سالم عبد القادر

سالم عبد القادر (سنّي / غويانا)

ولد في غويانا التعاونيّة من القارّة الأمريكيّة الجنوبيّة سنة ١٣٩٥ه (١٩٧٦م) في أسرة سنّيّة المذهب، ودرس في المدارس الحكوميّة حتّى نال الشهادة الثانويّة.وقد تابع والده في الإنتماء إلى المذهب الشيعي وعمره أربعة أعوام فقط، وذلك في سنة ١٤٠٠ه (١٩٨٠م)، وهذا يعني ان تشيّعه عريق وقديم، وأنّه عندما وصل إلى سنّ التميز ومن ثمّ البلوغ كان شيعيّاً محضاً.

ثمّ إنّه عندما أدرك تابع مطالعات والده التي قادته إلى التشيّع عن يقين وبصيرة، وأستطاع أن يصل إلى قناعة شخصيّة وبالدليل على أحقيّة هذا المذهب وتجسيده للإسلام. ويعدّ «عبد القادر» – والد سالم – من وجهاء مدينة (ليندن) أحد أهم مدن غويانا التعاونيّة، ومن الشخصيّات المحترمة عند الجميع حتّى من قبل أهل السنّة، وله إلمام بالمعارف الدينيّة، والتبليغ، وتدريس الأحكام. وقد تأثّر كثيراً ببعض علماء الشيعة رحمه‏م الله، الأمر الذي دعاه إلى الانتماء إلى مذهب أهل البيت عليهم ‏السلام وإعلان تشيّعه.

وقام «عبد القادر» بإنشاء (مركز معلومات غويانا الإسلامي) والذي تقام فيه العديد من النشاطات الثقافيّة والدينيّة، كما تقام فيه صلاة الجمعة والجماعة، يعينه على ذلك ولده «سالم» وقد كان لهذا المركز دور هامّ في اجتذاب الكثيرين الذين وجدوا طريقهم إلى مذهب أهل البيت عليهم ‏السلام.

أهميّة التبليغ ونشر المعارف الدينيّة:

إن من يحمل رسالة ويرغب في أن يتعرّف الآخرون عليها، لا يسعه أن يجلس جانباً ويتوقّع أن يأتيه الناس لينتهلوا من عطائه، بل عليه أن يخرج إلى المجتمع ويختلط بالآخرين، يعيش كما يعيشون ويشعر بما يشعرون، وبذلك يتمكّن من إيصال رسالته بواسطة أقواله وسلوكه إلى الناس، فإن وقعت أقواله وكلماته في قلوبهم موقعها، بحيث لم تتناف مع فطرتهم وعقلهم، وإن طابق سلوكه أقواله، اتّبعوه،وإلاّ أعرضوا عنه وتركوه.

وبطبيعة الحال، إنّ تحقيق هذا الهدف يتطلّب الشيء الكثير من الصبر والجلد والقدرة على مواجهة مختلف أنواع الصعاب والمتاعب، فإن تغيير المجتمع أمر شاق وفي غاية الصعوبة، إذ لا يمكن إقناع كلّ أحد بتغيير سلوكه وطريقة تفكيره التي درج عليها وأشتدّ عوده وهو متمسّك بها ؛ ولذلك يرفض الكثيرون ترك طريقتهم القديمة تعنّتاً، حتّى لو اقتنعوا في قرارة قلبهم بكلام صاحب الرسالة، وقد أشار

القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة فقال: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا(1).

ولهذا قد يدوم عمل الرسالي سنوات مديدة، من دون أن تكون نتيجة عمله قطعيّة، فقد يتمكّن من تغيير المجتمع وقد لا يتمكّن. فهذا النبيّ نوح عليه‏السلام استمرّ في دعوته مئات السنين(2)، من دون أن يتمكّن من تغيير أحد إلاّ النزر اليسير من القلوب القاسية في مجتمعة(3). وهذا بالطبع لا يحطّ من قيمة عمله ونشاطه عليه‏السلام، فهو قد بذل ما كان ينبغي عليه ولم يقصّر في دعوته، لكن الناس المتمسكّين بعاداتهم الموروثة أمتنعوا من قبول دعوته وأصرّوا على ضلالهم.

ولقد حثّ الكتاب العزيز على التبليغ والحركة من أجل تعلّم المعارف الرساليّة وإيصالها إلى البشريّة، فقد دعى إلى قيام مجموعة من كلّ مجتمع بالتعلّم والتفقّه في الدين، لكي يتمكّنوا من إيصال رسالة الدين إلى قومهم ويقوموا بالتغيير المطلوب في مجتمعاتهم، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(4).

ثمّ إنّه ينبغي على المبلّغ أن تتوفّر فيه صفات كثيرة، نذكر منها: أولاً: العلم والمعرفة: ينبغي على المبلّغ ان يعرف ما يدعو إليه ويعيه وعياً تامّاً، فإن الجاهل يقع في متاهات لا نهاية لها، ويؤدّي إلى وقوع من يتّبعه في المهالك ؛ ولهذا يتحتّم على المبلّغ أن يدرس ويتعلّم الفكر والعقيدة التي يريد أن ينشرها بين الناس، حتّى يتمكّن من نشرها بصورة صحيحة، ومن الردّ على الإشكالات التي قد يتعرّض لها من قبل المعارضين.

ثانياً: الإيمان: إنّ رسوخ إيمان المبلغ بالرسالة التي تدعو إليها تجعله ثابتاً كالجبل لا يتزلزل، فلا تهزّه الأزمات والمصاعب والمعوّقات التي يضعها المخالفون أمام طريقه، ولا تزعزع كيانه الإغراءات التي تُقدّم إليه مقابل تنازله عن رسالته ودعوته، كما نرى رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم صبر أمام جميع المصاعب والهموم التي واجهها أثناء دعوته، كالحصار القاتل في الشعب الذي عانى فيه رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم أشدّ المعاناة، لكنّه صبر ولم يتوان عن الاستمرار في بثّ رسالته المقدّسة، وأيضاً نراه صلى الله عليه و آله و سلم صبر وثبت أمام الإغراءات المثيرة التي قدّمها إليه رجالات قريش، والتي كانت واحدة منها كافية لتغري غيره بكلّ سهولة، كي يتنازل عن مطالباته ونشاطه، فقد عرضوا عليه أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكّة، ويزوّجوه ما أراد من النساء(5)، لكنّه أعرض عنها ورفضها رفضاً تامّاً إن كلّ ذلك الثبات ناشيء من إيمانه صلى الله عليه و آله و سلم الراسخ بدعوته، الأمر الذي حوّله إلى شخصيّة صلبه وقويّة لا يضعضعها شيء.

ثالثاً الاستعداد للتضحية: يجب على المبلّغ أن يكون مستعدّاً للتضحية بكلّ ما يملك من فكر وطاقات جسديّة ووقت وأموال وأسرة، وقد يتطلّب الأمر منه أحياناً أن يضحّي بحياته من أجل المبدأ الذي يؤمن به ويحاول إيصاله إلى الآخرين.

والحسين عليه ‏السلام أفضل قدوة في هذا المجال، فقد ضحّى صلوات اللّه‏ عليه بكلّ ما يملك من أهل أصحاب ولم يكتف بذلك بل ضحّى بدمه الطاهر في سبيل أهدافه السامية وغاياته المقدّسة. وهكذا ينبغي أن يكون المبلّغ الحقيقي، فإنّ المبلّغ الضعيف والمتواني يهرب من المعركة عند أوّل مواجهة، ولا يتمكّن بذلك من النجاح في مهمّته، والرقي بمستوى عمله. وبطبيعة الحال إنّ الناس مختلفون في مستويات تحمّلهم

وطاعتهم، ولا يُتوقّع من الجميع أن يبذلوا ويضحّوا بنفس المقدار، ولكن ينبغي على كلّ مبلّغ أن يعرف مدى طاقته ويشخّص حدود قدراته، فلا يرد مورداً يتطلّب تضحيات جسام، لا يقدر عليها.

إنّ ما يقوم به «سالم» ووالده عبد القادر عمل مقدّس وجدير بكلّ إكبار وإجلال، فهما مستمرّان في مهمّتهما بكلّ جدّ وعزم، والأمل يحدوهما في أن يعمّ الحقّ والحبّ والوئام في بلادهم (غويانا)، وفي أرجاء القارّة الأمريكيّة الجنوبيّة، بل والعالم أجمع.

وينبغي على الجهات المسؤولة عدم ترك هذا النوع من المبلّغين الناشطين بمفردهم، بل يجب دعمهم بمختلف الوسائل الماديّة والمعنويّة، حتّى يتمكّنوا من رفع مستوى عملهم التبليغي، وتعزيز قدراتهم الفاعلة في مجتمعهم.

____________

1- النمل ٢٧ : ١٤.

2- العنكبوت ٢٩ : ١٤.

3- هود ١١ : ٤٠.

4- التوبة ٩ : ١٢٢.

5- تاريخ الطبري ٢: ٧٤ – ٧٥.