رياض أحمد رضوي

رياض أحمد رضوي (حنفي / باكستان)

ولد سيّد رياض عام 1401هـ (1981م) في باكستان بمدينة “بيشاور”، ونشأ في أسرة تنتمي إلى ا لمذهب الحنفي، واصل دراسته حتّى حصل على شهادة البكالوريوس في الفنون والآداب، كما أنّه يجيد العديد من اللّغات منها: الأردو والبشتو والبنجاب والهندكو.

أمضى شطراً من حياته متمسّكاً بالمذهب الحنفي تبعاً لنهج آبائه ومماشاةً مع البيئة التي كانت تحيطه، وكان شديد التعصّب لمذهبه عند مواجهته لأتباع باقي المذاهب الاسلامية.

منطلق تعرّفي على التشيّع:

يقول السيّد رياض: يرجع أوّل انتباهي لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) إلى زمن صِغري عندما رأيت مجموعة من الناس في مكان يسمى بالحسينية، ولما سألت عنهم قيل لي أنّهم من الشيعة وأنّهم ينتقدون الصحابة ولا يقبلون بخلافة أبي بكر بل يقولون بأنّ الأدلة والبراهين من القرآن والسنة تثبت بأنّ الرسول نصّ من بعده على إمامة علي(عليه السلام) وأبنائه، فلهذا لا يحقّ لأحد غصب هذه المكانة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فدفعني التعصّب لمواجهة هذه العقيدة، ولكن سألت نفسي: ما هي دوافع وأسباب هذه العقيدة؟

ويقول السيّد رياض: كانت والدتي معلمّة للقرآن، وكان بعض الناشئين من منطقتنا من العوائل الشيعية أو السنيّة يأتون لبيتنا فى كل أسبوع ليتعلّموا قراءة القرآن، وفي يوم من الأيام سمعت واحداً من الناشئين ينقد الخلفاء، فحملت عليه وضربته واشبعته بأنواع السب والشتم وطردته من بيتنا، ومنذ ذلك اليوم ازداد بغضي للشيعة وزاد تعصبّي ضدّ أتباع هذا المذهب.

استبصار خالي:

يقول سيّد رياض مضت الأيام وذات يوم تفاجأت بخبر استبصار خالي وزوج أختي، فلم أصدّق ذلك، ولكنني علمت بصدق الخبر بعد البحث والتتبع.

وفي يوم من الأيام ذهبت إلى احد المساجد التي كان يصلّي فيها الشيعة، ورأيت في ذلك المسجد مكتبة فقصدتها وجذبني حبّ الاستطلاع إلى التعرّف عليها، ولفت انتباهي كتاب عنوانه “ثمّ اهتديت” تأليف الدكتور التيجاني، ففوجئت لمّا علمت بأنّ الكتاب لرجل مستبصر يروي فيه قصة تشيّعه واستبصاره.

رأيت الكتاب يشير إلى المسائل التي كانت تشغل ذهني من قبيل: الخلافة بعد النبي والسقيفة و… وهي المواضيع التي كنت أهملها ولا أبالي بها وأجعلها في هامش التفكير، ولكن جذبني هذا الكتاب ورأيته كتاباً يستند في نصوصه إلى كتبنا السنية، وهذا الأمر زاد في تعجّبي واستغرابي.

فذهبت بعدها إلى أحد علماء أهل السنة واستفسرت منه الأمر، فحذّرني من مطالعة الكتاب، فطلبت منه الأدلة في رد ما جاء في كتاب ثمّ اهتديت، فلم يستجب لطلبي وبقى يشنّع على الشيعة فقط، فطلبت منه كتب الصحاح، فاستجاب لطلبي فأسرعت إلى مراجعة المصادر الواردة في كتاب الدكتور التيجاني وكنت واثقاً بأنّه يكذب علينا وأنّ ما ذكره غير موجود في كتبنا، ولكن خاب ظنّي عندما راجعت هذه المصادر فوجدتها موجودة في كتبنا وأن الدكتور التيجاني صادق في نقله فارتبكت لذلك ومن هذا المنطلق أحسست بأنّي بحاجة إلى غربلة أفكاري ومعتقداتي الدينية والاطمئنان منها وعدم الاكتفاء بالموروث العقائدي.

قررت أن اكتشف الحقيقة وما وجدت طريقاً لها إلاّ التحقيق والتدقيق في الكتاب والسنة والمراجعة إلى العقل السليم.

فعكفت بعدها على مطالعة الكتب العقائدية سواء كانت هذه الكتب سنّية أو شيعية، لأنني كنت استهدف معرفة الحق ولم اتعصّب لجهة معينّة.

عقلانية التشيّع:

رأيت الشيعة يمتازون بالتمسّك بالعقل وما عندهم لا يتنافى مع الفطرة السليمة، وكلّما كنت أراجع علماءنا كانوا يقولون لي بأنّي أنحرفت عن الحق، وقد فسد عقلي وكانت إجابات هؤلاء لا تمنعني من التحقيق بل كان لها دور المحفز القوي للبحث عن الحقيقة وبذل الجهد في سبيل التحرّر من التقليد الأعمى.

وذات يوم سمعت بأنّ أحد أساتذتي في المعهد قد تشيّع، فذهبت إليه فوجدته ماهراً في مجال العقائد، فأرواني بالاستدلالات القوية والحجج المقنعة وبعد مضي فترة رأيت عقلي وفطرتي يدعواني إلى التمسك بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) ولم يبق لي إلاّ أن أُعلن تشيّعي، فأعلنت بعد ذلك استبصاري واعتناقي لمذهب أهل البيت(عليهم السلام).

البحث عن الفرقة الناجية:

وجد السيّد رياض خلال بحثه أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم بنشوء الخلافة من بعده، وكان يعلم بما سيجري من بعده من خلافات، ولهذا صرّح بهذا المطلب في مواقف عديدة منها:

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): “ليأتين على اُمتي ما أتى على بني اسرائيل حذو النعل بالنعل… إنّ بني إسرائيل تفرّقت على اثنتين وسبعين ملّة، وتتفرّق اُمتي على ثلاث

وسبعين ملّة كلّهم في النار إلاّ واحدة”، ويرى المتتبع في السيرة والأحاديث الكثير من هذه الروايات التي تشهد شهادة قطعية على ما كان من اختلاف الأمة، ومن هذا المنطلق لا يستطيع أحد أن يقول بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يعلم بنشوء الخلاف بين أمته.

موقف النبي إزاء مصير الأمّة من بعده:

انّ هذا الموضوع يطرح سؤالاً مهماً في أذهاننا، وهو هل قام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعملية وقائية لحل الاختلافات التي اشار اليها وبيّن بأنّها ستقع من بعده في أوساط الأمة الإسلامية؟

اختلف علماء المسلمين في جواب هذا السؤال، فقالت الشيعة: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بأمر من الله تعالى أن يكون الإمام علي(عليه السلام) هو الخليفة من بعده.

وقال أهل السنة بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتدخّل في هذا الأمر، وترك الاُمة بلا وصية ولا تحديد لمصير خلافتها من بعده.

ولازم هذا القول أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ترك الأمة من بعده سدى، ولم يهتم بأن تضمحل الجهود الّتي بذلها لإقامة الدولة الإسلامية ولم يهمّه أنْ تتمزقّ الأمّة الإسلامية من بعده وتتناحر حول مسألة الخلافة من بعده والشيعة تشهد النصوص الكثيرة الدالة على وجود النص على خلافة الإمام علي(عليه السلام) من بعد الرسول منها: آية الانذار، آية الولاية، آية المباهلة، حديث الراية، حديث الغدير، حديث الطير، حديث المنزلة، حديث المحبة، آية التطهير و…

وأما أهل السنة: فمنهجهم هذا في الصعيد تبرير ما وقع بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وإضفاء المشروعيّة عليه، وكل ما ذكروه في هذا المجال ليس إلاّ تبريراً فاقداً للضوابط الصحيحة والقواعد الثابتة، فتراهم تارة يقولون بالشورى ويذهبون إلى أنّ أبا بكر قد اختارته الأمة والسبيل المشروع للخلافة هو اختيار الأكثرية ولكنّهم عندما يجدون بأنّ عمر لم يتمّ اختياره بهذه الطريقة وأنّه استلم أمر الخلافة بتنصيب من أبي بكر، فيتوجهون لتبرير هذا الأمر ويتركون قاعدتهم السابقة ويحاولون إعطاء المشروعية على خلافة عمر، وأما عثمان فقد جاء إلى الخلافة بطريقة ثالثة وهكذا يكون دأبهم تبرير الأمر والبحث عن أي دليل لإقناع اتباعهم بمشروعية من استلم الأمر من بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

ولهذا نجد بأنّ منهجيتهم في هذا الأمر مضطربة وغير ثابتة، ولا تستهدف إلاّ قبول الواقع المفروض عليهم سواء كان هذا الواقع مستنداً إلى الثوابت الشرعية أو غير مستند إلى ذلك.

والغريب في الأمر أنّ هذه المنهجيّة دفعت أهل السنّة إلى الابتعاد عن أهل البيت(عليهم السلام) ولا يخفى على أحد الاهتمام الكبير الذي قد اهتمّ به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بهؤلاء العترة الطاهرة، وهذا الأمر هو الذي يشكّل إشكالية كبرى في تحقّق التوازن بين المبادئ التي جاء بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهذه المنهجيّة نفسها هي التي دفعتهم إلى القول بعدالة جميع الصحابة في الوقت الذي يجد الباحث أنّ الصحابة قد اقتتلوا فيما بينهم وسفك بعضهم دمّ البعض وحارب بعضهم البعض، ولهذا نجد أهل السنة يتهرّبون من طرح المشاجرات التي وقعت بين الصحابة، ويكتفون فقط بما تملي عليهم الحكومات التي هيمنت عليهم.

وبعبارة موجزة يمكن القول بأنّ مذهب أهل السنّة مذهب حكومي دعمته الحكومات وغذّته ليكون متلائماً مع ما يحقّق لها مآربها السياسية ويجعله متماشياً مع مصالحها في هيمنتها على المجتمع.

وأمّا تمسّك أهل السنّة بمبداً الشورى فليس إلاّ وسيلة لخداع الجمهور وإلاّ فالشورى مبدأ جاءت به الشريعة الإسلامية ليتّم التمسك به في محلّه وإلاّ فلا معنى للشورى بين الناس لتحديد ما يرتبط بالصلاة والصوم والزكاة وما جاء به الله تعالى.

ويجد الباحث بأنّ الخلافة من بعد رسول الله أمر ديني يتعلّق بالإرادة الإلهية التشريعية ولهذا لا يصح فيه أمر الشورى.

إنّ إرجاع الاُمة مدى الدهر إلى قاعدة الشورى هي عين الفوضويّة، وليس معناه إلاّ إلقاء الأمة في أعظم هوة من الخلاف لا حدّ له ولا قعر، لأنّ لكلّ قاعدة ضوابطها وقوانينها وبما أنّ قاعدة الشورى في تعيين الخلافة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ليس لها سند في الكتاب والسنة، فعدم وجود ضوابط لهذه القاعدة هو أمرٌ لا يستطيع أحد إنكاره وإذا كانت القاعدة وضوابطها غير معيّنة فيستطيع أيّ صاحب قدرة وصاحب رأي، التدخّل في الضوابط وتغييرها لصالحه ولأجل منافعه، فعلى هذا الأساس لا تكون هكذا قاعدة صالحة للتمسّك بها على الخصوص إذا كان الموضوع هو مسرحاً للعواطف والأغراض الشخصية والتغيرات والحكم والخلافة والرئاسة.

فلهذا لا نستطيع بالقول بأنّ قانون الشورى وتحكيم الأكثرية هو أمر مشروع ومقبول في كل المسائل والأزمان والحالات.

فلا يصح اللّجوء إلى قاعدة الشورى في مقابل النص ولا يصحّ أنْ ننسب هذه القاعدة التي لا يكون لها ضوابط إلى شخص لا ينطق عن الهوى.

ولا يخفى ضرر تشريع قاعدة الشورى واختيار الاُمة لتعيين خليفتها، ولهذا قالت عائشة لعمر عن طريق ابنه عبد الله: “لا تدع اُمة محمّد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً فإنّي أخشى عليهم الفتنة”.

ولست أدري لماذا لم يشر أحد على النبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنْ يستخلف أو يبيّن على الأقل طريقة الاستخلاف وضوابط الطريقة، حتّى لا يفتنوا كما أشارت عائشة؟

ولماذا لم يسأل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الأمر وهم كانوا يسألونه عن الصغيرة والكبيرة؟

والمرجّح هنا أنّه سُئل فأجاب، ولكن التاريخ الذي دوّنه أهل السنّة هو المتّهم في إهمال مثل هذه القضايا ولكن تاريخ الشيعة لم يهمل هذا السؤال والجواب الصريح عليه.

الإجماع على قاعدة اختيار الاُمة:

اننّا لا نجد في الكتاب ولا في السنّة قول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا التشريع لا تصريحاً ولا تلويحاً مع أنّ الدواعي متوفّرة جداً لنقل مثل هذا القول، والقوّة والحول في صدر الإسلام إلى ما بعده في يد من يرتئي هذا الرأي ويدافع عنه، فليس لأحد أن يدّعي أنّ هذا الأثر قد خفى علينا أو امتنع الرواة عن نقله.

إنّ علماء السنّة استدلوا بإجماع أهل الصدر الأوّل على كفاية اختيار أهل الحل والعقد بدليل بيعة أبي بكر يوم السقيفة وعندهم الإجماع حجّة لما روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) “لا تجتمع اُمتي على الخطأ”.

والإجماع حتّى على رأي أهل السنّة لم ينعقد في بيعة وجماعة من كبار الصحابة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار والزبير وخالد بن سعيد وحذيفة اليمان وبريدة وغيرهم ولم يبايع من بايع منهم بعد ذلك إلاّ قهراً وحفظاً لبيضة الإسلام وتوحيداً لكلمة المسلمين ولا يصّح أنْ يقال هؤلاء ليسوا من أهل الحّل والعقد للاُمة الإسلامية.

وبصورة إجمالية وجد سيّد رياض بأنّ الشيعة تمتاز بامتلاكها الدليل العقلي والنقلي على معتقدها ولكن أهل السنّة تتمسّك بقاعدة ليس لها دليل في الكتاب والسنة بل قاعدة أهل السنة في مقابل النصّ؟

ولا يخفى أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: “ما اختلفت أمّة بعد نبيّها إلاّ ظهر أهل باطلها على أهل حقّها.