محمد جاسم اللهيبي

محمّد جاسم اللهيبي (سنّي / العراق)

ولد سنة ١٣٨٦ه (١٩٦٧م) في مدينة «الموصل» شمال العراق، ونشأ في أُسرة سنّية المذهب، وقع في أسر القوات الإيرانية في الحرب بين «العراق» و«إيران» في ثمانينات القرن الماضي، استبصر واعتنق مذهب آل البيت عليهم‏السلام سنة ١٤٠٦ه (١٩٨٦م) في إيران.

سطوع نور الولاية يقودني إلى الهداية:

يقول «محمّد»: «عندما وقعت في الأسر في إيران، لم تذهب أيّامي هدراً كما ضاع شبابي أيّام كنت في الجيش العراقي الظالم، فقد سنحت لي الفرصة للاطلاع على الكتب المختلفة ثقافيّة ودينيّة واجتماعيّة، وتفتّحت آفاقي الذهنية على عالم جديد حُرمت منه سابقاً، كما جذبتني المحاضرات الدينيّة التي عالجت جوانب متعدّدة من مفاهيمي الدينيّة، وعواطفي النفسيّة.

كما ساهم حضوري الفعّال في النشاطات المختلفة في معسكرات الأسر في الالتقاء والتواصل مع أبناء بلدي الذين يشاركوني في الأسر، فاطلعت على أفكارهم ومشاعرهم وأسباب فرحهم وحزنهم، ممّا ولدّ لي فرصاً لاكتساب الصداقات، والتعرّف على أنماط مختلفة المزاج من البشر، والاستفادة من تجاربهم في

الحياة، وكانت النقاشات المتبادلة بيننا تشمل الأُمور الدينية والمذهبيّة، إن لم أقل أنّها كانت في صميم همومنا وفي عمدة أفكارنا.

لقد ساهمت الأُمور السابقة في تشكيل هويّتي الدينيّة والشخصيّة الجديدة، فقد سطع نور أهل البيت عليهم‏السلام على آفاق نفسي الروحيّة التي غرّر بها الظالمون سابقاً، وساقوها إلى حرب ضروس لم أعرف لها مغزى، ولم أقف منها إلاّ على الويلات والشرور.

ثُمّ قادني هذا النور الساطع إلى الاعتقاد بمذهبهم الذي يرفع راية الحقّ التي ألقاها الآخرون جانباً، وإن كثر الادّعاء والانتساب.

المذهب الحقّ هو مذهب آل البيت عليهم‏  السلام:

يريد اللّه‏ سبحانه وتعالى أن يحقّ الحقّ ويَهزمُ الباطل ؛ لأنّه على الحقّ تدور عجلة الوجود وفق حكمة اللّه‏ والحقّ هو من أسماء اللّه‏ الحسنى ولابدّ من تحققه في كلّ أرجاء الكون، شاء الظالمون أم أبوا، ورضي المجرمون أم سخطوا.

قال تعالى:﴿ . . . وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الُْمجْرِمُونَ(1). وقد سعى الأنبياء والأولياء على طول التاريخ في الدفاع عن الحقّ، ومحاربة الباطل ممّا أدّى إلى أن يقتلهم الظالمون فضلاً عن إيذائهم، قال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا . . . »(2).

وقال عزّ من قائل: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ . . . (3).

كما انتقد القرآن الكريم الأُمم السابقة بكتمانها الحقّ، وعدم التزامها به، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(4).

وقال سبحانه: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ(5).

وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ . . . (6).

كما أن مجانبة الحقّ كافية في إدانة المجانبين له، قال تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ(7). وقال سبحانه: ﴿ . . . الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ(8).

وعليه فإنّ الميزانَ الذي توزن به الأُمور هو الحقّ قال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ . . . (9).

ونطق القرآن على لسان شعيب عليه‏السلام: ﴿ . . . رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(10).

هذا وجعل اللّه‏ استمرار الحقّ بعد وفاة النبيّ محمّد صلى الله عليه و آله و سلم في علي عليه‏السلام الذي كان فدائيّ الإسلام الأوّل، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم : «علي مع الحقّ والحقّ مع علي»(11)، وقد عانى الإمام علي عليه‏السلام بشدّة كما عانى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم سابقاً حتّى قال في بعض المواقف: «صبرت وفي الحلق شجى، وفي العين قذى»(12).

وهكذا كان الأمر مع بقية أهل البيت المعصومين الذين اختارهم اللّه‏ لحمل دينه الحقّ والدفاع عنه أمام الأعداء المجرمين، أتباع الشيطان، وعبّاد الدنيا.

ثُمّ إنّ الشيعة الكرام والوا أئمّتهم على الحقّ، وتبعوهم عليه، فكانوا غرضاً لكلّ ظالم، وهدفاً لكلّ مستهتر، وقد ضحّوا بالنفوس الغالية، والنفائس النفيسة في سبيل الحقّ، خضوعاً منهم للدين الحقّ الذي يقوده من جسّم الحقّ تجسيماً، فاعطاه اللّه‏ حقّ الولاية وحقّ الوصاية.

إن الإنسان المسلم بولائه للحقّ، وبحثه عن الحقيقة، وبصبره في سبيل نيلهما، يكون قد سلك معراج الكمال ؛ وارتقى سلّم الهداية، اللذان يقودانه إلى السعادة الأبديّة، والراحة السرمديّة في جنان الخلد، بالحشر مع الأنبياء والأولياء والصالحين، وما أعظمها من سعادة لو كان الناس يفقهون ما ينفعهم وما يضرّهم حسب الواقع المغطّى بستائر كثيفة من الظلام، والتي يحتاج المرء إلى جهاد وصبر بعد الإيمان القوي ليكشف الحجب، وينال الحقائق، ويتمسّك بالحق مع أهله.

____________

1- الأنفال ٨ : ٧ – ٨.

2- البقرة ٢ : ١١٩.

3- البقرة ٢ : ٦١.

4- البقرة ٢ : ١٤٦.

5- آل عمران ٣ : ٧١.

6- المائدة ٥ : ٧٧.

7- الأنعام ٦ : ٦٦.

8- الأنعام ٦ : ٩٣.

9- الأعراف ٧ : ٨.

10- الأعراف ٧ : ٨٩.

11- مجمع الزوائد ٧: ٢٣٥.

12- نهج البلاغة ١: ٣٠، الخطبة ٣، المعروفة بالشقشقية.