محمد إبراهيم كرم بخش القريشي

محمّد إبراهيم كرم بخش القريشي (حنفي / باكستان)

ولد سنة 1338هـ (1920م) في “تلوندي بندران” التابع للواء سيالكوت في باكستان، ونشأ في أسرة حنفية المذهب، كان بعد استبصاره متكلّماً بارعاً ومناظراً قوياً، أفحم العلماء، وأذهل رجال الدولة، وقد هدى جماعة كبيرة من الناس إلى مذهب التشيع بالحجة الناصعة، والتفكير المنطقي السليم.

خلفية قناعاتي بالخلافة الإسلامية:

يقول محمّد إبراهيم: رغم اعتقادي المتوارث، كانت مسألة الخلافة ذات إشكالات كثيرة لديّ، فكانت أفكاري تضطرب، وعقيدتي تتزلزل بين فترة وأخرى، ولمّا راجعت علمائنا في ذلك لم أجد جواباً شافياً لاشكالاتي، وبدلاً من ذلك قالوا لي: لا ينبغي لأمثالك التدخّل في مثل هذه المسائل الدقيقة، فانّ الخوض في مسألة الخلافة والتفكير في نتائجها يؤدي إلى تزحزح الايمان وضعف اليقين!

بغضي للشيعة:

يقول محمّد إبراهيم أستاجرت حانوتاً في السوق الصغير في (تلوندي بندران)، وأنا أبغض الشيعة ومذهبهم وراثة، وقد اتفق أن جاء يوماً الشيخ عنايت حسين وكان الوقت ظهراً فأخذ يتكلّم حول موضوع الخلافة، فقلت له مبادراً: ايّها الشيخ، لماذا لا تعتقد الشيعة بخلافة الثلاثة؟

فقال: تعتقد الشيعة بأنّ الخلافة بالنص ولا يحق لأحد الإعراض عن النص والعمل حسب هوى نفسه، وهنا أذّن المؤذّن، فقمنا معاً إلى الصلاة، ولحق بنا جاري الشيخ غلام حيدر وكان حانوته محاذياً لحانوتي، ولمّا وصلنا المسجد شرعت في الوضوء، فقال لي الشيخ عنايت حسين: إنّ وضوءك هذا يخالف نص القرآن، فعظم ذلك عليّ وقلت له: ما هو دليلك على ما تقول؟ ثمّ أخذت القرآن وأخرجت آية الوضوء في سورة المائدة وتأمّلت فيها، فشككت في وضوئي، هل هو يخالف القرآن؟!

وهناك قال لي جاري الشيخ غلام حيدر وكان شيعياً أيضاً: إنّ الوضوء شرط في صحة الصلاة وفساد الشرط يستلزم فساد المشروط، فينبغي لك التحقيق حول هذه المسألة كي يمكنك إتيان الصلاة صحيحة بشرائِطها. فعزمت حينئذ على مراجعة علمائنا لأرى ما هو الحلّ لديهم، فكان أمراً آخراً لم أجد فيه حلاًّ ناجحاً.

استمرت مناقشاتي مع جاري الشيخ غلام حيدر، واستمر بنا الحال هكذا لمدّة خمس سنوات وكنت في كل مناقشة يضاف لدي إشكال آخر لا أجد له جواباً مقنعاً، وكنت قد ناقشت الكثير من علماء مذهبنا، وقد أبلغوا والدي بأنّ ولدك هذا سيتشيع!!

نقل والدي محلّ عملي من السوق الصغير إلى السوق الكبير، وسلّم حانوتي إلى أخي محمّد إسماعيل.

كان السوق الكبير أكثر ازدحاماً، وأوفر زبائناً، وكنت أعمل تحت نظر أبي في دكانه وكان كلّما يرد علينا أحد العلماء، كان أبي ـ هذه المرة ـ هو الذي يسأله عن مسائل الخلاف لعلّه يردّني إلى ما كنت عليه سابقا، وكنت أنا أحاور هؤلاء العلماء بين يدي والدي حتّى تكاملت معرفتي، وأيقنت بأحقية مذهب التشيّع، فقرّرت تصحيح صلاتي عند جاري السابق الشيخ غلام حيدر، وكنت أتعبد في الخفاء خوفاً من الوالدين والأقرباء والأصدقاء، ولم يعجبني هذا الوضع، وكنت أقول لنفسي: لو قامت القيامة وذهب عنك الأقارب والأصدقاء فبماذا تجيب، وهل ينفعك هذا الخوف منهم؟ قم وأعلن استبصارك على رؤوس الأشهاد!

وهكذا كان فأعلنت تشيّعي، ووقفت في المسجد أمام الجميع وتوضأت كما يتوضأ الشيعة وصلّيت كما يصلون، فانتشر الخبر ووصل إلى أهلي، ودخلت الدار وإذا الجميع يقولون تبعاً للوالد: اُخرج من البيت فقد كفرت! وكلّما حاولت التوضيح لهم، كان الجواب قاطعاً: أخرج، يا كافر! خرجت من الدار، وبلغ الخبر إلى صديقي وجاري الشيخ غلام حيدر، فجاءني مسرعاً وتلاقينا في الطريق وكنت مع عيالي وأطفالي فقال: ما الخبر، قلت وأنا متأثّر جداً: اليوم انقطعت القرابات، قال مسلّياً: لا تخف فانّ قرابة الدنيا لا تنفع في الآخرة، وأخذني إلى داره، وهيأ لي مالاً للبدء في الكسب والعمل من جديد.

مناظرة حاسمة:

يضيف محمّد إبراهيم: استمرت قطيعتي مع أهلي لمدة سنة ونصف إلى أن أشارت والدتي على والدي في ضرورة إرجاعي إلى البيت قائلة له: نحن أخرجناه تهديداً لعلّه يرجع إلى المذهب، ولكن هذا لم ينفع، ثمّ هو ولدنا الأكبر ولا تتّم الأمور البيتية إلاّ بوجوده، فلابدّ لنا من إرجاعه، فقبل والدي على مضض لعلّه يجد طريقاً آخر لارجاعي إلى ما كنت عليه.

رجعت إلى البيت وأنا صحيح الإيمان، صلب العقيدة، وأخذت أبيّن عقائدي لأهلي فقال لي والدي ذات يوم: أطلب منك أن تتناظر مع الشيخ (الحافظ رحيم بخش) فان غلبك إرجع إلى المذهب السني الذي نشأت عليه فوافقت وقلت له: وان ظهر عجزه عن جوابي فعليكم أن تقبلوا مذهب الشيعة، فقال إخوتي كلّهم إن عجز الحافظ عن الإجابة على أسئلتك فنحن معك على ما أنت عليه من التشيّع.

جاء الحافظ إلى دارنا وبدأنا في الكلام:

خاطبني الحافظ قائلاً: يا ولدي، ما الذي أوجب اعراضك عن الخلفاء الثلاثة؟

قلت له: أمن العدل أن نترك علياً(عليه السلام) الذي قال الرسول الأعظم في حقه: انه نفسي ولحمي(1)، ونتمسّك بأبي بكر؟

قال الحافظ: إن الله هو الذي أمر بخلافة أبي بكر في القرآن الكريم.

قلت: وأين هذا في الكتاب العزيز؟

قال: ألا ترى في آية الهجرة حيث جعله صاحباً للنبي، فلو لم يكن المقصود إعطائه هذا الشرف لم يكن ليصحبه النبي معه!!

قلت: أيّها الحافظ، اين تذهب؟ بحثنا حول الخلافة لاحول الصحبة، ثمّ ألا ترى أن النبي لما ترك علياً في فراشه في تلك الليلة، ليلة الهجرة ـ وهو يواجه خطر الموت ـ مدحه الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ}(2)، أليس هذا شرفاً ما بعده شرف.

يقول محمّد إبراهيم: استمر بنا الحديث وذكرت له الآية{بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}(3)، والآية{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}(4)، وناقشته في مضامينها الشريفة فظهر العجز على الحافظ وقال لوالدي: لا يوجد أمل في رجوع ولدك إلى طريق الحق!ثمّ ذكرتُ حديث الغدير بالتفصيل، فانبهر الحافظ وقال: مما لا شك فيه أن علياً كان أفضل من الخلفاء الثلاثة في العلم والعمل.

قلت: إذا اعترفت بأفضليته، فأي شيء تريده أفضل من هذا كدليل على خلافته؟

لما سمع هذا الكلام اخوتي تشيّع منهم أخي: محمّد صديق، وأخي عبد الواحد، وتبعهما على ذلك ابن عمي شريف حسين.

ويضيف محمّد إبراهيم: الحمد لله على ظهور الحق، ونصرة ولاية أمير المؤمنين، والحمد لله ثانيا ودائماً على صفاء الجو في الأسرة حيث لم يعد أحد يعارض تمسكنا بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام).

____________

1-الخصال: 640، بحار الأنوار 32: 348.

2-البقرة (2) : 207، وقد ورد في عدّة كتب من كتب أهل السنة نزول هذه الآية في فضل أمير المؤمنين ليلة مبيته في فراش الرسول، منها: شواهد التنزيل 1: 123، 129، مستدرك الحاكم 3: 4.

3-المائدة (5) : 67.

4-المائدة (5) : 3.