باسم عبد المنعم الدليمي

باسم عبد المنعم الدليمي (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٨٣هـ (١٩٦٤م) في بغداد، وعندما بلغ مرحلة الرشد وجد نفسه بحاجة إلى تعميق التثبّت من معتقداته الدينيّة، فتوجّه نحو قراءة الكتب الدينيّة، واستماع المحاضرات الإسلاميّة.

وعندما وقع بيده الكتاب الشيعي وجد نفسه في أجواء علميّة تأخذ بيده إلى خلاف الاتّجاه الذي ورثه من آبائه، ثمّ توفّرت له أجواء للمشاركة في المحاضرات الدينيّة التي يلقيها علماء أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، ومن هنا بدأت بحوثه المقارنة التي دفعته إلى اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام ١٤٠٥هـ (١٩٨٥م).

أهل السنّة ومعاوية:

من جملة الأمور التي تلفت نظر الباحث عندما يقارن بين مذهب أهل السنّة ومذهب الشيعة، هو أنّ مذهب أهل السنّة مذهب تلقّى الدعم من بني أُميّة وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، ومذهب الشيعة أتباع أهل البيت(عليهم السلام) الذين حاربهم بنو أميّة بكلّ ما أوتوا من قوّة.

فكيف يمكن الوثوق بمذهب نشأ في أحضان معاوية بن أبي سفيان؟!

وكيف يسمح الإنسان لنفسه الإعراض عن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بعد إلمامة بما قاله القرآن والرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّهم؟!

ويا ترى من هو معاوية؟ ومن أبوه أبو سفيان؟ ومن أُمّه هند؟

فهو الطليق ابن الطليق، وهو الذي أمضى شبابه في تحشيد الجيوش لمحاربة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والقضاء على دعوته بكلّ جهوده، فلمّا كتب الله النصر لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) اسلم رغم أنفه.

وبعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حاول أبوه أبو سفيان الاصطياد بالماء العكر وإثارة الفتنة والقضاء على الإسلام، وبدأ يحرّض الإمام علي(عليه السلام) ضدّ أبي بكر وعمر، ولكنّ الإمام علي(عليه السلام) عرف نواياه السيّئة ولم يسمح له أن يحقّق مآربه المغرضة ضدّ الإسلام والمسلمين.

ولمّا آل أمر الخلافة لعثمان، قال أبو سفيان: «تلقّفوها تلقّف الكرة يا بني أميّة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ليس هناك جنّة ولا نار»(1).

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس: أنّ أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عمي فقال: هل هنا أحد؟

فقالوا: لا.

فقال: اللّهم أجعل الأمر أمر جاهليّة، والملك ملك غاصبيّة، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية(2).

وعندما وقعت ولاية الشام بيد معاوية وبعد محاربته الإمام علي(عليه السلام) وسفك دماء المسلمين من أجل التسلّط على رقاب المسلمين وقعت بيده السلطة بعد فترة من استشهاد الإمام علي(عليه السلام) فهيمن بالقهر والقوّة، وفعل ما فعل، وبدأ يحارب رسالة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فبقيت آثار أفعاله موجودة في عقائد أتباع أهل السنّة إلى يومنا هذا.

معاوية وابتغائه دفن ذكر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم):

روى الزبير بن بكّار عن مطوف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: دخلت مع أبي على معاوية فكان أبي يأتيه ويتحدّث عنده ثمّ ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب ممّا يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتمّاً، فانتظرته ساعة وظننت أنّه لشيء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: مالي أراك مغتّماً منذ الليلة؟

قال: يا بني إنّي جئت من عند أخبث الناس.

قلت له: وماذاك؟

قال: قلت لمعاوية وقد خلوت به: إنّك قد بلغت مُناك يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً، فإنّك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه.

فقال لي: هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه ملك أخوتيم فعدل وفعل ما فعل فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعمل به، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به، وإنّ أخا هاشم يُصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأيّ عمل وأيّ ذكر يبقى مع هذا؟ لا أمّ لك، والله إلاّ دفناً دفناً(3).

فهذه حقيقة معاوية ولكنّه إن لم يجرأ المسّ بشخصيّة الرسول فقد أمر بسبّ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) على المنابر وفي كلّ صلاة.

وقد ورد أنّ معاوية لعن عليّاً على المنبر، وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا.

فكتبت أمّ سلمة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى معاوية: إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم، وذلك إنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أنّ الله أحبّه ورسوله فلم يلتفت معاوية إلى كلامها(4).

وورد حدّثنا علي بن محمّد، حدثنا أبو معاوية، حدثنا موسى بن مسلم، عن ابن سباط – وهو عبد الرحمن – عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا قدم معاوية في بعض حجّاته فدخل عليه، فذكروا عليّاً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل سمعت رسول الله يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وسمعته يقول: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» وسمعته يقول: «لأعطينّ الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله»(5).

وملخّص القول أنّ معاوية مؤسّس الدولة الأمويّة بذل غاية جهده لإخفاء فضائل أهل البيت(عليهم السلام) والتنقيص منهم، وليس أهل السنّة إلاّ من ساروا على نهج معاوية في هذا المجال، ومنهم معاوية واضح من سلوكه وتصرّفاته، فهو ابن من أراد القضاء على الإسلام فلم يفلح، فواصل معاوية مخطّطه ولكن بشكل جديد، وبلباس النفاق، وهو وإن لم يتمكّن من القضاء على الإسلام بشكل كامل لكنّه حرّف الكثير من عقائده وليس أهل السنّة إلاّ ضحايا هذا التحريف.

ثمّ جعل معاوية مكانه ولده يزيد ليكمل مخطّط القضاء على الإسلام، فبدأ

يزيد بقتل الإمام الحسين(عليه السلام) سيّد شباب أهل الجنّة وريحانه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّ من كان معه من رجال أهل بيته حتّى أخذت حرائر أهل البيت سبايا، ثمّ استباح مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لجيشه الكافر ففعل فيها ما فعل طيلة ثلاثة أيّام، وقتل فيها عشرة آلاف من خيرة الصحابة، كما أنّه رمى الكعبة بالمنجنيق ولم يُبقى لها حرمة.

وهو الذي تمثّل بقول ابن الزّبعري الذي أنشده بعد واقعة أُحد قائلاً:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالمُلك فلا خبرٌ جاء ولا وحي نزل(6)

وعندما يتأمّل الباحث يجد أنّ مذهب أهل السنّة مذهب تدخّلت أيدي هؤلاء الحكّام لتحريفه، وذلك سيدعوه إلى الشكّ في صحّة معتقداته الإسلاميّة.

ولكن عقيدة أهل البيت(عليهم السلام) عقيدة نقيّة، وصلت إلينا عبر أناس وقفوا بوجه طغيان الحكّام الظلمة، وحفظوا التراث الأصيل بكلّ وجودهم، فهذا التراث أحقّ بالاتّباع ; لأنّه هو الإسلام الحقيقي.

وهذه هي القناعة التي وصل إليها «باسم عبد المنعم» فأعلن استبصاره من دون تردّد، وحاول أن يوفّر لنفسه الأجواء المناسبة التي تمتّن علاقته بأهل البيت(عليهم السلام)فواصل الحضور في المجالس الحسينيّة، والإصغاء إلى المحاضرات الإسلاميّة التي تُلقى فيها ; لأنّه كان يجدها تغذّيه بالمعنويّة إضافة إلى أنّها تمتلك الغذاء العلمي والفكري والثقافي الذي يُغني العقل والقلب والنفس.

____________

1- تاريخ الطبري ٨: ١٨٥.

2- تاريخ دمشق ٢٣: ٤٧١.

3- مروج الذهب ٣: ٤٥٤.

4- العقد الفريد لابن عبد ربّه ٥: ١١٤.

5- سنن ابن ماجة ١: ٤٥، ح١٢١.

6- تاريخ الطبري ٨: ١٨٧.