محمود التميمي

محمود التميمي (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٨٨ه (١٩٦٩م) في مدينة «بغداد» ترعرع في أحضان أسرة متمسّكة بالمذهب الحنفي، فأمضى شطراً من حياته متّبعاً لنهج أسلافه وآبائه، ومتأثّراً بالبيئة التي كانت تحيطه.

التعرّف على الشيعة:

يقول «محمود»: لم يكن لي معرفة بالشيعة وعقائدهم سوى أنّهم فرقة منحرفة تعبد الإمام علي عليه‏السلام، وكان هذا الأمر هو الهاجس الذي يمنعني من الاهتمام بهذه الفرقة التي كنت معتقداً ببطلانها وبانحرافها عن الحقّ والصواب.

شاءت الأقدار الإلهية أن اطّلع على كتاب «المراجعات»، وهو كتاب يتضمّن حواراً دار بين العلاّمة عبد الحسين شرف الدين والشيخ سليم البشري رئيس جامع الأزهر في وقته، وما أن بدأت بمطالعة الكتاب حتّى جذبتني قوّة استدلال السيّد عبد الحسين شرف الدين، حيث كان كلامه مستنداً إلى البراهين والأدلّة المنطقية، وهذا ما دفعني لإعادة النظر حول الشيعة ومعتقداتهم، كما تبيّنت لي أمور لم أكن أعهدها من قبل، كمبادرة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلى تعيين الخليفة من بعده، وتبيين المنهج الذي يضمن

للاُمّة السعادة الدنيوية والأخروية، ومن خلال تعطّشي لمعرفة الحقائق أحببت التعمّق في البحث، فعكفت على مطالعة الكتاب مدّة طويلة علّني أجد ما يروي غليلي.

وبالفعل كانت النتيجة باهرة لي حيث تبيّن لي وجود الكثير من الأحاديث التي أمر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم الناس باتّباع أهل بيته من بعده، كحديث الثقلين وحديث الغدير و…، فوجدت بأنّ كتب الفريقين قد تناولت هذه الأحاديث حدّ التواتر، وهذا ما أدّى بي إلى القيام بغربلة معتقداتي التي ورثتها من أسلافي من دون دليل وبرهان.

حديث الثقلين:

يعتبر حديث الثقلين من الأحاديث المشهورة التي تناولتها كتب الفريقين، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن يزيد بن حيان قال:

«انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم وسمعت حديثه وغزوت معه وصلّيت خلفه لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم.

قال: يا ابن أخي واللّه‏ لقد كبرت سنّى وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّه‏ صّى اللّه‏ عليه وسلّم ثمّ قال قام رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكّة والمدينة فحمد اللّه‏ وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثمّ قال: «أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب اللّه‏ فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه‏ واستمسكوا به»، فحثّ على كتاب اللّه‏ ورغّب فيه ثمّ قال: «وأهل بيتي» أُذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي أُذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي أُذكّركم اللّه‏ في أهل بيتي…»(1).

وأخرجه الترمذي بلفظ آخر عن زيد بن أرقم قال:

«قال رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللّه‏ حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).

وأخرج أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: «قال رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وسلّم: «إنّي تارك فيكم خليفتين كتاب اللّه‏ حبل ممدود ما بين السّماء والأرض – أو ما بين السّماء إلى الأرض – وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض»(3).

تواتر حديث الثقلين:

يتبيّن من خلال ما ذكره المؤرّخون أنّ حديث الثقلين قد بلغ حدّ التواتر على ما صرّح به الشيخ أبو المنذر سامي بن أنور المصري الشافعي حيث قال: «فحديث العترة بعد ثبوته من أكثر من ثلاثين طريقاً وعن سبعة من صحابة سيّدنا رسول اللّه‏ صلّى اللّه‏ عليه وآله ورضي عنهم، وصحّته التي لا مجال للشّك فيها يمكننا أن نقول: إنّه بلغ حد التواتر…»(4).

وذكر ابن حجر الهيتمي حديث التمسّك وقال في ذيله: «ثمّ اعلم أنّ لحديث التمسّك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشر صحابياً ومرّ له طرق مبسوطة في حادي عشر الشبه وفي بعض تلك الطرق أنّه قال ذلك بحجّة الوداع بعرفة وفي أخرى أنّه قاله بالمدينة في مرضه وقد امتلأت الحجرة بأصحابه وفي أخرى أنّه قال ذلك بغدير خمّ وفي أخرى أنّه قاله لمّا قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف كما مرّ ولا تنافي، إذ لا مانع من أنّه كرّر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة»(5).

مواجهة الحقائق:

يقول «محمود التميمي» بعد اطلاعي صحّة ما ذكره العلاّمة شرف الدين من وجود الأحاديث التي تحتّم على المسلمين اتّباع العترة الطاهرة، وتبيّن لهم المنهج الحقّ، وترسم لهم الطريق الصحيح، أصبت بخيبة أمل كبيرة إزاء النتائج الحاصلة، ولم أكن أتصوّر في بادي البحث أن تؤدّي النتائج إلى الكشف عن تراث هشّ لا يعتمد على دليل وبرهان.

وكنت أعيش حالة من الصراع النفسي توحي إليّ الأدلّة والبراهين ببطلان معتقدي الموروث، فأبادر إلى ترك معتقدي السابق، ولكن تمنعني العاطفة فأحنّ على تراث عشت على ضوء تعاليمه شطراً من الزمن، وكانت الشكوك هي العقبة الكبرى في التحرّر من الماضي، فكان شباك الشكوك هو الآخر من نوعه في توقّفي عن اتّباع ما تملي عليّ الأدلّة والبراهين، وكان السؤال المهمّ في خضم هذه التساؤلات هو هل تذعن ببطلان ما كان عليه السلف الصالح؟

التحرّر من العصبية طريق النجاة:

أمضيت مدّة من الزمن على هذا الحال، أنجذب تارة نحو تعاليم العقل تاركاً خلفي تعاليم الأسلاف التي تبيّن لي مدى بطلانها وزيفها، وأخرى تتغلّب عليّ العاطفة، فأحنّ على ما ورثته وناضلت من أجله وبذلت الكثير من الجهود في سبيله. وفي خضم هذا الصراع كان العقل هو المنتصر ومع هذا فإنّني لم أستسلم للعقل إلاّ بعد التحرّر من التعصّب والتقليد الأعمى للآباء والأسلاف، كيف والقرآن الكريم يذمّ اللذين يتّبعون الآباء والأسلاف من دون دليل قائلاً: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ(6).

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ(7).

ومن هذا المنطلق قمت بغربلة موروثاتي العقائدية، وتركت ما كان عليه آبائي، حيث تبيّن لي فساد ما كانوا عليه، واتّبعت ما تملي عليّ الأدلّة والبراهين التي لا تشوبها شائبة، فتمسّكت بتعاليم أهل البيت عليهم‏السلام متّبعا ما أوصى به النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وملتحقاً بسفينة النجاة سفينة أهل البيت عليهم ‏السلام.

____________

1- صحيح مسلم ٧: ١٢٣.

2- صحيح الترمذي ٥: ٣٢٩.

3- مسند أحمد ٥: ١٨٢.

4- أئمّة أهل البيت للشيخ حكمت الرحمة: ٦٦، عن الزهرة العطرة في حديث العترة ٦٩ -٧٠.

5- الصواعق المحرقة ٢: ٤٤٠.

6- البقرة ٢: ١٧٠.

7- لقمان ٣١: ٢١.