صباح الصابري

صباح الصابري (صابئي / العراق)

ولد عام ١٣٧٩هـ (١٩٦٠م) في مدينة «العمارة» جنوب العراق، ونشأ في أُسرة من الصابئة، واصل الدراسة إلى نهاية المرحلة المتوسطة. استبصر سنة ١٤٠٥هـ (١٩٨٥م) في أحد معسكرات الأسر في إيران أثناء الحرب العراقيّة الإيرانية.

وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ(1):

يقول «صباح»: «القرآن الكريم كتاب سماويّ عظيم لا يناله الريب من أيّ جانب، أنزله الله رحمة وهدى للعالمين، وهو الكتاب الذي تحدّى به الرسول الكريم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) العرب والبشريّة جمعاء أن تأتي بمثله، فلم يستطع أحدٌ أن يتحدّاه، ولا تستطيع البشريّة كلّها أن تأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

مثل هذا الكتاب العظيم يصرّح ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ(2)، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ، فكيف يجوز لي – وأنا العبد الضعيف الذي ورث تعاليم دين مغلق لا أعرف منها إلاّ بعض الطقوس التي لا أفهم لماذا يجب عليّ اتّباعها – أنا لا أؤمن بالقرآن العظيم، أو لا أقبل بأوامره وتعاليمه، عندما سمعت تلاوته، وعرفت شيئاً من معاني آياته.

إنّ الله الذي أرسل الأنبياء صلوات الله عليهم، وأنزل الكتب المقدّسة، قد جعل الإسلام ديناً لا ينبغي تجاوزه بابتغاء دين آخر غيره.

فلا يجوز لأتباع الديانات الأخُرى حتّى السماويّة منها إلاّ اتّباع هذا الدين، ولو بعث الأنبياء في زمان النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) لما جاز لهم إلاّ اتّباعه، حتّى نبيّ الله يحيى الذي ينسب بعض الصابئة دينهم إليه، ويدّعون أنّهم يتّبعون تعاليمه.

ثُمّ إنّ الإسلام الذي آمنت به، هو الإسلام الحقيقي، – والحمدُ لله أولاً وآخراً الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتديّ لولا أن هدانا الله – وأعني به إسلام أهل البيت(عليهم السلام)، فهم أدرى بالذي في هذا البيت، وهم الذين أوصى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بالتمسّك بهم دون غيرهم، فهم أهل الولاية وخصوصاً أمير المؤمنين علي وليّ المؤمنين وقائد الغُرّ المحجّلين صاحب الفضائل الكبرى، والمناقب العظمى.

ان أهل البيت(عليهم السلام) لا يقاس بهم أحد، ينحدر عنهم السيل، ولا يرقى إليهم الطير، فهم في المقام الأسمى، والمنصب الأعلى، فهم صنائع الله والناس بعد ذلك صنائعهم، وهذا هو الواقع الذي تسنده الأدلّة والبراهين، ومن لم يقبله فقد خسر نفسه، وحبط عمله.

إنّ ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) شيء عظيم، لا يناله إلاّ من اختاره الله فجعله شيعة ومحبّاً لهم، وأسأل الله أن يحسبني من شيعتهم، وأن يميتني على ولايتهم، فهذه هي العاقبة الحسنى لكلّ مؤمن موحّد آمن بالله ورُسُله وكُتُبه وملائكته.

من هم الصابئة، وما هو دينهم؟

«الصابئون: قوم من أصحاب الديانات القديمة، غلب عليهم الحياء والكتمان، فكان ذلك مدّعاة لاختلاف العلماء والمؤرّخين في حقيقة أمرهم.

ففريق منهم ردّهم إلى ديانة بابل وآشور، وهي من أقدم الديانات الوثنيّة لأنّ أساسها عبادة النجوم، وفيها من الشعائر ما يتّصل بديانة بابل القديمة.

وفريق آخر قال: إنّهم فرقة من المجوس والنصارى ولم يزد على ذلك.

والحقّ أنّهم ليسوا من المسيحيّة في شيء، لأنّ المسيحيّ من آمن بأُلوهيّة السيّد المسيح(عليه السلام)، والصابئي لا يؤمن بذلك.

أمّا «الزمخشري» فقد ذهب ]في[ تفسيره «الكشّاف» إلى أنّهم قوم عدلوا عن دين النصارى واليهود وعبدوا الملائكة، وهكذا تباينت الآراء واختلفت الروايات»(3).

«وهم يكتمون ديانتهم كلّ الكتمان، ويضنون بأسرارها حتّى عن أهلها وأتباعها، فالصابئي لا يكاد يعرف من أسرار دينه شيئاً، ولا يتّقن لغة أجداده، أو يحسن قراءتها أو كتابتها، ولا يُمكّن من السؤال عن العلّة فيما يؤدّيه من طقوس وفروض ; لأنّ هذه الأسرار محفوظة في صدور المؤمنين وهم قلّة قليلة لا ترى البوح بها لأحد»(4).

ويرى المؤرّخ السيّد عبد الرزّاق الحسني أنّهم مرّوا بأدوار أربعة، ننقل موجزاً منها:

١ – الصابئة في الدور الأوّل:

. . . إذا اعتبرنا أنّ ديانة الصابئة هي عبادة الكواكب والنجوم، فلا شكّ في أنّها أقدم ديانة عرفها البشر في عصر التاريخ. أمّا أُصول هذه الديانة فهي الاعتقاد بتعدّد القوى المدبّرة لهذا الكون، وبوجود قوّة أعلى تهيمن على هذه القوى وتدبّرها . . .

]و[ يوجد في عبادة الصابئة الحاليّين، تعظيمهم للكواكب، وتكريمهم للنجوم، ولاسيّما الكواكب السيّارة السبع. أمّا النجم القطبي، فله مقام ممتاز عندهم. فهو القبلة التي يتّجه إليها في كلّ فرض وطقس يقوم به المتديّن . . .

٢ – الصائبة في الدور الثاني:

. . . لا يستطيع الباحث المنقّب – مهما ساعدته المصادر – أن يقف على حلقات الانتقال من الدور الأوّل «في عبادة الأجرام» إلى الدور الثاني «في عبادتها على هيئة الأصنام والرموز والأوابد» وكلّ ما يعرفه التاريخ أنّ الصابئة – بعد مرور عهود طويلة – أصبحت تبني الهياكل وتسمّيها بأسماء الكواكب وتقيم في أوساطها التماثيل، وتبني على المرتفعات العاليّة الأوابد والرموز . . .

ولا يزال الصابئون الماليّون يقدّسون مظاهر الطبيعة، ويرون في النار والشهب، والرعد، والبرق، وسائر الظواهر الجويّة، رمزاً يعبر عن أحد تلك الكواكب . . .

٣ – الصابئة في الدور الثالث:

. . . بدأ هذا الدور باستقرار ديانة الصابئة، ودخولها ضمن الكتب والأسفار، واعتناء الكهنة بدراستها وتدريسها، فكانت وكان فيها مجال واسع للنّظر، والبحث، والفلسفة، والتعليل شأن كلّ ديانة تستقرّ . . .

فتعاليم الصابئة في هذا الدور تأثّرت نوعاً ما بهذا النوع من الفلسفة، وكانت الأبحاث تدور عن حقيقة التمثيل والقوّة، وعن قابليّة الكواكب واستعدادها، وعن التأثيرات الكونيّة وعلاقتها بهذه الكواكب، وعن خواص الأسماء والحروف، وعن مبدأ العالم ومنتهاه . . .

٤ – الصابئة في الدور الرابع:

كان للانقلاب الذي حدث قبل المسيح(عليه السلام) وما جاء بعده من تطوّرات دينيّة، أثر بيّن في سائر الديانات الأُخرى، وكانت فكرة ظهور مجدّد للديانة متغلغلة في نفوس أصحاب كلّ دين. فقد مال الصابئة إلى الاعتقاد بأنّ نبيّ الله يحيى «يوحنا المعمّدان» هو الرجل المجدّد المنتظر فاعتقدوا به وعظّموه، وما زال الصابئة حتّى الآن يذكرون له بعض التعاليم، ويعتقدون به نبيّاً مجدّداً أُرسل إليهم دون غيرهم من البشر»(5).

كما أنّ للديانة الصابئة كُتباً مقدّسة مثل: «الكنزاريا» بمعنى الكتاب العظيم، و«دراشه إديهيا» بمعنى تعاليم يحيى، و«القلسنا» بمعنى عقد الزواج، و«سدده إديشماتا» بمعنى كتاب التعميد، وغيرها.

وهم يفترقون على عدّة فرق كالمندائيّة والحرّانيّة، ولم يبق إلاّ القليل منهم يعيشون في جنوب العراق وإيران حيث الأنهار والأهوار، وعلّت قربهم من الماء لأنّ أكثر عباداتهم هي طقوس تحتاج إلى الماء أو تجري داخله.

كما ورد ذكر الصابئة في القرآن في ثلاثة مواضع(6)، واختلف فقهاء المسلمين في أنّهم يحسبون من أهل الكتاب أم لا.

____________

1- آل عمران (٣) : ٨٥.

2- آل عمران (٣) : ١٩.

3- الصابئون في حاضرهم وماضيهم: ١١.

4- الصابئون في ماضيهم وحاضرهم: ١٢.

5- الصابئة في ماضيهم وحاضرهم: ٢٢ ـ ٢٨.

6- البقرة (٢) : ٦٢، المائدة (٥) : ٦٩، الحجّ (٢٢) : ١٦.