سعيد الرحمن نادر

سعيد الرحمن نادر (سنّي / باكستان)

ولد سنة 1348هـ (1930م) في باكستان في قرية (كرام شريف) درس في مدرسة نعيمية في “راد آباد السند”، وتخرّج منها سنة 1366هـ ، وهو يحمل شهادة “فاضل”.

اشتغل بالتدريس في مدرسة رحمانية في “موند كرخانك ـ مظفر كهر” بصفة (صدر المدرّسين) درس الطّب عند الدكتور “بيربخش”، وحصل على شهادة منه، وزاول الطبابة، وعالج المرضى، فهو مدرّس وطبيب، ومؤلّف وخطيب وقاض أيضاً، ولرغبته الشديدة في التوجيه والإرشاد والخطابة، ترك المدرسة وعيادة المرضى وصار واعظاً ومبلّغاً.

استبصاره:

بحكم ممارسة سعيد الرحمن للوعظ والخطابة التقى بالكثير من الناس، والعديد من العلماء، ومنهم خطباء من الشيعة، فجرت بينه وبينهم حوارات في العقيدة، ونقاشات في المذهب، وكان من الذين التقى بهم هو العلاّمة الشهير محمّد إسماعيل، وجرى بينهما حوار طويل دام لمدّة يومين كاملين.

يقول سعيد الرحمن عن حواره مع المبلّغ الأعظم: “أتاني بحديث من البخاري، الكتاب الصحيح عند أهل السنّة عن عائشة: “فغضبت فاطمة حتّى ماتت” أن فاطمة(عليها السلام) ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ان يقسم لها ميراثها… فقال لها أبو بكر ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفيت”(1).

وتكلّم حول الحديث ثلاث ساعات ثمّ قال لي: “أيّها القاضي، ضع الكتاب العزيز على رأسك، وخذ البخاري في يدك، وتوجّه إلى القبلة وقل لي: إنّ السيدة فاطمة(عليها السلام) طالبت أبا بكر بحقّها أم لا؟ فإن كانت طالبته، فهل لبّى طلبها أم لا؟ فإن قبل منها، فأين ذكر ذلك؟ وإن لم يقبل منها فافتح البخاري وانظر إلى أنّها(عليها السلام) ماتت غاضبة عليه أم راضية؟ فإن ماتت وهي غاضبة عليه، فما جوابك عن حديث “رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي”(2)؟

فتنبّه سعيد الرحمن إلى خطئه، وأعلن تشيّعه في المجلس نفسه، وحسن ولاؤه لأهل البيت(عليهم السلام)، وصار مبلّغاً لمذهبهم الصحيح، الذي هو الإسلام نفسه، واستبصر على يديه المئات من الناس، فعرفوا طريق الحقّ، وسلكوا سبيل النجاة.

من هي فاطمة الزهراء(عليها السلام):

لا يعرف الكثير من عامّة المسلمين مقام فاطمة الزهراء(عليها السلام) وعظمتها، وهذا بعض نتائج الظلم الذي وقع عليها خاصّة، وعلى أهل البيت(عليهم السلام) بصورة عامّة.

ومن ينظر إلى سيرة هذه الحوراء الإنسيّة يأخذه العجب من عظمتها التي لا يقاس بها عظمة أحد سوى عظمة أهل البيت(عليهم السلام) الذين خلقهم الله من نور واحد، وهي سلام الله عليها واسطة العقد فيهم، فهم أبوها وبعلها وبنوها.

كما أنّ المتأمل في الأخبار الواردة فيها تأخذه الدهشة من مقدار العناية الربانية بها دون غيرها من النساء، بل والرجال خلا من ذكرنا، ممّا أثار حسد الخاملين وفجرّ عداوة الناصبين.

خلقها الله من نور عظمته(3)، وكوّنَ نطفتها من ثمار جنّته(4)، تكلّم أُمّها وهي جنين في بطنها، فتسلّيها عن وحشة وحدتها، بعد أن تركتها نساء قريش(5) ; لأنّها اختارت النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بعلاً لها، وتركت شرفاء قريش وأغنيائها، فهل رأيت أوسمعت بنتاً وأمّاً كهاتين؟!

لم تكن عبئاً على أبيها، بل كانت عوناً له، تدفع أذى المشركين عنه، وتحنو عليه كالأم، حتّى سمّاها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): أم أبيها(6)، فهل رأيت أو سمعت بنتاً وأباً كهذين؟! وخاصّة في مجتمع يحتقر البنات، إن لم يئدهن.

زوّجها الله سبحانه وتعالى وردّ أبوها يد الخاطبين، وأعرض عنهم إلى أن جاء الكفؤ فزال غم الرسول، ولو لا عليّ(عليه السلام) لما كان لها كفؤ أبداً، سُئِلَ عليّ(عليه السلام) عنها بعد اجتماعهما في بيت الزوجية: كيف وجدت أهلك؟، فقال نعم العون على طاعة الله، وسئلت هي عنه، فقالت: خير بعل(7).

قلَّ مهرُها وحقرُ جهازُها، وعيّرتها نساء قريش الحاسدات بفقر زوجها، فبيّن الرسولُ فضل عليّ(عليه السلام)(8)، فكان هذا كافياً لها، ولم تأبه لكلامهن.

قال عليّ(عليه السلام) يصف جهادها في أعمال البيت: “استقت بالقربة حتّى أثّر في

صدرِها، وطحننت بالرّحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدرِ حتّى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد…”(9).

وعندما طلبت خادماً من أبيها علمّها(صلى الله عليه وآله وسلم) التسبيح المعروف بتسبيح فاطمة فرضيت بذلك ولم تصر على طلب الخادم(10)، هذه قطرة من بحر وفائها وصبرها مع الزوج، فهل رأيتَ أو سمعتَ زوجاً وزوجة كهذين؟ وهل تستكثر ان يُخدِمها اللهِ مَلائكتَه، فتدير الرّحى، وتهز المهد(11)، عوناً لها على طاعة الله، وجزاءً لها على صبرها وجهادها الذي لا مثيل له في الدنيا قبل الآخرة؟

ربّت أولاداً مثل الحسن والحسين(عليهما السلام)، وما أدراك ما حسن وحسين؟!

سيدا شباب أهل الجنة(12)، وسبطا الرسول، بل ابناه(13)، بهما حفظ اللهُ الدينَ من كيدِ بني أميّة، فهل رايتَ أو سمعتَ أمّاً وبنيناً كهؤلاء؟!

ثمّ ربّت بنتاً مثل زينب سلام الله عليها عقيلة الهاشميين، وبطلة كربلاء، وما أدراك ما كربلاء، أوصتها بنصرة أخيها في ملحمة تهدُّ الجبال، وتفرُّ منها الرجال، فهل رأيت أو سمعتَ بأم وبنت كهاتين؟!

هي من أهل الكساء(14)، وهي من أهل المباهلة(15)، فهي مصداق لـ(نسائنا)(16) 

دون غيرها مع كثرة النساء حول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل رأيتَ أو سمعتَ نساءنا ونساءً كهؤلاء؟!!

هي أم الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، ووالدة ذرّيّة الرسول المنحصرة فيها، أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار(17)، فهل رأيتَ وهل سمعتَ ام أئمة غيرها؟! وكلّ هذا لا يبلغ قطرة من بحر كوثرها، فهل وعيتَ وهل فهمت؟!

مظلومية الزهراء(عليها السلام) :

يكفينا لمعرفة مظلومية الزهراء(عليها السلام) قول الإمام عليّ(عليه السلام) عندما ماتت سلام الله عليها: “اللّهم إنّي راض عن ابنة نبيّك ; اللّهم إنّها قد أوحشِت فآنِسها ; اللّهم إنّها قد هُجرت فصِلْها ; اللّهم إنّها قد ظُلمت فاحكم لها، وانت خير الحاكمين”(18).

ومعلومٌ أنّها كانت مأنوسة برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) زمان حياته، واعترتها الوحشة بعد وفاته ومعروف أنّها كانت حبيبة رسول الله وأثيرته، لا يغفل عنها رغم أعباء الرسالة الثقيلة، وأنّها كانت آخر من يودع عند السفر، وأول من يزور بعد السفر(19)، ثمّ حصل الهجران لها بعد وفاته، وهكذا حصل ظُلمُها وهتكُ حرمتها بعد وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ لم يجرؤ الناصبون لها وللإسلام على أذيّتها زمان أبيها، وإظهار حسدهم لها إلاّ في بعض فلتات اللسان، كما هو الحال مع أبيها نفسه وزوجها عليّ(عليه السلام). ولبيان مظلوميّتها أكثر، ننقل الحديث عنها في احتجاجها على من ظلمها: قالت فاطمة(عليها السلام) في كلام لها حين أرادوا انتزاع فدك منها: “انشدكم بالله أما سمعتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: “إنّ ابنتي سيّدة نساء أهل الجنّة”؟

قالوا: اللّهم نعم، قد سمعناها من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

قالت: أفسيّدة نساء أهل الجنّة تدّعي الباطل وتأخذ ماليس لها؟ أرأيتم لو أنّ أربعة شهدوا عليّ بفاحشة أو رجلان بسرقة، أكنتم مصدّقين عليَّ؟

فأمّا أبو بكر، فسكت!! وأمّا عمر، فقال: نعم، ونوقع عليك الحدّ!!!

فقالت: كذبت ولؤمت، إلاّ أن تقرَّ أنّك لست على دين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ الذي يجيز على سيّدة نساء أهل الجنة شهادة، أو يقيم عليها حدّاً لملعون كافر بما أنزل الله على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) ; إنّ من أذهب الله عنهم الرجس أهل البيت(عليهم السلام) وطهّرهم تطهيراً، لا يجوز عليهم شهادة ; لأنّهم معصومون من كلّ سوء، مطهرون من كلّ فاحشة.

حدِّثني عن أهل هذه الآية، لو أنّ قوماً شهدوا عليهم، أو على أحد منهم بشرك، أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبّرأون منهم ويحدّونهم؟

قال: نعم، وما هم وسائر الناس في ذلك إلاّ سواء.

قالت: كذبت وكفرت، لأنّ الله عصمهم، وأنزل عصمتهم وتطهيرهم، وأذهب عنهم الرجس فمن صدّق عليهم يكذّب الله ورسوله…”(20).

وبغض النظر عن كيفية تنصيب عمر نفسه للحكم وإيقاع الحدود، نقول: إنّه في الواقع يريد بهذا الكلام ظلم أهل البيت(عليهم السلام) الذين طهّرهم الله من الرجس، وفرض على المسلمين مودّتهم ; فهو يريد أن يسوّي بين من رفعهم الله ورسوله وبين الآخرين الذين لا سابقة لهم كسابقة أهل البيت(عليهم السلام) ولا شهادة من الله بذكرهم بخير، إن لم ينزل فيهم لوم وعتاب وتقريع، وهذا هو أساس الظلم الذي تبناه القوم، المنبىء عن نقيصتهم وحسدهم.

فالعدالة ليست هي التسوية بين المحسن والمسىء، والإنصاف ليس هو تقييم الجميع بنفس الدرجة، بل يجب إعطاء كلّ ذي فضل فضله، ولا يجوز بخس

الناس أشياءهم.

والواقع أنّ عمر نفسه لم يُسوِّ بين الناس في منزلتهم، فنحن نراه عندما يقسم العطاء يعطي أهل بدر أكثر من غيرهم، ويعطي أهل أحد ـ بعد أهل بدر ـ أكثر من غيرهم، فالناس عنده على مراتب ومنازل في الشرف توجب زيادة العطاء وقلته.

ولكن عندما يتعلّق الأمر بأهل البيت(عليهم السلام) يرفع شعار العدالة لضربهم وتقليل شأنهم في أعين الناس، وفاطمة بضعة الرسول(21)، وأهل البيت(عليهم السلام) هم من رسول الله، ورسول الله منهم.

فهذا الظلم العظيم الذي تعرضّ له أهل البيت(عليهم السلام)، وهذا هو الظلم الفادح لهم، وإليه تشير كلمات الإمام عليّ(عليه السلام): “فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا…”(22).

ويكفينا أن نعلم أنّها ماتت وهي ساخطة عليهم ولم ترض عنهم وقال رسول الله: “رضا فاطمة من رضاي وسخطها من سخطي”(23)، ولا نحتاج لاثبات الأمور الاخرى التي صدرت منهم بحقها ـ وهي صادرة عنهم حقاً ولا بعد فيها أبداً ـ .

وأمّا من يحاول الدفاع عن القوم بنفي بعض الأمور، فهل عميت عينه، وزاغت بصيرته عن رؤية هذا الظلم، وهل طابت نفسه، ورضيت سريرته به؟!!

ما لكم كيف تحكمون؟!…

____________

1-البخاري 4: 42 .

2-الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 20، تحقيق الزيني، الصراط المستقيم 2: 293، بحار الأنوار 28: 358، 29: 627.

3-الإمامة والتبصرة لابن بابوية: 133، علل الشرائع للشيخ الصدوق 1: 180، بحار الأنوار 43: 12 .

4-اُنظر: أمالي الشيخ الصدوق: 546، التوحيد:118، بحار الأنوار 8: 119 .

5-اُنظر: أمالي الشيخ الصدوق: 690، روضة الواعظين: 143، بحار الأنوار 16: 80 .

6-اُنظر: مقاتل الطالبين: 29، تاج المواليد للطبرسي: 20، مناقب آل أبي طالب 1: 140 .

7-مناقب آل أبي طالب 3: 131، بحار الأنوار 43: 117.

8-اُنظر: الإرشاد 1: 36، الفصول المختارة للمرتضى: 278، بحار الأنوار 38: 188 .

9-علل الشرايع 2: 366، من لا يحضره الفقيه، بحار الأنوار 43: 82، 76: 193.

10-اُنظر: من لا يحضره الفقيه 1: 321، مكارم الاخلاق للطبرسي: 280، صحيح البخاري 4: 48، صحيح مسلم 8: 84 .

11-اُنظر: بحار الأنوار 37: 97، مدينة المعاجز 4: 46، ح1077 .

12-قرب الإسناد: 111، أمالي الشيخ الصدوق: 112 معاني الأخبار: 124، أمالي الطوسي: 85، مسند أحمد 3: 3، 62، سنن الترمذي 5: 321، وغيرها من المصادر الكثيرة.

13-اُنظر: الاحتجاج 1: 195، مناقب آل أبي طالب 2: 18، بحار الأنوار 31: 332 و33: 184 .

14-اُنظر كتاب سليم بن قيس: 298، الكافي 1: 287، وغيرها من المصادر.

15-اُنظر: الاختصاص للشيخ المفيد: 56، عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 81، وغيرها من المصادر.

16-آل عمران (3) : 61.

17-اُنظر: عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 68، 257، معاني الأخبار 105، الخرائج والجرائح 1: 281، بحار الأنوار 43: 230 ـ 232.

18-الخصال للشيخ الصدوق: 588، بحار الأنوار 81: 345، ح11.

19-اُنظر: مسند أحمد 5: 275.

20-كتاب سليم: 227، الاختصاص: 183، بحار الأنوار 30: 306.

21-اُنظر: صحيح البخاري 4: 210.

22-نهج البلاغة، الخطبة رقم (3) وهي الخطبة الشقشقيّة.

23-الإمامة والسياسة 1: 20، تحقيق الزيني، بحار الأنوار 28: 357 و29: 627.