جمال الدين كامارا

جمال الدين كامارا (وهّابي / غينيا – كوناكري)

ولد سنة ١٣٩٥ه (١٩٧٥م) في مدينة (ماسانتا) في غينيا، نشأ وواصل دراسته في بلده إلى أن نال شهادة الثانويّة، كما كانت له دراسة دينيّة لمدّة أربع سنوات في إحدى المدارس الوهّابية، لكن شاءت الأقدار أن يتعرف على بعض الشيعة ومن خلالهم تعرّف على مذهب أهل البيت عليهم‏السلام فاعتنقه سنة ١٩٩٦م.

يقول «جمال الدين»: «بعد إكمالي الدراسة الثانوية، سافرت إلى ساحل العاج، وهناك انتميت إلى إحدى المدارس الوهّابية، وكان الأساتذة كثيراً ما يذكرون الشيعة وعلمائهم بسوء، وصادف في أحد الأيّام التقيت ببعض اللبنانيين الموجودين هناك، وعرفت أنّهم من الشيعة، فسألتهم عن دينهم؟ فذكروا أنّهم مسلمون، يؤمنون باللّه‏ ورسوله والأئمّة الأطهار عليهم ‏السلام الذين أوصى بهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وحدّثوني عن قصّة كربلاء، وعن الإمام الحسين عليه‏ السلام، وما جرى عليه وعلى أهله وأصحابه من القتل والأسر وغير ذلك، فتعجّبت من كلامهم كثيراً»!!

ثورة الحسين عليه ‏السلام:

إنّ ثورة الحسين عليه‏السلام في كربلاء الدامية، التي شقّت ظلامة بني أميّة، وعرت نظامهم الحاكم بوجهه الحقيقي أمام البشريّة جمعاء، حتّى انقدح أوّل شرارة يقظة في قلوب المسلمين من جور الظالمين، وتلتها ثورات متعاقبة، ولقد سجّل التاريخ عشرات الثورات والانتفاضات، ولكنّ التاريخ لم يحدّث لنا عن ثورة في تاريخ الشعوب والأمم أنّها عاشت كما عاشت مثل ثورة الحسين عليه‏السلام الخالدة، وكان لها تلك الضجّة في زمانها بل في كلّ زمان ومكان، وأعطت وقدّمت للإنسانيّة من المنجزات والقيم والمثل العليا مالم تعطه أيّة ثورة أخرى، وما زالت حيّة في ضمير الإنسانيّة.

وإنّها الثورة الوحيدة من بين جميع الثورات والانتفاضات التي وقعت في تاريخ البشريّة دفعت الأُمّة نحو التحرّر من الاستغلال والاستعباد والتسلّط، وأسهمت ولا تزال تسهم بدور هام في تكوين الشخصيّة الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة لدى المسلمين، بل في العالم بأسره، بعد أن كان المسلمون يوم ذاك يفقدون حريّتهم وروحهم النضاليّة، وحتّى وجودهم جرّاء سياسة حكّام بني أميّة.

لذا نجد هذه الثورة كانت الوهج الساطع الذي أضاء المسلك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقه الصحيح، والمرآة الصافية ترسم لنا طريقاً نحو مستقبل أفضل، ومجتمع أرقى، وهو الوقوف بجانب الحقّ وعون المظلوم وإن قلّ أنصاره وضعفت شوكته، والثورة على الظلم والظالمين.

سبب خروج الحسين عليه‏ السلام:

بيّن الإمام الحسين عليه‏السلام أهدافه من ثورته في وصاياه وخطبه التي ألقاها في مسيره.

قال في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة: «إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا ظالماً، ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبيطالب عليه‏ السلام، فمن قبلني بقبول الحقّ، فاللّه‏ أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي اللّه‏ بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين»(1).

ولأجل هذه الأهداف النبيلة نرى الإمام الحسين عليه‏السلام خرج على طاغية زمانه يزيد وفجّر ثورته الخالدة، فهو لم يخرج أشراً ولا بطراً، ولم يخرج لأجل مصالح ماديّة له أو لأسرته، ولم يخرج لأجل الإفساد أو الظلم على الآخرين، وإنّما خرج على حكّام الظلم والجور والطغيان، يريد أن يقيم الإصلاح في أمّة جدّه ما أفسده فرعون زمانه، وأن يبسط العدل بين الناس، وإحقاق الحقّ وإماتة الباطل، أن يسير على منهاج جدّه وأبيه، لا على منهاج أيّ أحد من الخلفاء.

ومن هنا نجد الإمام الحسين عليه‏ السلام يدعو الأُمّة إلى الالتفاف حوله كي تطالب بحقوقها، وتصون كرامتها وعزّتها التي سلبت من قِبَل حكّام بني أميّة، وإذا لم تستجب الأُمّة لنصرته فإنّه سيواصل مسيرته النضاليّة وحيداً بصبر وثبات في مقارعة الظالمين والمعتدين، حتّى يحكم اللّه‏ بينه وبينهم بالحق ّن وهو خير الحاكمين.

مقارعة الطغاة:

ومن الأسباب والعوامل التي حفّزت الإمام على الثورة والخروج على النظام الأموي الفاسد إدراكه لما يمثّله هذا النظام من انحرافات ومخالفات لأحكام الدين، واستباحة كلّ المحرّمات، ومخالفة كتاب اللّه‏ وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم حيث قال في خطبة له عليه‏السلام لأصحاب الحرّ في منطقة يقال لها البيضة: «أيّها الناس إنّ رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من رأى سلطاناً جائراً مستحّلاً لحرم اللّه‏، ناكثاً لعهد اللّه‏، مخالفاً لسنّة رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم يعمل في عباد اللّه‏ بالإثم والعدوان، فلم يغيير عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على اللّه‏ إن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام اللّه‏، وحرّموا حلاله…»(2).

لقد حاولت السلطة الأمويّة في اضطهاد الناس، والتحكّم بمصير الأُمّة، ونهب ثرواتها ؛ ولذا ثار الإمام لينقذ هذه الأُمّة من أيدي الظالمين ويعيد كرامتها.

وقد أكّد على ذلك أيضاً في خطبته التي خطبها في ذي حسم قائلاً: «إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها، واستمرت جدّاً فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه‏ محقّاً، فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً»(3).

وزاد في تحف العقول: «إنّ الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون»(4).

الإباء والكرامة:

ومن الصفات التي اتّسم بها الإمام الحسين عليه‏السلام هي الإباء، وعدم الخنوع للظالم والوضيع، فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية، ورسم طريق العزّة والشرف، وآثر الموت تحت ظلال الأسنة والسيوف والرماح على الحياة في الدنية، والعيش ظلّ في الذل حيث احتجّ عليه ‏السلام على أهل الكوفة بكربلاء قائلاً: «تبّاً لكم أيتها الجماعة، وترحاً وبؤساً لكم! حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناكم موجفين… ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك منّي! هيهات منّا الذلّة! أبى اللّه‏ ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت وجدود طابت، أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(5). وقد وصف ابن أبي الحديد المعتزلي مواقف الإمام الحسين عليه‏السلام بقوله: «سيّد أهل الإباء، الذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلال السيوف، اختياراً له على الدنيّة، أبو عبد اللّه‏ الحسين بن علي بن أبيطالب عليه‏السلام، عرض عليه الأمان وأصحابه، فأنف من الذلّ، وخاف من ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان، إن لم يقتله، فاختار الموت على ذلك»(6). يقول فيه مصعب ابن الزبير: «واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة»(7). وقال عليه‏السلام: «موت في عزّ خير من حياة في ذلّ»(8).

وممّا أنشأه عليه‏ السلام في يوم قتله: عندما حمل على الميمنة قال:

الموت خير من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

ثمّ حمل على الميسرة وقال:

أنا الحسين بن علي أحمي عيالات أبي
آليت أن لا أنثني أمضي على دين النبيّ(9)

وقد رثى السيّد حيدر الحلّي الإمام الحسين عليه ‏السلام بقوله:

فأبى أن يعيش إلاّ عزيزاً أو تجلّى الكفاح وهو صريح
فتلقّى الجموع فرداً ولكنّ كلّ عضو في الروع منه جموع
زوّج السيف بالنفوس ولكنّ مهرها الموت والخضاب النجيع(10)

وهكذا يعلّمنا أبو الأحرار نبل الإباء والتضحية، وأروع الدروس عن الكرامة وعزّة النفس وشرف الإباء والمنعة من أن ينزل على حكم بني أميّة، قائلاً:«لا واللّه‏ لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»(11).

نهاية المطاف:

يقول «جمال الدين»: «بعد ما عدت من ساحل العاج التي قضيت فيها تسعةأشهر إلى بلدي غينيا التقيت ببعض شيوخ الشيعة، وعرضت عليهم بعض الشبهاتالتي كانت تدور في ذهني، فأجابوا عنها بكلّ رحابة صدر، وزوّدوني ببعض الكتبالتي تحتوي على عقائد الشيعة، وبعض أشرطة الكاسيت المحتوية على معارف أهل البيت عليهم السلام فطالعت تلك الكتب بدقّة، واستمعت إلى الأشرطة بتمعّن، فهداني اللّه‏ إلى الرشد، وعلمت أنّ الحقّ مع شيعة أهل البيت عليهم‏السلام، فآمنت بمذهب عترة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وقد أوصى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في الحديث المتواتر بين الفريقين بالتمسكّ بهما، ومن الواضحأنّ قوله صلى الله عليه و آله و سلم حجّة بلا إشكال.

فحمدت اللّه‏ الذي وفّقني للتمسكّ بعروة أهل بيت نبيّه المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم ووصيّهالمرتضى عليه‏ السلام، والأئمّة من بنيه.

____________

1- بحار الأنوار ٤٤: ٣٢٩.

2- تاريخ الطبري ٤: ٣٠٥، الكامل في التاريخ ٤: ٤٨، بحار الأنوار ٤٤: ٣٨٢.

3- تاريخ الطبري ٤: ٣٠٥، تاريخ الإسلام ٥: ١٢.

4- تحف العقول: ٢٤٥.

5- الاحتجاج ٢: ٢٥.

6- شرح نهج البلاغة ٣: ٢٤٩.

7- مقتل الحسين عليه‏السلام لأبي مخنف: ٢٤٧، تاريخ الطبري ٤: ٣٦٤، الكامل في التاريخ ٤: ٩٨.

8- مناقب آل أبي طالب عليه‏السلام ٣: ٢٢٤.

9- مناقب آل أبي طالب عليه‏السلام ٣: ٢٥٨.

10- ديوان السيّد حيدر الحلّي ١: ٣٦.

11- الإرشاد ٢: ٩٨.