ذكرى ميلاد الإمام علي الرضا

مقالة من أحد الإخوة المستبصرين الجزائريين بمناسبة ميلاد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام):

في رحاب مولد الإمام الرضا عليه السلام : مراجعة لغربة الذات الإسلامية

مدخل :
ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام أنه قال لبنيه : “هذا اخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فإسألوه عن أديانكم وإحفظوا ما يقول لكم…”
لعل الذكريات الإمامية تتلاحق لتوحي لنا بحقائق ومواعظ،تنسينها الدنيا وزخارفها،أو أننا نستحضرها لنضمد الجراح ونتناسى الواقع المر، أم أنها جزء من مسؤوليتنا في الحياة الدنيا؟ لنستذكر قليلا،ماذا وراء كل هذه الصور المشرقة والرسالية والإيمانية ؟هكذا أراد منا بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعالم آل البيت عليهم السلام مولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حيث ورد في الحديث عنه عليه السلام : “من جلس مجلسا يحيى فيه امرنا ثبت قلبه يوم تفزع القلوب “،لأن مجالس إحياء ذكرى آل بيت النبوة عليهم السلام ذات خصوصية روحانية تخترق الزمن والمكان والعادات والتقاليد والثقافات والأديان لتشرق بحكمة الإسلام الإنسانية والرسالية والثقافية والحضارية الرائعة التي تعبق بنسائم الرحمة والعصمة والطهر والولاية. إن الحديث عن أي من أئمة أهل البيت عليهم السلام لايسعه مقال أو مقالات أو حتى آلاف الأسفار، لأن ذكرهم لا نستطيع التعبير عنه بالكلام فأهل المقام والولاء آل العصمة والطهارة عليهم السلام لم يريدنا أن نتحدث عنهم حديث المتسامرين والمفتخرين بهم، لأنهم عباد الله الأصفياء مهما ساح السائحون بفنائهم وخطب الخطباء في مجالسهم وتقول الشعراء عنهم ما بلغوا كنه أسرارهم وما وفوهم حقوقهم لأنهم لن يعرفهم أحد بغير معرفة الله والنبي الأكرم جدهم صلى الله عليه وآله وسلم.

نعيش هذه الأيام في رحاب عالم آل البيت عليه وعليهم أجمعين السلام،والذي عرف بغريب طوس، حيث مما تعنيه الغربة لدى مولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام،أنها غربة النفس عن الأطهار والأخيار والمصطفين الأبرار، لقد فرضت عليه عليه السلام الغربة والإبتعاد عن خير الخلق كلهم جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم،لكن تألق نجم آل البيت عليهم السلام بعطاءه وتضحياته عليه السلام وتأثيره في كل الواقع الإنساني العام والإسلامي مما لا ريب فيه،فقد ملأ الكون بعلمه وخلقه وحكمته البالغة ومواقفه الرسالية الجليلة ضد الطغيان والاستبداد والفساد السياسي والأخلاقي ورفع أركان الإسلام من جديد بعد أن حاول بني العباس القضاء على النور الإمامي وأراد الله أن يتم نوره بإشعاع نور الإمام الرضا عليه السلام. الإمام الرضا عليه السلام بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن موضعه في السلسلة الطاهرة المعصومة ثقيل جدا في الزمن الإسلامي والمضمون الولائي، فالدارس لسيرته يلتمس حقائق إسلامية ومعجزات إمامية تنطق بدور الإمام في المتغير الإسلامي،خصوصيته عليه السلام أنه جمع الإسلام جغرافية وفكرا ومدارسا وأهل الذمة التي تعيش تحت ظله وأفصح عن أمور الإمامة في وقتها وكان قد إكتسب علوم أجداده عليهم الصلاة والسلام فرتب بمواقفه بنود وحقائق الإمامة رغم كل الإضطهاد، فعاش أزمنة أجداده كلها حتى إنتهت ولاية العهد إليه، على الرغم من ان الولاية عندهم منذ عالم الذر،فهم آل بيت عليهم السلام أرفع عن الدنيا وحطامها،بل هم حجج الله البالغة والمرشدة للدار الدائمة،والإمام عليه السلام كان يدرك تماما ماذا وراء عرض الخليفة العباسي المأمون حيث نلحظ ذلك في حادثة طلب المأمون من الإمام عليه السلام أن يؤم الناس في صلاة العيد فخرج عليه السلام بروح وروحانية صلاة العيد مجسدا سنة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم-لا كما يخرج بني العباس وأشياعهم- وإتبعه في ذلك كل شيعته فأجهش الناس بالبكاء، فطلب المأمون منه العودة لبيته…

السلام عليك يا بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم،يوم ولدت، ويوم أستشهدت ويوم تبعث حيا،إن الذكريات الإمامية أطهر وأهدى وأرحب لكل الناس، ومسؤوليتنا في هذا الإطار اعظم وأدهى إن لم نستوعب خطوطها العريضة،وبالتالي بدل أن نكون زينا لأهل البيت عليهم السلام نمسي شينا لهم عليهم الصلاة والسلام.
تعالوا لنزور كل من بيته وبعقله وقلبه وأهله بضعة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ألسنا نحب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟ فلما لا نحب من يحبهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ونقتدي بهم ونحيي أمرهم ونحزن لأحزانهم ونفرح لأفراحهم كما هو الحال بجدهم صلى الله عليه وآله وسلم،لنتوب الى الله كوننا مقصرين أيما تقصير في جناب حضرة أهل البيت عليهم السلام، بنفاقنا وصمتنا وتخلفنا وتشتتنا،والأعداء يراهنون على عزة الإسلام وكرامته.
ذكرى مولد مولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام هي رحمة زمانية كما الحال بالنسبة لكل الذكريات الإمامية،يبعثها لنا الله لننهض من كبوتنا ونرتقي لواجبنا الرسالي ولندرس واقعنا وفق ما يضمن المستقبل الإسلامي واللقاء بصاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف على أفضل حال، حيث نلمس إنسانية رسالة الإسلام في أخلاق الإمام الرضا عليه السلام.
نافلة القول : علينا أن نراجع علاقتنا بهذا الإمام العالم النوراني عليه السلام،حتى يعرف العالم بأسره أنه لا نجاة بغير ولاية أهل البيت عليهم السلام.
وهذه طائفة من قبسات نور الإمام الرضا عليه السلام :قال عليه السلام : “صديق كل إمرئ عقله وعدوه جهله”،وعن الريان بن الصلت أحد أصحابه قال قلت للرضا عليه السلام :ما تقول في القرآن؟ فقال عليه السلام:” كلام الله لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا”(مسند الإمام الرضا عليه السلام للشيخ العطاردي ج 1 ص 307) ولنا في قصة رسالة التوحيد وحديث السلسلة الذهبية الوارد عنه عليه السلام عبر وكنوز عظيمة تنتظر الوعي والتبصر بها،وكما قال عليه السلام:” من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت”
ونأمل أن يرتقي إعلامنا الولائي أكثر، لأن يحاور العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء لا ان يتقوقع في دهاليز المذهبية لان مسؤولية التشيع غير ذلك بل هي عنوان الحقيقة الإسلامية والإنفتاح الإسلامي والحوار الإسلامي والرحابة الإسلامية…والحمد لله رب العالمين الذي هدانا لمعرفة الأنوارعليهم السلام،وطوبى لمن عرفه الله بحجته…