علوي محمّد العطّاس

علوي محمّد العطّاس ( شافعي / أندونيسيا )

ولد سنة 1388هـ (1969م) في مدينة “بكلونجن” بأندونيسيا، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، تلقّى دراساته الابتدائيّة في المدرسة السلفيّة وتدرّج فيها حتّى تخرّج منها بعد إتمامه للدراسات العليا، كما أنّه حصل على دبلوم اللغة من معهد اللغة العربيّة في “جاكرتا” عاصمة أندونيسيا .

توجّه بعد التحاقه بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) إلى الدراسات الحوزويّة في مدينة قم المقدّسة . وتفرّغ ـ بعد ذلك ـ لمهمّة التبليغ الديني والدعوة إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام)من خلال التدريس والوعظ وترجمة الكتب ونشرها .

كيفيّة تعرّفه على التشيّع:

كان اعتناق “علوي محمّد العطّاس” لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) من خلال رحلة بحث علمي وتنقيب موضوعي، حيث وجد أنّ مذهبهم هو الطريق الصحيح للوصول إلى رضا اللّه تعالى .

ورغم أنّ عمدة دراسته كانت في المدرسة السلفيّة الوهابيّة، إلاّ أنّه كان شغوفاً بقراءة كلّ ما هو إسلامي جديد في ساحة النشر، ويبدو أنّ المدرسة الوهابية لم تستطع آنذاك أن تضيّق آفاق فكره عما يقوله الآخرون من المسلمين; ومن هنا واصل “علوي محمّد العطّاس” قراءته لبعض الكتب والمجلاّت الإسلاميّة لكافّة المذاهب ، بما فيها كتب ومجلات أبناء المذهب الشيعي; فتأثّر بها وأجرى مقارنة علميّة فيما بينها وتابع المسائل الخلافيّة والوفاقيّة التي توردها، فوجد أنّ ما يقوله الشيعة قويّ الحجّة ويستند إلى القرآن والسنّة النبويّة الشريفة حسب ما ينقله أهل  السنّة أنفسهم فضلا عن كتبهم الخاصّة بهم، غير أنّه واجه بعض الشبهات في دراسة عقائدهم، ووجد بعض اللبس في فهم قضاياهم الخاصّة بهم، ولكنّه ـ مع ذلك ـ واصل درب التحقيق والبحث، فاستفهم عن هذه المسائل، وسأل من لاقاه من الشيعة وخصوصاً بعض علمائهم، فأناروا له ما كان مبهماً عليه، ووضّحوا له سبيل الحقّ، وحذّروه من المزالق التي ينصبها الشيطان لمنع المؤمنين عن مواصلة السير على الصراط المستقيم .

لقاء صحفي له مع مجلة المنبر:

أجرت مجلة المنبر التي تصدر في الكويت عن هيئة خدّام الإمام المهدي(عليه السلام)حواراً صحفيّاً معه فتحدّث “علوي محمّد العطّاس” فيه عن استبصاره، وعن أوضاع الشيعة في أندونيسيا ونشاطاتهم نورد مقتطفات من هذا الحوار:

عوامل استبصاره:

المنبر: ما هي العوامل التي دفعتكم إلى ترك المذهب السنّي واعتناق العقيدة الإماميّة؟ ومتى كان ذلك؟

الجواب: رغم أنّ عمدة دراستي كانت في المدرسة السلفيّة (الوهابية) إلاّ أنّني كنت شغوفاً بقراءة كل ما هو إسلامي جديد، لذا فإنّني كنت متابعاً جيّداً لمجلة (المواقف) البحرينيّة إضافة للارساليات التي كانت تردنا من دار التوحيد في الكويت ، والكتب الإسلامية المترجمة من العربيّة إلى الأندونيسيّة . وأثناء ذلك، كنت ألتقي بعدد من أتباع الإمام السيد موسى الصدر، الأمر الذي أزال اللبس عندي حول كثير من القضايا التي تخصّ المذهب الشيعي .

ولقد قادني ذلك كلّه بعد رحلة بحث وتنقيب شاقّة، إلى اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) لأنّني وجدته الطريق الأسلم للوصول إلى اللّه تعالى .

المنبر: هل أثّر تشيّعك في انتقال أفراد أسرتك وأصدقائك مثلا إلى المذهب الحقّ ؟

الجواب: نعم بلا شك، فبسبب المدّ الإسلامي العالمي تعرّفنا على منهج أهل البيت (صلوات اللّه عليهم) أكثر فأكثر، وهو ما ساعد كثيراً على اقتناع أسرتي وأصدقائي وأساتذتي أيضاً بالتشيّع، وهم في الواقع كشفوا عن هويتهم الضائعة.

الهويّة الضائعة للشعب الأندونيسي:

المنبر: أيّ هويّة ضائعة؟

الجواب: إننّي أعتقد بأنّ غالبية الشعب الأندونيسي كانوا من الشيعة بيد أن الظروف التي طرأت على هؤلاء أثّرت تأثيراً كبيراً في اضمحلال هذه العقيدة، وكدليل على اعتقادي فإنّ السلاطين الذين يحكمون في (سومطرة) أو (كوالا) مازالوا يحتفظون بكثير من التقاليد والعادات الشيعيّة المتوارثة منذ عشرات السنين رغم أنّهم فعلياً لا يعرفون أركان وأصول العقيدة الإماميّة . إنّنا لو رجعنا لكتاب (أعيان الشيعة) لعرفنا أنّ من يحمل نسب أهل البيت(عليهم السلام) من السادة في أندونيسيا يتجاوزون 20 مليون شخصاً ! وبالطبع فإنّ من ينتمي إلى هذا المذهب أكثر بكثير! لكن ضعف الوعي الديني من جهة وانقطاع أندونيسيا عن العالم الإسلامي من جهة أُخرى بفعل الاستعمار أذابا كثيراً من العقائد والركائز الشيعيّة .

ومن طريف ما يذكر أنّ من عاداتنا التي لا تزال متّبعة في أندونيسيا صب الماء على ناصية المرأة ورجلها عندما تتزوّج، وهذا إحدى تعاليم الأئمة(عليهم السلام)، وهي عادة مختصّة بالمذهب الجعفري وحده دون سائر المذاهب .

كما أنّ الشعب الأندونيسي ملتزم منذ عشرات السنين بإحياء شعائر أبي عبد اللّه الحسين (عليه الصلاة والسلام) في شهر محرّم الحرام، فتجد منابر حسينيّة في كلّ البقاع الأندونيسيّة وكلّ الضواحي والمناطق، ويحضرها رجال ونساء وأطفال وشيوخ وكذلك كبار مسؤولي الدولة. أمّا في مدينة (سومطرة) الغربيّة فثمّة عادة مميّزة تجري في كل شهر محرّم، حيث يجتمع الشيعة والسنّة في جموع غفيرة ليعدّوا نعشاً يمثّل نعش الإمام الحسين(عليه السلام)، ويطوفون به لمدّة أربعة عشر يوماً نسبة إلى عدد المعصومين الأربعة عشر(عليهم السلام) في الشوارع والميادين والساحات العامّة نادبين لاطمين، والصحف تقوم في مثل هذه المناسبة بتغطية إعلاميّة مميّزة حول شخصيّة سيّد الشهداء صلوات اللّه عليه وشهداء الطفّ العظيم . أمّا في مدينة (بريامان) وهي مشتقّة من اللفظة العربية (بر الأمان) فهناك خمسة ملايين يقومون بهذه الشعائر كلّ عام .

تاريخ التشيّع في أندونيسيا والبلدان المجاورة:

المنبر: إذن .. حدّثنا عن تاريخ التشيّع في أندونيسيا؟

الجواب: أتصوّر أنّ انتشار مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في أندونيسيا جاء بفعل هجرة تجار شيعة من اليمن الجنوبي قبل عشرات السنين، وقد قام هؤلاء بالتبشير بالمذهب الجعفري ودعوة الناس إلى اتّباع أهل البيت(عليهم السلام)، ولقد كان معظمهم من السادة الأشراف .

وبطبيعة الحال .. كان للتزواج الذي حصل بين أولئك وبين الشعب الأندونيسي دوراً رئيسيّاً في زرع بذرة التشيّع هناك . ولذلك فقد اكتشفت أسرتنا أنّ أجدادنا هم من اليمن، والأندونيسيون على هذه الحال أخوالنا، كما لا ننسى أنّ ثمّة دور كبير لعبه الدعاة والمبلّغون الذين أتوا من العراق وإيران في الترويج للمذهب الاثني عشري .

المنبر: وماذا عن البلدان المجاورة لأندونيسيا؟

الجواب: التشيّع منتشر في معظم هذه البلدان، ولعلّك تجد في سنغافورة وماليزيا مؤتمرات وندوات إسلاميّة جعفريّة كثيرة على مدار العام، وهناك اهتمام كبير بقراءة دعاء كميل كلّ ليلة جمعة، وفي تايلند نسبة جيّدة من الشيعة، أمّا في ماليزيا فإنّ اتّحاد الطلبة هناك يميل كثيراً إلى شخصيّات الأئمة(عليهم السلام)، وعادة ما يسلّط في أدبياته وخطاباته الأضواء على حياتهم وسيرتهم .

معنى أن يكون المرء شيعياً:

المنبر: بعد تشيّعك .. ما هو معنى أن يكون المرء شيعياً من وجهة نظرك الشخصيّة ؟

الجواب: التشيّع في نظري هو أن تكون مثالا يترجم تعاليم أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، لا أن تكتفي بالرداء الشيعي . إنّ قول المرء: أنا شيعي .. قول عظيم جدّاً يحتاج إلى برهان، فالتشيّع مرتّبة عظيمة لا يبلغها إلاّ من اكتسب الأخلاق الإسلاميّة الرفيعة والتزم بتقوى اللّه وسيرة أهل البيت(عليهم السلام) .

الدعوة والتبليغ:

المنبر: ما هي الخطوات العمليّة التي قمتم بها على صعيد نشر مذهب آل محمد(عليهم السلام)؟

الجواب: إنّ لنا كثيراً من الأنشطة التي تهدف إلى إعادة الهويّة الضائعة للشعب الأندونيسي رغم إمكانيّاتنا المتواضعة، وأخيراً قمنا بترجمة كتابي (المراجعات) و(ليالي بيشاور) فنالا إعجاب الجماهير الأندونيسيّة المتعطّشة لذكرى أهل البيت (صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين) . . . أنتم لا تعرفون ما الذي أحدثه هذا الكتاب ، لكنّي أقول أنّه كان بمثابة من أوقظ الشعب من سبات عميق، بل إنّه أحياه من جديد ، وأنار له درب الولاية .

المؤسّسات الشيعيّة في أندونيسيا:

المنبر: ماذا عن المؤسّسات الشيعيّة في أندونيسيا؟

الجواب: عندنا مؤسّسات إماميّة رسميّة يبلغ عددها حوالي 12 مؤسّسة، بين مسجد وحسينيّة ومركز، ومعظمها في مدينة (بندونج) العلميّة، وهي مدينة ذات كثافة شيعيّة وفيها جمع من طلاب الحوزات العلميّة، غير أنّ هذه المراكز ليست سوى نقطة في بحر، فالذي يؤلمني أنّ كثيراً من المناطق والمقاطعات بحاجة إلى مساجد أو حسينيّات على الأقل، لكنّنا لا نستطيع إقامتها هناك .

وعلى كلّ حال فإنّنا نطمح إلى بناء مركز إسلامي إمامي متكامل تنبثق منه فروع في مختلف أنحاء الوطن .