أزور خوشناو

أزور خوشناو (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٩١هـ (١٩٧٢م) في «أربيل» بالعراق، وكان استبصاره على يد والده، حيث ذهب إلى إيران وبقي فيها عدّة سنوات ثمّ عاد إليهم مستبصراً، فدفعه هذا الأمر إلى البحث والتحقيق حتّى انتهى به الأمر إلى الاستبصار واعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام).

آية الولاية:

طالع «أزور» خلال بحثه مجموعة من الكتب والكراسات وأكّد في مطالعاته على الأدلّة التي يعتمد عليها أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

ومن أهمّ الأدلّة التي يبيّنها الشيعة لإثبات إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)هي آية الولاية وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1).

وقد أجمع المفسرون من علماء أهل السنّة والشيعة بأنّ هذه الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) عندما تصدق بخاتمه في أثناء الصلاة(2).

ولكن المخالفون – تبعاً لما أملت عليهم حكومة بني أميّة وبني العبّاس المعادية لأهل البيت(عليهم السلام) – توجّهوا إلى إثارة الشبهات في هذا الخصوص لصرف دلالة هذه الآية عن مدلولها الحقيقي.

احتجاج الإمام علي بآية الولاية:

من الشبهات التي طرحت حول آية الولاية أنّها لو كانت تدلّ على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) لاحتجّ بها الإمام علي(عليه السلام)، ولكنّه لم يحتجّ بها، وهذا ما يثير الشكّ في دلالتها.

الجواب: إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) لا تعدّ ولا تحصى، ولا يوجد أيّ دليل على لزوم احتجاج الإمام علي(عليه السلام) بجميع هذه الأدلّة، وثانياً: فإنّ مسألة غصب الخلافة من الإمام علي(عليه السلام) لم تكن من منطلق الجهل بالأدلّة ليبيّن الإمام علي(عليه السلام) الأدلّة، وإنّما كانت المسألة مؤامرة لهيمنة قريش على دفّة الحكم والسيطرة على زمام أُمور الخلافة حبّاً للدنيا وطمعاً بالرئاسة وحسداً وبغياً منهم على الإمام علي(عليه السلام).

فالإمام علي(عليه السلام) دافع كثيراً عن حقّه إزاء من التبس عليهم الأمر وأتم الحجّة على الناس.

ولو فرضنا بأنّ الإمام علي(عليه السلام) لم يحتج بآية الولاية، فإنّ عدم الاحتجاج هذا لا يسقط دلالتها الواضحة، ولا يوجد تلازم بين المسألتين.

وأوّل من أثار هذه الشبهة هو الفخر الرازي في تفسيره للآية وقال:

«فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل»(3).

مع ذلك فالواقع التاريخي يكشف بأنّ الإمام علي(عليه السلام) احتجّ بهذه الآية ولكن مصادر أهل السنّة لم تنقل هذا الاحتجاج، وليس هذا الأمر غريباً من مصادر دُوّنت في ظلّ حكومات كانت تكنّ أشدّ العداء لأهل البيت(عليه السلام) ولاسيّما الإمام علي.

وقد ورد احتجاج الإمام علي(عليه السلام) بآية الولاية في المصادر الشيعية التي هي أنقى المصادر ; لأنّها لم تخضع لإرادة الحكومات الجائرة، وذكر العديد من علماء الشيعة القدماء احتجاج الإمام علي(عليه السلام) بآية الولاية، منهم الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي(4) كما أشار إلى بعض الحديث جمع من مصادر أهل السنّة(5).

كيفية تصدّق الإمام علي(عليه السلام):

إنّ تصدّق الإمام علي(عليه السلام) بالخاتم موضع اتفاق الفريقين، وممّا جاء في مصادر أهل السنّة: «روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عبّاس: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر، وانصرف هو وأصحابه، فلم يبق في المسجد غير علي قائماً، يصلّي بين الظهر والعصر، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين، فلم يرفي المسجد أحداً خلا عليّاً، فأقبل نحوه فقال: يا ولي الله بالذي تصلّي له أن تتصدّق عليّ بما أمكنك، وله خاتم عقيق يماني أحمر، كان يلبسه في الصلاة في يمينه، فمد يده فوضعها على ظهره، وأشار إلى السائل بنزعه، فنزعه ودعا له، ومضى وهبط جبرائيل، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: فقد باهي الله بك ملائكته اليوم، أقرأ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ…(6).

وقد ذُكرت هذه الواقعة في المئات من مصادر أهل السنّة(7).

التصدّق حين الصلاة عبادة:

من الشبهات الأخرى التي أُثيرت حول آية الولاية أنّ الإمام علي(عليه السلام)عندما يصلّي فإنّ توجّهه يتمركز في ذكر الله، فكيف التفت(عليه السلام) حين الصلاة إلى الفقير والمتوقّع منه أن لا ينتبه إلى ذلك؟

الجواب: إنّ هذا الالتفات لم يكن لأمر دنيوي، وإنّما هو عبادة ضمن عبادة، ومدح الله للإمام علي(عليه السلام) في هذه القضية أفضل دليل على حسن ما فعل الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام).

سبب صيغة الجمع في آية الولاية:

ورد الإشارة في آية الولاية إلى الإمام علي(عليه السلام) بصيغة الجمع وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ ولا يصحّ الإشكال بأنّ الإمام علي مفرد فكيف يصحّ استعمال صيغة الجمع فيه، لأنّ مقام الآية من الموارد التي يصحّ فيها إطلاق صيغة الجمع وإرادة المفرد لأجل التفخيم والتعظيم.

كما ذهب الزمخشري – وهو من أعلام مفسري أهل السنّة – بأنّ الآية وردت بصيغة الجمع من منطلق ترغيب الآخرين، ليتبعوا الإمام علي في هذا الأمر، وليكن الإمام علي القدوة للجميع في هذا المجال(8).

تصدّق أو زكاة:

أشكل البعض بأنّ الله تعالى قال: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ولكن إعطاء الإمام علي للخاتم كان تصدّقاً ولم يكن زكاةً.

الجواب: إنّ إطلاق ﴿الزَّكَاةَ على الصدقة المندوبة أمر شائع في الفقه، فقد يطلق على الزكاة بأنّها صدقة واجبة وأخرى يطلق على الصدقة المستحبة بأنّها زكاة.

أداة الحصر في آية الولاية:

﴿إِنَّمَا أداة حصر، وهذا ما صرّح به أهل اللغة، ولهذا قال العلاّمة الطباطبائي: «إنّ القصر في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ… لقصر الإفراد، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورين في الآية وغيرهم، فأفرد المذكورين للقصر»(9).

ووجود هذه الأداة في هذه الآية يدلّ بوضوح على أنّ الولاية أمر خاص بالإمام علي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يصحّ قبول ولاية غيره.

لماذا لم تصرّح الآية باسم الإمام علي(عليه السلام):

لم تصرّح الآية اسم الإمام علي(عليه السلام)، والدليل هو اقتضاء إرادة الله ذلك، والله تعالى حكيم، ولو كان في تصريح اسم الإمام علي(عليه السلام) حكمة لذكره الله، ولكن شاءت الحكمة الإلهيّة اتّباع هذا الأسلوب في هداية العباد.

وعدم تصريح الاسم لا يقلّل من دلالة الآية، حيث أجمع العلماء من الفريقين بأنّ هذه الآية نزلت في حقّ الإمام علي(عليه السلام).

ومن أراد أن يهتدي فطريق الهداية واضح، ومن كان في قلبه مرض فإنّ الله لا يجبر أحداً على الهداية.

وإذا كان الاستضعاف العلمي في قديم الأيّام أمراً على أرض الواقع نتيجة التعتيم والتحريف، فالعذر في يومنا هذا نتيجة الانتشّار الواسع للمعلومات غير مقبول.

واستبصرت على يد والدي:

يقول «أزور» عاد أبي من رحلته إلى إيران، وعندما عاد استقبلناه بحفاوة، ولكنّنا تفاجأنا بأنّه عاد منتمياً إلى غير مذهبنا، فحملنا الأمر على أسوء المحامل، ولكن الوالد التزم بالتأنّي، وبدأ بمرور الزمان يبيّن لنا الحقائق التي دفعته إلى هذا التحوّل المذهبي.

وقدّم إلينا الوالد العديد من الكتب والكرّاسات وبدأنا بقراءتها، حتّى انكشفت لنا الحقيقة وعرفنا بأنّ الدين أمر لابدّ من قيامه على الأدلّة والبراهين لا التعصّب والأنانيات وبدأنا ننظر إلى العقيدة بموضوعية، وعندما تبلورت لدينا القناعة بأحقيّة التشيّع استبصرنا، وكان من أهمّ الأمور التي دفعتنا إلى الاستبصار إضافة إلى الأدلّة والبراهين هي تغيير سلوك وتصرفات الوالد، فإنّه عاد متحلّياً بأحسن خلق، عاد وكلامه نور وسيرته نور وأفعاله نور، فانجذبنا نحو هذا النور وبحثنا عن مصدره فرأينا كلام أهل البيت(عليهم السلام) نوراً، ومنهج أهل البيت(عليهم السلام) نوراً، وطريقة أهل البيت(عليهم السلام) نوراً.

وعندما أبصرنا النور أدركنا الظلمات التي كنّا فيها، وتوجّهنا نحو هذا النور، واستأنسنا بكلام أهل البيت(عليهم السلام) وانجذبنا بأحاديثهم.

وباتت الاعتراضات التي كانت متوجّهة إلينا من هنا وهناك فاقدة الأهميّة والاعتبار، فأهملناها وتركناها ولم نهتمّ بها، وكانت هذه ردود الأفعال كالزبد سرعان ما تلاشت وبقي الحقّ الذي توصّلنا إليه هو الباقي على أرض الواقع.

فإذا حاربنا البعض في قوتنا وعزّتنا وسمعتنا فدعهم وشأنهم فإنّنا لا نفعل إلاّ بوظيفتنا الشرعيّة.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلاّ بالقتل والتجبّر، ولا الغنى إلاّ بالغصب والبخل، ولا المحبّة إلاّ باستخراج الدين واتباع الهوى ; فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغني، وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبّة، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ، آتاه الله ثواب خمسين صدّيقاً ممّن صدّق بي»(10).

فاشهد يا رسول الله بأنّنا كان بإمكاننا البقاء على انتمائنا السابق واتّباع أهل السنّة والجماعة، وكان في بقائنا هذا المال والجاه واحترام الناس والعزّ الدنيوي، ولكنّنا بحثنا فأملت علينا الأدلّة اتباع وصاياك في أمير المؤمنين وأهل بيتك(عليهم السلام)فهدّدونا بالفقر والذلّ والعُزلة، ولكنّنا قبلنا ذلك طلباً لرضوان الله.

____________

1- المائدة (٥): ٥٥ .

2- انظر: شواهد التنزيل ١: ٢١٩، ح٢٢٧، أنساب الأشراف: ١٥٠، ح١٥١.

3- التفسير الكبير ١٢: ٢٨.

4- انظر: الخصال: ٥٨٠، أمالي الطوسي: ٥٤٩، الاحتجاج ١: ٢٠٢.

5- انظر: المناقب للخوارزمي: ٣١٣، تاريخ مدينة دمشق ٤٢: ٤٣٢.

6- شواهد التنزيل ١: ٢١٢.

7- انظر: شواهد التنزيل ١: ٢١٩، تاريخ مدينة دمشق ٤٢: ٣٥٧، أنساب الأشراف: ١٥٠، ح١٥١ التفسير الكبير ٤: ٣٨٣، الدر المنثور ٢: ٢٩٣، مجمع الزوائد ٧: ١٧، كنز العمال ١٣:١٠٧، ح٣٦٣٥٤.

8- الكشاف للزمخشري ١: ٦٢٤.

9- الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي ٦: ١٤.

10- الكافي ١: ٩١.