ثابت عبيد الدليمي

ثابت عبيد الدليمي (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٨٢هـ (١٩٦٣م) في «بغداد»، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، وبعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران اهتمّ بمطالعة الكتب الشيعيّة من أجل التعرف على عقائدهم، ثمّ توصّل من خلال البحث إلى أحقّية مذهب التشيّع فأعلن استبصاره عام ١٤٠٦هـ (١٩٨٦م) وهو في إيران.

السبيل لمعرفة الله:

يقول «ثابت»: قرأت كتب الدكتور التيجاني السماوي فتأثّرت بها، ومن جملة البحوث التي تناولها الدكتور التيجاني في كتابه «فاسألوا أهل الذكر» موضوع رؤية الله تعالى، وقد يبدو هذا الموضوع يسيراً ولكنّه يمتاز بالأهميّة ; لأنّه يكشف الأسس التي يعتمد عليها الإنسان في معرفة الله، وإذا كانت معرفة الإنسان لله معرفة غير صحيحة فإنّها ستنتهي به إلى عواقب لا تحمد عقباها، وستترك هذه المعرفة الخاطئة أثرها السلبي على جميع أبعاد الإنسان العقائديّة الأخرى.

ويقول الله في كتابه العزيز: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ(1).

وقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌْ(2).

وقال تعالى لموسى لمّا طلب رؤيته: ﴿لَن تَرَانِي(3).

وعندما يلاحظ الباحث هذه الآيات يستغرب من الذين يقبلون الأحاديث المرويّة في صحيح البخاري وصحيح مسلم بأنّ الله يظهر لخلقه ويرونه كما يرون القمر ليلة البدر(4)، وأنّه ينزل إلى سماء الدنيا في كلّ ليلة(5)، ويضع قدمه في النار فتمتلىء(6)، وأنّه يكشف عن ساقه لكي يعرفه المؤمنون(7)، وأنّه يضحك ويتعجّب وغير ذلك من الروايات التي تجعل من الله جسماً متحرّكاً ومتحوّلاً ومتغيّراً، وله يدان ورجلان، وله أصابع خمسة، يضع على الأوّل منها السماوات، وعلى الإصبع الثاني الأرضين، وعلى الإصبع الثالث الشجر، وعلى الرابع الماء، وعلى الخامس بقيّة الخلائق(8)! وله دار يسكن فيها، ومحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) يستأذن للدخول عليه في داره ثلاث مرّات(9) تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون.

ولكنّنا عندما نقرأ أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) – وهم أئمّة الهدى ومصابيح الدجي – نجد فيها التنزيه الكامل لله سبحانه وتعالى عن المجانسة والمشاكلة والتصوير والتجسيم والتشبيه والتحديد.

قال الإمام علي(عليه السلام): «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادّون ولا يؤدّي حقّه المجتهدون، الذي لا يدركه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود… فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، من قال «فيم» فقد ضمّنه، ومن قال: «علام» فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كلّ شيء لا بمقارنة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه…(10).

والباحث الذي يطلّع على الكنوز المعرفيّة التي بيّنها الإمام علي(عليه السلام) حول معرفة الله فإنّه يشتاق إلى معرفة المزيد منها، وهذا ما يدفعه إلى اغتراف المزيد من المعرفة العلويّة، وكلّ من اندمج مع كلام أمير المؤمنين(عليه السلام) وحرّر نفسه من العصبيّة فإنّه سيكون من أتباعه وشيعته.

ويقول التيجاني السماوي: «إنّي ألفت نظر الباحثين من الشباب المثقّفين إلى الكنوز التي تركها الإمام علي(عليه السلام) والتي جُمعت في «نهج البلاغة»، ذلك السفر القيّم الذي لا يتقدّمه إلاّ القرآن، والذي بقي مع الأسف مجهولاً لدى أغلبيّة الناس، نتيجة الإعلام والإرهاب والحصار المضروب من قبل الأمويّين والعباسيّين على كلّ ما يتّصل بعلي بن أبي طالب(عليه السلام).

ولست مبالغاً إذا قلت بإنّ في «نهج البلاغة»، كثيراً من العلوم والنصائح التي يحتاجها الناس على مرّ العصور، وفي نهج البلاغة علم الأخلاق وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وإشارات قيّمة في علم الفضاء والتكنولوجيا، إضافة إلى الفلسفة والسلوك والسياسة والحكمة»(11).

مقارنة بين عقيدة أهل السنّة وعقيدة الشيعة حول التوحيد:

يعتقد أهل السنّة في خصوص الله تعالى سبحانه ما يلازم التجسيم، فهو تعالى عندهم يُرى ويتصّور ويمشي وينزل ويحوي جسمه دار إلى غير ذلك من الأمور المنكرة، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

ولكنّ الشيعة تعتقد بما فيه تنزيه الله عن المشاكلة والمجانسة والتجسيم، وهم يقولون باستحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة.

ويبدو أن ا لروايات التي يعتمد عليها أهل السنّة حول التوحيد كلّها من دسّ اليهود في زمن الصحابة ; لأنّ كعب الأحبار اليهودي الذي أسلم في عهد عمر بن الخطاب هو الذي أدخل هذه المعتقدات التي يقول بها اليهود، عن طريق بعض البسطاء من الصحابة أمثال أبي هريرة ووهب بن منبّه.

فأغلب هذه الروايات مرويّة في البخاري ومسلم عن أبي هريرة، وقد أثبتت الحقائق التاريخيّة بأنّ أبا هريرة لا يفرّق بين أحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وأحاديث كعب الأحبار حتّى ضربه عمر بن الخطاب ومنعه من الرواية في قضيّة خلق الله السماوات والأرض في سبعة أيّام.

ويضيف التيجاني السماوي: «ما دام أهل السنّة والجماعة يثقون في البخاري ومسلم ويجعلون منها أصحّ الكتب، وما دام هؤلاء يعتمدون على أبي هريرة حتّى أصبح عمدة المحدّثين، وأصبح عند أهل السنّة راية الإسلام، فلا يمكن والحال هذا أن يغيّر أهل السنّة والجماعة عقيدتهم إلاّ إذا تحرّروا من التقليد الأعمى ورجعوا إلى أئمّة الهدى وعترة المصطفى وباب مدينة العلم الذي منه يؤتى.

وهذه الدعوى لا تختصّ بالكبار والشيوخ، بل الشباب المثقّف من أهل السنّة والجماعة كذلك، ومن واجبه أن يتحرّر من التقليد الأعمى ويتّبع الحجّة والدليل والبرهان»(12).

____________

1- الأنعام (٦): ١٠٣.

2- الشورى (٤٢): ١١.

3- الأعراف (٧): ١٤٣.

4- انظر: صحيح البخاري ٧: ٢٠٥. كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة الفجر، صحيح مسلم ١: ١١٢ كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية.

5- انظر: صحيح البخاري ٢: ٤٧، كتاب التهجّد باب الدعاء والصلاة من آخر الليل. صحيح مسلم ٢: ١٧٥، كتاب صلاة المسافر، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل.

6- صحيح البخاري ٨: ١٨٦، كتاب التفسير، باب (وتقول هل من مزيد).

7- صحيح البخاري ٨: ١٨٢، كتاب التفسير، باب يوم يكشف عن ساق.

8- صحيح البخاري ٦: ٣٣: كتاب التفسير، باب قوله: (وما قدروا الله حقّ قدره).

9- صحيح البخاري ٨: ١٨٣، كتاب التفسير، باب قوله: (وعلّم آدم الاسماء كلّها).

10- نهج البلاغة ١: ١٥، الخطبة الأولى.

11- فاسألوا أهل الذكر، التيجاني السماوي: ٢٧.

12- المصدر السابق: ٢٨.