برسن بوّايو الإسبانية

المستبصرة برسن بوّايو الإسبانية

* إسبانيا – برشلونة

* مواليد عام (1960م)

* اعتنقت التشيع عام (1982م)

ـ هل يمكن أن تحدثينا عن نشأتك والظروف العائلية والاجتماعية التي عشت فيها قبل اعتناقك الإسلام؟.

ولدت بمدينة (برشلونة) الواقعة شمالي البلاد على ساحل البحر المتوسط، من عائلة إسبانية متوسطة الدخل، مؤلفة من تسعة أفراد.. والداي ملتزمان التزاماً عاطفياً بالمسيحية، وهما يعتبران محافظين، قياساً على ما هو سائد في المجتمع الإسباني، وربما أكثر من الحدود المتعارف عليها في (أسبانيا)، حيث أن المجتمع هناك بشكل عام ككل المجتمعات الغربية، بات ينظر إلى الدين وكأنه من أساطير الأولين.. ولكن لا يمكن أن نقارن المحافظة تلك بما تعنيه فعلاً في مجتمع إسلامي محافظ..

تلقيت دروسي الأولى في مدرسة للراهبات ثم تابعت تعليمي في مدرسة خاصة.

ـ كيف كانت علاقتك بالدين في ذلك الوقت؟.

كنت منذ صغري أعتقد بوجود الله، ولكن اعتقادي به كان مطابقاً للتصور المسيحي الشائع.. وفي الحقيقة إن التدين، أو الاعتقاد بدين ما في تلك البلاد، أصبح شيئاً نادراً، وأمراً غريباً، بعد ما أعمت الحضارة المادية ببريقها وشهواتها، عقول وقلوب أكثر الناس هناك، ولا سيما في (برشلونة) ومنطقتها، حيث أن (أسبانيا) مكونة من أربع حضارات وشعوب مختلفة، فيها الأندلسي مثلاً، والكاتلاني.

ـ ما هي طبيعة العلاقات العائلية والاجتماعية السائدة في أسرتكم ومجتمعكم؟.

كنت أعيش مع والدي، ورغم أن العلاقات داخل عائلتي كانت جيدة، إلا أن العلاقات العائلية والاجتماعية، تتوقف عادة ضمن حدود الأسرة الواحدة، ولا تتعداها إلى أكثر.. فمثلاً إذا كان أحد يريد مقابلة والدي أو أي صديق له، فإنه يدعوه إلى المقهى لا إلى البيت. وفي بعض الأحيان تتفسخ حتى الأسرة الواحدة الصغيرة، ولا تدوم بعد أن يبلغ الأولاد سن الثامنة عشرة.. وإجمالاً يمكننا اعتبار المجتمع الإسباني حالة وسطية بين المجتمع الشرقي، والمجتمع الغربي في هذه النواحي.

ـ ما هي صورة الإسلام والمسلمين الحالية في نظر الأسبان.

في الواقع هناك نظرتان مختلفتان تماماً.. هناك المثقفون، وهناك عوام الناس أو السطحيون.. المثقفون الذين درسوا واطلعوا على تاريخ (إسبانيا) حيثما كانت تعيش في ظل الإسلام، وعرفوا ما كانت تحفل به من رقي وازدهار، في الوقت الذي كانت تتخبط فيه دول (أوروبا) كافة في دياجير الجهل والتأخر. هذه الطائفة من الناس تكن التقدير للعرب أو الإسلام- لأنها لا تفصل بين الاثنين: عربي يعني مسلم – ويتمنون لو أن المسلمين لم يطردوا من (أسبانيا)، لأنهم متأكدين من أن (إسبانيا) كانت، أو قد تكون بحال مختلف جداً الآن، ولو أن المسلمين بقوا فيها، فهم قد اطلعوا على علومهم في الهندسة والطب والفلسفة والدين.. الخ، ووجدوا مثلاً أنه حتى الآن توجد في (قصر الحمراء) في غرناطة بعض الأسرار العلمية والهندسية، لم يستطع العلماء في القرن العشرين تفسيرها.

وهناك طائفة أخرى وهي تلك التي لا ثقافة لديها، أو لا علم لها في هذا الشأن، تعتمد على ما تسمع من شائعات وأقاويل مغرضة تزعم أن العربي يعتاش على جهد زوجته، وهي التي تتكفل به وبأولاده رغماً عنها، وإنه ذو (حريم) قد يصل عددهن إلى العشرات.. وإن المرأة تعاني من ظلمه الشيء الكثير، وأنها مجبرة على وضع الحجاب لأن زوجها يغار عليها!.

هؤلاء لا يرون بحكم الدعايات المضللة في المسلمين إلا صورة التخلف والجهل، وهم لا يتمنون رؤيتهم في (إسبانيا) ولو كسائحين..

ـ كيف أمكن لك التعرف على الإسلام؟ وما الذي قادك إلى اعتناقه في هذا المجتمع المادي والمعادي للإسلام بفعل التضليل والتشويه المتعمد؟.

لقد كنت على وشك الانتهاء من المرحلة الثانوية، والتحضير لامتحانات الدخول إلى الجامعة، عندما تعرفت بطريق الصدفة، أو بتخطيط إلهي، على بعض الطلاب المسلمين، الذين كانوا يقيمون بجوارنا، وقد أعجبت بهم وبتصرفاتهم لمست منهم الإخلاص لدينهم، والتمسك بأداء الفرائض، وامتناعهم طوعاً عن كل المحرمات مع أنها مبذولة أمامهم، وهذا ما لم أكن أعهده في مجتمعنا، حيث لا يمتنع أمثالهم عن شيء مضر أو محرم -كالخمر مثلاً- بدون رقيب، أو سبب خارجي مفروض عليهم.

وعندما كان يتسنى لي اللقاء بهم، كنت أتحدث معهم حول المسيحية والإسلام، وكان هدفي أن أجذبهم نحو المسيحية، لأني كنت أعتقد حينها أن الديانة الصحيحة والوحيدة الجديرة بالاتباع.. ولكن بعد مناقشات وجدال طويل معهم، لم أتمكن من إقناعهم بما أريد، بل تغيرت أنا، واقتنعت ببطلان وتهافت العقيدة المسيحية السائدة، خاصة حول مسألة ألوهية المسيح (عليه السلام) ، أو كونه ابناً لله كما يدعون!.

.. عندما علم والدي بمعرفتي لهؤلاء الشبان المسلمين، دفعهما التعصب لمنعي من رؤيتهم، وكذلك الخروج بغير مرافقة أحد أفراد الأسرة، علماً بأنهما يقبلان بل يفضلان أن أسلك أي سلوك منحرف على أن أميل نحو الإسلام.. وبقيت في منزلي ستة أشهر كالمحكوم عليها بالإقامة الجبرية.. في هذه الأثناء كنت قد أسلمت، ولكني أخفيت إسلامي لتجنب المشاكل مع العائلة، فوالدي لم يكن ليتقبل هذا أبداً، وهو الذي كان طيلة حياته يستهزئ بالمسلمين والعرب.. ولكن بعد فترة رأيت أن حياتهم معهم قد أصبحت صعبة جداً، فاختلفت معهما على بعض التصرفات التي يرفضها الإسلام، ولكن دون أن أحتج بالإسلام نفسه، بل لمجرد الرفض. وقد أدى ذلك إلى خلاف شديد، اضطررت على أثره لمغادرة المنزل، والالتجاء إلى إحدى العائلات المسلمة الموجودة في (إسبانيا). وبمجرد وصولي إلى منزل تلك العائلة، قررت أن أبدأ حياة الالتزام الجدي بالأحكام الشرعية من مأكل وملبس وعبادات..

وبعد شهرين عدت إلى المنزل بطلب من أهلي، ولكن هذه المرة مسلمة محجبة، ملتزمة بالأحكام الشرعية، فقبلتني العائلة لأن والدي كان يحبني كثيراً في الأصل، ولكنه لم يرتح لحالتي الجديدة، فما لبثت أن تجددت الخلافات وكانت يومية، وكنت أصبر عليها، ولم تؤثر ولله الحمد على عقيدتي الجديدة.

.. وكان اقتراني بزوجي نقلة جديدة أتاحت لي فرصة العيش في جو إسلامي أفضل.

ـ هل عملت في مجال تخصصك في لبنان؟.

نعم، عملت إلى جانب زوجي في مستشفى إسلامية مدة سنة.. ولكن قررت بعدها أن ألزم منزلي، حيث أنني رأيت أن الأطفال والواجبات المتطلبة من الأم والزوجة، أولى من العمل بالمستشفى، مع أن ذلك أدى إلى تقلص في جونا العائلي، وضغط مادي علينا.

ـ ما هي بالتحديد الصعوبات التي واجهتك عند بدء الالتزام مع عائلتك ومجتمعك؟.

إضافة إلى ا ذكرت واجهتني صعوبات متنوعة.. فالمجتمع الذي يرى امرأة ملتزمة بالحجاب، تكاد تكون وحيدة بين نساء (إسبانيا)، ينظر إليها باستغراب ودهشة، ومع أن أحداً لا يسأل لماذا.. ولكن الجميع يستهزئون ويسخرون، وقد كنت عرضة للسخرية كل يوم عندما كنت أخرج إلى الشارع لقضاء بعض شؤوني.

أما مع الأهل فكان ثمة مشاكل ومضايقات عديدة:

أولها: رفضهم للحجاب بشكل عنيد، خاصة وعندما كانوا يسمعون انتقاد الناس وتعييرهم لهم بشأن إسلامي وحجابي.. ولكن ذلك والحمد لله لم يؤثر علي أبداً.. ثم بسبب الصلاة وكيفيتها، إذ أنهم لم يفهموا لماذا علي أن أصلي على السجادة أو الحصيرة، ولماذا الركوع والسجود وكثرة الكلام والقراءة والتسبيح، فكانوا يقولون أنه لا حاجة إلى هذه الحركات إذا أردنا أن نطلب شيئاً من الله!. والطهارة كانت مشكلة دائمة لي، حيث كان عليَّ أن أطهر ثيابي باستمرار، وذلك بسبب مس بعض أفراد العائلة لها وهي رطبة. لقد كان كل شيء في البيت متنجساً، فكنت لا أستطيع الحركة بحرية.. فالطعام من جهة، ومن جهة أخرى الخمر، ووضع الخمر على الطاولة، كان أيضاً مشكلة مستمرة، فكان عليَّ أن أصنع طعامي، وأن أطهر آنيتي.. ولامتناع عن المصافحة مع بعض الأصدقاء القدامى عانيت منه الكثير، حيث كان عليَّ أن أشرح لهم دائماً لماذا لا أصافحهم.. هذا إضافة إلى كثير من العادات والممارسات التي كانت تتناقض مع الالتزام بالإسلام، والتي كان عليّ أن أتجنبها، وأعاني في سبيل رفضها، لأنها ملازمة لحياء العائلة.

ـ كيف وجدت وضع المرأة المسلمة في لبنان؟.

بصورة عامة، إن وضع المرأة المسلمة في لبنان ليس بالمستوى المطلوب الذي ينشده الإسلام.. إنك تلاحظ إقبالاً متزايداً من النساء من مختلف الأعمار على الالتزام بالأحكام الشرعية والحجاب، ولكن غالبيتهن لا يجعلن الإسلام مقياساً يقيمن تصرفاتهن على أساسه، بل إنهن قد تأثرن كثيراً بالغرب، وبنساء الغرب، ويحاولن تقليدهن، والتشبه بهن، وأرى في ذلك و استمر، هلاكهن، وتدهور المجتمع -لا سمح الله-.

ـ ما رأيك بالاختلاط الشائع في مجتمعاتنا الإسلامية؟.

أتمثل هنا قول الزهراء (عليها السلام) : (خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل).

فعلى المرأة المسلمة أن تسعى جاهدة للالتزام بمضمون هذا الحديث القيم، وأن لا تخرج إلى الشارع، والأسواق، الأماكن العامة، إلا للضرورة. وعلى النساء أن يطلبن من أزواجهن إحضار حاجيات المنزل والعائلة.. ولا أظن أن الرجل يعارض ذلك إذا أرادت زوجته الستر والعفاف، لها ولمجتمعها.

ـ والاختلاط أثناء العمل ما رأيك به على ضوء تجربتك الخاصة؟.

بالإمكان تجنب ذلك إذا كانت لدينا النوايا الصادقة، وذلك عن طريق تنظيم العمل في الأماكن التي يكون وجود المرأة فيها ضرورياً كالمستشفيات والمدارس ونحوها، بحيث يتحقق الفصل بين النساء والرجال، بصورة عملية..

أما في مثل أيامنا الحاضرة، إذا اضطرت المرأة للعمل في مكان لا مفر فيه من الاختلاط، فبإمكانها أن تحافظ على حجابها الشرعي ورصانتها، وأن تكون اختلاطها ضمن الحد المعقول والجدي.. كذلك على المرأة هنا أن تراعي أن لا تتقدم للأعمال المخصصة للرجال.

ـ هل من كلمة تودين توجيهها عبر (نور الإسلام)؟.

أود أن أوجه نداء إلى غير المسلمين، ممن لم يخطر ببالهم حتى الآن أن يتخذوا الإسلام ديناً، وأن يعمدوا إلى التعرف على الإسلام عن كثب، ليتبينوا حقيقته وروعته، ولا يأخذوا بالشائعات المضللة، أو ينظروا فقط إلى بعض مظاهر التطبيق الخاطئ الذي يمارسه بعض المسلمين.. فلا يرفضوا من بعيد، بل عليهم أن يبحثوا ويفكروا، وسيجدون حينئذ ما يضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة.

وأشكر الله تعالى الذي منّ عليَّ بمعرفة الإسلام واتباعه عن تعقل وتدبر.. وأحمده لتوفيقه لي لعبادته، ومعرفة نبيه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) ومعرفة آله الأطهار (عليهم السلام) ، وأرجو أن يكون في قصتي مع الإسلام عبرة ونفع وهداية للآخرين الذين هم قريبون أو بعيدون عن الإسلام.