إبراهيم أحمد باه

إبراهيم أحمد باه (مالكي / غينيا – كوناكري)

ولد إبراهيم في مدينة كونا كري عاصمة جمهوريّة غينيا سنة ١٣٩١ه (١٩٧٢م)، وينتمي أكثر سكّان غينيا إلى المذهب المالكي، وقد نشأ إبراهيم كسائر مسلمي بلاده في أسرة مالكيّة. وبقي على هذا المذهب إلى أن انتهى به البحث إلى إعلان انتمائه لمذهب أهل البيت عليهم‏السلام، وذلك سنة ١٤١٢ه (١٩٩٢م).

البداية:

أدخله والده – الذي كان يعمل بالتجارة – في دورة تعليميّة تأهيليّة عند أحد المشايخ لقراءة القرآن الكريم، وبعد انتهائه منها، واصل دراسته في المدارس الأكاديميّة.

وشاءت الأقدار أن يغادر بلده إلى السيراليون المجاورة، حيث أقام فيها قرابة سبع سنوات، وواصل دراسته هو ووالده الذي كان يدرس ويتاجر في الوقت نفسه. وقد أدّى اضطراب الأوضاع السياسيّة في السيراليون إلى عودتهم لبلدهم الأصلي، فكان إبراهيم قد تكوّنت لديه حصيلة ثقافيّة وخبرة اجتماعيّة تؤهّله لأخذ دور مناسب في مجتمعه، فاشتغل معلّماً في إحدى المدارس الابتدائيّة في العاصمة.

تعرّفه على الشيعة:

كان إبراهيم قد سمع ما تتداوله الألسن حول الشيعة والشبهات المثارة حولهم، ولذلك قرّر استغلال وجوده في العاصمة كوناكري للتعرّف عليهم عن قُرب، حيث كان عدد منهم يقطن هناك.

ومن خلال تدريسه أخذ يتعرّف شيئاً فشيئاً على طلاّبه، فعلم أنّ منهم من ينتمي إلى المذهب الشيعي، فبدأ بسؤالهم والإستفسار منهم حول هذا المذهب، لكنّ إجاباتهم لم تكن وافية بسبب صغر سنّهم وقلّة معلوماتهم، فقرّر الإتصال بأولياء أمورهم.

وتمّ له ذلك عندما وطّد علاقته بأحد الآباء، وكان هذا الشخص يمتلك حظّاً وافراً من المعلومات والثقافة في مجال المذهب الشيعي، الأمر الذي جعل إبراهيم يتردّد عليه بصورة مستمرّة، فيطرح عليه أسئلته ويحصل على الجواب منه، كما كان يستعير منه بعض الكتب الهامّة مثل كتب الأستاذ التيجاني وكتب التاريخ والتفسير.

فانكشفت له بذلك حقائق كثيرة، طالما حاول المتعصّبون إخفاءها، حتّى انّ أباه – الذي تأثّر بالإشاعات التي تُثار حول الشيعة – كان يوصيه بعدم التأثّر بالفكر الشيعي، لكن إبراهيم وجد في هذا الفكر خلاف ما يقال حوله، فقرّر البحث والتأمّل فيه، إلى أن أقتنع تماماً به فأعلن انتمائه إلى مذهب أهل البيت عليهم ‏السلام.

الدعوة إلى عدم سماع كلام الشيعة:

كان النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله و سلم يدعو الناس إلى الحقّ والهدى بأسلوب مرن وجميل، يجذب القلوب المهيّئة لقبول الحقّ بكلّ يُسر وسهولة، فترى الشخص يقبل كلامه ويؤمن به ما أن يسمعه، وذلك لأنّ دعوته صلى الله عليه و آله و سلم موافقة للعقل والفطرة السليمة.

وقد حاول أعداؤه من المشركين أن يقفوا بوجهه، فتوسّلوا بمختلف الوسائل من ترغيب وترهيب وغير ذلك، لكنّهم لم يتمكّنوا من منع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وإيقافه من التقدم في مسيرته المقدّسة، كما عجزوا عن معارضة فكره المتعالي بفكر آخر يتمكّن من معارضته وإقناع الناس بعدم الميل إليهم ؛ ولذا أخذوا يدعون الناس – الذين لم يسمعوا بدعوة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وكانت لديهم قلوب مهيّئة لتقبّل دعوته – إلى عدم سماع كلامه، وإثارة الضوضاء والضجيج عند بدئه بالكلام، حتّى لا يتمكّن الناس من سماعه: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ»(1)، لكنّهم عجزوا في نهاية الأمر عن الوقوف في وجه هذا السيل الإلهيّ الهادر، الذي أخذ يجرف معه القلوب واحداً بعد الآخر، ويأخذ بها نحو طريق الهداية.

ويتكرّر هذا المشهد مع الشيعة، فنرى أنّ البعض يدعوا الناس إلى عدم قراءة كتب الشيعة، ويصنّفها تحت عنوان: (كتب الضلال)، وإلى عدم أستماع محاضرات علمائهم، وعدم مشاهدة فضائيّات الشيعة، وعدم الدخول إلى مواقعهم على الإنترنيت. ولو أمكنهم منع نشر هذه الكتب، ومنع هؤلاء العلماء من إلقاء محاضراتهم في بلد من البلدان لفعلوا، كما لو تمكّنوا من تعطيل بثّ فضائيّات الشيعة وضرب مواقعهم لما تردّدوا في ذلك.

كلّ ذلك بسبب متانة أدلّة الشيعة وحقانيّتهم وعدم وجود جواب من علمائهم لما يطرحه الشيعة في الردّ على الوهّابيّة. فلم يكتفوا بذلك، بل أخذوا يبثّون الإشاعات حول الشيعة، ويقدّمون معلومات غير واقعيّة عنهم، حتّى يؤدّي ذلك إلى نفور باقي المسلمين منهم. وهذا هو جهد العاجز.فقد عجزوا عن مجابهة الفكر الشيعي الذي يتميّز بالعقلانيّة والعمق، ولهذا ترى كتبهم مُلأت بالسباب والشتيمة وعبارات تدلّ على حقد أسود وضغينة بغيضة.

وعندما عجز مشركوا مكّة عن مقابلة فكر الإسلام بفكر مثله لجاؤا إلى السباب والاتّهام والسخرية، فوصفوا الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم بالجنون والسحر، كما برزت ظاهرة المستهزئين الذين كانوا يستهزؤن بالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم (2).

ولكن لم ينفع أولئك، ولن ينفع هؤلاء أن يبذلوا قصارى جهدهم للوصول إلى مآربهم، فإنّ نور الحقّ لا يطفى ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(3)، لقد تمكّن «إبراهيم» من كسر هذا الجدار الإعلامي، والدخول إلى الفكر الشيعي، فتأمّل فيه، فوجده فكراً منطقيّاً موافقاً للعقل والفطرة، وبذلك أعلن انتمائه إليه.

ولم يكتف بذلك، بل أخذ يعرّف أباه وباقي أسرته على هذا الفكر، حتّى أقنعهم، فتشيّع أبوه، كما أعلنت خالتاه تشيّعهما. وكان أيضاً سبباً – بالتعاون مع بعض الشبّان الواعين والمؤمنين – في التاثير على عدد من السكّان في الانتماء إلى مذهب أهل البيت عليهم‏ السلام.

____________

1- فصّلت ٤١ : ٢٦.

2- السيرة النبويّة، ابن هشام ١: ٢٣٧، ٢: ٢٧٧.

3- الصف ٦١ : ٨.