محمد نديم الطائي

محمّد نديم الطائي (حنفي / العراق)

ولد في مدينة «الموصل» شمال العراق، ونشأ في أُسرة سنّية حنفيّة المذهب، خريج ثانوية الصناعة، اعتنق مذهب الشيعة الإمامية سنة ١٣٨١ه (١٩٦٢م) ثُمّ انتمى للحوزة العلميّة في كربلاء المقدّسة.

حبّ آل البيت عليهم ‏السلام وشدّة مظلوميّتهم:

يقول «محمّد»: «رغم نشوئي في أُسرة سنّية حنفيّة تلهج بذكر الصحابة، وتعظّم الخلفاء، إلاّ أنّي وجدت في نفسي حبّاً عميقاً لآل البيت عليهم‏السلام. فمن ذا الذي يسمع ببطولات علي عليه‏السلام ولا يعشقه؟!

ومن ذا الذي يعرف فاطمة عليهاالسلام ولا يعترف بها سيّدة لنساء العالمين كما وصفها أبوها(1)؟!

ومن ذا يسمع بمناقب الحسنين عليهماالسلام السبطين اللذين أحبّهما رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم ثُمّ لا يحبّهما»؟!

ويواصل «محمّد» الكلام بالقول: «صادف أن سافرت من مدينة الموصل إلى مدينة كربلاء، وهناك رأيتُ بعض مظاهر العزاء الحسيني الحماسيّة المشجية، فهزّتني من الأعماق، وتساءلت مع نفسي؟ لماذا قتل بنو أميّة الحسين عليه‏السلام، وهو ابن بنت رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم الحبيب إليه، والذي قال فيه: حسين منّي وأنا من حسين(2) وجرّني هذا التساؤل إلى تساؤلات أُخرى لا تكاد تنتهي»!

واقعة كربلاء نتيجة المكر القرشي والحقد الأموي:

يضيف «محمّد» إلى ما سبق: «حملت أسئلتي كالجبال على قلبي، وذهبت إلى أحد العلماء بكربلاء وسألته وسألته وسألته . . . وكان يجيبني بهدوء وتروٍّ، حيث شرح لي تاريخ الإسلام والمسلمين منذ اليوم الأوّل حيث كانت تحاصرهم قريش وتؤذيهم أشدّ الأذى، وكيف كان رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم وآل بيته يتحمّلون آذاهم ويجاهدونهم رغم قلّة الأنصار وضعف الإمكانات.

وقد ضربت خديجة زوجة النبيّ وأبو طالب عمّه أروع أمثلة التضحية والفداء في سبيل حفظ الرسالة الإسلاميّة، والدفاع عنها بكلّ ما أوتوا من مال وجاه حتّى ماتا في هذا السبيل.

وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى المدينة وقيام الدولة الإسلاميّة، برزت بطولات علي عليه‏السلام في الدفاع عن الإسلام، وحماية النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في الحروب، وظهر إخلاصه ولياقته علماً وعملاً، ممّا أدّى إلى حسد المنافقين وضعيفي الإيمان الذين لم يدفعوا عائلاً، ولم يقدّموا طائلاً.

أمّا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فكان يعظّم عليّاً، ويشيد ببطولاته، ويبيّن إخلاصه وقدراته العلميّة التي تنفع في حلّ المشكلات الكثيرة التي كان يواجهها الإسلام الحديث الذي لم يصلب عوده بعد.

ثُمّ صدر الأمر الإلهي بتعيين علي عليه‏السلام واليّاً للمسلمين، ووصيّاً لرسول ربّ العالمين، ولكنّ الذي حصل بعد وفاة رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم أن سارع البعض إلى السقيفة لحسم أمر خلافة رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم لصالحهم حيث استخدموا الإرهاب والإرجاف والتهديد.

ثُمّ دافعوا عن عملهم بأنّه لمصلحة الإسلام، ولرفع الفتنة التي كان يمكن أن تقوم لو سلّمت الأُمور لعلي بن أبي طالب عليه‏السلام، إذ أن العرب لا يطيعونه، وقريش لا يستسلمون له حسب زعمهم.

وكان الجواب الحقّ لهذا الكلام قد أتى سريعاً على لسان فاطمة عليهاالسلام إذ خاطبت الصحابة في مسجد أبيها بعد أن بيّنت جهاد علي عليه‏السلام وفضله، واصفة عمل هؤلاء: «ألا في الفتنة سقطوا . . . »(3).

ثُمّ قرّعت الصحابة على سكوتهم، وتخاذلهم عن نصرة آل نبيّهم صلى الله عليه و آله و سلم وخصوصاً الأنصار منهم الذين سلّموا الأُمور للمنقلبين على الأعقاب، وصاروا من أتباعهم.

ثُمّ دارت الأيّام والإمام علي عليه‏السلام صابرٌ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى(4) حتّى قتل الخليفة الثالث، فتوجّه المسلمون فزعين إلى الإمام علي عليه‏السلام، فأغاثهم ونبّههم وحذّرهم.

ولكنّ أيّام الانقلاب على الأعقاب فعلت فعلها، وتركت آثارها، فاجتمع على حرب علي عليه‏السلام الناكثون، والقاسطون، والمارقون إلى أن التحق بربّه مجاهداً مؤمناً، حيث اغتاله أشقى مَن على الأرض والسماء فخضّب لحيته الكريمة بدماء هامته في محراب الصلاة.

ثُمّ إنّ الإمام الحسن عليه‏السلام صالح معاوية حفاظاً على الإسلام، واشترط عليه شروطاً عديدة منها، أن لا يولّي على الخلافة أحداً.

لكنّ معاوية نقض معاهدة الصلح وولّى ابنه يزيد السكّير خليفة على رقاب المسلمين، وخضعت له الأمّة المسكينة التي فقدت إرادتها وازدادت همّاً فوق همّ. ولم يكن سوى الحسين عليه‏السلام يعلن بكلّ صراحة أنّه لا يبايع مثل يزيد فأخرجه بنو أُميّة من مدينة جدّه رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم ، فذهب إلى مكّة ومنها إلى العراق، حيث دعاه أهلها لنصرته.

ولكنّهم تخاذلوا لمّا رأوا من إرهاب بني أُميّة وواليهم ابن زياد، وتركوا الحسين عليه‏السلام مع قلّة من الأنصار المخلصين الذين دافعوا عن آل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وعيالاتهم.

ولكنّ الحقد الأموي جمّع عشرات الآلاف لحرب الحسين عليه‏السلام، وسفك دمه الطاهر، وسبي عياله، فوقعت ملحمة كربلاء التي كانت يوماً عسيراً، لا يوم مثله على آل رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم ، وهكذا تسلسلت الأحداث من سقيفة المكر إلى كربلاء الغدر.

الهجرة إلى كربلاء:

ثُمّ يختم «محمّد» كلامه بالقول: «استمرّت مباحثاتي مع هذا العالم الجليل لمدّة سنتين، لم أترك صغيرة ولا كبيرة لي فيها إبهام، أو أنا على جهل منها إلاّ وسألته، وكان هو طويل البال، قويّ الأعصاب، يجيب على تساؤلاتي التي قد يسمج بعضها.

ولم يكن صبر هذا العالم من حظّي الحسن فقط، بل شجّعني أيضاً بعض شباب مدينة كربلاء الذين كانوا يستقبلوني بحفاوة بالغة، ويودّعوني بكرم وأخلاق نبيلة، لم أعهدها من قبل.

وكان من حُسن حظّي أيضاً أنّي اتصلت بعالم الشيعة في الموصل، واستفدت من علومه أيضاً في درب الاستبصار الشاق في تحصيل الأدلّة والبراهين، رغم وضوح الحقّ، وحصول الهداية من اليوم الأوّل الذي عرفت به الشيعة الكرام وأوليائهم الأئمّة المعصومين العظام.

هذا وقد جذبني حُبّ الحسين الشهيد عليه‏السلام إلى الهجرة إلى مدينة كربلاء، والانتماء إلى حوزتها الشريفة، لعلّي أكون من النافرين في سبيل اللّه‏ للتفقّه والعودة إلى الأهل لإنذارهم وهدايتهم إلى طريق الإسلام الصحيح المنوّر بأنوار آل البيت عليهم ‏السلام والمعطّر بدم شهيد كربلاء الذي قوّض صروح الباطل، وهزّ عروش الطغاة.

____________

1- شرح الأخبار ٣: ٥٦.

1- مسند أحمد ٤: ١٧٢.

1- الاحتجاج ١: ١٣٧.

2- نهج البلاغة ١: ٣٠، الخطبة الثالثة المعروفة بالشقشقية.