فرمان علي أعوان

فرمان عليّ أعوان (سنّي / باكستان)

ولد سنة 1311هـ (1894م) في “نترالي” التابعة للواء راولبندي لباكستان، صيدلي، ورئيس المؤسسة الإمامية الاثني عشرية في كويته بعد استبصاره، كما عمل في مجال التبليغ الديني والخطابة الحسينيّة لمدّة أكثر من 35 سنة.

الخلافة الإسلاميّة:

يقول “فرمان عليّ”: كانت عقيدتي في الخلافة الإسلامية أنّها تثبت بالإجماع والاختيار، وأنّ أبا بكر هو الخليفة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بإجماع المسلمين.

وكان السبب الذي أدّى إلى اهتدائي إلى المذهب الحقّ هو أنني سافرت إلى (الورالائي) لزيارة خالي هناك، فصادف أن رأيت المرحوم الكاتب بدر الدين، وكان من المستبصرين الذين انتقلوا من المذهب السنّي إلى التشيّع، فتباحثت معه حول المسائل المذهبية، فكان يجيبني بأجوبة شافية من مصادر أهل السنّة، فعرفت مكانة الإمام عليّ(عليه السلام)، وأنّه أعلم الناس بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه أبلغ الناس وأفصحهم، كما تدلّ على ذلك خطبه وكلماته في نهج البلاغة وغيره.

هذا وقد تعجّبت كثيراً كيف أنّ القوم اختاروا أبا بكر خليفةً، وعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) موجود فيهم.

والحمد لله الذي هداني، ومنح نفسي السكون بعد كثير من الاضطراب، كما اهتدى خالي وزوجته أيضاً كما تشيّعت زوجتي بفضله تعالى بعد زواجي منها بعد تشيّعي، وكانت من أقاربي، وكانت على المذهب السنّي يوم زواجنا.

لماذا اختار القوم أبا بكر؟:

توجد عوامل عديدة تجمّعت لانحراف الناس بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن وليّهم الحقيقي، الإمام عليّ(عليه السلام) وصيّ رسول الله وخليفته المنصوب من قبل الله تعالى، منها.

1ـ الأحقاد والضغائن:

وجد الإمام عليّ(عليه السلام) رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وقد دمعت عيناه فقال الإمام عليّ: يا رسول الله، ما يبكيك؟

فقال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، أحقاد بدر وترات أحد(1).

وقالت فاطمة الزهراء سلام الله عليها في خطبتها بعد وفاة أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): “وما نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عزّ وجلّ”(2).

وروى عليّ بن الحسن بن فضال عن أبيه قال: سألت الإمام الرضا(عليه السلام) عن أمير المؤمنين(عليه السلام) كيف مال الناس عنه إلى غيره، وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال(عليه السلام):”إنّما مالوا عنه إلى غيره لأنّه كان قتل آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحاربين لله ولرسوله عدداً كثيراً، فكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم، فلم يحبّوا أن يتولّى عليهم، ولم يكن في قلوبهم لغيره مثل ذلك ; لأنّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مثل ما كان له، فلذلك عدلوا عنه، ومالوا إلى سواه”(3).

وقال أبو جعفر الاسكافي المعتزلي (ت 220هـ) وهو في صدد الجواب عن اختلاف الناس في الصحابة: “إنّ هذا باب قد أكثر قول القائلين فيه، وطال اختلافهم، وتشعبّت أهواؤهم، وتوغرت من أجله صدورهم، واختلف فيه ائتلافهم، وذلك لأنّ أوّله كان على الضغن والعدواة والعصبية والحمية، ولم يكن القول فيه على طريق الخطأ من أجل شبهة دخلت أو لبس حدث…

وأنّ ملوك بني أمية، وإنّ كانت قد بادت، فإنّ عامّتها وشيعتها فينا اليوم ظاهرة متعلّقة بما ورثوه من ملوكهم الطغاة وأسلافهم الباغية.

فبلغ من عنايتهم بخطئهم في الباب أن أخذوا معلميهم بتعليم الصبيان في الكتاتيب لينشأ عليه صغيرهم ولا يخرج من قلب كبيرهم، وجعلوا لذلك رسالة يتدارسونها بينهم ويكتب لهم مبتدأ الأئمة أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفّان، ومعاوية بن أبي سفيان ن حتّى أنّ أكثر الأمّة منهم ما يعرف عليّ بن أبي طالب ولا نسبه، ولا يجري على لسان أحد منهم ذكره(4).

2ـ الحسد:

إنّ شخصاً عظيماً مثل الإمام عليّ(عليه السلام) الذي تجمّعت فيه المناقب دون غيره لابدّ أن يكون محسوداً، لاسيما وهو أصغر سنّا من غيره الذين لم يجوزوا على شيء قليل من فضائله.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): نحن قوم فرض الله عزّ وجلّ طاعتنا، لنا الأنفال، ولنا صفو المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}(5)(6).

ودار بين عمر وابن عبّاس حوار طويل…

قال عمر: يا ابن عبّاس، أتدري مامنع قومكم منكم بعد محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال ابن عبّاس: فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إنّ لم أكن أدري فإنّ أمير المؤمنين يدريني.

فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا، على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسهم فأصابت ووفقت…

وفي تتمة الخبر قال عمر لابن عبّاس: بلغني أنّك تقول: “إنّما صرفوها عنك حسداً وبغياً وظلماً”.

قال فقلت: أمّا قولك يا أمير المؤمنين ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم، وأمّا قولك حسداً فإن آدم حسد ونحن ولده المحسودون(7).

وقال عمر لابن عبّاس في حوار آخر: يا ابن عبّاس ما أرى صاحبك إلاّ مظلوماً، فقلت في نفسي: والله ما سبقنى اليها أحد، فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته.

فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة، ثمّ وقف فلحقته، فقال: يا ابن عبّاس، ما أظنهم منعهم عنه إلاّ انّه استصغره قومه، فقلت في نفسي هذه شر من الأولى فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك فأعرض عني وأسرع، فرجعت(8).

3ـ حب الدنيا:

من يلاحظ تصرفات الصحابة بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يجد أنّهم تصرّفوا من منطلق نظر كلّ واحد منهم إلى مصلحته الدنيوية فقط، وكأنّهم لا يحملون همّ الإسلام عدا الإمام عليّ(عليه السلام) وأهل بيته الذين لا يقاس بهم أحد وبعض الأصحاب القلائل جداً، وهذا طبعاً لا يعود إلى أيام وفاة الرسول فقط ، بل كان معظمهم في زمان الرسول أيضاً تلهيهم التجارة والصفق في الأسواق، وكانوا يتخلفون كثيراً عن سوح الجهاد، وعن أوامر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

إنّ ترك جثمان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بين يدي أهل بيته في المسجد، والتسابق إلى السقيفة والتشاجر من أجل السلطان، ثمّ العودة وإرهاب الناس على البيعة، ثمّ الاعتداء على بيت فاطمة الزهراء سلام الله عليها من الدلائل الواضحة على حبّ الدنيا، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة(9).

كما أنّ سبب بيعة الأنصار للمتآمرين على الخلافة إخلادهم إلى الدعة والخفض، كما صرّحت فاطمة الزهراءسلام الله عليها بذلك في خطبتها المشهورة قائلة: “ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة، ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم…”(10).

4ـ قلّة الوعي:

كان كثير من الصحابة لا يدركون عمق الحكمة في تصرّفات النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لذا نجدهم يعترضون كثيراً على أوامر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو يتركونه وحيداً في الميدان أمام العدو كما حصل في كثير من المعارك مع المشركين إلاّ قلة قليلة أكثرهم من أهل بيته وفي طليعتهم عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) الذي كان الرسول يعتمد عليه في المهمّات الصعبة، ولهذا الكلام شواهد كثيرة نكتفي بواحد منها: وهو عدم درك الأنصار لحكمة إعطاء المؤلّفة قلوبهم مالاً حتّى خاطبهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): “يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم…

فوجدتم يا معشر الأنصار، في أنفسكم في لعاعة من الدنيا، تألّفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون يا معشر الأنصار، أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله في رحالكم”(11).

____________

1-كتاب سليم بن قيس: 136، واُنظر: المناقب للخوارزمي: 65، مجمع الزوائد 9: 118، مسند أبي يعلى الموصلي 1: 427، واُنظر تاريخ مدينة دمشق 42: 322، بحار الأنوار 28: 54 و75، وغيرها من المصادر.

2-معاني الأخبار: 355، واُنظر: دلائل الإمامة: 126، أمالي الطوسي 375، الاحتجاج 1: 147، جواهر المطالب 1: 166، السقيفة وفدك: 120، بحار الأنوار 43: 158، بلاغات النساء لابن طيفور: 20.

3-عيون أخبار الرضا 1: 87، واُنظر: علل الشرائع 1: 146، بحار الأنوار 29: 480.

4-المعيار والموازنة: 19.

5-النساء (4) : 58.

6-الكافي 1: 186، تهذيب الأحكام 4: 132، وغيرها من المصادر.

7-الكامل لابن الاثير 3: 63، 64، آخر سيرة عمر، حوادث سنة 23، واُنظر الإيضاح للفضل ابن شاذان: 169، وفيه: “انما صرفوها عنا”.

8-شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12: 46، واُنظر السقيفة وفدك: 72، كشف الغمة 2: 46.

9-الخصال: 25، الجامع الصغير 1: 566، كنز العمال 3: 192، ح6114 وغيرها من المصادر.

10-الاحتجاج 1: 140 واُنظر السقيفة وفدك: 102، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 213، بلاغات النساء: 18، بحار الأنوار 29: 229، وغيرها من المصادر.

11-مسند أحمد 3: 76، مجمع الزوائد 10: 29، الدرر لابن عبد البر: 235، وغيرها من المصادر.