مازن محمد أحمد رشيد

مازن محمّد أحمد رشيد (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٥٨ه (١٩٧٧م) في مدينة كركوك، فرضت عليه الأجواء التربويّة التي عاشها الانتماء إلى المذهب الحنفي.

حقائق في غياهب الكتمان، يحاول البعض الوصول إليها، وشكوك تدفعهم إلى الركون نحو معطيات تلقّاها سلف عن سلف، فهل يا ترى هو تارك لتعاليم عاش على ضوء معطياتها شطراً من الزمن؟

سؤال حاول البعض الإجابة عنه، وذلك من خلال البحث والتحقيق حول الحقيقة.

«مازن محمّد رشيد» هو أحد الأشخاص الذين حاولوا الوصول إلى شاطئ الحقيقة، وذلك من خلال البحث والتحقيق الحثيث في التراث الإسلامي الذي حمل في أحضانه الكثير من الحقائق.

يقول «مازن»: كان دأبي البحث والتحقيق حول الأمور التي تقرّبني إلى اللّه‏ أكثر فأكثر.

فمضت الأيّام وأنا أبحث عن ضالّتي المفقودة عسى أن أجدها.

وذات يوم تعرّفت على شخص شيعي، وذلك من خلال تواجده في المكتبة التي كنت كثيراً ما أذهب إليها.

وفي يوم لفت انتباهي أنّه يقرأ الكتاب ويكرّر كلمة «لا اللّه‏ إلاّ اللّه‏»، كأنّما كان يقرأ موضوعاً يزعجه كثيراً، اقتربت منه وسألته عن الأمر الذي أزعجه فقال:

أتعجّب من ذوي الأقلام الرخيصة التي تكتب ما تشاء من دون دليل.

فقلت له: ماذا تقصد من كلامك هذا؟

فقال: إنّ صاحب هذا الكتاب يتّهم الشيعة بأنّهم يعبدون الإمام عليّاً عليه‏السلام، ويرون أنّ جبرئيل خان الأمانة الإلهيّة فأنزلها على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وأنّهم يعبدون الأحجار و…فقلت له: هكذا نعرفهم، أليست هذه عقائدهم؟!

فقال لي: إنّ الشيعة يتبرّؤن ممّن يحمل مثل هذه العقائد، وليس من الصحيح أن ترمي الفرق والمذاهب الإسلاميّة بهذه التهم، والشيعة ترى أنّ الإمام عليّاً عليه‏السلامهو الخليفة بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ، مستندون إلى الأحاديث الكثيرة الواردة في كتب الفريقين، ويرون أنّ أهل البيت هم المرجع السياسي والديني بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وهم الوسيلة التي يُتقرّب بها إلى اللّه‏.

فقلت له: هل يمكن لك الاستدلال على كلامك هذا من كتبنا المعتمدة؟

فقال لي: نعم يا أخي، وأخذ يبرهن على كلامه مستنداً إلى المصادر التي نعتمد عليها، ممّا جعلني لا أملك الجواب أمامه.

تمكّنت أن أتخلّص منه وأوجل الحوار إلى وقت آخر، وعلائم الحيرة واضحة في وجهي، وكأنّي سجين وجّهت إليه العديد من التهم لا يمكنه إنكار أحدها.

عزمت بعدها إلى مواصلة البحث والتحقيق حول هذا الموضوع تاركاً خلفي عواطف وأحاسيس كلّ من يحاول التغلّب عليّ من خلال إقناعي بعدم الحاجة إلى البحث والتحقيق، ويحاول إقناعي بالركون إلى حالة التقوقع والتقليد الأعمى للآباء والأسلاف.

تمكّنت من تخطّي هذه العقبة وبدأت بالبحث والتحقيق حول الأدلّة التي استدلّ الشيعي عليها لإثبات خلافة أهل البيت عليهم‏السلام وأنّهم الوسيلة التي يُتقرّب بها إلى اللّه‏، وسرعان ما ظهرت لي نتائج تبرهن على صحّة كلامه ممّا جعلني في موقف حرج أمام تراث تلقّيته من آبائي وعشت مدّة ليست بقليل من عمري على ضوء تعاليمه.

ولم تحسم الأحاسيس هذا الموقف فقد عزمت على ترك ما يفتقر إلى الدليل والبراهين وأحاول أن أشيّد معتقداتي على أسس لا تشوبها شائبة.

النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم والخلافة:

عجّت رؤوس الأقلام بالكتابة حول قضيّة الخلافة التي أصبحت العقبة الكبرى منذ رحيل النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ، فقد عكّرت الأجواء على المسلمين نتيجة للسياسة التي اتّخذها المنافقون اتجاه أهل البيت عليهم‏السلام، فقد عمدوا إلى تحطيم المقام والمنزلة الرفيعة لأهل البيت عليهم‏السلام، ومن ثمّ إنكار الفضائل التي نزلت في حقّهم وإبعاد الناس منهم وذلك لتمشية أمورهم الدنيويّة.

التاريخ والخلافة:

يمكن من خلال التتبّع في التاريخ الوصول إلى نتائج تساهم في عمليّة البحث حول الحقيقة، فقد غزى النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم العديد من الغزوات ولم يترك الأُمّة من دون خليفة له عندما كان يغادر المدينة، فما هو الأمر الذي ضعضع الموازين في الخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ؟

هل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ترك الأُمّة من دون خليفة؟

هل النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم عيّن خليفة للأمّة بعده؟

سؤال نترك المجال للمسلمين أن يجيبوا عنه.

آية الولاية:

﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1).

تعتبر هذه الآية من الآيات الدالّة على خلافة الإمام علي عليه‏السلام، وذلك باعتراف المفسّرين بنزولها في حقّ الإمام علي عليه‏السلام، فقد ذكر الآلوسي في تفسيره «والآية عند معظم المحدثين نزلت في علي كرّم اللّه‏ تعالى وجهه…»(2).

وقال الثعلبي في تفسير «الكشف والبيان»: «قال ابن عبّاس، وقال السدي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبد اللّه‏: إنّما يعني بقوله ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ الآية. علي بن أبي طالب رضي اللّه‏ عنه مرّ به سائل وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه»(3).

وقال ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير في القول الأوّل: «أنّ عبد اللّه‏ بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم وقالوا: إنّ قوماً قد أظهروا لنا العداوة، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقالوا: رضينا باللّه‏ وبرسوله وبالمؤمنين، وأذّن بلال بالصلاة، فخرج رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم فإذا مسكين يسأل الناس، فقال رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم:

«هل أعطاك أحد شيئاً»؟ قال: نعم. قال: «ماذا»؟ قال: خاتم فضّة. قال: «من أعطاكه»؟ قال: ذاك القائم، فإذا هو علي بن أبي طالب، أعطانيه وهو راكع، فقرأ رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم هذه الآية. رواه أبو صالح عن ابن عبّاس، وبه قال مقاتل. وقال مجاهد: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدّق وهو راكع»(4).

إلى ما هناك من الروايات المتضافرة في هذا المجال، فقد أخرج الحاكم بسنده إلى علي بن أبي طالب عليه‏السلام قال: «نزلت هذه الآية على رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(5)، فخرج رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم ودخل المسجد والناس يصلّون بين راكع وقائم، فصلّى فإذا سائل، قال: يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟

فقال: لا، إلاّ هذا الراكع – لعلي – أعطاني خاتماً»(6).

وكذا ذكر السيوطي في الدرّ المنثور عن الخطيب في ا لمتّفق قال: «وأخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عبّاس قال تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم للسائل: من أعطاك هذا الخاتم؟

قال: ذاك الراكع. فأنزل اللّه‏ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وأخرج عبد الرزاق وعبد الحميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ…» الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمه وأعطاه السائل، فأتى رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم فاعلمه ذلك، فنزلت على النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ…». فقرأها رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم على أصحابه ثمّ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبيطالب قال نزلت هذه الآية على رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم في بيته: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾ إلى آخر الآية، فخرج رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم فدخل المسجد، وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي، فإذا سائل، فقال: يا سائل هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، ذاك الراكع – لعلي بن أبي طالب – أعطاني خاتمه.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال:

تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُالآية. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ الآية نزلت في علي ابن أبيطالب تصدّق وهو راكع.

وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله. وأخرج ابن مرودويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس قال: أتى عبد اللّه‏ بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم عند الظهر فقالوا: يا رسول اللّه‏ إنّ بيوتنا قاصية، لا نجد من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا اللّه‏ ورسوله وتركنا دينهم أظهروا العداوة، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا

يؤاكلونا، فشقّ ذلك علينا، فبيناهم يشكون ذلك إلى رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم إذ نزلت هذه الآية على رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.

ونودي بالصلاة صلاة الظهر وخرج رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم فقال:

أعطاك أحد شيئاً؟

قال: نعم.

قال: من؟

قال: ذاك الرجل القائم.

قال: على أيّ حال أعطاكه؟

قال: وهو راكع.

قال: وذاك علي بن أبيطالب فكبّر رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عيه وسلّم عند ذلك وهو يقول: ومن يتولّ اللّه‏ ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب اللّه‏ هم الغالبون(7).

الوصول إلى الحقيقة:

يقول «مازن»: بعد معرفة هذه الحقائق عزمت على ترك الموروث العقائدي الذي تقبّلته من أسلافي دون وعي وتفكّر، ولم يكن هذا ذنبي حيث ترعرعت في أجواء فرضت عليّ تقديس تعاليم سرعان ما بدا لي زيفها وبطلانها.

عزمت بعد ذلك على تشييد معتقداتي من جديد، وبنائها على أُسس تستمدّ قوتّها من الأدلّة العقليّة، ولا تؤثّر فيها العواطف والأحاسيس، فالتحقت بسفينة النجاة سفينة أهل بيت المصطفى عليهم‏السلام.

____________

1- المائدة ٥: ٥٥ .

2- تفسير الآلوسي ٦: ١٨٦.

3- تفسير الثعلبي ٤: ٨٠ .

4- زاد المسير ٢: ٢٩٢.

5- المائدة ٥: ٥٥.

6- معرفة علوم الحديث: ١٠٢.

7- الدر المنثور ٢: ٢٩٤.