بشار محمد شهيداوي

بشار محمّد شهيداوي (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٨٧هـ (١٩٦٨م) في مدينة «الموصل» بالعراق، ونشأ في أُسرة حنفيّة المذهب، ثمّ استبصر عام ١٤٠٦هـ (١٩٨٩م) نتيجة تأثّره بالثورة الإسلاميّة الإيرانية.

ومن الكتب التي تأثّر بها في استبصاره كتاب «عقائد الإماميّة» للشيخ محمّد رضا المظفّر، وكتاب «المراجعات» للعلاّمة شرف الدين، وكتاب «ثمّ اهتديت» للدكتور التيجاني السماوي.

الصحابة وتحريف الشريعة:

كان ينظر «بشّار» إلى الصحابة نظرة تقديس وإجلال، ولكنّه بمرور الزمان ونتيجة البحث واجه أدلّة وبراهين غيّرت وجهة نظره في هذا المجال.

ومن الأمور الملفتة للنظر في هذا المجال أنّ الصحابة غيّروا حتّى في الصلاة:

قال أنس بن مالك: ما عرفت شيئاً ممّا كان على عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)!

قيل: الصلاة.

قال: أليس ضيّعتم ما ضيّعتم فيها.

وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك «بدمشق» وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟

فقال: لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيّعت(1).

وقد يتصوّر البعض بأنّ التابعين هم الذين غيّروا وبدّلوا الأحكام الشرعيّة ومنها الصلاة، ولكن الواقع يكشف بأنّ أوّل من غيّر في الصلاة هو عثمان بن عفّان وأيضاً عائشة بنت أبي بكر.

أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما:

أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى بمنى ركعتين وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثمّ إنّ عثمان صلّى بعد أربعاً(2).

وأخرج أيضاً مسلم في صحيحه، قال الزهري: قلت لعروة: ما بال عائشة تتمّ الصلاة في السفر؟

قال: إنّها تأوّلت كما تأوّل عثمان(3).

ولا غرابة فيما فعل عثمان بن عفان وقد غيّر الخليفة عمر بن الخطاب قبله في الشريعة، واجتهد مقابل النصوص الصريحة من سنن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الكريم منها: قال:

«متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما»(4) وقال لمن أجنب ولم يجد ماء: لا تصلّ! رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا(5).

وأخرج البخاري في صحيحه في باب: «إذا خاف الجنب على نفسه» قال: سمعت شقيق بن سلمة قال: كنت عند عبد الله وأبي موسى، فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبد الله: لا يصلّي حتّى يجد الماء.

فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمّار حين قال له النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «كان يكفيك».

قال: ألم ترى عمر لم يقنع بذلك.

فقال أبو موسى: فدعنا من قول عمّار، كيف تصنع بهذه الآية، فما درى عبد الله ما يقول.

فقال: إنّا لو رخّصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيممّ.

فقلت لشقيق: فإنّما كره عبد الله لهذا، قال نعم(6).

اتباع الأحقّ بالاتباع:

وجد «بشار» بعد البحث والمطالعة وتعرّفه على سلوك وتصرّفات الصحابة وإلمامه بمقام أهل البيت(عليهم السلام) وعظمة منزلتهم وما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّهم، وبعد اطّلاعه على كيفية تعامل الصحابة مع أهل البيت(عليهم السلام) بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بأنّ الحقّ مع أهل البيت(عليهم السلام).

وأدرك «بشّار» بأنّ السلطات الجائرة السابقة روّجت مذهب أهل السنّة دفاعاً عن مصالحها ومطامعها الدنيوية، وحرصاً للحفاظ على مآربها ومكانتها في السلطة، وقد زالت هذه السلطات وبقيت الأجيال اللاحقة على ما وجدت عليه السلف من منطلق التبعية العمياء، ومن منطلق حبّ الراحة وعدم الرغبة في التضحية، لأنّ تغيير هذا الكم الهائل من الانحراف يحتاج إلى جهاد وتضحية وإيثار ونضال.

والناس عموماً عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يدورونه ما دارت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون.

ويرى «بشّار» بأنّ الظروف الصعبة التي مرّ فيها منحته القدرة ووفّرت له الأرضية النفسية المناسبة لتقبّل التغيير والاستعداد للتضحية في سبيل العقيدة، وهذه هي سنّة الله في الأُمم، فإنّه تعالى يمحّص الأُمم بالبلاء، فإذا وجد فيهم الخير فتح عليهم أبواب السماء من منطلق الرحمة والخير والبركة، ولكن إذا وجد فيهم التمرّد والعصيان فإنّه سيمدّهم أيضاً بالدنيا ولكن من منطلق الاستدراج والمكر ليلهوا وينغمسوا في الشهوات فينسيهم الله أنفسهم كما نسوا لقاء يوم القيامة.

اللّهم ارزقني الثبات:

قد يعيش الإنسان حالة معنويّة تدفعه إلى الاستبصار بسهولة، ولكن إذا كان هذا التحوّل سهلاً في بدايته فإنّ الثابت عليه كالماسك على جمرة من نار، ويحتاج الإنسان المستبصر إلى الثبات والاستقامة في هذا الدرب المليء بالمصاعب، لأنّه سبيل ينتهي بصاحبه إلى الجنّة، وطريق الجنّة غير مفروش بالزهور، بل هو طريق ذات ا لشوكة وقال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(7).

____________

1- صحيح البخاري ١: ١٣٤، كتاب مواقيت الصلاة، الصلوات الخمس ٢: ٢٥٠. التعديل والتجريح ٢: ١٠١٦، البداية والنهاية ٩: ١٠٦.

2- صحيح البخاري ٢: ٣٥ كتاب تقصير الصلاة باب الصلاة بمنى، صحيح مسلم ٢: ١٤٦، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب قصر الصلاة بمنى.

3- صحيح مسلم ٢: ١٤٣، كتاب صلاة المسافرين، صحيح البخاري ٢: ٣٦، كتاب الكسوف، باب صلاة التطوع على الدواب.

4- انظر: المصنف لعبد الرزاق ٧: ٥٠٠ – ٥٠١، كنز العمال ١٦: ٥٢٠.

5- المائدة (٥): ٦.

6- صحيح البخاري ١: ٩٠، كتاب التيمم، باب٧، صحيح مسلم ١: ١٩٣، كتاب التيمم باب التيمم، سنن أبي داود ١: ٨١.

7- العنكبوت (٢٩): ٢ – ٣.