المستبصر سماحة الشيخ محمد عبد العال الفلسطيني.
( إمام مسجد الوحدة في صور – جنوب لبنان)
* فلسطين – عكا – الغابسية
* مواليد عام (1948)
* اعتنق التشيع عام (1980)
كل شيء يفتقر إلى الدليل إلا ولاية أهل البيت (عليهم السلام) .. يفتقر الدليل إليها!
كان مفاجئاً اللقاء بسماحة الشيخ محمد عبد العال، الفلسطيني الذي ولد وترعرع واهتدى في جنوب لبنان قرب مدينة صور، ليس لسبب عام بقدر ما هو لسبب متعلق بطباعه وتواضعه وحبه الشديد لأهل البيت (عليهم السلام) إضافة إلى اهتمامه المطرد بتقديمهم بأفضل السبل.
هل اكتفى من نور الهداية بنفسه؟ لا، بل عمل لهداية الآخرين من خلال إقامة مسجد جمع فيه من المسلمين العديد وحاول ولا يزال على جذب الآخر المعاند بأسلوبه التكتيكي والعقلاني لا المتسرع، لم يخسر أقرب المقربين إليه لعلمه أن هدايتهم أولى وأجدى وحافظ على علاقاته العائلية أملاً بالخير لهم.
منزله البسيط القريب من مسجده (مسجد الوحدة الإسلامية) مفتوح على مصراعيه للزوار ولإعطاء الدروس، ولعله لا يزال إلى الآن بعد سنوات عدة يرفض وضع حاجز ما بينه وبين الناس ويعتقد أن عمامته تدفع الناس للتهيب من رجل الدين، لذا غالباً ما يفضل عدم ارتدائها إلا في ما ندر.
وكان سلاحه الوحيد حب آل البيت (عليهم السلام) لذا يؤكد أن حبهم من الواجبات، فلماذا نعمل على أنها من المستحبات؟!
كان هذا الحوار مع سماحة العلامة الشيخ محمد عبد العال في منطقة المعشوق بمدينة صور.. وإلى تفاصيله:
ـ هل لك – شيخنا الجليل – أن تعرف قراء (المنبر) على شخصيتك؟
إني محمد عبد العال، فلسطيني من قرية تدعى الغابسية بمدينة عكا، من مواليد 1948، وأنا حالياً إمام مسجد الوحدة الإسلامية في المعشوق في صور بجنوب لبنان. وفي الحقيقة لا أعرف قريتي تحديداً، لأني لاجئ بالوراثة حيث مسقط رأسي هذا التجمع السكاني وما زلت فيه، وأنحدر من عائلة فقيرة ووالدي يعمل بالزراعة.
أسرة وعائلة عبد العال موجودة هنا، وتوفي والدي في عام 1970 للميلاد من عمر ناهز 63 عاماً بمرض السرطان الذي هو مع الأسف مرض العائلة.. وهو أقل خطراً من سرطان الأمة!!
متزوج ولم أرزق حتى الآن بأبناء، (ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمه بعاقبة الأمور).
ـ كيف تصف لنا البيئة التي عشت فيها؟
أنا واحد من ثمانية أبناء لأبوينا، أربعة ذكور وأربع إناث. وموقعي قبل الأخير. وقد عشنا بغنى عن المادة وليس بها، بكرامتنا، بتواضع، كنا نلتقي أحياناً ونختلف أحياناً أخرى.
وقد كانت المرحلة الدراسية مقتصرة على المرحلة الابتدائية، حتى بلغت الصف السادس الابتدائي، وحصلت على السرتفيكا، ففرحت لخروجي من المدرسة وعملت في بعض الأشغال التي تحتاجها الحياة، في البساتين والزراعة، ثم دخلت مهنة الحدادة الإفرنجية وأتقنتها وعشت مستقلاً ردحاً من الزمن من هذه المهنة وقضيت سنتين في ليبيا وأنا أعمل.
لم يكن في حسباني أبداً أن أكون في موقعي اليوم، أي في موقع عالم الدين، مع تحفظي على هذا الوصف لنفسي لأننا (نحب العلماء ولسنا منهم). ولكن ظروف البلد وكثيراً من التعقيدات؛ اقتضت عبر تحسسنا للمسؤولية أن نتصدى لهذا الأمر ونعمل لسد الفراغ الذي كانت أبرز مصاديقه عدم وجود مسجد حيث نعيش، وتشتت الناس في بعدهم الديني. وقد كانت هناك محاولات سبقتنا لتشييد مسجد باءت بالفشل ولعل الخير في ما وقع. إلى أن تصدينا وحرصنا على أن يكون هذا المسجد مسجداً وحدوياً يحتضن تحت قبته المسلمين من مختلف المذاهب. فنحن في المسجد نصلي شيعة وسنة. وبالطبع في فقد واجهتنا صعوبات كثيرة وتعرضنا لمضايقات وتعسفات يعجز اللسان والقلم عن وصفها، إلا أننا بتوكلنا على الله وبثباتنا نجحنا في تخطي الكثير منها.. ولذلك لن أقف عند هذه النقطة حتى لا نستغرق بالتفاصيل. وعندي ملاحظة تستوقفني تماماً، لها أثر كبير في حياتي فعندما أقرأ في سورة الكهف، أتذكر أخاً لي هو البكر لوالدي اسمه محمد وقد توفاه الله طفلاً، ثم أنجب مجموعة ذكور وإناث دون أن يسمي (محمد) إلى أن جئت فسميت به، الأمر الذي يذكرني بسورة الكهف، أقول وهنا شهادتي مجروحة، وهو هل أكون بعين الله ورضاه ويكون أخي الذي لا أعرفه – لعل الله أراحه واستبدلني به – لكي أكون في هذا الخط الولائي. لا أقول هذا من باب الاستعراض ولكن من باب الحرص على تحمل هذا الدور وهو بالنسبة لي جرس إنذار.. (إن الله استبدل غيرك بك فكن لائقاً بهذا الخيار الإلهي) وهو حافز، بالنسبة لي هذا الأمر يضعني أمام المسؤولية الشرعية ولا يفارقني أبداً، وأعتبر أن هذه نعمة وليست نقمة وهي تلح علي باستمرار أن أكون يقظاً وأحرص على عدم الغفلة والله ولي التدبير.
ـ كيف كانت علاقتك بالمحيط الاجتماعي من حولك؟
العلاقة لها بعدان، بعد ظاهري وبعد جوهري. في البعد الظاهري علاقتي كانت عادية جداً، حميمية، وأنا بطبعي إنسان (بيتوتي) وعاطفي وأحب البعد الأسري والعائلي والمجتمعي، وأحرص على أن أكون بين أهلي.
في البعد غير المنظور وغير المعلن أنا كثير السؤال وأبحث عن أي شيء يقع تحت ناظري. وأحياناً يكلفني هذا ضرباً مبرحاً، وزجراً من الأهل لكثرة السؤال ولكثرة انزعاجهم من أسئلتي. وكنت أحب أن أتعرف على كل شيء. والمدرسة كانت في (البص) وهي بعيدة لأكثر من كيلو متر ونصف، في الطريق مشياً كنت أقرأ كل ما يقع تحت ناظري وأسأل عن معنى الأسماء والأشياء وأسماء القرى. وهذا ما جعلني أجلس كثيراً مع نفسي. وكان بجوارنا بستان، وخلفنا يقطن أناس لبنانيون شيعة، فكنت أسأل ما معنى (شيعة)؟ كنت أقول نحن مسلمون وهم ماذا؟ كانوا يقولون لي (شيعة)! فكنت أسأل ما معنى هذا الاسم؟ وكانت الإجابات أشبه بإدارة الظهر. وامتد الوقت ولم تنتزع مني التساؤلات، كبرت وكبرت التساؤلات إلى أن مرت بضع سنوات من سن تكليفي وكنت في بعض الأحيان لا أصلي! فحينها كان الويل لمن يصلي لأنه يصبح موضعاً للسخرية حين يعلم به رفاقه، لذا كنت أصلي وأنقطع عن الصلاة خشية معرفة رفاقي بي!.
منذ طفولتي كنت مؤمناً جداً بوجود الله، لكن المشكلة كيف كان إيماني به وهذا لا يسأل عنه؟ بمعنى أني كنت مؤمناً بفطرتي أن الله غير محدود وقد فوجئت عندما درست العقيدة الشيعية في ما بعد أن الله لا كم ولا كيف له، وهو ما كنت أؤمن به فطرياً من قبل رغم عدم معرفتي المسبقة. في ما بعد توافق الوعي الفكري مع التبويب العقائدي وسررت لأني اكتشفت أني كنت على حق دون تحصيل. لم يكن في حسباني أن أكون في يوم من الأيام شخصاً خارج البعد العادي في المجتمع، وما كنت حريصاً على ذلك بل كنت حريصاً على أن لا أكون مميزاً عن الآخرين. وبصراحة هذا هو الجانب المزعج في حياتي بعد التغيير العقائدي. والظروف وضعتني في جو فاقع التميز من باب المعاناة.
ـ متى بدأت تعتقد بولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام؟.
من طبيعتي التي تسأل وتبحث عن أي شيء وكل شيء وهذا كان مصدر إزعاج لمن كان حولي بدأت أرفع وتيرة تديني بحثاً ودراسة ولم أكتف بالتقليد الوراثي، رفضت أن أكون دائماً وراثياً في سلوكي كافة. ومن أبرزها علاقتي مع ربي، وهذا دفعني إلى الاطلاع على طريقة تفكير الآخرين. وهنا أعني تحديداً الشيعة. كنت أسمع ما يثير استفزازي من أفكار أراها خطرة وأرى أنها تتحرك في دائرة الكفر الشنيع لأنها تطال في بعض توصيفاتها بعض الرموز الإسلامية التاريخية المعروفة كالخلفاء وعائشة (أم المؤمنين) وبعض الأحداث المشهورة. فهذا كان يثير بي شعوراً أشبه بالجنون. الأمر الذي يدفعني إلى التحصيل المعلوماتي عبر مذهبي السني لأحصن مساحة الرد، فكنت أحصل لأحصن حتى تكون الحجة أبلغ. ولكن الصدمة الكبرى كانت أنه كلما بحثت أكثر كي أعمل على توهين الحجج المقابلة إذ بي أكتشف أن ما أجده يقوي هذه الحجج ولا يوهنها! كنت أكتشف ما يقال لي من قبل المذهب الشيعي وأنا أعمل على رده عبر البحث، فإذا بالبحث يأتيني أن الرد صحيح! وهذا ما جعلني أعيش مخاضاً عسيراً إلى أقصى الحدود، وأقساها تمثل في بين الواقع والحقيقة. فأنا أسعى إلى تثبيت انتمائي الذي ورثته، وتحصيلي يأخذني إلى الموقع الآخر. ولكنني قررت عندها أن أقف واضع معياراً.
ـ كم كان عمرك؟.
27 سنة.
ـ كم امتدت فترة البحث؟.
امتدت نحو سنة ونصف سنة، وفي هذه المرحلة تم الانتقال إلى العقيدة الشيعية لما اكتشفته من محطات مهمة بارزة وأحياناً كانت طريفة، وأكتفي بذكر اثنتين منها واحدة على مستوى الجوهر وأخرى على مستوى المظهر.
على مستوى الجوهر قررت بعد أن وقعت في هذه الحيرة العقائدية أن أقف وأكف عن البحث، ثم أضع معياراً يصلح أن يكون قاعدة للآتي مما سأتبنى، وكان المعيار هو التجرد، فالتجرد عين ذات الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) ولم يكن التجرد مجرد كلمة بل كان تجرداً عميقاً لصيقاً في أعماقي، حرصت على أن أطمئن له. وعندها عدت إلى البحث ومن أبرز ما قرأت كتاب (المراجعات) الذي لم يثر في إيماناً وإنما زادني بالمعلومات.
أما الحادثة الأخرى فقد كانت طريفة حسمت الأمر نهائياً، وتندرج تحت عنوان عجلة عربة تالفة أوصلتني إلى ولاية أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام! حيث كنت جالساً على جنب الطريق أمام دكان لأحد أقاربي، وهي دكان متواضعة، وإذا بهذا الرجل يسأل عن أحد أحفاده ليجلس مكانه كونه يريد أداء صلاة العصر، والمكان الذي يؤدي فيه العجوز صلاته يقع خلف الدكان وأمام نافذتها مما يجعله في قلب الدكان ولدقائق معدودات. ولكن هذا العجوز رفض ترك الدكان دون تعيين أحد مكانه. وبينما هو غاضب لعدم وجود بديل إذ بسيارة مارة تعرضت إحدى عجلاتها للتلف. توقفت هذه السيارة ونزل منها مجموعة عمال خاطبهم صاحبها: (هيا نستبدل العجلة؟).
فقال أحدهم: (إن العجلة الجديدة ليست معنا)، فغضب رب العمل وصرخ بوجه عامله قائلاً: (وهل لعربة أن تسير من دون عجلة إضافية)؟ فسألت نفسي وقتئذ: رجل لا يستطيع أن يصلي في دكانه دون وضع بديل أو خليفة يطمئن له؛ وعربة لا تسير دون عجلة إضافية، وذلك يستدعي كل هذا الغضب، ورسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) يترك أمته بدون إمام ولا خليفة!! والله ما كان هذا أبداً.
هذا الطريق المظهري إضافة إلى الشهادتين وأشهد أن علياً بالحق ولي الله، كان تتويجاً لتراكمات ومخاض كلفني الكثير من التفكير والقليل من البحث والاستقصاء. لماذا؟ لأن الإنسان بطبعه سؤول، وأما مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فهو دين الله الواضح الذي لا يبقي تساؤلاتك بلا إجابة، فما أن تلتقي به حتى تراه دون عناء.. وهكذا كانت الولاية.
ـ كيف تلقى وسطكم العائلي ذلك؟.
بما أني أخذت قراراً بنفسي، فقد وضعت خطة لتنفيذه، وكان أبرز خيار أن لا أعلن ذلك، وأن أخفيه عن أهلي. قلت في نفسي: أريد أن أستثمر هذا الإنجاز بحيث لا أخرج لوحدي مما كنت فيه وقد عقدت العزم على أن اصطحب معي أكبر عدد ممكن من الناس إلى نور هذه الولاية.
وبصراحة فإن أول إحساس انتابني هو: إن أنا اكتفيت بذلك لوحدي فهو شعور بالأنانية، كنت حريصاً على أن اصطحب أكبر عدد معي إلى الاستبصار والاستهداء بنور محمد وآله عليهم الصلاة والسلام.
وقررت أن لا أدخل لوحدي إلى هذا الضوء، وهذا يستلزم منهجاً دقيقاً وحساساً، نعترف أننا أخفقنا في بعض تصريفات إملاءاته تارة بسبب التعقيدات، وتارة بسبب قصورنا وتقصيرنا وقدراتنا الضئيلة، لكن أبرز ما تجلت فيه فكرة الاستمرار تتمثل في المسجد (مسجد الوحدة الإسلامية). وقد وضعنا منهجاً متكاملاً لدور هذا المسجد في استنهاض هذه المساحة من الوعي في المجتمع، لا لنتدخل في الفقهيات، لكن لنثير حالة جدلية تدفع باتجاه الاهتمام، والذي ساعدنا البعد الديموغرافي في المجتمع، حيث يوجد لبنانيون وفلسطينيون شيعة وسنة. أما المستوى السياسي فحدث ولا حرج، فكل العناوين والدكاكين والتلاوين السياسية موجودة في هذه البقعة. عندنا كم هائل من الخليط، إضافة إلى التركيبة الاجتماعية، فهي خليط من مهجري المناطق المحتلة سابقاً، الأمر الذي جعل التنوع في أشد حالاته، والأذواق هنا وسط هذا العجيج والضجيج. نحن ندعو إلى الوحدة، وهذا وحده كاف للدلالة على صعوبة إن لم نقل استحالة المهمة ولكن بالعزيمة.
ـ وهل درست علوماً دينية بعد استبصارك؟.
لكي أحصن هذا التوجه كان علي أن أفهرس وأبوب هذا التحصيل العلمي، فانتسبت إلى حوزة علمية في صور وتتلمذت لبضع سنوات على سماحة العلامة المجتهد مفيد الفقيه. وكان من أبرز أهدافي أن أبوب موقعي العلمي وأعطيه بعداً ومنهجاً يساعدانني على إكمال الطريق. رغم أن انتسابي إلى الحوزة كان بعد نشاطي في مسجد الوحدة بناء ودعوة وبعد 5 سنوات. بدأت العمل في ميدان العمل الرسالي إماماً وخطيباً للمسجد المذكور. وقد وجدت طريقاً إلى الحوزة وسمحت لي الظروف القاسية جداً مع ذلك.
ـ على م كنت تعتمد؟.
كنت أعتمد على التحصيل الذاتي، وقد ساعدني على هذا مصيبة كانت نافعة ولم تكن ضارة وهي سجني في بيتي بعنوان إقامة جبرية على يد إحدى الميليشيات المحلية، التي كانت حاكمة على الساحة. لم أحصل لدى السنة العلوم الدينية وذلك لسبب بسيط جداً لأنه عندما أدخل سوف أدرس العلم ولكني كنت أريد أن أدخل لأناقش أصل المنهج وهذا ما لن يقبلوه.
ـ هل واجهت صعوبات في تلك المرحلة خاصة من قبل علماء السنة أو الأقارب أو الأهل؟.
لقد حصلت محاولات حثيثة وجادة من قبل أهلنا من أهل التسنن والمعنيين بهذا الشأن لأن يعيدوني إلى جادة الصواب رأفة بي!! ولمحبتهم لي حرصوا على أن أعود عن هذا الانحراف!! ولكن كنت حريصاً على حوار هادئ ومتأن، وحريصاً على خروج المحاور من إطار الحوار الخاص بيني وبينه إلى حوار بينه وبين نفسه، وقد تأثر البعض واستبصر، عندها شعر بعض علية القوم بخطر اللقاءات معي والاستماع إلي، حتى وصل الأمر إلى إطلاق الفتاوى بحرمة الاستماع إلي وإن كنت أتحدث عبر مكبر للصوت، فقد كان يقال أن صموا آذانكم وأنه عالم سليط اللسان وقوي الحجة، وعملوا على انفضاض الناس من حولي. ولكن الحمد لله.
ـ وهل تشعر بالوحشة الآن؟.
رغم أن مستلزمات الوحشة كانت كثيرة جداً وصاخبة جداً إلا أنني لا ولم ولن أشعر بها لأنني حفظت عن ظهر قلب قول الإمام علي (عليه السلام) : (أيها الناس لا تستوحشوا طريق الهدى لقلة أهله).
ـ هل استبصر أحد من أقاربك؟.
نعم بعض الأبناء والبنات، وطبعاً زوجتي ومجموعة أخوة وأخوات.
ـ ما هو عملكم في المسجد حالياً؟.
نمارس في المسجد كل العبادات الراتبة إضافة إلى الاستحبابات والعلاقة مع أهلي وإخوتي جيدة جداً وهي علاقة توقير واحترام، رغم هذا الخيار الذي أتعبهم، رغم كل ذلك نظرة أهلي وإخوتي هي نظرة احترام وتوقير وهذا له أسباب عدة منها أسبابها الطبيعية، فعائلتنا عائلة وديعة ولسبب آخر أنهم يرون احترام الناس لنا فيعتبرون أنهم هم أولى بذلك. وحرصت على أن أضع كل شيء في نصابه الطبيعي وكنت بطبعي منفتحاً على الجميع، واعتبرت كما اعتقدت أن ولاية أهل البيت تدفع بهذا الاتجاه، لذا كنت حريصاً على ذلك. وبعد الاستبصار كنت أحرص. ولا أذكر في حياتي أن قطيعة حصلت كانت ناتجة من قبلي أنا، في الدائرة المصغرة أو المكبرة. وأنا دائماً حاضر لفتح هذا الباب لأني لم أغلقه قط بل أضيف لأقول أنا صاحب درس أكرره دائماً: (إن لم تجد من يؤذيك، فتش عمن يؤذيك حتى بمسامحته، وادع لمحبيك كثيراً ولمبغضيك أكثر!) على قاعدة أحسن لمن أساء إليك. ومما أردده دائماً (أهل البيت معيار وحدة الأمة).
ـ ما معنى هذا الشعور بالنسبة إليك، وما هو المطلوب لوحدة الأمة من السنة والشيعة؟.
المقصود وبالقفز عن وحدة التلفيق والتوفيق وأنصاف الحلول والمجاملات والمداراة والأحقاد المخبوءة خلف الابتسامات في أحسن حالاتها شديدة التهذيب اللدود. قد حسمنا أمرنا بالخروج من تخمة التنظير إلى ميدان التطبيق، وسأكتفي هنا بإطلاعكم على مرتكز أساسي من المرتكزات والثوابت التي اعتمدناها في المسجد المذكور. وهو شعار اعتمدناه بكل وضوح يقول: (أهل البيت معيار وحدة الأمة ). فنحن على خطى الله ورسوله وأهل بيته الكرام وكل الصحابة الذين اتخذوا أهل البيت شرطاً لازماً ملزماً لصحة الانتماء وما عدا ذلك سبل تحج أهلها وهذا لا يصطدم في عمقه بالتطلعات المذهبية لأحد، معتمدين قاعدة (بالحق تعرف الرجال وليس بالرجال يعرف الحق) وأيضاً (أعرف الحق تعرف أهله في إطار الدليل فنحن أبناء الدليل أينما مال نميل) وهذه أحاديث للإمام علي عليه الصلاة والسلام.
ورداً على المقولة المزمنة والمستهلكة: (ما لنا وللماضي فنحن أبناء الحاضر) نقول: (إن رفض باطل الحاضر باطل ما لم يرتكز على رفض باطل الماضي). أي أن رفض باطل الماضي يشكل ضرورة حتمية لضمان صحة رفض باطل الحاضر. لأن أي بناء لا يستقيم على أساس معوج. ونعتقد أن من لم يكن على السنة (سنة رسول الله وآل بيته الكرام) لا يشم رائحة الجنة، ومقتل السنة ونحرها يتمثل ببدعة الاكتفاء بحب أهل البيت والإعجاب بهم دون وجوب ولايتهم، فحب أهل البيت من لون حب الله لا من تلاوين حب الأقارب أو مجرد العظماء.
إن مسجدنا الوحدوي الفريد من نوعه في العالم حائز على تزكية وإعجاب جميع أهل العلم المعتبرين. (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) فهلا حذوتم حذونا مهاجرين من وحدة الفعل إلى وحدة القول والفعل لردم الهوة بين غنى النظرية وتراكماتها وفقر التطبيق إن لم نقل انعدامها.
ـ ما هي الصعوبات التي واجهتكم في تلك المرحلة؟.
لا أرغب في الدخول في الحديث عن تفاصيل الصعوبات لأنني أعتبر أن هذا يأخذنا بعيداً عن تلمس القضايا الكبرى والشأن العام ويوقعنا في الاستهلاك والاستغراق في تفاصيل قد تثير حفيظة البعض، وإن كان لها حسنة فهي فقط حسنة شكلية تتمثل في البعد التسلوي الذي يصدر عن مساحة الفضول عند الإنسان في شكله العام وهذا يجعلنا قصصيين من أتباع (الحدوتة). إننا أمام استحقاقات عملاقة وكبرى على مستوى شجون الأمة وشؤونها، بداخلها وخارجها لا تسمح لنا في هذا الجانب الذي أراه وأعتبر أنه يشكل شيئاً.
ـ ما هي موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في نظر العامة من أهل السنة؟
أسجل هنا ملاحظتين:
إن ما يمنع الناس من التشيع هو طريقة تداول وتناول أكثر أدعياء الشيعة لنشر التشيع. فهؤلاء على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم المعرفية والاجتماعية لا يستطيعون طرح التشيع بما يضمن انجذاب الناس إليه، وهذا يحتاج إلى استنفار الأقلام والحناجر وكل الطاقات لإعادة النظر في بعض التصرفات والطرق.
أقول: الناس تلتحق تلقائياً بدين أهل بيت النبوة لأنه دين الفطرة. ولكن هذا الدين الصافي يئن تحت وطأة انفعالات وتراكمات ما أنزل الله بها من سلطان.
الملاحظة الثانية هي أن الشيعة – وهنا أقصد على مستوى الخواص وأستثني منهم العلماء الكبار – أنهم قبلوا عبر التاريخ أن يكونوا أصحاب دعوة وهم مدعى عليهم، لأن صاحب الدعوة عليه البينة. وهل الولاية تفتقر إلى بينة؟! نحن نعتمد وبناء على استبصارنا أن كل شيء يفتقر إلى الدليل إلا الولاية يفتقر الدليل إليها.. ليس في هذا تطرف وأنا حاضر لمناقشة هذا الزعم أمام من يريد. ولذلك عبر التاريخ سبروا بصدق وإخلاص لكن الدفاع ذهب باتجاه البحث عن أكبر قدر ممكن من البينات وهذا الذي أوقعنا في أن نكون أصحاب دعوة ونحن مدعى علينا، لأن الارتجال الذي حصل يوم السقيفة هو الذي يحتاج لتصويبه وتصحيحه إلى بينة لأنه دخيل على الأصيل.
ـ هل كان نتيجة تشيعكم تحول نظرتكم إلى الدنيا والآخرة؟.
نعم، تغيرت نظرتي في كل شيء، حتى أنني كنت أعبد الله سبحانه وتعالى بطريقة مليئة بالتساؤلات لم أجد لها أجوبة، والإنسان حين انفراده بنفسه يطرح تساؤلات كثيرة فإن وجد أجوبة عنها يعشق هذا النوع من اللقاء مع الذات وإن لم يجد فإنه ينفر من هذا الاختناق. بعد الاستبصار تحولت من نافر من اللقاء مع نفسي إلى عاشق لها لأنني أجد كل الإجابات التي تفوق حجم التساؤلات.
أستطيع أن أقول بشكل عام أن تساؤلاتي انتصفت المقام بين ما قبل الولاية وما بعد الولاية، فكانت تساؤلاتي أكثر من الإجابات، في حين أمست أقل من الإجابات.
ـ هل ترى أن علاقة الشيعة بالصحابة ناتجة عن علاقة العامة بأهل البيت أم العكس؟.
في ما مضى أي منذ ما قبل عشر سنوات كان الناس بشكل عام وأهل السنة بشكل خاص لهم انتماءات بسيطة ونظيفة دون تعقيد، لكن في الآونة الأخيرة ونتيجة الهجمات الفكرية والمذهبية ولا سيما الوهابية والسلفية، وعناوين كثيرة طرحت على الساحة، ودفعت باتجاه شروخات مرعبة وأخذت الناس أهواءً، فاختلف الكل مع الكل. ولكن اللافت أن هؤلاء الذين يتشاحنون (وهم أتباع المذهب الواحد) يلتقون علينا نحن المستبصرين، ودعوناهم إلى الوحدة، فتوحدوا عليها.
أيضاً في الجانب الشيعي ثمة عناوين وجهات في مناطقنا تحول دون استبصار الناس ويتعمدون أحياناً إطلاق الاستفزازات ويجهدون لاحتكار المذهب. حتى أنني أنا شخصياً أعاني من مساحات شيعية لا تريد تشيعنا وهذا له أسبابه السياسية. فهم يقبلونني مذهبياً ويرفضونني سياسياً. حتى وصل الأمر إلى أنهم يفضلون عدم تشيعي حتى ينافسوني من الخارج لا من الداخل. رغم أننا نحرجهم كثيراً في طريقة ولايتنا التي تجاوزت فهمهم للولاية. وأكتفي بإشارة واحدة فقط هي أنني صاحب قول تردده الناس عندنا: (إن من طاف حول الكعبة علم أم لم يعلم – جبراً أو تفويضاً أو منزلاً بين المنزلتين – إنما هو يطوف حول الولاية لأن الكعبة مظهر ووليدها (عليه السلام) الجوهر ومن طاف حول المظهر فهو بالضرورة يطوف حول الجوهر وقوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً).
ـ علمنا أن ثمة دروساً تلقيها في المسجد، حدثنا عن هذه الدروس؟.
أعتمد أسلوباً مميزاً للطلاب الصغار حتى يصلوا إلى سن يسألوه فيه عما درسوا وعن معناه، فعلى سبيل المثال: الولاية عندي برمجتها بالتخصيب التالي: من سدرة المنتهى والمبتدأ إلى وحي السماء إلى الأنبياء إلى الأوصياء إلى الأمناء السفراء إلى العلماء الفقهاء إلى الوكلاء إلى البراءة إلى الشهداء. وهذه نحفظها للأولاد الصغار وبعدها نفسرها لهم.
أما البعثة النبوية فلها أركان تسعة: الباعث – المبعوث – المبعوث به – المبعوث له – المبعوث معه – المبعوث إليه – المبعوث عليه – المبعوث فيه – المبعوث لأجله.
ـ إلى أي حد يمكنك القول أن الناس والمهتمين يسعون إلى معرفة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في لبنان؟ أم أن لا اهتمام لدى العامة بذلك؟.
هذا يتوقف على شقين الأول: السعي إلى إلفات الانتباه ودفع الناس إلى دائرة الاهتمام من خلال إثارة هذا الدين الإلهي العظيم المتمثل بولاية أهل البيت (عليهم السلام) . والشق الثاني يعتمد على مدى تجاوب الناس الذين يعيشون في الغالب للقمة العيش وهذه من أبرز المعوقات. لكننا نعتمد أسلوباً هادئاً جداً وبطيئاً جداً لأننا مقتنعون بأن الطعام الذي ينضج على نار هادئة أزكى من ذاك الذي ينضج على نار مستعرة.
ـ هل كان لكم لقاءات وجولات في العالم العربي والإسلامي؟.
لا، أنا بحكم جنسيتي الفلسطينية لم أذهب إلا إلى أربع دول في حياتي: أيام المحنة إلى ليبيا؛ وبعد أن أصبحت شيعياً في هذا الموقع ذهبت إلى إيران وسورية، وبلاد الحجاز للحج.
ـ هل من كلمة أخيرة؟.
أشكركم على هذا اللقاء وأتمنى أن يوفقنا الله سبحانه وتعالى وإياكم للدعوة إلى عقيدة أهل البيت الطاهرين – عليهم الصلاة والسلام – بما يحب ويرضى(*).
يوليو 11 2018
الشيخ محمد عبد العال
المستبصر سماحة الشيخ محمد عبد العال الفلسطيني.
( إمام مسجد الوحدة في صور – جنوب لبنان)
* فلسطين – عكا – الغابسية
* مواليد عام (1948)
* اعتنق التشيع عام (1980)
كل شيء يفتقر إلى الدليل إلا ولاية أهل البيت (عليهم السلام) .. يفتقر الدليل إليها!
كان مفاجئاً اللقاء بسماحة الشيخ محمد عبد العال، الفلسطيني الذي ولد وترعرع واهتدى في جنوب لبنان قرب مدينة صور، ليس لسبب عام بقدر ما هو لسبب متعلق بطباعه وتواضعه وحبه الشديد لأهل البيت (عليهم السلام) إضافة إلى اهتمامه المطرد بتقديمهم بأفضل السبل.
هل اكتفى من نور الهداية بنفسه؟ لا، بل عمل لهداية الآخرين من خلال إقامة مسجد جمع فيه من المسلمين العديد وحاول ولا يزال على جذب الآخر المعاند بأسلوبه التكتيكي والعقلاني لا المتسرع، لم يخسر أقرب المقربين إليه لعلمه أن هدايتهم أولى وأجدى وحافظ على علاقاته العائلية أملاً بالخير لهم.
منزله البسيط القريب من مسجده (مسجد الوحدة الإسلامية) مفتوح على مصراعيه للزوار ولإعطاء الدروس، ولعله لا يزال إلى الآن بعد سنوات عدة يرفض وضع حاجز ما بينه وبين الناس ويعتقد أن عمامته تدفع الناس للتهيب من رجل الدين، لذا غالباً ما يفضل عدم ارتدائها إلا في ما ندر.
وكان سلاحه الوحيد حب آل البيت (عليهم السلام) لذا يؤكد أن حبهم من الواجبات، فلماذا نعمل على أنها من المستحبات؟!
كان هذا الحوار مع سماحة العلامة الشيخ محمد عبد العال في منطقة المعشوق بمدينة صور.. وإلى تفاصيله:
ـ هل لك – شيخنا الجليل – أن تعرف قراء (المنبر) على شخصيتك؟
إني محمد عبد العال، فلسطيني من قرية تدعى الغابسية بمدينة عكا، من مواليد 1948، وأنا حالياً إمام مسجد الوحدة الإسلامية في المعشوق في صور بجنوب لبنان. وفي الحقيقة لا أعرف قريتي تحديداً، لأني لاجئ بالوراثة حيث مسقط رأسي هذا التجمع السكاني وما زلت فيه، وأنحدر من عائلة فقيرة ووالدي يعمل بالزراعة.
أسرة وعائلة عبد العال موجودة هنا، وتوفي والدي في عام 1970 للميلاد من عمر ناهز 63 عاماً بمرض السرطان الذي هو مع الأسف مرض العائلة.. وهو أقل خطراً من سرطان الأمة!!
متزوج ولم أرزق حتى الآن بأبناء، (ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمه بعاقبة الأمور).
ـ كيف تصف لنا البيئة التي عشت فيها؟
أنا واحد من ثمانية أبناء لأبوينا، أربعة ذكور وأربع إناث. وموقعي قبل الأخير. وقد عشنا بغنى عن المادة وليس بها، بكرامتنا، بتواضع، كنا نلتقي أحياناً ونختلف أحياناً أخرى.
وقد كانت المرحلة الدراسية مقتصرة على المرحلة الابتدائية، حتى بلغت الصف السادس الابتدائي، وحصلت على السرتفيكا، ففرحت لخروجي من المدرسة وعملت في بعض الأشغال التي تحتاجها الحياة، في البساتين والزراعة، ثم دخلت مهنة الحدادة الإفرنجية وأتقنتها وعشت مستقلاً ردحاً من الزمن من هذه المهنة وقضيت سنتين في ليبيا وأنا أعمل.
لم يكن في حسباني أبداً أن أكون في موقعي اليوم، أي في موقع عالم الدين، مع تحفظي على هذا الوصف لنفسي لأننا (نحب العلماء ولسنا منهم). ولكن ظروف البلد وكثيراً من التعقيدات؛ اقتضت عبر تحسسنا للمسؤولية أن نتصدى لهذا الأمر ونعمل لسد الفراغ الذي كانت أبرز مصاديقه عدم وجود مسجد حيث نعيش، وتشتت الناس في بعدهم الديني. وقد كانت هناك محاولات سبقتنا لتشييد مسجد باءت بالفشل ولعل الخير في ما وقع. إلى أن تصدينا وحرصنا على أن يكون هذا المسجد مسجداً وحدوياً يحتضن تحت قبته المسلمين من مختلف المذاهب. فنحن في المسجد نصلي شيعة وسنة. وبالطبع في فقد واجهتنا صعوبات كثيرة وتعرضنا لمضايقات وتعسفات يعجز اللسان والقلم عن وصفها، إلا أننا بتوكلنا على الله وبثباتنا نجحنا في تخطي الكثير منها.. ولذلك لن أقف عند هذه النقطة حتى لا نستغرق بالتفاصيل. وعندي ملاحظة تستوقفني تماماً، لها أثر كبير في حياتي فعندما أقرأ في سورة الكهف، أتذكر أخاً لي هو البكر لوالدي اسمه محمد وقد توفاه الله طفلاً، ثم أنجب مجموعة ذكور وإناث دون أن يسمي (محمد) إلى أن جئت فسميت به، الأمر الذي يذكرني بسورة الكهف، أقول وهنا شهادتي مجروحة، وهو هل أكون بعين الله ورضاه ويكون أخي الذي لا أعرفه – لعل الله أراحه واستبدلني به – لكي أكون في هذا الخط الولائي. لا أقول هذا من باب الاستعراض ولكن من باب الحرص على تحمل هذا الدور وهو بالنسبة لي جرس إنذار.. (إن الله استبدل غيرك بك فكن لائقاً بهذا الخيار الإلهي) وهو حافز، بالنسبة لي هذا الأمر يضعني أمام المسؤولية الشرعية ولا يفارقني أبداً، وأعتبر أن هذه نعمة وليست نقمة وهي تلح علي باستمرار أن أكون يقظاً وأحرص على عدم الغفلة والله ولي التدبير.
ـ كيف كانت علاقتك بالمحيط الاجتماعي من حولك؟
العلاقة لها بعدان، بعد ظاهري وبعد جوهري. في البعد الظاهري علاقتي كانت عادية جداً، حميمية، وأنا بطبعي إنسان (بيتوتي) وعاطفي وأحب البعد الأسري والعائلي والمجتمعي، وأحرص على أن أكون بين أهلي.
في البعد غير المنظور وغير المعلن أنا كثير السؤال وأبحث عن أي شيء يقع تحت ناظري. وأحياناً يكلفني هذا ضرباً مبرحاً، وزجراً من الأهل لكثرة السؤال ولكثرة انزعاجهم من أسئلتي. وكنت أحب أن أتعرف على كل شيء. والمدرسة كانت في (البص) وهي بعيدة لأكثر من كيلو متر ونصف، في الطريق مشياً كنت أقرأ كل ما يقع تحت ناظري وأسأل عن معنى الأسماء والأشياء وأسماء القرى. وهذا ما جعلني أجلس كثيراً مع نفسي. وكان بجوارنا بستان، وخلفنا يقطن أناس لبنانيون شيعة، فكنت أسأل ما معنى (شيعة)؟ كنت أقول نحن مسلمون وهم ماذا؟ كانوا يقولون لي (شيعة)! فكنت أسأل ما معنى هذا الاسم؟ وكانت الإجابات أشبه بإدارة الظهر. وامتد الوقت ولم تنتزع مني التساؤلات، كبرت وكبرت التساؤلات إلى أن مرت بضع سنوات من سن تكليفي وكنت في بعض الأحيان لا أصلي! فحينها كان الويل لمن يصلي لأنه يصبح موضعاً للسخرية حين يعلم به رفاقه، لذا كنت أصلي وأنقطع عن الصلاة خشية معرفة رفاقي بي!.
منذ طفولتي كنت مؤمناً جداً بوجود الله، لكن المشكلة كيف كان إيماني به وهذا لا يسأل عنه؟ بمعنى أني كنت مؤمناً بفطرتي أن الله غير محدود وقد فوجئت عندما درست العقيدة الشيعية في ما بعد أن الله لا كم ولا كيف له، وهو ما كنت أؤمن به فطرياً من قبل رغم عدم معرفتي المسبقة. في ما بعد توافق الوعي الفكري مع التبويب العقائدي وسررت لأني اكتشفت أني كنت على حق دون تحصيل. لم يكن في حسباني أن أكون في يوم من الأيام شخصاً خارج البعد العادي في المجتمع، وما كنت حريصاً على ذلك بل كنت حريصاً على أن لا أكون مميزاً عن الآخرين. وبصراحة هذا هو الجانب المزعج في حياتي بعد التغيير العقائدي. والظروف وضعتني في جو فاقع التميز من باب المعاناة.
ـ متى بدأت تعتقد بولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام؟.
من طبيعتي التي تسأل وتبحث عن أي شيء وكل شيء وهذا كان مصدر إزعاج لمن كان حولي بدأت أرفع وتيرة تديني بحثاً ودراسة ولم أكتف بالتقليد الوراثي، رفضت أن أكون دائماً وراثياً في سلوكي كافة. ومن أبرزها علاقتي مع ربي، وهذا دفعني إلى الاطلاع على طريقة تفكير الآخرين. وهنا أعني تحديداً الشيعة. كنت أسمع ما يثير استفزازي من أفكار أراها خطرة وأرى أنها تتحرك في دائرة الكفر الشنيع لأنها تطال في بعض توصيفاتها بعض الرموز الإسلامية التاريخية المعروفة كالخلفاء وعائشة (أم المؤمنين) وبعض الأحداث المشهورة. فهذا كان يثير بي شعوراً أشبه بالجنون. الأمر الذي يدفعني إلى التحصيل المعلوماتي عبر مذهبي السني لأحصن مساحة الرد، فكنت أحصل لأحصن حتى تكون الحجة أبلغ. ولكن الصدمة الكبرى كانت أنه كلما بحثت أكثر كي أعمل على توهين الحجج المقابلة إذ بي أكتشف أن ما أجده يقوي هذه الحجج ولا يوهنها! كنت أكتشف ما يقال لي من قبل المذهب الشيعي وأنا أعمل على رده عبر البحث، فإذا بالبحث يأتيني أن الرد صحيح! وهذا ما جعلني أعيش مخاضاً عسيراً إلى أقصى الحدود، وأقساها تمثل في بين الواقع والحقيقة. فأنا أسعى إلى تثبيت انتمائي الذي ورثته، وتحصيلي يأخذني إلى الموقع الآخر. ولكنني قررت عندها أن أقف واضع معياراً.
ـ كم كان عمرك؟.
27 سنة.
ـ كم امتدت فترة البحث؟.
امتدت نحو سنة ونصف سنة، وفي هذه المرحلة تم الانتقال إلى العقيدة الشيعية لما اكتشفته من محطات مهمة بارزة وأحياناً كانت طريفة، وأكتفي بذكر اثنتين منها واحدة على مستوى الجوهر وأخرى على مستوى المظهر.
على مستوى الجوهر قررت بعد أن وقعت في هذه الحيرة العقائدية أن أقف وأكف عن البحث، ثم أضع معياراً يصلح أن يكون قاعدة للآتي مما سأتبنى، وكان المعيار هو التجرد، فالتجرد عين ذات الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) ولم يكن التجرد مجرد كلمة بل كان تجرداً عميقاً لصيقاً في أعماقي، حرصت على أن أطمئن له. وعندها عدت إلى البحث ومن أبرز ما قرأت كتاب (المراجعات) الذي لم يثر في إيماناً وإنما زادني بالمعلومات.
أما الحادثة الأخرى فقد كانت طريفة حسمت الأمر نهائياً، وتندرج تحت عنوان عجلة عربة تالفة أوصلتني إلى ولاية أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام! حيث كنت جالساً على جنب الطريق أمام دكان لأحد أقاربي، وهي دكان متواضعة، وإذا بهذا الرجل يسأل عن أحد أحفاده ليجلس مكانه كونه يريد أداء صلاة العصر، والمكان الذي يؤدي فيه العجوز صلاته يقع خلف الدكان وأمام نافذتها مما يجعله في قلب الدكان ولدقائق معدودات. ولكن هذا العجوز رفض ترك الدكان دون تعيين أحد مكانه. وبينما هو غاضب لعدم وجود بديل إذ بسيارة مارة تعرضت إحدى عجلاتها للتلف. توقفت هذه السيارة ونزل منها مجموعة عمال خاطبهم صاحبها: (هيا نستبدل العجلة؟).
فقال أحدهم: (إن العجلة الجديدة ليست معنا)، فغضب رب العمل وصرخ بوجه عامله قائلاً: (وهل لعربة أن تسير من دون عجلة إضافية)؟ فسألت نفسي وقتئذ: رجل لا يستطيع أن يصلي في دكانه دون وضع بديل أو خليفة يطمئن له؛ وعربة لا تسير دون عجلة إضافية، وذلك يستدعي كل هذا الغضب، ورسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) يترك أمته بدون إمام ولا خليفة!! والله ما كان هذا أبداً.
هذا الطريق المظهري إضافة إلى الشهادتين وأشهد أن علياً بالحق ولي الله، كان تتويجاً لتراكمات ومخاض كلفني الكثير من التفكير والقليل من البحث والاستقصاء. لماذا؟ لأن الإنسان بطبعه سؤول، وأما مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فهو دين الله الواضح الذي لا يبقي تساؤلاتك بلا إجابة، فما أن تلتقي به حتى تراه دون عناء.. وهكذا كانت الولاية.
ـ كيف تلقى وسطكم العائلي ذلك؟.
بما أني أخذت قراراً بنفسي، فقد وضعت خطة لتنفيذه، وكان أبرز خيار أن لا أعلن ذلك، وأن أخفيه عن أهلي. قلت في نفسي: أريد أن أستثمر هذا الإنجاز بحيث لا أخرج لوحدي مما كنت فيه وقد عقدت العزم على أن اصطحب معي أكبر عدد ممكن من الناس إلى نور هذه الولاية.
وبصراحة فإن أول إحساس انتابني هو: إن أنا اكتفيت بذلك لوحدي فهو شعور بالأنانية، كنت حريصاً على أن اصطحب أكبر عدد معي إلى الاستبصار والاستهداء بنور محمد وآله عليهم الصلاة والسلام.
وقررت أن لا أدخل لوحدي إلى هذا الضوء، وهذا يستلزم منهجاً دقيقاً وحساساً، نعترف أننا أخفقنا في بعض تصريفات إملاءاته تارة بسبب التعقيدات، وتارة بسبب قصورنا وتقصيرنا وقدراتنا الضئيلة، لكن أبرز ما تجلت فيه فكرة الاستمرار تتمثل في المسجد (مسجد الوحدة الإسلامية). وقد وضعنا منهجاً متكاملاً لدور هذا المسجد في استنهاض هذه المساحة من الوعي في المجتمع، لا لنتدخل في الفقهيات، لكن لنثير حالة جدلية تدفع باتجاه الاهتمام، والذي ساعدنا البعد الديموغرافي في المجتمع، حيث يوجد لبنانيون وفلسطينيون شيعة وسنة. أما المستوى السياسي فحدث ولا حرج، فكل العناوين والدكاكين والتلاوين السياسية موجودة في هذه البقعة. عندنا كم هائل من الخليط، إضافة إلى التركيبة الاجتماعية، فهي خليط من مهجري المناطق المحتلة سابقاً، الأمر الذي جعل التنوع في أشد حالاته، والأذواق هنا وسط هذا العجيج والضجيج. نحن ندعو إلى الوحدة، وهذا وحده كاف للدلالة على صعوبة إن لم نقل استحالة المهمة ولكن بالعزيمة.
ـ وهل درست علوماً دينية بعد استبصارك؟.
لكي أحصن هذا التوجه كان علي أن أفهرس وأبوب هذا التحصيل العلمي، فانتسبت إلى حوزة علمية في صور وتتلمذت لبضع سنوات على سماحة العلامة المجتهد مفيد الفقيه. وكان من أبرز أهدافي أن أبوب موقعي العلمي وأعطيه بعداً ومنهجاً يساعدانني على إكمال الطريق. رغم أن انتسابي إلى الحوزة كان بعد نشاطي في مسجد الوحدة بناء ودعوة وبعد 5 سنوات. بدأت العمل في ميدان العمل الرسالي إماماً وخطيباً للمسجد المذكور. وقد وجدت طريقاً إلى الحوزة وسمحت لي الظروف القاسية جداً مع ذلك.
ـ على م كنت تعتمد؟.
كنت أعتمد على التحصيل الذاتي، وقد ساعدني على هذا مصيبة كانت نافعة ولم تكن ضارة وهي سجني في بيتي بعنوان إقامة جبرية على يد إحدى الميليشيات المحلية، التي كانت حاكمة على الساحة. لم أحصل لدى السنة العلوم الدينية وذلك لسبب بسيط جداً لأنه عندما أدخل سوف أدرس العلم ولكني كنت أريد أن أدخل لأناقش أصل المنهج وهذا ما لن يقبلوه.
ـ هل واجهت صعوبات في تلك المرحلة خاصة من قبل علماء السنة أو الأقارب أو الأهل؟.
لقد حصلت محاولات حثيثة وجادة من قبل أهلنا من أهل التسنن والمعنيين بهذا الشأن لأن يعيدوني إلى جادة الصواب رأفة بي!! ولمحبتهم لي حرصوا على أن أعود عن هذا الانحراف!! ولكن كنت حريصاً على حوار هادئ ومتأن، وحريصاً على خروج المحاور من إطار الحوار الخاص بيني وبينه إلى حوار بينه وبين نفسه، وقد تأثر البعض واستبصر، عندها شعر بعض علية القوم بخطر اللقاءات معي والاستماع إلي، حتى وصل الأمر إلى إطلاق الفتاوى بحرمة الاستماع إلي وإن كنت أتحدث عبر مكبر للصوت، فقد كان يقال أن صموا آذانكم وأنه عالم سليط اللسان وقوي الحجة، وعملوا على انفضاض الناس من حولي. ولكن الحمد لله.
ـ وهل تشعر بالوحشة الآن؟.
رغم أن مستلزمات الوحشة كانت كثيرة جداً وصاخبة جداً إلا أنني لا ولم ولن أشعر بها لأنني حفظت عن ظهر قلب قول الإمام علي (عليه السلام) : (أيها الناس لا تستوحشوا طريق الهدى لقلة أهله).
ـ هل استبصر أحد من أقاربك؟.
نعم بعض الأبناء والبنات، وطبعاً زوجتي ومجموعة أخوة وأخوات.
ـ ما هو عملكم في المسجد حالياً؟.
نمارس في المسجد كل العبادات الراتبة إضافة إلى الاستحبابات والعلاقة مع أهلي وإخوتي جيدة جداً وهي علاقة توقير واحترام، رغم هذا الخيار الذي أتعبهم، رغم كل ذلك نظرة أهلي وإخوتي هي نظرة احترام وتوقير وهذا له أسباب عدة منها أسبابها الطبيعية، فعائلتنا عائلة وديعة ولسبب آخر أنهم يرون احترام الناس لنا فيعتبرون أنهم هم أولى بذلك. وحرصت على أن أضع كل شيء في نصابه الطبيعي وكنت بطبعي منفتحاً على الجميع، واعتبرت كما اعتقدت أن ولاية أهل البيت تدفع بهذا الاتجاه، لذا كنت حريصاً على ذلك. وبعد الاستبصار كنت أحرص. ولا أذكر في حياتي أن قطيعة حصلت كانت ناتجة من قبلي أنا، في الدائرة المصغرة أو المكبرة. وأنا دائماً حاضر لفتح هذا الباب لأني لم أغلقه قط بل أضيف لأقول أنا صاحب درس أكرره دائماً: (إن لم تجد من يؤذيك، فتش عمن يؤذيك حتى بمسامحته، وادع لمحبيك كثيراً ولمبغضيك أكثر!) على قاعدة أحسن لمن أساء إليك. ومما أردده دائماً (أهل البيت معيار وحدة الأمة).
ـ ما معنى هذا الشعور بالنسبة إليك، وما هو المطلوب لوحدة الأمة من السنة والشيعة؟.
المقصود وبالقفز عن وحدة التلفيق والتوفيق وأنصاف الحلول والمجاملات والمداراة والأحقاد المخبوءة خلف الابتسامات في أحسن حالاتها شديدة التهذيب اللدود. قد حسمنا أمرنا بالخروج من تخمة التنظير إلى ميدان التطبيق، وسأكتفي هنا بإطلاعكم على مرتكز أساسي من المرتكزات والثوابت التي اعتمدناها في المسجد المذكور. وهو شعار اعتمدناه بكل وضوح يقول: (أهل البيت معيار وحدة الأمة ). فنحن على خطى الله ورسوله وأهل بيته الكرام وكل الصحابة الذين اتخذوا أهل البيت شرطاً لازماً ملزماً لصحة الانتماء وما عدا ذلك سبل تحج أهلها وهذا لا يصطدم في عمقه بالتطلعات المذهبية لأحد، معتمدين قاعدة (بالحق تعرف الرجال وليس بالرجال يعرف الحق) وأيضاً (أعرف الحق تعرف أهله في إطار الدليل فنحن أبناء الدليل أينما مال نميل) وهذه أحاديث للإمام علي عليه الصلاة والسلام.
ورداً على المقولة المزمنة والمستهلكة: (ما لنا وللماضي فنحن أبناء الحاضر) نقول: (إن رفض باطل الحاضر باطل ما لم يرتكز على رفض باطل الماضي). أي أن رفض باطل الماضي يشكل ضرورة حتمية لضمان صحة رفض باطل الحاضر. لأن أي بناء لا يستقيم على أساس معوج. ونعتقد أن من لم يكن على السنة (سنة رسول الله وآل بيته الكرام) لا يشم رائحة الجنة، ومقتل السنة ونحرها يتمثل ببدعة الاكتفاء بحب أهل البيت والإعجاب بهم دون وجوب ولايتهم، فحب أهل البيت من لون حب الله لا من تلاوين حب الأقارب أو مجرد العظماء.
إن مسجدنا الوحدوي الفريد من نوعه في العالم حائز على تزكية وإعجاب جميع أهل العلم المعتبرين. (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) فهلا حذوتم حذونا مهاجرين من وحدة الفعل إلى وحدة القول والفعل لردم الهوة بين غنى النظرية وتراكماتها وفقر التطبيق إن لم نقل انعدامها.
ـ ما هي الصعوبات التي واجهتكم في تلك المرحلة؟.
لا أرغب في الدخول في الحديث عن تفاصيل الصعوبات لأنني أعتبر أن هذا يأخذنا بعيداً عن تلمس القضايا الكبرى والشأن العام ويوقعنا في الاستهلاك والاستغراق في تفاصيل قد تثير حفيظة البعض، وإن كان لها حسنة فهي فقط حسنة شكلية تتمثل في البعد التسلوي الذي يصدر عن مساحة الفضول عند الإنسان في شكله العام وهذا يجعلنا قصصيين من أتباع (الحدوتة). إننا أمام استحقاقات عملاقة وكبرى على مستوى شجون الأمة وشؤونها، بداخلها وخارجها لا تسمح لنا في هذا الجانب الذي أراه وأعتبر أنه يشكل شيئاً.
ـ ما هي موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في نظر العامة من أهل السنة؟
أسجل هنا ملاحظتين:
إن ما يمنع الناس من التشيع هو طريقة تداول وتناول أكثر أدعياء الشيعة لنشر التشيع. فهؤلاء على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم المعرفية والاجتماعية لا يستطيعون طرح التشيع بما يضمن انجذاب الناس إليه، وهذا يحتاج إلى استنفار الأقلام والحناجر وكل الطاقات لإعادة النظر في بعض التصرفات والطرق.
أقول: الناس تلتحق تلقائياً بدين أهل بيت النبوة لأنه دين الفطرة. ولكن هذا الدين الصافي يئن تحت وطأة انفعالات وتراكمات ما أنزل الله بها من سلطان.
الملاحظة الثانية هي أن الشيعة – وهنا أقصد على مستوى الخواص وأستثني منهم العلماء الكبار – أنهم قبلوا عبر التاريخ أن يكونوا أصحاب دعوة وهم مدعى عليهم، لأن صاحب الدعوة عليه البينة. وهل الولاية تفتقر إلى بينة؟! نحن نعتمد وبناء على استبصارنا أن كل شيء يفتقر إلى الدليل إلا الولاية يفتقر الدليل إليها.. ليس في هذا تطرف وأنا حاضر لمناقشة هذا الزعم أمام من يريد. ولذلك عبر التاريخ سبروا بصدق وإخلاص لكن الدفاع ذهب باتجاه البحث عن أكبر قدر ممكن من البينات وهذا الذي أوقعنا في أن نكون أصحاب دعوة ونحن مدعى علينا، لأن الارتجال الذي حصل يوم السقيفة هو الذي يحتاج لتصويبه وتصحيحه إلى بينة لأنه دخيل على الأصيل.
ـ هل كان نتيجة تشيعكم تحول نظرتكم إلى الدنيا والآخرة؟.
نعم، تغيرت نظرتي في كل شيء، حتى أنني كنت أعبد الله سبحانه وتعالى بطريقة مليئة بالتساؤلات لم أجد لها أجوبة، والإنسان حين انفراده بنفسه يطرح تساؤلات كثيرة فإن وجد أجوبة عنها يعشق هذا النوع من اللقاء مع الذات وإن لم يجد فإنه ينفر من هذا الاختناق. بعد الاستبصار تحولت من نافر من اللقاء مع نفسي إلى عاشق لها لأنني أجد كل الإجابات التي تفوق حجم التساؤلات.
أستطيع أن أقول بشكل عام أن تساؤلاتي انتصفت المقام بين ما قبل الولاية وما بعد الولاية، فكانت تساؤلاتي أكثر من الإجابات، في حين أمست أقل من الإجابات.
ـ هل ترى أن علاقة الشيعة بالصحابة ناتجة عن علاقة العامة بأهل البيت أم العكس؟.
في ما مضى أي منذ ما قبل عشر سنوات كان الناس بشكل عام وأهل السنة بشكل خاص لهم انتماءات بسيطة ونظيفة دون تعقيد، لكن في الآونة الأخيرة ونتيجة الهجمات الفكرية والمذهبية ولا سيما الوهابية والسلفية، وعناوين كثيرة طرحت على الساحة، ودفعت باتجاه شروخات مرعبة وأخذت الناس أهواءً، فاختلف الكل مع الكل. ولكن اللافت أن هؤلاء الذين يتشاحنون (وهم أتباع المذهب الواحد) يلتقون علينا نحن المستبصرين، ودعوناهم إلى الوحدة، فتوحدوا عليها.
أيضاً في الجانب الشيعي ثمة عناوين وجهات في مناطقنا تحول دون استبصار الناس ويتعمدون أحياناً إطلاق الاستفزازات ويجهدون لاحتكار المذهب. حتى أنني أنا شخصياً أعاني من مساحات شيعية لا تريد تشيعنا وهذا له أسبابه السياسية. فهم يقبلونني مذهبياً ويرفضونني سياسياً. حتى وصل الأمر إلى أنهم يفضلون عدم تشيعي حتى ينافسوني من الخارج لا من الداخل. رغم أننا نحرجهم كثيراً في طريقة ولايتنا التي تجاوزت فهمهم للولاية. وأكتفي بإشارة واحدة فقط هي أنني صاحب قول تردده الناس عندنا: (إن من طاف حول الكعبة علم أم لم يعلم – جبراً أو تفويضاً أو منزلاً بين المنزلتين – إنما هو يطوف حول الولاية لأن الكعبة مظهر ووليدها (عليه السلام) الجوهر ومن طاف حول المظهر فهو بالضرورة يطوف حول الجوهر وقوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً).
ـ علمنا أن ثمة دروساً تلقيها في المسجد، حدثنا عن هذه الدروس؟.
أعتمد أسلوباً مميزاً للطلاب الصغار حتى يصلوا إلى سن يسألوه فيه عما درسوا وعن معناه، فعلى سبيل المثال: الولاية عندي برمجتها بالتخصيب التالي: من سدرة المنتهى والمبتدأ إلى وحي السماء إلى الأنبياء إلى الأوصياء إلى الأمناء السفراء إلى العلماء الفقهاء إلى الوكلاء إلى البراءة إلى الشهداء. وهذه نحفظها للأولاد الصغار وبعدها نفسرها لهم.
أما البعثة النبوية فلها أركان تسعة: الباعث – المبعوث – المبعوث به – المبعوث له – المبعوث معه – المبعوث إليه – المبعوث عليه – المبعوث فيه – المبعوث لأجله.
ـ إلى أي حد يمكنك القول أن الناس والمهتمين يسعون إلى معرفة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في لبنان؟ أم أن لا اهتمام لدى العامة بذلك؟.
هذا يتوقف على شقين الأول: السعي إلى إلفات الانتباه ودفع الناس إلى دائرة الاهتمام من خلال إثارة هذا الدين الإلهي العظيم المتمثل بولاية أهل البيت (عليهم السلام) . والشق الثاني يعتمد على مدى تجاوب الناس الذين يعيشون في الغالب للقمة العيش وهذه من أبرز المعوقات. لكننا نعتمد أسلوباً هادئاً جداً وبطيئاً جداً لأننا مقتنعون بأن الطعام الذي ينضج على نار هادئة أزكى من ذاك الذي ينضج على نار مستعرة.
ـ هل كان لكم لقاءات وجولات في العالم العربي والإسلامي؟.
لا، أنا بحكم جنسيتي الفلسطينية لم أذهب إلا إلى أربع دول في حياتي: أيام المحنة إلى ليبيا؛ وبعد أن أصبحت شيعياً في هذا الموقع ذهبت إلى إيران وسورية، وبلاد الحجاز للحج.
ـ هل من كلمة أخيرة؟.
أشكركم على هذا اللقاء وأتمنى أن يوفقنا الله سبحانه وتعالى وإياكم للدعوة إلى عقيدة أهل البيت الطاهرين – عليهم الصلاة والسلام – بما يحب ويرضى(*).
By morteza • نبذة عن حياة المستبصرين 0 • Tags: الشيخ محمد عبد العال, الغابسية, المستبصر سماحة الشيخ محمد عبد العال الفلسطيني, جنوب لبنان, صور, عكا, فلسطين, محمد عبد العال, محمد عبد العال الفلسطيني, مسجد الوحدة في صور