هشام آل قطيط

رحلة تحول المؤلف هشام آل قطيط (الملقب بالشيخ الحيدري)

مؤلف كتاب: (ومن الحوار اكتشفت الحقيقة )

من بيروت كانت البدايــــة؛ حوارات في بداية الطريق

hesham

 

عندما كنت في القرية وأنا طالب في الجامعة أتردد على بعض المساجد في المنطقة فأجد الخطاب عند العلماء متشابهاً تماماً بحيث لا يختلف عالم عن آخر بطريقة الخطاب من حيث المقدمة والموضوع والخاتمة والدعاء أشعر بأن علماءنا يتبعون طريقة روتينية في إلقاء الكلام بحيث إذا غاب إمام المسجد لمرض أو لظرف معين يكلف أحد الأخوة المصلين بإلقاء الخطبة يصعد على المنبر ويقرأ علينا بطريقة الدرج والسرعة فأنظر من حولي أجد قسماً من الناس نياماً والقسم الآخر كأنه مسافر في حافلة هذا من جهة الخطاب وأما من جهة الحوار الموضوعي والانفتاح الفكري فهو مفقود تماماً لماذا لأننا ترعرعنا على طريقة التفكير التقليدي الموروث الغير قابل لتطور رغم أن الإسلام دين التطور ودين المرونة ودين الانفتاح ودين المعاملة ودين النصيحة ودين الأخلاق ودين الإنسانية دين السماحة والعزة والكبرياء والأنفة هذه هي مبادئ ديننا الحنيف الذي نزل به الوحي على نبينا محمد (ص) بحيث إذا أردت السؤال من أحد العلماء فإجابته على شقين :

الشق الأول : إما يجاوبني وإما يقول لي ما هذا السؤال الذي تطرح فيسفه سؤالي !!

الشق الثاني : إذا كان سؤالي عن مذهب معين ولم يكن الجواب حاضراً في ذهن الشيخ فيقمعني ما يجوز تسأل هكذا سؤال هذا سؤالك غلط لا يجوز أن تجادل الجدل فيه إثم صوم وصلي وبس لماذا تقلق نفسك بهكذا أفكار فالشيخ عندنا في البلد ديكتاتور ؟!

فصرت أتساءل في نفسي يا إلهي إذا أريد أن أستفسر عن ديني وعن بعض الأفكار الصعبة التي تدور في ذهني أواجه بالقمع .. والإرهاب وأهل البلد مع الشيخ وليسوا معي ولا مع أفكاري فعشت في حيرة فمرة من المرات كنت طالباً في الثانوية وقال لي أحد الأصدقاء ما رأيك في أن نزور الشيخ العلامة الكبير عز الدين الخزنوي بقرية تل معروف شرق مدينة القامشلي فقلت له حاضر وفعلاً سافرنا أنا وصديقي وكانت في جعبتي مجموعة من الأسئلة ففرحت وشعرت بأن صديقي يريد أن ينفس عني فوصلنا إلى قرية تل معروف قرية الشيخ الخزنوي فرأيت الناس آلافاً مؤلفة تقدم قبل عشر أمتار من الوصول إلى الشيخ زحفاً على الأيدي والركب وبعد الوصول يقبلون أيادي الشيخ وجبهته فرأيت صفاً كبيراً من الناس خلف بعضهم البعض بحيث السائل يجلس عند الشيخ دقيقة ويخرج فقلت لصديقي كيف أستطيع أن أسأل وسط هذا الزحام الهائل من البشر ؟ وهل أتجرأ أن أناقش وسط هذا المعترك فقلت لصديقي والله إن سألت وناقشت ليمزقوني هؤلاء الخدم المقيمون عند الشيخ فقال لي : نتبارك بالشيخ ونسلم عليه ونخرج وبقينا أكثر من ثلاث ساعات ولم نستطيع أن نصل للشيخ ورجعنا إلى القرية ولم نستفد شيئاً , فصرت أتساءل هل الدين ديكتاتورية إمبراطورية تسلط …؟

فقلت غداً أذهب إن شاء الله تعالى إلى قرية تقع في الجنوب الشرقي من حقول البترول ( رميلان) لشيخ مشهور هناك يدعى الشيخ محمد نوري عالم المنطقة فعندما ذهبت إليه أسأله ودخلت إلى المضافة التي تقع شرق المصلى للمسجد قالوا لي : الشيخ مريض ولم يستطع الإجابة عن الأسئلة ومرت الأيام والسنون … وأنهيت دراستي الجامعية في حلب .

وشاء الله والأقدار بأن أخدم خدمة العلم في بيروت وكنت بعد الانتهاء من الدوام أقوم بزيارة بعض المكتبات وأجلس أقرأ في المكتبة لأن الوضع لا يسمح لي في المنطقة أن أقرأ بسبب عدم وجود الفراغ وبدأت أستعير بعض الكتب الدينية لأقرأها عسى أن أجد حلاًًً لأسئلتي التي كانت تدور في ذهني وأنا في الثانوية بالرغم من أن أسئلتي لم تكن محيرة مثل ( من هي الفرقة الناجية ) باعتبار أن الرسول (ص) قال : ستتفرق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة اثنان وسبعون في النار إلا واحدة ناجية ومن هذه الأسئلة والسؤال الأكثر إلحاحاً باعتبار أن الله خلق آدم وحواء فهل تزوج أولاد آدم أخوات بعضهم البعض فاقترحت على بعض الأصدقاء الذهاب إلى الشيخ ونسأله : وفعلاً ذهبنا وسألته عن بعض القضايا العقائدية التي تتعلق بالكون والإله عقل يفكر فالإنسان بطبعه يحب السؤال لأن عمدة العلم كما يقول العلماء في السؤال … والرسول (ص) يقول : اثنان لا يتعلمان مستح ومتكبر وكما يقول (ص) لا حياء في الدين والله تعالى يقول في محكم كتابه ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .ويقول تعالى في آية أخرى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء) . فلهذا كانت طبيعتي منذ نعومة أظفاري التساؤل وأسأل بكثرة لأفهم المسألة والموضوع وهكذا تعرفت على صديق لي في بيروت أثناء فترة خدمة العلم اسمه ( دخل الله ) من الجنوب يسكن في منطقة اسمها ( حي السلم ) فدعاني مرة لزيارته في بيته فلبيت الدعوة ولأول مرة أزوره فعندما زرته رأيت عنده مكتبة صغيرة فدفعني الفضول وحب المعرفة لأرى هذه الكتب وعن ماذا تبحث وتدور فوقع نظري على كتاب اسمه ( المراجعات ) فسألت صديقي عن ماذا يبحث هذا الكتاب فقال لي عبارة عن حوار بين عالم سني وعالم شيعي يتحاوران في قضية الخلافة والإمامة بعد رسول الله (صِ) قلت له : لطيف هل أن العالم السني غلب الشيعي في الحوار …؟

فضحك صديقي وقال لي العالم السني يغلب العالم الشيعي ؟ هذا مستحيل فعرفت منذ تلك اللحظة بأن صديقي شيعي حيث إنه كان يجهز الطعام ففوجئت ذلك لأن أحد علمائنا في المنطقة كان يقول لي دائماً إياك ومجالسة الشيعي

( لا تحاور الشيعي ولو كان الجدال عن حق ) .

هؤلاء الشيعة قتلوا إمامنا الحسين ( رض ) ولحد الآن يبكون ويلطمون ويندبون هم ونساؤهم وأطفالهم ندماً وخوفاً عسى الله أن يغفر لهم .

هؤلاء الشيعة يعتقدون بأن الرسالة نزلت على علي (ع) وتاه الوحي جبرائيل ونزل على محمد (ص) وغير ذلك .

يسجدون للحجر ويسبون الصحابة , ويعملون بالتقية بينهم سراً لا يظهرونها

لأحد في المنطقة فاعتذرت عن الطعام بطريقة لبقة بحيث إني لم أشعر صديقي بشيء وشربت عنده القهوة والشاي . فقال لي صديقي لماذا لا تأكل أنا أتيت باللحم من أجلك فقلت له : لا أستطيع أن آكل اللحم .

فقلت يا إلهي هذا ما حدثنا به الشيخ وفعلاً شاهدته أمام عيني كان يقول لنا الشيخ عندما كنا في المنطقة .

الشيعي يقول آخر الصلاة ثلاث مرات ( تاه الوحي جبرائيل , وفعلا راقبت صديقي وهو يصلي على الحجر وأشار إلى أذنه ثلاث مرات دون أن أفهم ما قال لأنه كان يتمتم بصوت هادئ عندئذ أيقنت تماماً بأن كلام الشيخ صحيح وكان يؤكد لنا الشيخ حتى إذا سألته لا يعطيك لأنهم يستعملون التقية والتقية أشد خطراً ولا يطلعون على دينهم الظاهر شيْ والباطن شئ آخر ولا يطلعون أحداًً على باطنهم .

فقال لي صديقيي إذاأ ردت أن تستعير هذا الكتاب فخذه وبعد الانتهاء منه أرجعه لي فأخذت منه كتاب ( المراجعات ) إعارة لمدة أسبوع وفعلا بدأت بالقراءة في هذا الكتاب وكنت واثقاً من نفسي بأنه كتاب ضلال سوف أرد عليه وأفهم الشيعي من هو السني ؟!فقرأت ترجمة الكتاب واستمريت بالقراءة وقطعت منه تقريباً أكثر من مئتين صفحة ففوجئت وتشنجت من هذا الكتاب المدسوس واستغربت من هذه المعلومات الغريبة التي لأول مرة تطرق ذهني وخاصة علماؤنا دائماًً يحذرونا من قراءة كتب الضلال فقلت إن استمريت في القراءة في هذا الكتاب سوف يحرفني لا شك في ذلك إطلاقاً وإذا أردت أن أتتبع الأدلة ليس لدي المصادر وليس لدي الفراغ الكافي للبحث في هذه القضية الشائكة فأغلقت الكتاب لأنه شوش تفكيري .

 

اللقاء مع الدكتور عبدالفتاح صقر(1)

وبعد أسبوع من قراءة كتاب المراجعات وإغلاقه لشدة ما رأيت فيه من بعض

1- الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر , من البعثة الازهرية في بيروت عائشةبكار (دار الفتوى) أستاذ في كلية الشريعة ,وأحياناً يخطب في الجمعة في مسجد دار الفتوى (بيروت)

المسائل التي جعلتني أتشنج فقررت وبدافع قوي أن ألتقي الشيخ عبد الفتاح صقر وذهبت أسأل عنه في كلية الشريعة فقالوا لي في السكن حالياً والسكن بعد منطقة عائشة بكار توجد منطقة اسمها نزلة أبي طالب فنزلت فيها وبدأت أسأل إلى أن وصلت موقع السكن فصعدت وطرقت الباب انتظرت قليلاً .

وفتح الباب فقلت للذي فتح الباب أود مقابلة الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر وإذا به يقول تفضل يا بني ودخلت وجلست لحظات وقال لي من أين أنت أيها الأخ قلت له من سوريا .

أهلاً وسهلاٍٍ أهلاٍ وسهلاٍ نحن وسوريا كنا وحدة ولا يزال الشعب المصري والسوري شعباً واحداً.

قلت له نعم , قال ما سؤالك أيها الأخ ؟

قلت له : سؤالي شيخنا الجليل زرت أحد الأصدقاء ولم أعلم أنه شيعي لأني لو كنت أعلم أنه شيعيي بصراحة لم أزره لماذا ؟ لأن الشيخ عندنا في المنطقة دائماً يحذرنا من مجالسة الشيعي وعدم محاورته في المجال الديني .

فقال الشيخ عبد الفتاح صقر : الشيعة عندهم مبالغات كثيرة من أقوال رسول الله (ص) ينسبون للإمام علي (ع) وعندهم تحريف في بعض الأحاديث . أيها الشيخ ما رأيكم في كتاب المراجعات ؟

الشيخ عبد الفتاح صقر : إياك أن تقرأه يا بني هذا كتاب خيالي كتبه عبد الحسين شرف الدين بعد وفاة شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري أحذرك من قراءته لا تفرقن بك السبل يا بني مالك ومال الشيعة ؟؟ فرقة وضعت مقابل المعتزلة !!

ودعت الشيخ عبد الفتاح صقر وطلبت منه الدعاء وأرجعت كتاب المراجعات لصديقي وأوقفت المطالعة طيلة فترة خدمة العلم .

وأخيراً إنتهت خدمة العلم في عام تسعين وبعد الانتهاء من معركتنا مع ميشيل عون اللعين حيث لم أسافر إلى البلد مباشرة بسبب الفقر المدقع والظروف الصعبة التي يمر بها أهلي وخاصة الظروف المادية حيث لم أتمكن من الذهاب إلى أهلي بعد التسريح من خدمتي الإلزامية فاضطررت على المكوث في بيروت وأسكن مع الشباب السوريين في منطقة تسمى خلدة

( مشروع نائل السكني ) فكان هناك شباب من القرية والبلد فسكنت معهم وتركت مهنة التعليم وكنت أجيد مصلحة شاقة وصعبة من الإعدادية والثانوية حيث كنت أسافر مع عمي أبو طلال إلى بيروت وعلمني( نجارة الإسمنت والحديد ) وبعد فترة من العمل أكثر من أسبوع جاءتنا عطلة فتوقفت أسبوعاً آخر عن العمل وكنت أقف صباحاً مع العمال العاطلين في هذا المشروع لأن هناك مكاناً يشبه المعرض كنت أقف فيه وأنتظر الساعات الطويلة حتى يأتيني إنسان بحاجة إلى عامل أو معلم حداد أو نجار وهكذا تجري الأيام والليالي وإذا بهذا الصديق الشــــــــيعي ( دخل الله ) يأتي إلى معرض العمال فينظر على وجوه العاملين فيشاهدني من بينهم شتان ما بين الموقفين !! موقف كنت أرتدي البزة العسكرية وموقف حالياً أرتدي فيه لباس العمل فقال صديقي الشيعي أتشتغل معي تشغلني في مصلـــحة ( البلاط ) فقلت له : بعد فترة نعم وبدأنا نشتغل أنا وصديقي الشيعي سوية وفي اليوم الثاني قال لي لم لم تحد ثني يا أخي إلى أين وصلت في كتاب المراجعات؟ فقلت له والله لم أتمكن من قراءته كما يجب لأن القراءة يا صديقي تحتاج إلى ذهن صاف لأن العلم كما يقال شديد الانفلات إذا أعطيته كلك اعطاك بعضه وإذا أعطيته نصفك لم يعطك شيئاً وأنا كنت حذرا منه لوصايا علمائنا الحادة من مجالسة الشيعي والحوار معه .

وبدأ شبح المراجعات يطاردني من جديد وشبح صديقي يطاردني في كل مكان أفكر بكلمات الشيخ عندنا في المنطقة أفكر بكلمات الدكتور الشيخ عبد الفتاح صقر يا بني هذا كتاب خيالي كتبه العالم الشيعي بعد وفاة شيخ الأزهر وأحدث نفسي وأصارعها هل أنا أعقل من هذا الدكتور الذي قضى عمره في الدراسة واختصاصه في الشريعة الإسلامية ومن الجامع الأزهر العاصمة الإسلامية للعالم وذات يوم جاء أخي إلى بيروت ليعمل في العطلة الصيفية حيث كان طالباً في الثانوية فحدثته في الموضوع وقلت له ما رأيك يا أخي تنزل معي إلى بيروت ؟ قال لي لماذا قلت له عندي بعض الأسئلة عن الشيعة وقلت له أيضاً بأنني ذهبت فيما سبق إلى دار الفتوى منذ ستة أشهر والتقيت بشيخ مصري وأريد اليوم الذهاب إلى مسجد برج أبي حيدر يقال أن هناك عالماً علامة اسمه الشيخ عبد الله الهرري أود اللقاء معه وفعلاً وصلنا أنا وأخي الصغير ( دحام) إلى هذا المسجد والتقيت بشيخ اسمه ( طارق اللحام ) وبعد أن أديت فريضة صلاة المغرب خلف سماحة الشيخ اقتربت منه وصافحته وقلت له تقبل الله أعمالكم يا شيخ فرد علي وأنتم كذلك فقلت له شيخنا لدي بعض الأسئلة فقال لي تفضل حيث كان يتكلم الفصحى فقلت له ما رأيك بكتاب المراجعات عند الشيعة ؟!!

فقال لي الشيخ طارق : من أين أنت قلت له: من سوريا وأصلاً من ريف حلب وأسكن حالياً في مدينة القامشلي .

وإذا به يسألني هل قرأت كتاب ( ثم اهتديت ) للضال التونسي ؟ إذا قرأته أو موجود عندك فأحرقه قلت له لأول مرة اسمع باسم هذا الكتاب فقال لي مؤلفه خيالي غير موجود .

اسمه التيجاني السماوي كتبوه الشيعة باسمه على أنه سني وتشيع وبدأ يدعو لمذهبهم

ونحن اتصلنا في تونس فقالوا لنا هذا الاسم غير موجود .وأما عن كتاب المراجعات أحذرك من قراءته ولا تأخذ علمك من القراءة والصحف فتسمى مصحفياً لأن هناك قواعد للقراءة ( فتضلن بك السبل ) .

إذا عندك فراغ أحضر عندنا لدروس لأن العلم عندنا بالتلقي ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان. وقال لي تفضل إلى المكتبة وقـــدم لي كتابــــــــــاً هــدية اسمه ( المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية ) للشيخ عــــبد الله الــهرري فودعت سماحة الشيخ طارق وقبلت منه الهدية وذهبت وبدأ يراودني الفضول للبحث عن كتاب ( ثم اهتديت ) للتيجاني السماوي ورجعت أنا وأخي لمجمع نائل السكني حيث مقرنا هناك وبعد فـــترة أسـبوع وإذا بصديقي يقدم لي كتاب ( ثم اهتديت ) هذا ما حدثني به سماحة الشيخ طارق وحذرني من قراءته وإنه شخص لا أصل له فأخذت الكتاب وقلت لصديقي بأن هذا الشخص شخص خيالي .

وإذا بالأخ دخل الله يقول لي منذ شهر كان في بيروت وأنا رأيته بنفسي دعك يا أخي من هذه الأقاويل أنت إنسان متعصب وتفكيرك على الطريقة التقليدية الموروثة دائماً تقول لي الشيخ عندنا قال كذا والشيخ قال كذا فكر بعقليتك لا بعقلية الشيخ .

فقلت لصديقي عفواً : أنا وأنت نفهم أكثر من العلماء والشيوخ ؟

فرد علي صديقي الشيعي قائلا :

أنتم السنة .. الدين عندكم عادة وليس عبادة فقلت له أفهمني كيف قال لي : الشيوخ عندكم تصلون بهم إلى درجة القداسة .

وبعد قال الشيخ .. لم يبق مجال إطلاقاً للنقاش والحوار معكم وأنتم الشيعة كيف تتعاملون مع الشيوخ قال نحن نحترم الشيوخ ولكن على الطريقة المألوفة في الوسط الشيعي إذا كان هناك خطأ من العالم .. ونبهته إليه فإنه يتقبل ذلك بكل رحابة صدر فقلت له هل هذا من المعقول ؟

عندنا العالم لا يستطيع أحد مناقشته حتى إذا أردت أن تسأل سؤالاً ولم يعجبه لا يرد عليه أصلاً .

وأعطيك مثالاٍ على ذلك :

مرة دخلت إلى المسجد الأموي وقصدت مفتي دمشق في هذا المسجد وكان برفقتي المهندس عبد الحكيم السلوم لأسأله عن حديث الفرقة الناجية والخلفاء الآثي عشر من هم ؟ فأجابني بكلمة آسف وكررت السؤال وقال لي : آسف .. وكررته ثالثاً وقال لي : آسف بصوت عال . فخرجت مخذولاً لماذا لم يرد على أسئلتي ؟

صديقي الشيعي : وهل هذا عالم ؟

( العالم متواضع لين لا يكون فظاً غليظ القلب ) يرد على أسئلة الناس :

يجب أن يستقطب الناس من حوله لأنه إذا صلح العالم صلح العالم وإذا فسد العالم فسد العالم .

هؤلاء علماء الأمة هم القدوة والأسوة الحسنة في المجتمع الإسلامي ولكن نحن الشيعة عندنا مسألة مهمة وهي : الدليل في النقاش والحوار والدليل يجب أن يكون من القرآن والسنة ويقول إمامنا الصادق صاحب المذهب نحن أبناء الدليل أين ما مال نميل .

فأجبته هل نحن على الباطل حتى تقول لي دليلكم القرآن والسنة ونحن ماذا عندنا ؟ أليس القرآن والسنة ؟صديقي الشيعي : يا أخي نفترض جدلاً هذا الكتاب ضلال لماذا لا يرد عليه علماؤكم السنة ؟ قلت له يردون على شخصية خيالية موهومة مع الأسف عليك أيها الصديق إذا إنه إنسان خيالي غير موجود فكيف يردون عليه ؟

صديقي الشيعي : سؤال نفترض أن التيجاني شخصية خيالية وهمية غير موجودة فهل الأدلة الموجودة في كتابه أيضاً خيالية موهومة وغير موجودة ؟

أجبني على ذلك فأحرجت أمامه لأني لا أعرف مضمون كتاب ثم اهتديت ومن ثم حذرني منه الشيخ طارق وقال لي أحرقه .

فوقعت بين نارين بين إحراج الصديق الشيعي لماذا لا يرد عليه علماؤكم وبين تحذيرات الشيخ طارق إياك أن تقرأه فأحرقه يا إلهي خلصني من هذا المأزق الشديد الله أكبر . لماذا لماذا البحث والعناء ما هذه القصة من أين جاءني هذا الشيعي ليشوش علي أفكاري وينغص حياتي وأنا رجل الأن أعمل بالأسمنت والأعمال الشاقة المتعبة المجهدة فعشت في صراع حاد مع عقلي ونفسي عقلي يقول لي أقرأ كتاب ثم اهتديت

واعرف ما فيه ونفسي قتلها الخوف والتحذير من الشيخ طارق .

نهاراً محرج من الصديق الشيعي يقول لي أنت متعصب ولا تأتي بالدليل ألم تسمع بالبخاري ومسلم فكتاب ثم اهتديت كل أدلته من البخاري ومسلم فقلت له هناك طبعات للبخاري ومسلم مزورة ومدسوسة .

فما بالك يا صديقي أن التيجاني شخصية موهومة كما يقول علماءنا وأتى بأدلة مزورة من البخاري ومسلم .

فأين أصبح يا صديقي دعني في حالي وعملي وكلنا إن شاء الله مسلمين

( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) .

وكلما أصبحنا وأتانا يوم جديد يقول لي فكر بمذهب أهل البيت (ع) فكر لتنقيذ نفسك بموالاة علي بن أبي طالب (ع) قلت له : أنا وأنت متفقان على حب علي

( كرم الله وجهه) لكن مذهب أهل البيت هذا مصطلح جديد لأول مرة يطرق ذهني قلت له وماذا تقصد من كلمة موالاة علي ؟

سألني الشيعي قائلاً ألم تقل عندكم سيدنا معاوية ( رض) قتل سيدنا الحسن (ع).

قلت له نعم يقول علماؤنا ذلك بأن سيدنا معاوية (رض ) اجتهد فاخطأ فله نصف الأجر .

الشيعي : وما تقول في البخاري ؟

المحاور : أصدق كتاب عندنا وهو لا يقبل الشك .

الشيعي : ينقل لنا البخاري في صحيحه حديثاً مشهوراً ومتواتراً أسأل عنه علماءكم ؟

( يا عمار تقتلك الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) أليس الفئة الباغية هي فئة معاوية من خلال الحديث ؟ ( وهي التي قتلت عماراً ) .

ألم يقل الرسول (ص) في عمار ( عمار ملئ إيماناً من رأسه حتى مشاش قدميه ) ؟

قلت نعم قال : فمن أين جاء فأين له وجه الاجتهاد كي يحصل على نصف الأجر وهو قد قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي قال فيه رسول الله (ص)

( صبراً صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) . فأين له من عمار بن ياسر ؟

وجاء الليل وجاء الصراع عقلي يقول هل علماؤنا مضللون عبر التاريخ هل علماؤنا ضحايا لإعلام مضلل تفكيرهم قائم على الطريقة التقليدية الموروثة .

لا يقبلون النقاش والحوار ومن خالفهم في الرأي اتهموه بالكفر وفسقوه وضللوه وأقاموا عليه الدنيا وأقعدوها لأنه خالفهم في الرأي وأخذوا يشهرون به في المجالس ويحذرون الناس منه لمجرد أنه أثار تساؤلاً لا يعرفون الإجابة عليه أو لا يريدون الخوض فيه .

أستاذي العالم لا تريد أن تبحث فدعني أبحث دعني أقرأ دعني أفكر فإلى متى

( ممنوع أن تقرأ ممنوع أن تبحث ممنوع أن تفكر ) إلا بإذن من الشيخ وإلا فسقني ودمرني وأقام علي أهل البلد الله أكبر ما هذه السلطة المستبدة …؟

ما هذه الدكتاتورية ؟

نفسي تقول .. إياك أن تقرأ !! الرعب مسيطر عليها تحذيرات الشيخ في المنطقة والشيخ الدكتور عبد الفتاح صقر والتحذيرات الحادة من الشيخ طارق اللحام دوامة لا أعرف متى الخروج منها ؟ فاستيقظت ليلاً من شدة الصراع الذي أرهقني وهد كياني أفكار هذا الصديق الشيعي وطريقته في الحوار مقنعة إذا كان هذا الكتاب على ضلال فليرد عليه علماؤكم ؟!!

فليحاوروا هذا الكتاب وإلا فإن هذا الكتاب كتاب صحيح …؟ وكيف تفكر وتقول ( سيدنا معاوية ( رض ) ؟ قتل سيدنا عماراً (رض) وسيدنا معاوية (رض) سم أو قتل سيدا الحسن (ع) والحسن معروف بسيد شباب أهل الجنة ما هذا التناقض الحاد ؟

هل الدين جاء بالتناقض ؟ لا والله لم يأت بالتناقض .

وفي اليوم الثاني وبعد أن انتهينا من العمل قلت لأخي دحام ما رأيك في أن تنزل معي إلى بيروت قال لي أنا متعب جداً هذا اليوم .

فعزمت أن أنزل لوحدي وذهبت إلى مسجد صبرا والتقيت بالشيخ صالح عيزوقي وبعد أن أديت فريضة صلاة المغرب خلفه قلت له شيخنا الجليل : لدي بعض الأسئلة فسألني من أين الأخ فأجبته من سوريا .

فقال لي أنا درست في دمشق . وتتلمذت علي شيوخ دمشق .

فقلت له : سماحة الشيخ أريد أن ترشدني إلى كتب الصحاح وهل كتب الصحاح كلها صحيحة عندنا أهل السنة ؟

فأخذني إلى جانب من الناس وقال لي يا بني رحم الله من قبلنا إن الصحاح عندنا مليئة بالمسيحيات والإسرائيليات وتغيير بعض الحقائق ..

فقلت له البخاري ومسلم هل فيه مسيحيات وإسرائيليات ؟

قال : نعم : كلها جاءتنا عن طريق كعب الأحبار اليهودي وتميم الداري المسيحي وغيرهما قلت له سماحة الشيخ ما تنصحني هناك صديق شيعي نعمل أنا وإياه في ورشة عمل في خلدة وقدم لي كتابين للقراءة

( المراجعات. ثم اهتديت ) وصار له فترة بعد أن امتنعت عن قراءتها بسبب فتاوى من علمائنا أصبحت محرجاً في بعض الحوارات فقال لي يا أخي المذهب الخامس لديهم الاجتهاد مفتوح أما الحوار فهم أذكياء فيه بسبب ظلمهم واضطهادهم عبر التاريخ من السلطات فاضطروا بكل السبل وأساليب فن الكلام للدفاع عن أنفسهم مما جعلهم يغربلون الصحاح عندنا وكتب التاريخ ليثبتوا أنفسهم لأن علماءنا علماء المذاهب الأربعة لم يعترفوا بهم كمذهب قائم .

لكن أنصحك بعدم الخوض في حوارات معه مع صديقك هذا لأن القضية شائكة والبحث طويل وطريق صعب ومتعب هم لديهم أدلة مقنعة ونحن لدينا أدلة مقنعة فاتركه يا أخي فودعت الشيخ صالح ورجعت إلى مكان عملي أفكر بكلمات الشيخ صالح .

وجاء الليل وجاء التفكير لديهم أدلة مقنعة ولدينا أدلة مقنعة فقلت ما دام لديهم أدلة مقنعة كما قال لي الشيخ ما المانع من أن أقرأ كتاب المراجعات وكتاب ثم اهتديت وأقف على هذه الأدلة .

وقعت في تناقض حاد الشيخ المصري حذرني !! والشيخ طارق حذرني والشيخ صالح فتح الباب ولكن في مصراع واحد لماذا لا أكمل رحلة البحث ؟

فسألت أحد أصدقائي من الذين يعملون معنا في الورشة فقلت له من الذي يصلي عندكم إماماً للجماعة فقال لي نحن في برج البراجنة عندنا شيخ كبير اسمه الشيخ إسماعيل عرناسي ( جامع العرب ) وفي اليوم الثاني وبعد الانتهاء من العمل ذهبت إليه حيث انتظرت في المسجد موعد صلاة المغرب ومجيء الشيخ فجاء الشيخ وصلينا خلفه جماعة وعندما انتهى صافحته واقتربت منه فقلت له سماحة الشيخ أنا شاب سوري وأعمل في ورشة في منطقة خلدة واشتغل مع صديق شيعي وكل ساعة يحاورني في الدين ويسألني ويحرجني فما تنصحني بالله عليك أيها الشيخ وتريحني ؟!!

فقال لي يا بني صار لي أكثر من أربعين سنة في هذا المسجد ولم اختلط مع واحد شيعي والكل يعلم ذلك لكن أنصحك هؤلاء الشيعة يقولون في آخر الصلاة ( تاه الوحي ثلاث مرات وينسبون أقوالاً للرسول (ص) ويقولون للإمام علي فقلت له شيخنا الجليل أنا قرأت في كتيب لتعليم الصلاة عندهم حيث يقولون آخر الصلاة ثلاث مرات الله أكبر الله اكبر الله اكبر .

فرد علي يا بني ماذا تعرف من دهاء هؤلاء الشيعة إنهم يستعملون التقية وإمامهم الصادق يقول ( التقية ديني ودين آبائي ) فرجعت إلى مكاني مخذولاً تائهاً محتاراً .

وأوشكت من أن أصاب بأزمة نفسية وسيطر علي القلق بحيث لم أعد أستطيع العمل أصبت برجفة حادة وقشعريرة فأخذني أخي إلى الدكتور وقال لي الدكتور جسميا لا يوجد فيك شيء فأنت مرهق نفسياً وفكرياً يا أخي بماذا تفكر هذه الدنيا لا تستحق التفكير خذ إجازة من العمل وسافر إلى البلد فنمت يومين في الفراش محاولاً التخلص من التفكير وصرت أجلس مع أصدقائي أشاهد برامج التلفزيون والمسلسلات لأروح عن نفسي التعب والإرهاق .

وبعدها عزمت أن أكمل قراءة كتاب المراجعات وقلت لصديقي الشيعي إذا سمحت غداً أجلب لي معك كتاب المراجعات ففرح صديقي وقال أين أنت هذين اليومين فقلت له مكابراً والله إن أعصابي وجسمي مرهقان وأخذني أخي دحام إلى الدكتور وقال لي تحتاج إلى راحة من العمل .

وفعلا في اليوم الثاني أتاني صديقي الشيعي بكتاب المراجعات وبدأت بالقراءة فيه حتى وصلت إلى ص 71 فاستوقفتني أقوال للإمام علي (ع) ما أقواها وأشدها وطاً وأثراً على النفس في ص 75 .

قوله ( نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها )

فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً .

ثم قال في ص 82 وإليك بيان ما أشرنا إليه من كلام النبي (ص) إذ أهاب بالجاهلين وصرخ في الغافلين فنادى ( يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) وقال (ص) ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدي :

( كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيها)(1).

فسجلت مصادر الحديث الذي ينقلها العالم الشيعي في كتابه (المراجعات )

1- الحدديث الاول يذكره من صحاحنا :صحيح الترمذي :ج5 ,ص28 , ح3874 – طبعة دار الفكر في بيروت ,ينابع المودة للقندوزي الحنفي ص232 طبعة الحيدرية . وتفسير ابن كثير ج4 ,ص12, طبعة دار إحياء الكتب بمصر إحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف ص114 طبعة الحلبي . جامع أصول الأثير :ج1 ص187 ح65 طبعة مصر .والحديث الثاني نفس المصادر.

وبعد يومين نزلت إلى مكتبة دار الفتوى ( عائشة بكار ) لأفتش عن المصادر

لأرى مدى صدق الشيعة في أقوالهم وفعلاً عندما أتيت بصحيح الترمذي فوجدت الحديث فشعرت بالانتصار النفسي وفرحت فرحاً شديداً وتابعت المصادر فأنزلت تفسير ابن كثير فوجدت فيه الحديث الله أكبر الله أكبر صرت أصيح ما هذا الانتصار إصبر إصبر أحدث نفسي تابع البحث لا تيأس أشجع نفسي الآن وليس غداً يجب الذهاب إلى الشيخ عبد الفتاح صقر لأناقشه في هذا الحديث الذي سجلت مصادره عندي بورقة وضعتها في جيبي وأغلقت عليها كأني عثرت على كنز !!

أحدث نفسي إصبر تابع البحث فصبرت نفسي على فرحها الشديد ورجعت أتابع القراءة و كان كل شيء يثيرني كنت أسجله وأنزل إلى المكتبة فقط أنزل إلى مكتباتنا حذراً من الصحاح الموجودة عند الشيعة كما يقول علماؤنا السنة أغلبها مزورة ومحرفة !!

وأثارني حديث آخر استغربت منه أشد الاستغراب :

عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله (ص) ( من يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلاله(1)

فسجلته وسجلت مصادره وتابعت القراءة إلى أن وصلت ص 137 حيث جاءت آية قرآنية تقول ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون

1- أخرجه الحاكم في أخر ص128 من الجزء 30 من صحيحه المستدرك . وأخرجه الطبراني في الكبيرة وأبو نعيم في فضائل الصحابة وهو الحديث 2577 من أحاديث الكنز في ص155 من جزئه 6 وأورده في منتخب الكنز أيضاً فراجع ص32 من الجزء 5 من المسند

الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (1)المائدة / 55

وأخرج النسائي في صحيحه نزولها في علي عن طريق رواية عبد الله بن سلام وأخرج نزولها صاحب الجمع بين الصحاح الستة في تفسير سورة المائدة وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير نزولها في أمير المؤمنين فراجعت المصادر ووقفت عليها واستدل العالم الشيعي على أن الولاية بعد الله ورسوله لعلي بن أبي طالب وتابع القول في آية أخرى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )(2)

ويقول ألم يصدع رسول الله (ص) بتبليغها عن الله يوم الغدير حيث هضب خطابه وعب عبابه فأنزل الله يومئذ : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )(3) ألم تر كيف فعل ربك يومئذ بمن جحد

ولايته علانية وصادر بها رسول الله جهرة فقال ( اللهم إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم فرماه الله بحجر من سجيل كما فعل من قبل بأصحاب الفيل وأنزل في تلك الحالة :

( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) (4).

1- وقفت على صحة هذه الأقوال : يقول العالم الشيغي : أجمع المفسرون كما إعترف به القوشجي الاشعري وهو من فطاحل علماء السنة في مبحث الامامة من شرح التجريد على أن الاية نزلت في علي عندما تصدق بخاتمه وهو راكع .

2- أية التبليغ المائدة : 67 نزلت هذه الاية يوم 18 من ذي الحجة سنة 10 من الهجرة في حجة الوداع أثناء رجوع النبي (ص) من مكة إلى المدينة في مكان يقال له غدير خم فأمر الله نبيه أن ينصب علياً إماماً وخليفة من بعده .

3- سورة المائدة : اية 3 هذه الاية نزلت يوم الغدير 18 ذي الحجة سنة 10 من الهجرة بعد أن خطب النبي أصحابه ونصب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) خليفة من بعده .

4-سورة المعارج : 1 – 3 نزلت هذه الآيات في النعمان الفهري لما شك في تنصيب النبي لعلي (ع) الخلافة فوقع عليه العذاب راجع : شواهد التنزيل : للحسكاني الحنفي : ج 2 ص 286 حديث : 1030 – 31 – 32 تذكرة الخواص للبسيط الجوزي الحنفي ص 30 .

وهنا جاء التأمل والصراع والمساءلة مع النفس ومع الذات فقرأت المصادر ووقفت عليها ووجدت صدق ما يأتي به العالم الشيعي فاستغربت من قوة استدلال هذا العالم وإحاطته الدقيقة بالتاريخ والسيرة والصحاح واستهواني الكتاب بأسلوبه الجذاب وثوبه الناعم المزركش وصرت أفكر يا إلهي أين كنت أنا أين علماؤنا من هذه الكتب فهل يعرف علماؤنا ما في هذه الكتب من أدلة ويتعمدون طمس هذه الحقائق عنا لأنه ليس من اختصاصنا البحث في الدين وإنما هو حكر على الشيوخ والعلماء فقط أم أنهم لا يعلمون حقيقة هذه الكتب ,

وتابعت القراءة إلى أن وصلت إلى الخطبة الشقشقية ص 680 من المراجعات فاستوقفتني خطب ومناشدات للإمام علي (ع) وشدت انتباهي وأسرت تفكيري لما فيها من البيان والتصريح عن مظلوميته بعد النبي (ص) حيث كان يبث شكواه من خلال هذه الخطب والمناشدات فيقول إمامنا علي (ع) أيام

خلافته متظلماً يبث آلامه متألماً منها حتى قال :

( أما والله لقد تقمصها فلان وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلى الطير فسدلت دونها ثوباً .

وطويت عنها كشحاً وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهباً ) إلخ الخطبة .

وكم وقف متظلماً من القوم يبث شكواه قائلاً :

( اللهم إني استعينك على قريش ومن أعانهم فإنهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ثم قالوا إلا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه ) .

يا الله !! ما أعظم هذه الكلمات إنها تخرق الحجر وليس الدم واللحم فيتابع قوله: ( فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت أغضيت على القذى وشربت على الشجا وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم )

فصرت أتساءل ما ذنب علي (ع) في التاريخ الله أكبر وأتابع البحث من جديد وأشحذ همتي كي أستطيع التأمل والتفكير في مناشدات وخطابات سيدي وإمامي علي (ع) روحي فداه .

ما قرأت مقطعاً من كلماته إلا وانهمرت دموعي !!

ومرة أخرى يبث شكواه بمرارة ( فجزت قريش عني الجوازي فقط قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي ) ( أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم ) .

وقوله أيضاً في خطبة خطبها بعد البيعة له :

( لا يقاس بآل محمد (ص) من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً هم أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيء الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة الآن إذ رجع الحق إلى أهله ونقل إلى منتقلة ) فكلمات الإمام بعد البيعة تؤكد على صدق ما ذهبنا إليه.

فكلما وصلت إلى مقطع يزداد ألمي هذه الكلمات القوية لا تخرج من إنسان عادي كلمات بحد ذاتها معجزة يتدفق الإشعاع منها إلى أعماق قلبي عبارات رصينة أدلة قوية تسيطر على القارئ المتدبر .

وحسبك قوله في خطبة أخرى :

( رجع قوم على الأعقاب وغالتهم السبل واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير مواضعه معادن كل خطيئة وأبواب كل ضارب في غمرة قد ماروا في الحيرة وذهلوا في السكرة على سنة من آل فرعون من منقطع إلى الدنيا راكن أو مفارق للدين مباين ) فما تمالكت من نفسي إلا والدموع تعاودني بالانهمار فوقفت مبهوتاً من هذه الأمة وهؤلاء القوم الذين يدعون الإسلام !! ما أقوى هذه الكلمات تركت نفسي تقرأ بكل ما أمتلك من تركيز لأني أقرأ كلمات من سيد الوصيين وخليفة رسول الله (ص) وكل ذلك لم أكن أعلم بعد صدق هذه الخطب ولكنها هزت مشاعري وسيطرت علي وصرت أتساءل هل هذه الكلمات تصدر من الإمام علي (ع) هل غصبت الخلافة من عنده هل هذه الكلمات لها سند معتبر فبدأت تنهال علي موجات عارمة من الأسئلة .

وتابعت البحث حتى عثرت على مناشدة للأمام علي (ع) يوم الشورى وما أدراك ما يوم الشورى ؟!!

 

مناشدة علي بن أبي طالب (ع) يوم الشورى

قال الخوارزمي الحنفي : أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أفضل الحفاظ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب إلي من همدان أخبرني الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد فيما أذن لي في الرواية عنه أخبرني الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة أخبرني الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني قال الشيخ الإمام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني وأخبرنا بهذا الحديث علياً الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصبهاني في كتابه إلى من أصبهان سنة 488 عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه حدثني سليمان بن محمد بن أحمد حدثني يعلى بن سعد الرازي حدثني محمد بن حميد حدثني زاهر بن سليمان بن الحراث بن محمد عن أبي الطفيل عامر بن وائلة قال : كنت مع علي في البيت يوم الشورى وسمعته يقول لهم :

(( لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك ثم قال أنشدكم بالله أيها النفر جميعاً أفيكم أحد وحد الله قبلي ؟ قالوا لا قال : فأنشدكم بالله هل منكم أحد له أخ مثل جعفر الطيار في الجنة مع الملائكة قالوا اللهم لا قال أنشدكم بالله

هل فيكم أحد له عم كعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء غيري

قالوا : اللهم لا قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري ؟ قالوا : اللهم لا : قال أنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطي الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله (ص) عشر مرات قدم بين يدي نجواه صدقة قبلي قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله ( من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره ليبلغ الشاهد الغائب غيري ) قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (ص) : ( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلي وأشدهم لك حباً ولي حباً يأكل معي من هذا الطير فأتاه وأكل معه ) غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (ص) لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده إذ رجع غيري منهزماً غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال فيه رسول الله لوفد بني وليعة : ( لأبعثن إليكم رجلاً نفسه كنفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي يقتلكم بالسيف ) غيري قالوا :اللهم لا قال : فأنشدكم الله هل فيكم أحد قال رسول الله ) كذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا )

غيري قالوا : اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد سلم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة منهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم الله هل فيكم أحد قال له جبرائيل هذه هي المواساة فقال له رسول الله (ص) إنه مني وأنا منه وقال جبرائيل وأنا منكما غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم الله هل فيكم أحد نودي من السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله (ص) إني قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ردت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقتها غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أمره رسول الله أن يأخذ براءة من أبي بكر فقال أبو بكر يا رسول الله نزل في شيء فقال إنه لا يؤدي عني إلا علي غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله أتعلمون أنه تعالى أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك فقال رسول الله ما سددت أبوابكم ولا فتحت بابه بل الله سد أبوابكم وفتح بابه غيري قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم بالله أتعلمون أنه ناجاني يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك فقلتم ناجاه دوننا فقال ما أنا انتجيته بل الله انتجاه غيري قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله (ص) قال الحق مع علي وعلي مع الحق يدور الحق مع علي كيف دار قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله قال إني تارك الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بها ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ود العامري حيث دعاكم إلى البراز غيري قالوا الهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيــث قال

( إنما يريد ) غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله أنت سيد العرب غيري قالوا اللهم لا قال فأنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله (ص) ما سألت الله شيئاً إلا سألت لك غيري قالوا اللهم لا .

وعن عامر بن واثلة قال : كنت على الباب يوم الشورى فسمعت علياً يقول : ( أنشدكم بالله أمنكم من نصبه رسول الله يوم غدير خم للولاية غيري ؟ قالوا اللهم لا ) (1)

 

بداية الحيرة والشك والتساؤل

بعد تأثري الشديد بخطب ومناشدات علي (ع) الذي أوردها صاحب كتاب المراجعات في الصفحة 680 تحقيق وتعليق حسين الراضي الطبعة ( الدار الإسلامية ) عام 1986 صحيح آني تأثرت وصدمت إثر قراءتها ولكن بدأت بالبحث للتأكد من صحة ما يذهب إليه السيد الشيعي ( رحمه الله وقدس سره ) فوجدت قسماً للخطب ينقلها ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة .

فقلت في نفسي إن أبي الحديد معتزلي وليس شيعياً حتى ينتصر لمذهبه

1- المناقب : لابن المغازلي الشافعي :ص222

أو عقيدته وكان لدي من المسلمات أن نهج البلاغة للإمام علي (ع) وليس للشريف الرضي كما يقول بعض المتقولين والمتعصبين حيث إنه شرحه وعلق عليه أكثر من عالم من علمائنا السنة الكبار أمثال الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر والدكتور صبحي الصالح الأستاذ في الجامعة اللبنانية سابقاً .

وبقي لدي تساؤل واحد إذا ثبتت لدي خطبة ومناشدة علي (ع) يوم الشورى سوف أعلن عن تشيعي وولائي واستبصاري لخط أهل البيت (ع) وعندما بدأت أقرأ وأحقق مصادر هذه الخطبة فعثرت على أكثر من مصدر منهم :

1- شيخ الإسلام الشافعي الحمويني صاحب كتاب فرائد السمطين .

2- مناقب علي بن أبي طالب ابن المغازلي الشافعي .

ومنها رجعت إلى أمر آخر وهو تحليل خطبة الشورى …

والوقوف على مصادر ما قاله الإمام علي (ع) من أحاديث وحجج فوجدتها بمصادرها ( من حيث الحديث والآية التي استشهد بها ) حيث كنت أقف على المصدر ونقله من كتاب المراجعات وأراجع في ذلك فأجد كل هذا الكلام موجوداً .

 

لقاء الصدفة

كنت أبحث عن بعض المصادر في مدينة بيروت التي تخص بحثي عن الحقيقة وإذ بشيخ موجود في دار النشر .

فدفعني الفضول لأتعرف عليه فقال لي أنا الشيخ عبد الأمير الهويدي من العراق

وسألني من أين أنت ؟ فأجبته من سوريا .

فسألني ماذا تعمل هنا ؟ فأجبته بكل صراحة لقد أعارني أحد الشباب الشيعة كتاب المراجعات ومن هنا كانت بداية البحث والتساؤل والحيرة ؟

فقال لي : لماذا تتعب نفسك 1+1=2 ؟

أسألك سؤالا : هل النبي وصى أم لم يوص ؟

فقلت له : ماذا تقصد ؟ قال أقصد خلافنا كله قائم على الخلافة من بعد الرسول إذا وصى الرسول (ص) فالخلافة لعلي (ع) .

وإذا لم يوص ؟ فالرسول فيه نقص وكلامه مخالف للقرآن .

فقلت له : حاشا لرسول الله (ص) أن يخالف القرآن .

قال لي : أنت متأكد أن الرسول (ص) لا يخالف القرآن ؟

فقلت له نعم أنا متأكد .

فقال إذا : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية ) لا يعقل

أن الرسول (ص) يموت بلا وصية ويخالف القرآن والقرآن يقول ( ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) . وبعدها قال لصاحب دار النشر أعطيه كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة وأنا أحاسبك به وأقرأ به في الجزء الثاني رسالة للجاحظ تأمل بها وتدبر فسوف تعرف الحقيقة وأنا مشغول أريد الذهاب في أمان الله فقلت له أين أراك فقال لي سجل رقم هاتفي في دمشق فسجلته وقلت له في أمان الله وخرجت من الدار ذاهباً لزيارة صديق لي وبعد أن أنهيت الزيارة رجعت مبكراً لقراءة الرسالة التي أشار إليها الشيخ الهويدي وهذه هي الرسالة .

رسالة الجاحظ التي أرشدني إليها الشيخ الهويدي في تفضيل علي عليه السلام (1)

1- الامام الصادق والمذاهب الاربعة: لمؤلفه أسد حيدر : ج2 ص94

قال هذا كتاب من أعتزل الشك والظن والدعوى والأهواء وأخذ باليقين والثقة من طاعة الله ورسوله (ص) وبإجماع الأمة بعد نبيها عليه السلام مما يتضمنه الكتاب والسنة وترك القول بالآراء فإنها تخطئ وتصيب لأن الأمة أجمعت أن النبي (ص) شاور أصحابه في الأسرى ببدر واتفق على قبول الفداء منهم فيقول الله تعالى :

( ما كان لنبي أن يكون له ) .

فقد بان لك أن الرأي يخطئ ويصيب ولا يعطي اليقين وإنما الحجة لله ورسوله وما أجمعت عليه الأمة من كتاب الله وسنة نبيها ونحن لم ندرك النبي (ص) ولا أحداً من أصحابه الذين اختلفت الأمة في أحقيتهم فنعلم أيهم أولى ونكون معهم كما قال تعالى ( وكونوا مع الصادقين ) ونعلم أيهم على الباطل فنجتنبهم ؟

وكما قال تعالى ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ) حتى أدركنا العلم فطلبنا معرفة الدين وأهله وأهل الصدق والحق فوجدنا الناس مختلفين يبرأ بعضهم من بعض ويجمعهم في حال اختلافهم فريقان : أحدهما قالوا : إن النبي (ص) مات ولم يستخلف أحداً وجعل ذلك إلى المسلمين يختارونه فاختاروا أبا بكر .

والآخرون قالوا إن النبي (ص) استخلف علياً فجعله إماماً للمسلمين بعده وادعى كل فريق منهم الحق فلما رأينا ذلك وقفنا الفريقين لنبحث ونعلم المحق من المبطل ؟

فسألناهم جميعاً هل للناس من وال يقيم أعيادهم ويحيي زكاتهم ويفرقها على مستحقيها ويقضي بينهم ويأخذ لضعيفهم من قويهم ويقيم حدودهم ؟

فقالوا : لا بد من ذلك .

فقلنا : هل لأحد يختار أحداً فيوليه بغير نظر من كتاب الله وسنة نبيه ؟

فقالوا : لا يجوز ذلك إلا بالنظر .

فسألناهم جميعاً عن الإسلام الذي أمر الله به .

فقالوا : إنه الشهادتان والإقرار بما جاء من عند الله والصلاة والصوم والحج بشرط الإستطاعة والعمل بالقرآن يحل حلاله ويحرم حرامه .

فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم .

ثم سألناهم جميعاً :

هل لله خيرة من خلقه إصطفاهم واختارهم ؟

فقالوا نعم

فقلنا : ما برهانكم ؟

فقالوا : قوله تعالى :

( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم ) .

فسألناهم : من الخيرة ؟

فقالوا : هم المتقون .

فقلنا : ما برهانكم ؟

فقالوا : قوله تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .

فقلنا : هل لله خيرة من المتقين ؟

قالوا : نعم المجاهدون بأموالهم بدليل قوله تعالى ( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ) .

فقلنا : هل خيرة من المجاهدين ؟

قالوا جميعاً : نعم السابقون من المهاجرين إلى الجهاد بدليل قوله تعالى :

( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ) .

فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه وعلمنا أن خيرة الله من خلقه المجاهدين السابقون إلى الجهاد ثم قلنا :

هل لله منهم خيرة ؟

قالوا نعم : قلنا من هم ؟

قالوا : أكثرهم عناء في الجهاد وطعناً وحرباً وقتلاً في سبيل الله بدليل قوله تعالى

( من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ) .

( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) .

فقبلنا منهم ذلك وعلمنا وعرفنا أن خيرة الخيرة أكثرهم في الجهاد عناء وأبذلهم لنفسه في طاعة الله وأقتلهم لعدوه .

فسألناهم عن هذين الرجلين علي بن أبي طالب وأبي بكر أيهما كان أكثر عناء في الحرب وأحسن بلاء في سبيل الله ؟

فأجمع الفريقان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنه كان أكثر طعناً وحرباً وأشد قتالاً وأذب عن دين الله ورسوله .

فثبت بما ذكرنا من إجماع الفريقين ودلالة الكتاب والسنة أن علياً أفضل وسألناهم ثانياً عن خيرته من المتقين ؟

فقالوا : هم الخاشعون بدليل قوله تعالى : (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ) وقال تعالى ( وأعدت للمتقين الذين يخشون ربهم ) .

ثم سألناهم : من الخاشعون ؟

فقالوا : هم العلماء لقوله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ثم سألناهم جميعاً من أعلم الناس ؟

قالوا أعلمهم بالقول وأهداهم إلى الحق وأحقهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً بدليل قوله تعالى ( يحكم به ذوا عدل منكم ) فجعل الحكومة لأهل العدل فقبلنا ذلك منهم وسألناهم عن أعلم الناس بالعدل من هو ؟ قالوا : أدلهم عليه .

قلنا فمن أدل الناس عليه ؟قالوا أهداهم إلى الحق وأحقهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً بدليل قوله تعالى ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ) . فدل كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام والإجماع : أن أفضل الأمة بعد نبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لأنه إذا كان أكثرهم جهاداً كان أتقاهم وإذا كان أتقاهم كان أخشاهم وإذا كان أخشاهم كان أعلمهم وإذا كان أعلمهم كان أدل على العدل وإذا كان أدل على العدل كان أهدى الأمة إلى الحق وإذا كان أهدى الأمة إلى الحق كان أولى أن يكون متبوعاً وأن يكون حاكماً لا تابعاً ولا محكوماً وأجمعت الأمة بعد نبيها (ص) أنه خلف كتاب الله تعالى ذكره وأمرهم بالرجوع إليه أمر وإلى سنة نبيه (ص) فيتدبرونها ويستنبطوا منهما مايزول به الاشتباه فإذا أقرأ قارؤكم  ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ) فيقال له أتثبتها ثم يقرأ ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وفي قراءة ابن مسعود إن خيركم عند الله أتقاكم ( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب )

فدلت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشون .

ثم يقرأ فإذا بلغ قوله : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) .

فيقال له : أقرأ حتى ننظر هل العلماء أفضل من غيرهم أم لا ؟

فإذا بلغ قوله تعالى ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) علم أن العلماء أفضل من غيرهم .

ثم يقال : أقرأ فإذا بلغ إلى قوله :

( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .

قيل : قد دلت هذه الآية على أن الله قد اختار العلماء وفضلهم ورفعهم درجات وقد أجمعت الأمة على أن العلماء من أصحاب رسول اله (ص) الذين يؤخذ عنهم العلم كانوا أربعة علي بن أبي طالب وعبد الله بن العباس وابن مسعود وزيد بن ثابت .

وقالت طائفة : عمر فسألنا الأمة :

من أولى الناس بالتقديم إذا حضرت الصلاة ؟

فقالوا إن النبي (ص) قال يؤم القوم أقرأهم ثم أجمعوا على أن الأربعة كانوا أقرأ من عمر فسقط عمر ثم سألنا الأمة أي هؤلاء الأربعة أقرأ لكتاب الله وأفقه لدينه فاختلفوا

فأوقفناهم حتى نعلم ثم سألناهم أيهم أولى بالإمامة ؟

فأجمعوا على أن النبي (ص) قال : إذا كان عالمان فقيهان من قريش فأكبرهما سناً وأقدمهما هجرة فسقط عبد الله بن العباس .

وبقي علي بن أبي طالب (ع) فيكون أحق بالإمامة لما أجمعت عليه الأمة ولدلالة الكتاب والسنة عليه انتهى .

وبعد أن أنهيت هذه الرسالة القيمة من القراءة أصبح لدي اليقين القاطع بأحقية أهل البيت (ع) وبخلافة الإمام علي (ع) بعد رسول الله (ص) (1).

ولكن متابعة البحث ضرورية للرد على كل التساؤلات التي تثار فاتصلت تلفونياً بالشيخ الهويدي وحددنا موعداً بمقام السيدة زينب (ع) ..

وجاء الموعد واقترب اللقاء وبعد أن جلسنا وتحادثنا وتحاورنا قال لي هل تعرف الحوزة العلمية الزينبية فقلت له لا أعرفها .

فقال لي تخرج من المقام وتمشي مع الطريق الذي يذهب إلى دمشق مقابل قسم الأمن الجنائي تسأل عن شيخ اسمه ( جلال المعاش ) تقول له يسلم عليك الشيخ الهويدي وترشدني إلى منزل الداعية الشيعي السيد علي البدري ..الذي كان سنيا وتشيع

وأخذت منه العنوان وكتبه لي على قصاصة من ورق وودعته وخرجت .

(1) ذكر هذه الرسالة أبو الحسن علي بن السعيد فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الأربلي وقال : إنها نسخت عن مجموع للأمير أبي محمد الحسن بن عيسى المقتدر بالله راجع ( كشف الغمة ص 12-13) .

 

وعاودتني دوامة التساؤل

بعد أن ودعت الشيخ الهويدي وخرجت من مقام السيدة زينب (ع) وأنا في الطريق أسمع سائق السرفيس يصيح بصوت عال ( رقية رقية ) فلفت نظري تساؤل هل هل هناك منطقة في دمشق اسمها رقية فدفعني الفضول لأسأله أين تقع هذه المنطقة فسألته فقال لي من أين أنت فأجبته من القامشلي فقال أوه !! في آخر سوريا قال لي يا أخي الإيرانيون واللبنانيون والخليجيون يقدسون هذه المقامات فأنا أصيح حتى أشتغل وهذا موسمهم لأنه كل صيفية يأتون إلى هنا لزيارة هذه المقامات وفعلاً عزمت على الذهاب مع السائق لأرى هذه المنطقة التي أجهلها ومشت السيارة وأنا أتساءل لأول وهلة أسمع هذا النداء وأسمع بهذه المنطقة فوصلت إلى هذا المقام الشريف ولم أستطع الدخول من شدة الزحمة أمة من البشر !! الله أكبر ما هذه الزحمة ؟من أين أتت كل هذه الجموع الغفيرة وبعد انتظار ساعة من الوقت استطعت الدخول ورأيت الناس يلطمون على صدورهم ويصيحون يا حسين يا حسين يا رقية يا رقية الظليمة الظليمة فدخلت إلى داخل المقام ووصلت إلى الضريح وقرأت الفاتحة وصليت قربة إلى الله ركعتين زيارة لهذه السيدة دون أن أعرفها بنت من لكن عندما رأيت الناس تدخل وتزور وتقبل هذا الضريح فعلت مثلهم فعرفت أن هنا مقاماً لسيدة فاضلة فاقتربت من أحد الشباب الذين يلطمون على رؤوسهم وصدورهم حيث يضع شريطاً أسود مربوطاً برأسه وعلى جبينه مكتوب ( يا حسين ) فقلت له إذا سمحت السيدة رقية بنت من فضحك هذا الشاب من سؤالي واستغرب وقال لي من أين أنت فأجبته من القامشلي فقال لي أين تقع مدينة القامشلي فقلت تبعد من هنا ما يقارب 1000 كم وقال أنت من سوريا ولا تعرف هذا المقام لمن فقال لي أنت سني فأجبته نعم .

فقال لي حقك لا تعلم هذه السيدة رقية بنت الإمام الحسين (ع) عندما جاءوا أهل البيت سبايا من العراق إلى الشام والحسين رأسه محمول على الرمح من هناك إلى هنا وعندما وصلوا إلى الجامع الأموي وضعوا رأس الحسين (ع) في المسجد أمام اللعين يزيد وبدأ يزيد يرغي ويزبد ويصيح أتينا برأس زعيم الخوارج الحسين بن علي بن أبي طالب .

فقاطعته الحديث الحسين سيد شباب أهل الجنة يحملون رأسه على الرمح ويأتون به إلى الشام ماذا تقول يا أخي ؟

أليس الشيعة هم الذين قتلوه وهم الأن يندبون ويلطمون ندماً وحزناً لأنهم هم الذين قتلوه قاطعني الشاب بحماس وقال لي أنت متعلم فقلت له نعم وأنهيت الدراسة الجامعية لكن والله العظيم لم أسمع بهذه الأحداث لأن هذه القضايا ليست من اختصاصي فالصدفة أتت بي إلى هنا فقال لي يا أخي أعذرك كل العذر لأن الإنسان عدو ما يجهل وأنا لم أفرض عليك اعتقاداتي وقناعاتي ولكن أبحث بنفسك عن هذه الحقائق وقال لي إذا أردت أن تزور رأس الحسين مقامه في الجامع الأموي وشط بنا الحديث وتفرع ورجعنا في الحديث عن السيدة رقية فقال لي هذه السيدة بنت الإمام الحسين (ع) وعندما توفيت كان عمرها ثلاث سنوات تقريباً ( أهل البيت (ع) عندما جاءوا بهم إلى الشام كانت هذه الطفلة مع عمتها زينب (ع) أتعرف مقام السيدة زينب (ع) أخت الإمام الحسين ؟ فأجبته نعم .

الآن جئت من هناك فقال عندما وضعوا رأس الحسين في طشت كانت هذه الطفلة تصيح وتبكي طفلة تبكي تريد أباها فقال يزيد اللعين خذوا هذا الرأس تريد ا ن ترى والدها انكبت على وجهها فلم تطق الطفلة ذلك الموقف إلى أن فارقت الحياة فوق رأس والدها ماذا تحكي يا أخي ماذا تقول ؟

هل هذا صحيح فضيعني كلام هذا الشاب الشيعي وسألت آخر وآخر وكنت في كل مرة أحصل على نفس الجواب فرجعت مرة أخرى إلى القفص ففاضت دموعي بالبكاء وصرت أصيح وأسأل بنت الحسين سيد شباب أهل الجنة هكذا قتلت هكذا ماتت فصرت أردد بدون شعور كما تردد الشيعة الظليمة الظليمة يا رقية يا رقية ثم بعد هذا ودعتها متجهاً إلى الجامع الأموي وشاهدت الحشود والجموع تتجه باتجاه الشرق وتصيح وتلطم يا حسين يا حسين لعن الله من ظلمك لعن الله من قتلك لعن الله يزيد فوصلت إلى الباب ودخلت بقوة من شدة الازدحام حيث وصلت إلى مكان رأس الحسين فقبلته وانهارت دموعي بالبكاء فصرت أحدث نفسي ما الذي حصل ما الأمر ما القضية ما الذي حدث هذا الأخ الشيعي يقول لي يزيد الذي قتل الحسين وليس الشيعة كما يقول حد علمائنا في المنطقة الشرقية فعاودني الصراع السابق الذي عشته ورجعت إلى دوامة التساؤل والحيرة هل الشيعة بريئون من دم الحسين هل صحيح أن الشيعة لم يقتلوا الحسين فإذن لماذا يلطمون ويبكون ويصيحون يا حسين يا حسين .

وصرت أفكر بكلام الشيخ عندنا عندما كان يحذرنا من الجلوس مع الشيعة وعدم محاورة الشيعة والشيعة هم الذين قتلوا الحسين فخرجت من مقام رأس الحسين (ع) لزيارة النبي يحيى بن زكريا في قلب الجامع الأموي وعندما وصلت الضريح قبلته وصليت ركعتين ولم أستطع أن أكمل من شدة الصياح واللطم والبكاء فحاولت مرة ثانية إعادة صلاتي وأنهيتها بعد الجهد وشاهدت بعد الصلاة شيخاً يبدو أنه عراقي من خلال اللهجة والبحة يصيح ويخطب بالناس يا موالين يا شيعة اليوم قتل إمامكم اليوم الظليمة الظليمة بقي الحسين ثلاث ساعات ملقياً على وجه الأرض قد صنع وسادة من الرمل فظن بعض العسكر أن الحسين قد صنع لهم مكيدة فقالوا إن الحسين لا يمكنه فعل شيء وقال بعضهم إنه مثخن بالجروح ولا يقوى على القيام وقال بعضهم إن الرجل غيور إذا أردتم أن تعرفوا حاله فاهجموا على المخيم فهجموا على المخيم وروعوا النساء والأطفال فخرجت الحوراء زينب ووقفت على التل ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا ابن أمي يا حسين يا حبيبي يا حسين إن كنت حياً فأدركنا فهذه الخيل قد هجمت علينا وإن كنت ميتاً فأمرنا إلى الله .

فلما سمع الحسين صوت أخته قام ووقع على وجهه ثم قام ووقع على وجهه ثانية ثم قام ثالثة ووقع على وجهه عند ذلك صاح يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون فنادى الشمر ما تقول يا ابن فاطمة قال أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وأشراركم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً .

قال الشمر : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فانكفأت الخيل والرجال على أبي عبد الله الحسين (ع) وانتهى الشيخ من كلامه وبدأ يخطب ويتكلم والناس تضج وتبكي وهو يقول وهم في طريقهم إلى الشام نزلوا منزلاٍ فيه دير راهب فرفعوا الرأس على قناة طويلة ( رأس الحسين ) إلى جانب دير الراهب فلما عسعس الليل سمع الراهب للرأس دوياً كدوي النحل وتسبيحاً وتقديساً فنظر إلى الرأس وإذا هو يسطع نوراً قد لحق النور بعنان السماء ونظر إلى باب قد فتح من السماء والملائكة ينزلون كتائب كتائب ويقولون :

” السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك يا ابن رسول الله ”

فجزع الراهب جزعاً شديداً وقال للعسكر : وما الذي معكم فقالوا :

رأس خارجي خرج بأرض العراق فقتله عبيد الله بن زياد .

فقال : ما اسمه قالوا الحسين بن علي .

فقال الراهب : ابن فاطمة بنت نبيكم وابن عم نبيكم قالوا نعم .

قال : تباً لكم والله لو كان لعيسى بن مريم ابن لحملناه على أحداقنا وأنتم قتلتم ابن بنت نبيكم ثم قال صدقت الأخبار في قولها :

إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دماً عبيطاً

ولا يكون هذا إلا في قتل نبي أو وصي نبي

ثم قال لي إليكم حاجة قالوا : وما هي :

قال : قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف درهم ورثتها عن آبائي يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل فإذا حل رددته إليه فوافق عمر بن سعد فأخذ الرأس وأعطاهم الدراهم وأخذ الرأس فغسله ونظفه وطيبه بمسك ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره ولم يزل ينوح ويبكي وهو يقول أيها الرأس المبارك كلمني بحق الله عليك .

فتكلم الرأس وقال : ما تريد مني ؟

قال من أنت ؟

قال ” أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى أنا ابن فاطمة الزهراء أنا المقتول بكربلاء أنا الغريب العطشان بين الملا ”

فبكى الراهب بكاء شديداً وقال : سيدي يعز والله أن أكون قتيلا بين يديك فلم يزل يبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس فقال يا رأس والله لا أملك إلا نفسي فإذا كان غداً فاشهد لي عند جدك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده رسوله أسلمت على يدك وأنا مولاك ” فبدأ يصيح الشيخ بصوت حزين يقرح القلوب مسيحي أسلم مسيحي آوى رأس إمامكم . وأنتم تدعون أنكم من الإسلام !! فأخذني البكاء الشديد وصرت أكفكف بدموعي وأنظر من حولي لئلا يراني أحد وأنا مكابر وأسأل رأس ابن بنت النبي يحمل على الرمح يمثل به من بلد إلى بلد ويزيد يدعي الإسلام مسيحي راهب آمن من وراء معجزة رأس الحسين وأنا مكابر يا إلهي السماء تمطر دماً ورأس الحسين يطاف به من بلد إلى بلد فتذكرت حديث رسول الله (ص) لا تمثلوا ولو بكلب عقور فأين هذه الأمة من الإسلام فصرت ألعن يزيد ومن عين يزيد فصرت أسأل من الذي عين يزيد

( معاوية من الذي عين معاوية ؟ تساؤلات لا تنتهي أثرت في نفسي قصة الراهب ودخوله الإسلام أثرت في نفسي الجموع الغفيرة وهي تبكي وتلطم يا إلهي ما الخطب ما الأمر ما الذي جرى على الأمة فخرجت من المسجد ودوامة الصراع لا تتركني أين شيخنا في القرية الذي يحذرني من هؤلاء الشيعة ويقول لي ( هم الذين قتلوا لحسين ) .

ما هذه المأساة التي حلت بالأمة ما هذه الظليمة فخرجت من الجامع الأموي متجهاًً باتجاه منطقة السيدة زينب (رض) وفي الطريق أفكر هل كلام الشيخ عندنا صحيح أم كلام هذا الشاب الشيعي الراهب يدخل إلى الإسلام ويبكي وينوح ويقول اشهد لي يا راس أسلمت على يدك اشهد لي عند جدك محمد كلما أهدأ وأتخلص من دوامة بعض التساؤلات تأتيني عاصفة جديدة من التساؤلات ياإلهي لماذا لا أعلم كل هذه الأمور يا إلهي متى أتخلص من هذه الدوامة التي حيرتني فدفعتني هذه الكارثة التي حلت بالأمة إلى أن اشد الهمة من جديد دون كلل أو ملل بحثاً عن الحقيقة لمعرفة كلام الشاب الشيعي هل هو صحيح أم كلام شيخ البلد فصعدت في السرفيس متجهاً إلى منطقة السيدة زينب (رض) والأفكار والتساؤلات تعصف بي كالموج مرة أهدأ ومرة أثور عندما أتذكر قضية الراهب وقضية الرأس وقضية يزيد وماذا فعل بالأمة حتى أخذتني الأفكار ونسيت أن أنزل في منطقة السيدة زينب فتجاوزتها ووصلت إلى منطقة الذيابية فهدأت من التفكير وإذا بالسائق يصيح ذيابية ذيابية من هو نازل فقلت له على مهلك أنزلني فنزلت وعدت مرة أخرى إلى منطقة السيدة زينب (رض) أسأل عن الحوزة العلمية الزينبية وأخيراً وصلت إلى الحوزة فصعدت أسأل عن الشيخ جلال المعاش فقال لي شاب بعد صلاة المغرب يأتي .

ورجعت بعد صلاة المغرب وصعدت أسأل عن الشيخ فوجدت مكتبه في الطابق الأول فقرعت الباب وسألت عن الشيخ فقال لي شاب تفضل أجلس الآن يأتي الشيخ وهذه غرفته ( بجوار المكتبة ) .

فجلست وأنا في دوامة أخمد وأثور …كالبركان

وإذا بشاب يفاجئني بقوله هذا هو الشيخ جلال الذي تبحث عنه فصافحت الشيخ بحرارة وشرحت له موقفي ومن أرسلني إليه فحياني ورحب بي ذلك الترحاب الشديد وأدخلني إلى غرفته ومن ثم أدخلني إلى المكتبة .

فصرت أحادث نفسي وكأنه عرف مشكلتي الحمد لله فدخلت معه إلى الكتبة وبدأ يجولني في المكتبة وأنا أنظر إلى أسماء الكتب فشاهدت مباشرة صحيح البخاري فقرأت الطبعة وإلا نفس الطبعة الموجودة عند شيخنا في البلد صحيح مسلم – الترمذي – صحيح النسائي – كتب السنن والسيرة كلها .. تفسير ابن كثير – تفسير الجلالين – تفسير القرطبي – تفسير الفخر الرازي – يا إلهي هذه مكتبة سنية وليست شيعية كل كتب السنة موجودة بالإضافة إلى كتب الشيعة !! يا ألهي ما هذه الحواجز ماهذه الإشاعات هل علماؤنا يعمدون التجهيل بنا هل علماؤنا مضللون هل علماؤنا لا يعرفون الحقيقة يا إلهي كيف كان يقول لي أحد علمائنا كتبهم محرفة ومزورة ومدسوسة ومن هنا كانت انطلاقة البحث والثورة في عالم العقائد والإلهيات والانفتاح على القراءة ومتابعة البحث دون تردد فودعت الشيخ وشكرته على ما أطلعني عليه في هذه المكتبة من كتب وقلت له أريد منك عنوان العالم العراقي الذي كان سنياً وتشيع حتى ألتقي به فأعطاني العنوان وخرجت .هذا بشكل موجز

ومن أراد الإطلاع على رحلتي الكاملة فليراجع كتابي

(ومن الحوار إكتشفت الحقيقة ) (من بيروت كانت البداية ).