عبد المطلب بن حيدر المشعشعي

عبد المطلب بن حيدر المشعشعي (مغالي / إيران)

عاش “عبد المطلب” الملقب بالمهدي الموسوي الحسيني المشعشعي(1) في النصف الثاني من القرن العاشر، وتوفي سنة 1019هـ ، وهو من مواليد مدينة الحويزة التابعة لمحافظة خوزستان الواقعة في جنوب إيران.

وكان المعروف عن عائلة “المشعشعي” أنّهم غلاة، يعتقدون بألوهيّة عليّ(عليه السلام)، وكانوا يعبدونه، ويعتقدون بسقوط التكاليف عن الأفراد، فلا تجب عندهم صلاة ولا صوم ولا زكاة، فضلا عن باقي العبادات، لذلك عندما رأى عبد المطلب شخصاً يصلّي تعجّب، وسأل ذلك الشخص: لماذا تقوم وتقعد بهذه الصورة؟!

وهذا يكشف عن عمق عقيدتهم هذه، ورسوخها في نفوسهم، وقدمها عندهم، بحيث وصل بهم الأمر إلى أنّهم لا يعرفون صورة العبادة، فضلاً عن اعتقادها والعمل بها أو الوقوف على حقيقتها.

الغلو والغلاة:

إنّ الغلو ظاهرة قديمة في المجتمعات البشرية، بحيث قد لا يمكن تحديد بداية ظهورها بين الناس، وقد أشار القرآن الكريم إلى غلو الأُمم السابقة، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}(2).

تعريف الغلو:

“الغلو” لغة مجاوزة الحدّ، وقد ورد في لسان العرب: غلوت في الأمر غلواً أو غلانية، إذا جاوزت فيه الحدّ وأفرطت فيه”(3)، وعُرّف “الغلو” اصطلاحاً: “هو التجاوز بأشخاص البشر عن مقاماتهما من حدّ العبودية إلى مقام الربوبية”(4).

والغلو في المصطلح المتعارف بين المسلمين: هو الاعتقاد بألوهية الإمام عليّ(عليه السلام) وأهل البيت(عليهم السلام)، والاعتقاد بنبوتهم.

قال “الشيخ المفيد” في تصحيح الاعتقاد: “والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين(عليه السلام)والأئمّة من ذرّيّته(عليهم السلام)إلى الألوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ وخرجوا عن القصد”(5).

أهم عقائد الغلاة:

إنّ من أهم عقائد الغلاة: إنّ الإمام علي(عليه السلام) هو الإله ومَن عرف أنّ علياً(عليه السلام)خالقُه ورازقُه سقط عنه التكليف، ومنهم من اعتقد بنبوّة الإمام عليّ(عليه السلام)وأهل البيت، وأنّ جبريل قد اشتبه في إيصال الرسالة أو قصّر.

وهناك عقائد جزئية اختصّت بها فرقة دون أخرى، مذكورة مفصّلاً في مضانّها(6).

فرق الغلاة:

ذُكر للغلاة فرق كثيرة بعضها وهمية وبعضها لها حظ من الواقع، وقد ضخّمت بعض المصادر شأن جملة من هذه الفرق لغايات معروفة أهمّها الطعن بالتشيّع بمفهومه العام.

موقف الشيعة الإمامية من الغلاة:

قال الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد: “وهم ]أي: الغلاة[ ضلاّل كفّار، حكم فيهم أمير المؤمنين(عليه السلام) بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمّة(عليهم السلام) عليهم بالإكفار والخروج عن الإسلام”(7).

وقال الشيخ الصدوق في الاعتقادات: “اعتقادنا في الغلاة والمفوّضة أنّهم كفّار بالله جلّ اسمه، وأنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس، والقدريّة، والحروروية، ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلّة، وأنّه ما صغر الله جلّ جلاله تصغيرهم بشيء”(8).

هذا موقف الإمامية من الغلاة، وهو موقف واضح وصريح وعليه الإجماع، وما ذلك إلاّ لروايات رويت عن الأئمّة(عليهم السلام) في الغلاة، وما نقل من شدّة مواقف الأئمّة(عليهم السلام) منهم(9).

قصّة استبصاره:

أمّا قصّة استبصار “عبد المطلب المشعشعي”، فيحدّثنا عنها حفيده “السيّد عليّ خان”، قائلاً: “أحمد الله وأشكره أيضاً لنظمي في سلك ما كان عليه والدي وجدّي من الطاعات وما أحرزه بحبّ أهل البيت(عليهم السلام) من الخدمات، فإنّ جدّي المرحوم ـ وهو السيّد عبد المطلب عفى الله عنه ـ ابن حيدر بن المحسن بن محمّد الملقّب بالمهدي، كان من خدمته لهم(عليهم السلام) إنّ كان بين جماعة من قومه وعشائره، وكانوا على طريق ضلالة ومذهب جهالة، فأنكر عليهم، وخامره الشكّ في سوء عقائدهم، وهو إذ ذاك شاب.

ونقم على مذهبهم في الباطن، وقال: “كيف يُعبد من قتل ودفن”، إشارة إلى عليّ(عليه السلام) فخرج يوماً لبعض مآربه وإذا هو يرى رجلاً يصلّي، وكان الرجل من أهل العلم، ولم يكن من أهل بلادهم، وقد ورد إليهم لبعض شأنه، فسأله: “ماذا تصنع وتفعل بقيامك وقعودك؟ إذ لم أر أهل هذه البلاد يفعلون مثل ما تفعل”، فقال له الرجل: “ما عليك مني إمض لشأنك”، فأقسم عليه أن يخبره عما سأله، فقال: “إنّي أصلّي لله ربّ العالمين، الصلاة المفروضة التي افترضها الله ورسوله على العباد، وأمّا أهل بلادك هؤلاء فهم على ضلالة، وأنّ الربّ هو الله، ومحمّد صلوات الله عليه وآله رسوله، وعليّ خليفته من بعده، وهو الإمام المفترض الطاعة بأمر الله ورسوله، وانّما هو عبد اصطفاه الله وأكرمه وقُتل في سبيله وقتله ابن ملجم”.

قال: “فشكرته، وقلت: قد أبنت عما كنت أطلب بيانه، لكن قل لي: أين مقرّك؟

فقال: بموضع كذا.

ثمّ إنّي رجعت إلى أبي “السيّد حيدر”، وسألته أن يرخصني بأن أصلّي، فرخصني، وقال أنت وشأنك ولا أمنعك عن ذلك، ورأيت في وجهه البشر والاستحسان لفعلي”.

قال جدّي: “فرجعت إلى الشيخ المذكور فرحاً بما رخّصني به أبي، وأعلمته بما صار لي معه من الكلام، فسرّ بذلك، فصرت أتردّد عليه حتّى تعلّمت منه معرفة الله تعالى، ومعرفة واجبات صلاتي والطهارة والصوم، فتبعني أخوتي على إسلامي، وأسلموا أهل بيتنا والاتباع والخدام، وصرنا معروفين بين قبائل المشعشعين بهذا الدين”.

خدمته للتشيّع وانجازاته العلمية والثقافية:

يحدّثنا حفيده أيضاً عن انجازات جدّه العلمية والثقافية، قائلاً:

قال جدّي: “فلمّا وفّقنا الله تعالى لاستيلائنا على هذا الأمر وانتزاعنا الأمر من بني عمّنا ـ اعني آل سجاد وآل فلاح ـ لم يكن لي هم إلاّ رجوع الناس والأقوام من الكفر إلى الإسلام بالسيف واللسان وبذل المال، فصرت أدعو قبيلة قبيلة إلى الإسلام، فمن أطاع أنعمت عليه ومن أبي قتلته، حتّى وفق الله في أيام قليلة رجعت الناس إلى الإسلام وحسن إسلامهم وزال الكفر وأهله”.

ثمّ إنّه شرع ببناء المساجد والمدارس وعنت إليه العلماء وطلبة العلم من البلدان، وجاوروه وانتفعوا به ونفعهم، فجزاه الله عنّا وعن المسلمين كلّ خير، وجمعنا وإيّاه في مستقرّ رحمته، إنّه كريم رحيم، ومآثره ومناقبه لا تعدّ ولا تحصى(10).

____________

1- السادة المشعشعية سلسلة مشهورة ومعروفة في بلاد “الحويزة” وقد حكموها لسنين عديدة .

2- النساء (4) : 171.

3- لسان العرب: 3290، مادة (غلا).

4- الجذور التاريخية والنفسية للغلو والغلاة: 19.

5- تصحيح الاعتقاد: 131.

6- انظر: الجذور التاريخية للغلو والغلاة، سامي الغريري.

7- تصحيح الاعتقادات: 131، فصل في الغلو والتفويض .

8- الاعتقادات: 970، باب: الاعتقاد في نفي الغلو والتفويض.

9- الجذور التاريخية والنفسية للغلو والغلاة: 269، موقف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت(عليهم السلام)من الغلاة.

10- مصادر الترجمة: رياض العلماء 2: 239، في ترجمة السيّد خلف بن عبد المطلب، طبقات أعلام الشيعة القرن الحادي عشر: 200 و357.