جوزه لوبز (رضا)

جوزه لوبز (رضا) (مسيحي / سويسرا)

من مواليد سويسرا، حاصل على شهادة الدبلوم في التّجارة والاقتصاد، أمضى فترة طويلة من حياته معتنقاً للديانة المسيحية ومتّبعاً لتعاليم الكنيسة حتّى تعرّف على الدين الإسلامي، فقرأ القرآن الكريم فوجده كتاب هداية يهدى إلى سبيل الرشاد، فاندفع بشوق للإلمام بالمعارف الإسلاميّة، فطالع بعض الكتب الإسلاميّة حتّى توصّل إلى هذه النتيجة بأنّ الدين الإسلامي هو أكمل وأتمّ وأفضل الأديان السماويّة، وهو الدين الذي أنزله الباري على خاتم رسله محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم .

ومن هذا المنطلق اعتنق جوزه هذا الدين الحنيف، وكانت أوّل ثمرة حصل عليها بعد اعتناقه للإسلام أنّه بدأ يشعر في نفسه حالة الطمأنينة والهدوء والاستقرار، وهذا ما جعله يزداد تعلّقاً بالدين الإسلامي.

اهتمام الإسلام بالعقل:

من أهمّ الأُمور الملفته للنظر في الدين الإسلامي هي اهتمام هذا الدين بمكانة العقل، ومنزلته، واعتباره الدليل لمعرفة الحقّ، وقد قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم : لكلّ شيء دعامة ودعامة الدين العقل(1) ومن هذا المنطلق أوّل ما سعى إليه الإسلام هو تحرير عقول الناس من التقليد الأعمى، وتشجيع الناس نحو البحث والتمسّك بالعقائد المبتنية على الأدلّة والبراهين والحجج القاطعة ذات القيمة العلميّة والمنطقيّة.

وأوّل خطوة دعى إليها الإسلام من أجل تحرير الإنسان من التقليد الأعمى هي الالتفات والتدبّر في الكون والحياة والتأمّل في آيات اللّه‏ الموجودة في الآفاق والأنفس.

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لاِّ ٔوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(2).

وقال الإمام علي عليه‏السلام: ولو فكّروا في عظيم القدرة، وجسيم النعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكنِ القلوب عليلة، والبصائر مدخولة، ألا ينظرون إلى صغير ما خلق، كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوّى له العظم والبشر؟!

انظروا إلى النملة في صغير جثّتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبّت على أرضها وصبّت على رزقها . . . ؟ ولو فكّرت في مجارى أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً . . . فانظر إلى الشمس والقمر . . . وتفجّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول‏هذه القلال، وتفرّق هذه اللغات، والألسن المختلفات. فالويل لمن أنكر المقدِّر، وجحد المدبّر، زعمو أنّهم كالنبات مالهم زارع! ولا لاختلاف صورهم صانع! ولم يلجؤوا إلى حجّة فيما ادّعوا، ولا تحقيق لما أدعوا. وهل يكون بناء من غير بانّ؟! أو جناية من غير جانٍ(3)؟!

وقد قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ(4). ومن الأُمور الأُخرى المؤدّية إلى تحرّر الإنسان من الغفلة، هي النظر في سنن التاريخ بتأمّل وبرؤية شموليّة من أجل معرفة أسباب تدهور المجتمعات السابقة، وانهيار الحضارات، والاعتبار منها، وقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(5).

وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ(6).

وقال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ(7).

فالدين يسعى ليتحلّي الناس بالنظرة الواعية، ويسعى ليحرّرهم من النظرة الساذجة، وقد ورد في الأحاديث الشريفة النصوص الكثيرة المؤكّدة على أهميّة التفكّر والتدبّر في الكون وفي السنن الماضية.

قال الإمام علي عليه‏السلام: تدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم كيف كانوا في حال التمحيص والبلاء . . . فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة والأهواء مؤتلفة.. فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أُمورهم حين وقعت الفرقة، وتشتّت الأُلفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعبّوا مختلفين، وتفرّقوا متحاربين، قد خلع اللّه‏ عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقى قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين(8).

وقال أيضاً الإمام علي عليه‏ السلام لولده الحسن عليه‏ السلام:

أي بني إنّي وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكّرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتّى عدتُ كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أُمورهم قد عمرّت مع أوّلهم إلى آخرهم(9).

البحث عن الدليل والبرهان:

من أهمّ الأُمور الأخرى التي أراد الإسلام بها أن يحرّر عقل المسلم هي دعوته لعدم قبول أيّ عقيدة إلاّ وأن تكون مقرونة مع الأدلّة والبراهين المؤدّية إلى تأسيس القناعة.

قال أبو عبد اللّه‏ عليه‏السلام لرجل من أصحابه: ﴿لا تكونن إمعة تقول: أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس(10).

الاهتمام بطلب العلم والمعرفة:

من الأُمور الأُخرى التي اهتمّ بها الإسلام كثيراً، وشجّع الناس عليها هي مسألة كسب العلم والمعرفة.

قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاْ ٔلْبَابِ(11).

وقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(12). ومن هذا المنطلق حذّر اللّه‏ تعالى الذين يكتمون علومهم ولا يبادرون إلى نشرها وقال تعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ(13).

وقال الإمام علي عليه‏السلام لكميل بن زياد النخعي:

يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، وصنيع المال يزول بزواله.

يا كميل بن زياد، معرفة العلم دين يدان به، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه.

يا كميل، هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة(14).

الحياة الجديدة:

عمل جوزه بتوصيات الدين الإسلامي، وبذلك تمكّن أن يحرّر عقله من شوائب عقائده الموروثة، ومن هذا المنطلق انتهى المطاف به إلى الاستبصار، فأعلن استبصاره، وبدأ حياته الجديدة المملوءة بالنفحات القدسيّة والأجواء المعنويّة. وشعر كلّ أقارب وأصدقاء جوزه بعد ذلك بالتغيّر الإيجابي الواضح في سلوك وتصرّفات جوزه، فكان هذا الأمر محفزّاً لهم لمعرفة هذا الدين الجديد الذي ترك هذا التأثير الكبير والرائع على شخصيّة صاحبهم.

____________

1- المحجة البيضاء، المحققّ الكاشاني ١: ١٧٢.

2- آل عمران ٣ : ١٩٠ ـ ١٩١.

3- نهج البلاغة ٢: ١١٦.

4- الدخان ٤٤ : ٣٨ ـ ٣٩.

5- يونس ١٠ : ١٣.

6- الأنعام ٦ : ٦.

7- آل عمران ٣ : ١٣٧.

8- نهج البلاغة ٢: ١٥١.

9- نهج البلاغة ٣: ٤١.

10- معاني الأخبار: ٢٦٦.

11- الزمر ٣٩ : ٩.

12- المجادلة ٥٨ : ١١.

13- آل عمران ٣ : ١٨٧.

14- نهج البلاغة ٤: ٣٦.