أديب نيروي سعيد

أديب نيروي سعيد (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٨٠هـ (١٩٦١م) في «دهوك» بالعراق، وترعرع في أُسرة حنفية المذهب، ثمّ استبصر عام ١٤١٠هـ (١٩٩٠م) في إيران.

أسباب انتمائه المذهبي السابق:

كان السبب الأساسي الذي جعل «أديب» متمسّكاً بالانتماء المذهبي وفق مذهب أهل السنّة الاقتصار على التقليد للسلف وعدم الاهتمام بالبحث والتحقيق.

وكان الانشغال بالأُمور المعاشية وعدم الاهتمام الحقيقي بأمر الدين السبب الذي دفع «أديب» إلى التمسّك السطحي بمذهب أهل السنّة، ولكن عندما تغيّرت الأجواء المحيطة به وانتقاله إلى إيران وجد «أديب» نفسه أمام عقائد جديدة لم يكن مطّلعا عليها من قبل.

وهنا اندفع «أديب» إلى التأمّل والتفكير، وبدأ يعيش حالة الصحوة، فأدرك بأنّه قد آن أوان تمتين أُسسه العقائدية والفكرية والاهتمام بالبحث، فخصّص لنفسه وقتاً لذلك، وهنا بدأت رحلته في البحث.

كيف محقت السنّة النبوية:

إنّ أكبر مصيبة ابتلت بها الأُمّة الإسلاميّة بعد التحاق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيق الأعلى والتي أدّت إلى محق السنّة النبويّة، وخرق حدود الله عزّ وجلّ، هي اجتهاد بعض الصحابة مقابل النصّ.

ومن أوائل الصحابة الذين بادروا إلى فتح الاجتهاد مقابل النصّ على مصراعيه هو عمر بن الخطاب، وقد أشار العلاّمة عبد الحسين شرف الدين في كتابه «النص والاجتهاد» إلى العديد من هذه الموارد من الاجتهاد في مقابل النصّ.

ويرى الباحث بأنّ عمر بن الخطاب كان من أوائل من سمح لنفسه الوقوف بوجه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حياة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وعارض الرسول عدّة مرّات وجهاً لوجه منها:

بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أبا هريرة وقال له: «من لقيته من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه فبشّره بالجنّة».

فخرج أبو هريرة ليبشر فلقيه عمر ومنعه من ذلك وضربه حتّى سقط على أسته.

فرجع أبو هريرة إلى رسول الله وهو يبكي، وأخبره بما فعل عمر، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعمر: «ما حملك على ما فعلت»؟

قال: هل أنت بعثته ليبشّر بالجنّة من قال: لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه؟

قال رسول الله «نعم».

قال عمر: لا تفعل فإنّي أخشى أن يتّكل الناس على لا إله إلاّ الله(1)!

وسلوك وتصرّفات عمر مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كلّها تكشف بأنّه كان لا يعتقد بعصمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) المطلقة، ويبدو أنّ هذا السلوك من عمر اتّجاه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي دفع أهل السنّة إلى عدم اعتقادهم بعصمة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) خارج نطاق التبليغ، بل عقيدتهم بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما عدا السنّة بشر يخطئ ويصيب، بل هو بحاجة في موارد غير التبليغ إلى من يصوّب رأية، وكان عمر هو المتكفّل بهذه المهمّة!

وقد روى البخاري في صحيحه بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقبل مزمارة الشيطان في بيته! وهو مستلق على ظهره، والنسوة يضربن الدفوف، والشيطان يلعب ويمرح إلى جانبه حتّى إذا دخل عمر هرب الشيطان وأسرع النسوة فخبّأن الدفوف تحت أستهن، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعمر: «ما رآك الشيطان سالكاً فجّاً حتّى سلك فجّاً غير فجّك»(2)!

وعندما استلم عثمان دفّة الحكم أفرط في هذا النمط من الاجتهاد في مقابل النصّ، فبالغ أكثر ممّن سبقوه، حتّى دفع حياته ثمن اجتهاده هذا.

وعندما ولي الإمام علي(عليه السلام) أُمور المسلمين واجه صعوبة شديدة في تطهير الساحة الإسلاميّة من البدع التي جاء بها من غصب الخلافة منه، وعندما حاول إزالة البدع «صاح وا عمراه الناس»(3).

وعندما جاء بني أميّة وبني العبّاس استغلّوا هذا الأمر وأدخلوا الكثير من البدع في الدين الإسلامي، ولم يبق الدين الإسلامي الصحيح إلاّ عند أهله وهم أهل البيت(عليهم السلام).

ولهذا فإنّ الاستبصار في يومنا هذا يعني الرجوع إلى سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الصحيحة والحقّة والتخلّص من السنّة المحرّفة.

أهل السنّة تسمية غير صحيحة:

أدرك «أديب» حقائق دفعته إلى الإعراض عن أهل السنّة، لأنّه وجدها تسمية غير مطابقة للواقع، ووجد بأنّ سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الحقيقية عند أهل البيت(عليهم السلام)، وأنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم الذين حفظوا السنّة الحقيقية.

ومن هنا يكتشف الباحث أسباب تأكيد الرسول على محبّة أهل البيت(عليهم السلام)ومودّتهم والتمسّك بهديهم وجعلهم قرناء للقرآن بحيث يؤدّي التمسّك بهما الاعتصام من الضلال وعندما نظر «أديب» في أدلّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام) وجد بأنّه لا منافي من الاستبصار وتغيير الانتماء المذهبي إلى التشيّع.

ويقول «أديب»: كانت المحاضرات الدينية من أهمّ الأسباب التي دفعتني إلى الاستبصار، وكانت كلّ محاضرة استمع إليها تضفي على قلبي نوراً يأخذ بيدي لينشلني من الظلام الذي كنت أعيش في أوساطه.

وبمرور الزمان أبصرت الحقيقة فأعلنت استبصاري، وكانت الأجواء المحيطة بي تشجّعني على ذلك، حيث كان حولي الكثير من الشيعة في إيران، فانتهزت هذه الفرصة والتحقت بركب أهل البيت(عليهم السلام).

ووجد «أديب» بعد استبصاره بأنّ العقيدة لا تكفي لوحدها. بل ينبغي أن يلتزم الإنسان مع الإيمان الصحيح بالعمل الصالح ليكمل إيمانه، وليكون العمل مطيّته للحصول على الكمال الحقيقي وهو القرب من الله تعالى، بل العمل الصالح هو الذي يرسّخ العقيدة في النفوس.

ومن هذا المنطلق اهتمّ «أديب» بالعبادات والالتزام بأحكام الشريعة من أجل تهذيب نفسه وتزكيتها وتطهيرها من الشوائب.

وبهذا تمكّن «أديب» أن يعيش الحياة الطيّبة، وأن يكون من المؤمنين الحقيقيين، وأن يتغلّب على جميع الموانع التي كان يواجهها في طريق الهداية.

____________

1- صحيح مسلم ١: ٤٤، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان، فتح الباري ١: ٢٠٢ صحيح ابن حبّان ١٠: ٤٠٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٢: ٥٦.

2- صحيح البخاري ٧: ٩٣، كتاب الأدب، باب الإخاء والحلف، صحيح مسلم ٧: ١١٥، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عمر، مسند أحمد ١: ١٧١.

3- الشافي للمرتضى ٤: ٢١٩.