رياض حسين نقوي

رياض حسين نقوي (سنّي / باكستان)

ولد سنة 1399هـ (1979م) في باكستان بمحافظة “سرحد” منطقة “منصهرة”، واصل دراسته الأكاديمية حتّى حصل على شهادة الدبلوم، كان معتنقاً للمذهب السنّي وفق فرقة “البريولى”، ثمّ استبصر على أثر البحوث المقارنة التي أجراها في مجال العقيدة.

كيفيّة تعرّفه على مذهب التشيّع:

يقول السيّد رياض: تشيّع أحد أقربائنا، فدفعني ذلك لمعرفة أسباب تركه للمذهب السنّي واعتناقه لمذهب التشيّع، فقصدته، وبدأت بمحاورته حول نقاط الاختلاف بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي، ولا سيّما حول مسألة الخلافة والإمامة، ففتح هذا الحوار آفاق رؤيتي على حقائق كنت أجهلها فيما سبق.

كما أنّني لم أقتصر على الحوار معه، بل طلبت منه أن يزوّدني ببعض الكتب الشيعية، ليكون تعرّفي على هذا المذهب مبتنياً على الأسس الصحيحة، فأعطاني بعض الكتب الشيعية، فبدأت بقراءتها، وكان من جملة الكتب التي لفتت انتباهي أكثر من غيرها كتب الدكتور التيجاني السماوي ; لأنّ أسماءها كانت غريبة وجذّابة وكان محتواها رائعاً من ناحية التأثير.

وقد يكمن سبب تأثير هذه الكتب في أنّ مؤلّفها كان من أهل السنّة ثمّ استبصر، وبدأ بنشر أدلّة استبصاره بلغة جذّابة.

قراءته لكتب التيجاني:

قرأ السيّد رياض كتب التيجاني، وكان من بين هذه الكتب كتاب “الشيعة هم أهل السنّة”، وعنوان هذا الكتاب ملفت للنظر، وذكر الدكتور التيجاني في مقدمته: “سأبيّن للقراء الكرام بأنّ الاصطلاح الذي اتّفق عليه مناوئو الشيعة وخصومهم وتسمّوا بـ”أهل السنّة والجماعة” ما هي في الحقيقة إلاّ سنّة مزعومة سمّوها هم وآباؤهم، ما أنزل الله بها من سلطان، والنبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) منها بريء.

فكم كُذبَ على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكم مُنِعَتْ أحاديثُه وأقواله وأفعاله أن تصل إلى المسلمين بحجّة الخوف من اختلاطها بكلام الله، وهي حجّة واهية كبيتِ العنكبوت، وكم من أحاديث صحيحة أصبحت في سلّة المهملات، ولا يقامُ لها وزن ولا يُعبأ بها، وكم من أوهام وخُزعبلات أصبحت من بعده أحكاماً تنسبُ إليه(صلى الله عليه وآله وسلم) .

وكم من شخصيّات وضيعة يشهد التّاريخ بخسّتها وحقارتها، أصبحتْ بعده سادة وقادة تقود الأمّة ويُلتمس لأخطائها الأعذار والتأويلات.

وكم من شخصيّات رفيعة يشهد التاريخ بسمُوِّها وشرف منبتها، أصبحتْ بعدَه مهملةً لا يُعبأُ بها ولا يُلتفتُ إليها، بل تُكفّرُ وتُلعنُ من أجل مواقفها النّبيلة، وكم من أسماء برّاقة جذّابة تُخفي وراءها الكفر والضّلال، وكم من قبور تُزار وأصحابها من أهل النّار.

وقد عبَّر ربّ العزّة والجلالة عن ذلك بأحسن تعبير فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}(1).

المفاجئة والاستغراب:

وجد السيّد رياض خلال مطالعته لكتب التيجاني بأنّ هذه الكتب تبيّن حقائق تاريخية غريبة جدّاً، ولكنّه لم يستعجل في اتخاذ القرار، بل قرّر أن يراجع مصادر أهل السنّة، يتثبّت في أمر صحّتها، ومن هنا بدأت رحلة السيّد رياض في البحث، ولم تمض فترة إلاّ وعرف السيّد رياض بأنّ تاريخ صدر الإسلام مليء بأحداث كثيرة حاول علماء أهل السنّة التعتيم عليها وغض الطرف عنها ; لأنّها تهدّد بنيان عقيدتهم حول عدالة جميع الصحابة.

تساؤلات دفعته للاستبصار:

يقول السيّد رياض: كان لمطالعتي كتب الدكتور التيجاني وغيرها من كتب الشيعة أكبر سبب في تغيير انتمائي المذهبي، ومن خلال هذه الكتب تعرفّت على تاريخ صدر الإسلام، وما جرى فيه بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فتألمّت لمظلومية الزهراء، وغصب القوم لحقوقها وإرثها، واطلعت على خلافها مع أبي بكر، فوجدت بعد البحث في مصادر أهل السنّة بأنّ الحقّ معها ومع بعلها الذي غصبت منه الخلافة، وحكم عليه بالجلوس في داره، فصبر الإمام وفي العين قذى وفي الحلق شجى يرى تراثه نهبا.

اجتياز أكبر مانع في الاستبصار:

إنّ من أكبر الموانع التي جعلت السيّد رياض يتريّث في تغيير انتمائه المذهبي، رؤيته للجمع الغفير المتّبع لمذهب أهل السنّة، فيا ترى هل جميع هؤلاء مخطئين في انتمائهم المذهبي. ولكنه بعد البحث وجد بأنّ الأكثرية لا تمثّل الحقّ، وإذا كانت الأكثرية هي الملاك للحق، فإنّ عدد غير المسلمين في العالم أيضاً كثير، فهل يعني ذلك ان يترك المسلم دينه ويعتنق ديناً غير الإسلام.

ووجد السيّد رياض بأنّ الملاك في الانتماء المذهبي هو الدليل والبرهان، وينبغي أن لا يكون للكثرة والقلّة أي دور في انتخاب العقيدة.

أسباب انتشار مذهب أهل السنّة:

وجد السيّد رياض بعد تتّبعه في كتب التاريخ بأنّ السبب الأساسي لانتشار المذهب السنّي يعود لدعم السلطات لهذا المذهب، وذلك لأنّ السلطات التي استولت على دفّة الحكم بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولاسيما بني أمية وبني العبّاس وجدت بأنّ المذهب السنّي هو المذهب الوحيد الذي يعد مناسباً لتحقّق أهدافها وأغراضها، وتثبيت دعائم سلطانها وحكومتها.

وأنّ السبب الذي دفع عشرات المذاهب الأخرى إلى الانقراض يعود لعدم دعم السلطة لهذه المذاهب.

وقرأ السيّد رياض في كتاب “الشيعة هم أهل السنّة” للدكتور التيجاني السماوي: “إذا راجعنا التاريخ فإنّنا نجد مالكاً صاحب المذهب قد تقرّب إلى السلطة والحكّام وسالمهم ومشى في ركابهم، فأصبح بذلك الرجل المهاب والعالم المشهور، وانتشر مذهبه بوسائل الترهيب والترغيب خصوصاً في الأندلس حيث عمل تلميذه يحيى بن يحيى على موالاة حاكم الأندلس، فأصبح من المقرّبين، وأعطاه الحاكم مسؤولية تعيين القضاة، فكان لا يولّي على القضاء إلاّ أصحابه من المالكيّة فقط .

كذلك نجد أنّ سبب انتشار مذهب أبي حنيفة بعد موته هو أنّ أبا يوسف والشّيباني وهما من أتباع أبي حنيفة ومن أخلص تلاميذه، كانا في نفس الوقت من أقرب المقرّبين “لهارون الرّشيد” الخليفة العبّاسي، وقد كان لهما الدّور الكبير في تثبيت ملكه وتأييده ومناصرته، فلم يسمح هارون “الجواري والمجون” لأحد أن يتولّى القضاء والفتيَا إلاّ بعد موافقتهما.

فلم ينصّبا قاضياً إلاّ إذا كان على مذهب أبي حنيفة، فصار أبو حنيفة أعظم العلماء، ومذهبه أعظم المذاهب الفقهية المتّبعة، رغم أنّ علماء عصره كفّروه واعتبروه زنديقاً، ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل، والإمام أبو الحسن الأشعري.

كما أنّ المذهب الشّافعي انتشر وقويَ بعدما كاد يندرس، وذلك عندما أيّدته السّلطة الغاشمة، وبعدما كانت مصر كلّها شيعة فاطمية، انقلبتْ إلى شافعية في عهد صلاح الدّين الأيوبي الذي قتل الشيعة وذبحهم ذبح النّعاج.

كما أنّ المذهب الحنبلي ما كان ليُعرف لولا تأييد السّلطات العبّاسية في عصر المعتصم عندما تراجع ابن حنبل عن قوله بخلق القرآن، ولمع نجمه في عهد المتوكّل “النّاصبي”.

وقوي وانتشر عندما أيدتْ السّلطات الاستعماريّة الشيخ محمّد بن عبد الوهاب في القرن الماضي، وتعامل هذا الأخير مع آل سعود فأيّدوه فوراً وناصروه وعملوا على نشر مذهبه في الحجاز والجزيرة العربية.

وأصبح المذهب الحنبلي يعود إلى ثلاثة أئمّة أوّلهم أحمد بن حنبل الذي لم يكن يدّعي بأنّه فقيهاً، وإنّما كان من أهل الحديث، ثمّ ابن تيميّة الذي لقّبوه بشيخ الإسلام، ومجدّد “السنّة” والذي كفّره علماء عصره، لأنّه حكم على كلّ المسلمين بالشرك ; لأنّهم يتبّركون ويتوسّلون بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ جاء في القرن الماضي محمّد ابن عبد الوهاب صنيعة الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط .

فعمل هو الآخر على تجديد المذهب الحنبلي بما أخذه من فتاوى ابن تيميّة، وأصبح أحمد بن حنبل في خبر كان إذ إنّ المذهب عندهم اليوم يُسمى المذهب الوهابي.

وممّا لا شكّ فيه أنّ انتشار تلك المذاهب وشهرتها وعلوّ شأنها كان بتأييد ومباركة الحكّام.

وممّا لا شكّ فيه أيضاً بأنّ أولئك الحكّام كلّهم بدون استثناء كانوا يعادون الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) ; لشعورهم الدّائم بأنّ هؤلاء يهدّدون كِيَانهم وزوال ملكهم، فكانوا يعملون دائماً على عزلهم عن الأمة، وتصغير شأنهم، وقتل من يتشيّع لهم.

فبديهي أن يُنصب أولئك الحكّام بعض العلماء المتزلّفين إليهم، والذين يفتونهم بما يتلاءم مع حكمهم ووجودهم، وذلك لحاجة النّاس المستمرّة لوجود الحلول في المسائل الشرعيّة

ولمّا كان الحكام في كلّ العصور لا يعرفون من الشريعة شيئاً، ولا يفهمون الفقه، فكان لابدّ أنْ يُنصبوا عالماً باسمهم يفتي، ويُموّهون على النّاس بأنّ السّياسة شيء والدّين شيء آخر.

فكان الخليفة الحاكم هو رجل السّياسة والفقيه رجل الدّين كما يفعل ذلك اليوم رئيس الجمهورية في كلّ البلاد الإسلاميّة، فتراه يُعيّن أحد العلماء المقرّبين يُسمّيه مفتي الجمهورية أو أي عنوان آخر يعبر عن ذلك، ويُكلّفه بالنّظر في مسائل الفتيا والعبادات والشعائر الدّينيّة.

ولكنّه في الحقيقة ليس لهذا الرّجل أن يفتي أو يحكم إلاّ بما تُمليه عليه السّلطة وما يُرضي الحاكم، أو على الأقل ما لا يتعارضُ وسياسة الحكومة وتنفيذ مشاريعها”(2).

أسباب بقاء مذهب التشيّع:

وجد السيّد رياض بأنّ من أهم اسباب بقاء مذهب التشيّع على رغم مظلوميته واضطهاده من قبل الحكومات والسلطات هو قوة أدلّته وبراهينه وتسديد الله تعالى لهذا المذهب، والألطاف الإلهية الخفيّة والظاهرة له، وهذا ما جعل هذا المذهب أن يتنامى ويزدهر يوماً بعد آخر.

طلب علوم أهل البيت(عليهم السلام) :

التحق السيّد رياض بمدرسة الرسول الأعظم الشيعية، ودرس فيها مدّة سنة ونصف حتّى أيقن بأحقيّة مذهب التشيّع، فأعلن بعد ذلك استبصاره، ثمّ سافر إلى إيران والتحق بالحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة، ثمّ عاد إلى منطقته.

ويقول السيّد رياض: واجهت بعد الاستبصار العديد من المضايقات من قبل أقربائي وأصدقائي، ولكنني لم أبال بموقفهم بعد أن تجلّت لي الحقيقة بوضوح، بل واصلت سعيي في تبين الحقيقة للآخرين حتّى استبصر على يدي بعض أفراد أسرتنا وجملة من أصدقائي، وأنا لازلت داعياً أبذل قصارى جهدي لبث علوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) .

____________

1-البقرة (2) : 204 ـ 206

1-الشيعة هم أهل السنة، الدكتور التيجاني السماوي: 92 ـ 94 .