منير الدين بالنسيا

منير الدين بالنسيا (مسيحي / كولومبيا)

ولد في مدينة «بوانا نتورا» في كولومبيا ، وواصل دراسته هناك إلى أن حصل على شهادة الليسانس في الفلسفة المسيحية والعلوم الاجتماعية .

بعد البحث والتحقيق بين الأديان السماوية اعتنق «منير الدين» الإسلام على المذهب السنّي ، ثمّ هاجر إلى الأرجنتين ودرس في مسجد التوحيد هناك .

كان «منير الدين» يعتقد ابتداءً أنّ الشيعة يقدّمون الإمام علي (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لكنّه عرف بعد ذلك أنّ هذه الفرية من الافتراءات التي تثار لتشويه صورة المذهب الشيعي ، وهو ليس بالأمر الجديد ، فمنهج بني أُميّة وأتباعهم ومن سار مسيرهم ومنذ صدر التاريخ الإسلامي ، هو الذي يكون وراء مثل هذه الإثارات والشبهات ، وهذا ما نجده واضحاً في تعامل أحد أتباعهم ، وهو ابن تيمية ; مع حديث الثقلين ، وبالخصوص مقطع : (فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض) ، فقد قال ابن تيمية : «وأما قوله : وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض ، فهذا رواه الترمذي ، وقد سُئل عنه ـ عن هذا المقطع ـ وقد سُئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه ، وضعّفه غير واحد من أهل العلم وقالوا : لا يصح»(1) .

وهذا المقطع من الحديث يُعدّ من أهم الفقرات التي يشتمل عليها حديث الثقلين ; إذ أنّ هناك ثمرات وفوائد تترتّب على هذه الفقرة التي بيّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

أيضاً عندما نراجع مسند أحمد بن حنبل ، يقول شعيب الأرنؤوط ـ محقّق الكتاب ـ بعد نقل هذا الحديث : «حديث صحيح بشواهده دون قوله : فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض ، وهذا إسنادٌ ضعيف ، وعطية ـ وهو ابن سعد العوفي ـ ضعيف»(2) .

فهو وتبعاً لابن تيمية يرى أنّ هذا المقطع غير تام .

ولكننا عندما نرجع إلى أحمد بن حنبل الذي نقل هذا النصّ وهذه الرواية بهذا المتن الذي أ شرنا إليه نجده أشار إلى حديث الثقلين في مواضع مختلفة(3) .

قال الألباني : «قال حنبل بن إسحاق : جمعنا عمّي ; لي ولصالح ولعبد الله ـ يعني : ابن الإمام أحمد ـ وقرأ علينا المسند ، وما سمعه منه ـ يعني : تامّاً ـ غيرنا ، وقال : إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فارجعوا إليه ; فإن كان فيه وإلا فليس بحجّة»(4) .

فهو يقول : إذا وقع اختلاف في حديث فارجعوا إلى كتابنا ; فإن وجدتموه فيه ، يعني : حجّة ، وإذا لم يكن موجوداً فيه فليس بحجّة . والآن نحن وقع عندنا اختلاف أنّ هذا المقطع صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما نحن نعتقد ، أو أنّه ضعيف ولا يصحّ ، كما يقول ابن تيمية ، وتابعه على ذلك شعيب الأرنؤوط .

إذاً فالإمام أحمد بن حنبل عندما نقل النص في هذا الكتاب ولم يكتفِ بأن ينقله في مورد واحد بل نقله في موارد متعدّدة وبطرق متعدّدة ، إذاً فهو حجّة ، وصحيح ; إذاً لماذا ينسب ابن تيمية إلى الإمام أحمد بن حنبل أنّه ضعّفه ؟ !

ومن الغرائب أنّ ابن تيمية أيضاً يقبل هذا المعنى من أحمد بن حنبل ، ويصرّح به ، فهو يقول : «إذا كان الحديث وارداً في المسند فهو ليس بضعيف ، لا بالإرسال ولا بغير الإرسال من أسباب الضعف» .

ويقول : «أحمد له المسند المشهور ، وهو مسند الإمام أحمد ، وله كتاب مشهور في فضائل الصحابة ، ويوجد في (كتاب فضائل الصحابة) مجموعة من النصوص والأحاديث هذه لم ينقلها في كتاب المسند وإن كانت موجودة في فضائل الصحابة ، لما فيها من الضعف»(5) .

وهذا معناه أنّ في المسند لا يوجد ضعيف ، وهو تصريح منه بتصحيح المسند وما ورد فيه من أحاديث .

بقي أمرٌ ، وهو : أنّ مسند أحمد لا يشتمل على الروايات التي يرويها أحمد بن حنبل مبا شرة فقط ، وإنّما هناك في هذا الكتاب مجموعة من الروايات التي أضافها ابنه عبد الله إلى المسند ، وهي المعروفة بـ «الزيادات» ، وكذلك هناك مجموعة من الروايات أضافها القطيعي ، رواها عن ابنه عبد الله وأضافها وزادها في المسند ، إذاً في هذا الكتاب المعروف بـ «مسند أحمد بن حنبل» توجد أنواع ثلاثة من الروايات :

النوع الأوّل : التي رواها مبا شرة أحمد بن حنبل ، وهي المعروفة بـ «المسند» .

النوع الثاني : الزيادات التي أضافها عبد الله ابنه .

النوع الثالث : الزيادات التي أضافها القطيعي نقلاً عن عبد الله .

والسؤال هنا : هل إنّ تلك الزيادات أيضاً صحيحة ، أو ليست بصحيحة ؟

فلقائل أن يقول : لعلّ حديث الثقلين من تلك الزيادات ، إذاً على هذا الأساس : ورودها في هذا الكتاب لا يكون مشمولاً بشهادة أحمد بن حنبل بصحّة هذه الرواية .

والجواب : إنّ هذه الرواية ، يعني حديث الثقلين ، في سائر المواضع التي أشار إليها أحمد بن حنبل داخلة في المسند ، لا في الزيادات من القسم الأوّل ، ولا في الزيادات من القسم الثاني .

والدليل : إنّ محقّق الكتاب ، وهو شعيب الأرنؤوط ، قال : «نبّهنا إلى زيادات عبد الله ابن الإمام أحمد ، وما رواه عن أبيه ، وعن شيخ أبيه أو غيره ، باستخدام الرموز التالية : دائرة صغيرة سوداء لزيادات عبد الله ، ودائرة صغيرة بيضاء لوجوداته ، ونجمةٌ مدوّرة لما رواه عن أبيه ، وعن شيخ أبيه أو غيره»(6) .

وعندما نأتي إلى هذه الأحاديث التي أ شرنا إليها ، وهي حديث الثقلين ، وهي الرواية -١١١٠٤- و-١١٢١١- و-١١١٣١- ، فلا توجد لا دائرة سوداء ولا بيضاء ولا نجمة .

إذاً كيف نسب ابن تيمية إلى الإمام أحمد بن حنبل أنّه ضعّف هذا الحديث ؟ مع أنّه يذكره ستّ مرّات بأسانيد متعدّدة ، وهو يشهد على حجّيته وابن تيمية يقبل أنّ ما في المسند لا هو ضعيف بالإرسال ، ولا بغير الإرسال .

وأمّا قول ابن تيمية : «وضعّفه غير واحد من أهل العلم» ، فلا نعلم أنّه يشير إلى مَن من أهل العلم المحقّقين الذين يعتمد عليهم .

لقد أشار إلى تصحيح هذا الحديث العديد من الأعلام ، نشير إلى بعضهم :

المورد الأوّل : الإمام المحدّث الفقيه المفسّر أبو جعفر الطحاوي ، المتوفّى سنة ٣٢١ من الهجرة ، قال : «كما حدّثنا أحمد بن شعيب ، باسناده عن زيد بن أرقم ، قال : لمّا رجع رسول الله عن حجّة الوداع . . . قال (صلى الله عليه وآله) : . . كتاب الله عزّ وجلّ ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض . قال أبو جعفر ، يعني : الإمام الطحاوي : فهذا الحديث صحيح الإسناد لا طعن لاحد في أحد من رواته»(7) .

المورد الثاني : ابن كثير القرشي الدمشقي ، المتوفّى ٧٧٤ هـ ، قال : «عن زيد بن أرقم ، قال : لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) . . . قال : إنّي قد تركت فيكم الثقلين ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض ، . . . قال : شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديثٌ صحيح»(8) .وشيخه هنا هو الذهبي .

وفي الحاشية يقول : «أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك» ، ولذا لم ننقل عن الحاكم النيسابوري في «المستدرك» حتّى لا يقال : بأنّ ميوله وهواه شيعي ، أو : أنّه كثيراً ما يقول : «صحيح» ، ويوافقه الذهبي ، والعجيب أنّه وعند مراجعة النسخة الموجودة من المستدرك نجد أنّ موافقة الذهبي محذوفة .

المورد الثالث : ابن كثير ، قال : «وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله قال في خطبته في غدير خم : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض»(9) .

المورد الرابع : العلاّمة الآلوسي ، قال : «وأنت تعلم أنّ ظاهر ما صحّ من قوله (صلى الله عليه وآله) : إنّي تارك فيكم خليفتين ، وفي رواية : ثقلين ، كتاب الله ، حبلٌ ممدود . . . ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض»(10) .

إذاً الآلوسي يرى أنّ هذا الحديث أيضاً بهذا المتن صحيح .

المورد الخامس : السيوطي ، المتوفّى ٩١١ ، قال : «وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض (صحـ ) ، يعني : صحيح ، ويقول المحقّق في الحاشية : الحديث ٢٦٣١ صحيح(11) .

المورد السادس : ابن حجر الهيتمي ، يقول : «وفي رواية صحيحة قال : . . . فإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض) ، وفي رواية : وإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض»(12) .

المورد السادس : الألباني ، قال : «قال رسول الله : إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، هذا المقطع إن شاء الله بعد ذلك سيأتي . . . ولن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما . (صحيح)»(13) .

وكذلك صحّح هذا الحديث في صحيح الجامع ، فقال : «(وإنّهما لن يفترّقا حتّى يردا علَيّ الحوض) ، صحيح»(14) .

والقضية لم تختصّ بكتب الحديث والتفسير فحسب ، بل سرى ذلك إلى مصادر اللغة أيضاً . .

قال ابن منظور : وقال الأزهري : وفي حديث زيد بن ثابت ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنّي تارك فيكم الثقلين خلفي : كتاب الله وعترتي ، فإنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض .

وقال : قال محمّد بن إسحاق (وهو ابن اليسار المدني) : وهذا حديث صحيح(15) .

فإذا كانت عشرات المصادر والمراجع ، من المحدّثين والمفسّرين واللغويين ، قالوا بالصحّة ، أكان من الإنصاف العلمي والأمانة العلمية أن يقول هذا الرجل هذا الكلام ؟ !

وهذا من الأساليب التي يستعملها ابن تيمية ; فهو يوهم القارىء وكأنّ قضية ضعف هذا الحديث من المسلّمات الثابتات ، ولا يوجد له سندٌ صحيح .

حقيقة «حديث الثقلين» تنير الطريق :

بعد أن اتّضحت لـ «منير الدين» حقيقة الفضائل الواردة في حقّ أهل البيت (عليهم السلام) وإمامتهم ، وصحّة اعتقاد الإمامية في هذه القضية وغيرها ، وكذب ابن تيمية وأتباعه لإخفاء الحقيقة عن الناس وتضليلهم ، قرّر اعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وكان ذلك في سنة ١٤٠٧ هـ .

____________

1- منهاج السنة ٤ : ٣٠٠ ، تحقيق محمّد رشاد سالم و٧ : ٣٩٤ من الطبعة ذات ثمان مجلدات .

2- مسند أحمد ١٧ : ١٧٠ ، بتحقيق شعيب الأرنؤوط .

3- مسند أحمد ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ، و٥ : ١٨٢ .

4- الدبُ الأحمد عن مسند الإمام أحمد للألباني : ١٢ ، نشر دار الصدّيق في السعودية .

5- منهاج السّنة ٤ : ٣٠٣ .

6- مسند أحمد بتحقيق الأرنؤوط ١ : ١٤٧ .

7- شرح مشكل الآثار ٥ : ١٨ .

8- البداية والنهاية ٥ : ٢٢٨ .

9- تفسير القرآن العظيم ٤ : ١٢٢ .

10- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ٢٢ : ١٦ .

11- الجامع الصغير من حديث البشير النذير ١ : ٤٠٢ ، الحديث ٢٦٣١ .

12- الصواعق المحرقة : ٢٢٨ .

13- صحيح سنن الترمدي ٣ : ٥٤٣ و٥٤٤ .

14- صحيح الجامع الصغير ١ : ٤٨٢ ، الحديث : ٢٤٥٧ .

15- لسان العرب ٤ : ٥٣٨ .