كوسرت عبد الرحمن خوشناو

كوسرت عبد الرحمن خوشناو (شافعي / العراق)

ولد في «أربيل» بالعراق، اهتمّ بعد مرحلة النضج بدراسة الأمور الدينيّة وفق المذهب الشافعي الذي نشأ فيه، واشترك في الكثير من الجلسات الدينيّة ولاسيّما جلسات قراءة القرآن الكريم، ثمّ تعرّف على مجموعة من الشيعة، فجرت بينه وبينهم حوارات دينيّة استمرّت فترة طويلة حتّى وصل «كوسرت» إلى القناعة التامّة بتغيير انتمائه المذهبي، فأعلن استبصاره عام ١٤١٢ه (١٩٩٢م) في أربيل.

منع تدوين سنة رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم :

إنّ أوّل ما يبعث على الاستغراب عند مطالعة التاريخ الإسلامي هو كيف آل الأمر لوصول معاوية بن أبي سفيان الطليق ابن الطليق إلى منصب الخلافة، وتولّى الأمر بالقوّة والقهر وقال في خطبته في جمع من الصحابة: «إنّي ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمّر عليكم، وها أنا ذا أمير عليكم»(1).

فلم يحرّك أحدٌ منهم ساكناً ولم يعترض، ثمّ ولّى ولده يزيد على المسلمين فلم يتحرّك إلاّ القليل اليسير من المسلمين، وهذا ما يدهش الباحث، ثمّ وصل الأمر بالأمراء أن يتجاهروا بالفسق والفجور كشرب الخمر والزنا واللهو بالطرب والغناء والرقص وحدّث ولا حرج!

ولو يدقّق الباحث النظر لمعرفة أسباب هذا الانحطاط فإنّه يجد بأنّ أوّل سبب له هو فصل الأُمّة عن حديث نبيّها صلى الله عليه و آله و سلم وهو الأمر الذي وقع في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان حيث منعوا كتابة حديث النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بل وحتّى من التحدّث به.

وورد أنّ أبا بكر جمع الناس في خلافته وقال لهم: «إنّكم تحدّثون عن رسول اللّه‏ أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول اللّه‏ شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه‏ فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه»(2).

وعمر بن الخطاب أيضاً منع الناس من التحدّث بحديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ، قال قرظة بن كعب: لمّا سيّرنا عمر بن الخطاب إلى العراق مشى معنا، وقال: أتدرون لما شيّعتكم؟

قالوا: تكرمة لنا.

قال: ومع ذلك إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل، فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جوّدوا القرآن، وأقلّوا الرواية عن رسول اللّه‏، وأنا شريككم.

يقول هذا الرواي: فلم أنقل حديثاً قط بعد كلام عمر، ولمّا قدم العراق هرع الناس إليه يسألونه عن الحديث، فقال لهم قرظة: نهانا عن ذلك عمر(3).

ويذكر الخطيب البغدادي والذهبي في تذكرة الحفّاظ: بأنّ عمر بن الخطاب حبس في المدينة ثلاثة من الصحابة، وهم أبو الدرداء، وابن مسعود، وأبو مسعود الأنصاري بذنب الإكثار من نقل الحديث(4)، كما أنّ عمر أمر الصحابة أن يحضروا ما في أيديهم من كتب الحديث فظنّوا أنّه يريد أن يقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم فأحرقها كلّها بالنار(5).

ثمّ جاء عثمان فواصل المشوار وأعلن للناس كافّة أنّه «لا يحلّ لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر»(6).

ويقول الدكتور التيجاني السماوي وهو ممّن تأثّر «كوسرت» في استبصاره بكتبه:

«لابدّ أنّ هناك سرّاً لمنع الأحاديث التي قالها رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم والتي لا تتماشى مع ما جرت عليه المقادير في ذلك العصر، وإلاّ لماذا يبقى حديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم ممنوعاً طوال هذه المدّة الطويلة، ولا يسمح بكتابته إلاّ في زمن عمر بن عبد العزيز؟

ولنا أن نستنتج طبقاً لما سبق من الأبحاث بخصوص النصوص الصريحة في الخلافة، والتي أعلنها رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم على رؤوس الأشهاد بأنّ أبا بكر وعمر منعا من الرواية والحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم خوفاً أن تسري تلك النصوص في الأقطار أو حتّى في القرى ا لمجاورة، فتكشف للناس بأنّ خلافته وخلافة صاحبه ليست شرعيّة، وإنّما هي اغتصاب من صاحبها الشرعي على بن أبي طالب عليه‏السلام(7).

وعندما يتأمّل الباحث فيما صنعه هؤلاء الخلفاء، فإنّه يرى بأنّهم ارتكبوا في حقّ الإسلام جريمة لا تُغتفر، لأنّهم حرموا الأُمّة الإسلاميّة جيلاً بعد جيل من أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وهدايته وإرشاداته وفصلوا بين الأُمّة وبين نبيّها صلى الله عليه و آله و سلم ،

فكان هذا الأمر من أسباب وقوع المسلمين في أودية الضلال والتيه.

وما يمتاز به مذهب أهل البيت عليهم‏السلام أنّه مذهب لم يتأثّر بما فعله هؤلاء الخلفاء ؛

لأنّه أخذ أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من أهل البيت عليهم‏السلام الذين عرّفهم الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بأنّهم سفن النجاة وأنّ من يتمسّك بهم يُعصم من الضلال.

واعتماد الشيعة على أحاديث أهل البيت عليهم‏السلام هو الذي عصمهم من الانحدار في أودية الضلال التي شقّها الخلفاء لأتباعهم.

ما بعد الاستبصار:

يقول «كوسرت»: استبصرت عام (١٩٩٢م) في أربيل على يد والدي، فواجهت غضباً من قِبل أقاربي وعشيرتي وبعض الأصدقاء، ولكنّني تعاملت مع القضيّة بهدوء ومن دون إثارة، وتعاملت معهم وكاّنه لم يحدث شيئاً بل حسّنت تعاملي معهم، ثمّ إنّ والدي الذي استبصر واستبصرت أسرتنا جميعاً على يده وقف بجنبنا ودعمنا، ووفّر، لنا الحماية الماديّة والمعنويّة.

ويقول «كوسرت»: تأثّرت في استبصاري بكتب إدريس الحسيني صاحب كتاب «لقد شيّعني الحسين عليه‏السلام» وكتاب «الخلافة المغتصبة» فعندما قرأت هذه الكتب تأثّرت بها وكان لها دور كبير في استبصاري.

____________

1- تاريخ دمشق ٥٩: ١٥٠.

2- تذكرة الحفاظ للذهبي ١: ٢ و٣.

3- سنن ابن ماجه ١: ١٢.

4- تذكرة الحفاظ ١: ١٢.

5- فاسألوا أهل الذكر: ٤٩ نقلاً عن الطبقات الكبرى لابن سعد.

6- الطبقات الكبرى ٢: ٣٣٦.

7- فاسألوا أهل الذكر، للتيجاني السماوي: ٤٧ – ٥٠.