ذو الفقار مسيح

ذو الفقار مسيح (مسيحي / باكستان)

ولد سنة 1332هـ (1914م) في باكستان في أسرة معروفة بالديانة السيخية، وكانت أسرته قد تحولت إلى الديانة المسيحيّة تأثراً بإرساليات التبشير المسيحي إلى شبه القارة الهندية في أواخر العشرينات من القرن العشرين، عمل موظّفاً في محطّة القطار في “وزير آباد”.

استبصاره:

يبدو أنّ اعتناقه للمسيحية في أوائل مراهقته تبعاً لأسرته لم يشفِ غليله الديني، ولم يبلّ هاجسه الروحي، فالمسيحية كما يرى هو دين يوجّه اهتمامه إلى الجانب الروحي، ويقتصر عليه فحسب حتّى يصل به الأمر إلى الدعوة إلى الترهّب والتبتّل والانقطاع عن دنيا الناس.

وبالمقابل كان يرى أنّ الدين الإسلامي ـ الذي توجّه له فيما بعد ـ دينٌ كاملٌ حافلٌ بجميع ما يحتاج إليه البشر في حياته الدينية والدنيوية، وذلك يكون بالسير وفق تعاليم القرآن، واتّباع سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والتمسّك بأهل بيته من الأئمّة المعصومين(عليهم السلام)، والمودّة في قرباه عموماً من الذرّيّة الشريفة والسادة الكرام.

حادثة مهيجة واستبصار دائم بكرامة ذرّيّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) :

يقول ذو الفقار: في إحدى الأيام احترق طفلي الصغير بالنار بصورة بشعة، وقد تألّمت لهذه الحادثة كثيراً، ولم أدرِ ماذا أفعل لنجاة هذا الطفل الصغير، ولكنّي فوجئت بشفاء هذا الطفل بعد فترة قصيرة على نحو الإعجاز! فدعاني هذا إلى التأمّل في هذا الأمر لمعرفة سببه، والإحاطة بجوانبه، ولم أعرف سبباً له سوى أنّي كنت هُديت ووُفّقت لمساعدة إمرأة علوية (تنتمي في النسب إلى الإمام عليّ(عليه السلام)) كانت في غاية العسر والشدّة، فدلّتني هذه الكرامة على شرف ذرّيّة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) المنحصرة بذّريّة الإمام عليّ وفاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وعرفت مكانة هذا النسل المختار عند الله تعالى ; تكريماً لأنبيائه، وإعزازاً لأوليائه، وقد حدى بي هذا الأمر إلى اختيار مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، والتمسّك بولايتهم، والفناء شوقاً في محبّتهم ومودّتهم بعد البحث والتدقيق الذي ثبت من خلاله أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

فضل ذرّية النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ومكانتهم:

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1) وذرّيّة النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هي من هذه الذرّيّة المذكورة في القرآن بل من أشرفها وأعظمها،فمن هذه الذرّيّة أهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهيراً، كما ورد في آية التطهير(2)، ومنها العترة الذين أُمر المسلمون بالتمسّك بهم مع القرآنِ ثقلين نفيسين بعد رحلة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في حديث الثقلين المتواتر، والصحيح عند جميع المسلمين، وهو آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) الذين وردت الصلاة عليهم مقرونة بالصلاة على النبيّ الواردة في القرآن(3)، وهم ذوي القربى المفروضة مودّتهم في القرآن(4) أجراً على الرسالة النبويّة الشريفة، وهم… وهم… .

فالإسلام إذن يكرِّم الذرّيّة النبويّة الشريفة لا لأنّه دين عشائري كما يزعم المنافقون عندما غمزوا النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه يحامي أهله وعشيرته وقومه(5)، بل لأنّ إكرامهم من محكم أمر الدين، وهو أمر واجب على المسلمين، وليس تفضلاً منهم، وهذا أمر تقبله أوّل بديهيات العقل وعليه إجماع المسلمين فضلاً عن الأوامر المؤكّدة في القرآن والسنّة الشريفة، كما أنّ مودّتهم هي لصالح المسلمين، ورفعة للإسلام قال الله في كتابه: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ}(6)، وقال أيضاً: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ}(7).

وهذا الأمر ليس مخصوصاً في ذرّيّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو قانون عام يشمل جميع الصالحين والمؤمنين كلاًّ حسب قدره وصلاحه، ففي قصّة الغلامين اليتيمين اللذين كان أبوهما صالحاً كما ذكر القرآن(8)في قصّة موسى والعبد الصالح(عليهما السلام)حيث أصلحا الجدار، وحفظا الكنز كرامة لأبيهما الصالح، فكيف لا تكرّم ذرّيّة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم المصطفون وهم المصداق الأكمل الذي لا يقاس به أحدٌ من العالمين.

وكذلك الأمر في هذه الآية من سورة الطور: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْ كُلُّ امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}(9) فلا تناقض بين العمل وإلحاق الذرّيّة بالاباء إكراماً لإيمانهم فكيف الأمر برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو منبع الإيمان، وكيف الأمر بذرّيّته وهم الذين دارت بهم رحى الإسلام. فهل آنَ للنصّاب أن يفهموا ذلك ويسلّموا له: أم لابدّ لهم أن يخضعوا لوساوس الشيطان الذي استزلّهم، لانهم قومٌ لا يعقلون ; ولأنّ لهم أحساب لئيمة وآباء أساءوا العمل وعادوا أهل الدين فجرّهم ذلك إلى عداوة الطاهرين من آل البيت فكان جزاؤهم جهنّم وبئس المصير.

هذا وقد ورد عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): من آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: ذرّيّته.

فقلت أهل بيته؟

قال: الأئمّة الأوصياء.

قلت: من عترته؟

قال: أصحاب العباء .

فقلت من أُمّته.

قال: المؤمنون الذين صدّقوا بما جاء به من عند الله عزّ وجلّ المتمسّكون بالثقلين الّذين اُمروا بالتمسّك بهما: كتاب الله عزّ وجلّ وعترته أهل بيته، الذّين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهما الخليفتان على الأمّة بعده(عليه السلام)(10).

كما ورد عن أبي بصير أيضاً، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فتغشاهم ظلمة شديدة فيضجون إلى ربّهم، ويقولون: يا ربّ اكشف عنّا هذه الظلمة، قال: فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم وقد أضاء أرض القيامة.

فيقول أهل الجمع: هؤلاء أنبياء الله فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بأنبياء، فيقول أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة، فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بملائكة فيقول أهل الجمع: هؤلاء شهداء، فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بشهداء، فيقولون: من هم؟ فيجيئهم النداء: يا أهل الجمع، سلوهم من أنتم؟ فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويّون، نحن ذّريّة محمّد رسول الله، نحن أولاد عليّ وليّ الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون. فيجيئهم النداء من عند الله عزّ وجلّ: اشفعوا في محبيكم وأهل مودّتكم وشيعتكم، فيشفعون فيشفّعون(11).

آثار مودّة الذرّيّة الشريفة والإحسان إليهم:

روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: “إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أيّها الخلائق اُنصتوا، فإنّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) يتكلّم، فتنصت الخلائق، فيقوم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فيقول: يا معشر الخلائق، من كانت له عندي يدٌ أومنّة أو معروف فليقم حتّى أُكافيه، فيقولون: بآبائنا وأمهّاتنا أنت، وأيّ يد وأي منّة وأيّ معروف لنا؟ بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق.

فيقول(صلى الله عليه وآله وسلم): بلى من آوى أحداً من أهل بيتي، أو برّهم، أو كساهم من عري أو أشبع جائعهم فليقم حتّى أكافيه، فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فياتي النداء من قبل الله تعالى: يا محمّد، يا حبيبي قد جعلت مكافأتهم إليك فأسكنهم من الجنّة حيث شئت فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم”(12).

ونقل سبط ابن الجوزي: أنّه أحسن عبد الله بن المبارك إلى إمرأة علويّة فقيرة، فرأى في المنام النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّك أغثت ملهوفة من ولدي فسألت الله تعالى أن يخلق على صورتك ملكاً يحجّ عنك كلّ عام إلى يوم القيامة(13).

اسلام رجل مجوسي وعائلته لإكرامه إمرأة علويّة وبناتها:

حكي أنّ إمرأة علويّة صالحة خرجت مع بناتها الأربع من مدينة قم في بعض السنين التّي وقعت ملحمة بقم حتّى أتت بلخ في أيام الشتاء، فقصدت رجلاً من أكابرها المعروف بالإيمان والصلاح فرأته وأخبرته بحالها فقال: من يعرف أنّك علويّة؟ هاتي على ذلك شهوداً، فخرجت من عنده حزينة باكية، وكان في مجلس ذلك الرجل مجوسيٌ.

فلمّا رأى العلويّة وما قال لها الرجل وقعت لها الرحمة في قلبه، فقام في طلبها مسرعاً فلحقها فآواها وأدخلها منزله، وأعدّ لها جميع ما تحتاج إليه، فلمّا نام المجوسي رأى القيامة، فطلب الماء من أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهو واقف على شفير حوض الكوثر، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): إنك لست على ديننا فنسقيك.

فقال له النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): يا عليّ، اسقه، إنّ له عليك يداً، قد آوى ابنتك فلانة وبناتها، فسقاه(عليه السلام) .

قال الراوي: وقام الرجل من ساعته، وأسرج الشمع، وخرج هو وزوجته حتّى دخل على البيت الّذي تسكنه العلّوية، وحدثها بما رآه، فقامت وسجدت لله شكراً، وقالت: والله، إنّي لم أزل طول ليلتي أطلب إلى الله هدايتك للإسلام، والحمدُ لله على استجابة دعائي فيك، فقال لها: اعرضي عليّ الإسلام فعرضته عليه فأسلم وحسن إسلامه، وأسلمت زوجته وجميع بناته وجواريه وغلمانه(14).

____________

1-آل عمران (3) : 33 ـ 34.

2-الأحزاب (33) : 33.

3-الأحزاب (33) : 56،مسند أحمد 1: 162، 3: 47، 4: 119، 241 و5:274 .

4-الشورى (42) : 23.

5-في أكثر من موضوع منها ما قالوه يوم الغدير عند انتخاب الإمام عليّ ابن أبي طالب للولاية، اُنظر الغدير 1: 239 وغيره.

6-سبأ (34) : 47.

7-الشعراء (26) : 109، 127، 145، 164، 180.

8-الكهف (18) : 82.

9-الطور (52) : 21.

10-معاني الأخبار: 94، ح3 أمالي الصدوق: 312، ح10، بحار الأنوار 25: 216.

11-أمالي الصدوق 358، ح19، المجلس السابع والأربعون، عنه بحار الأنوار 7: 100، ح4 و 8: 36 ، ح10 و 93: 217، ح1.

12-من لا يحضره الفقيه 2: 36، ح153، وسائل الشيعة 16: 332، ح3.

13-تذكرة الخواص 2: 520 بحار الأنوار 93: 234، ح34، ينابيع المودّة 3: 176، غوالي اللئالي 4: 140 .

14-روى العلامة المجلسي رحمه الله الحكاية في بحار الأنوار 93: 225، ح26 وهي طويلة، عن غوالي اللئالي 4: 142.