٩٠ الحديث ١١٠، بشارة المصطفى: ٣٣٨.

2- شجرة طوبى ٢: ٢٦١.

3- أعيان الشيعة ٨: ٩٣.

4- الصواعق المحرقة ٢: ٥٦٨، سبل الهدى والرشاد ١١: ٧٦.

5- الصواعق المحرقة ٢: ٥٦٨.

6- الكهف -١٨-: ٩.

7- الثاقب في المناقب: ٣٣٣، فيض القدير ١: ٢٦٥، تاريخ مدينة دمشق ٦٠: ٣٦٩، سبل الهدى والرشاد ١١: ٧٦.

8- الثاقب في المناقب: ٣٣٣.

9- غافر -٤٠-: ٧٠ ـ ٧١.

10- دلائل الإمامة: ١٨٨ نوادر المعجزات: ١١١.

11- الكافي ٦: ٢٦٦.

12- الكافي ٦: ٣٧٨.

13- كامل الزيارات: ٤٦١، الحديث ٧٠١.

14- كامل الزيارات: ٤٦٦ ـ ٣٦٧ الحديث ٧١٠ ـ ٧١١.

15- كامل الزيارات: ٤٦٢، الحديث ٧٠٢.

16- كامل الزيارات: ٤٦٢، الحديث ٧٠٣.

17- كامل الزيارات: ٤٦٢، الحديث ٧٠٤.

18- كامل الزيارات: ٤٦٥، الحديث ٧٠٦.

19- كامل الزيارات: ٤٦٦، الحديث ٧٠٧.

20- كامل الزيارات: ٤٦٦، الحديث ٧٠٨.

21- راجع: كامل الزيارات: ٤٧٣، تهذيب الأحكام ٦: ٧٥.

22- شرح إحقاق الحقّ ٢٧: ٤١٩.

23- راجع كتاب «المستبصرون» للبنجوري: ٨٣، ومجلة نوردانش العدد ١.