قراءة في حديث: لا تزال طائفة ظاهرة على الحق

عنوان المقالة: قراءة في حديث: لا تزال طائفة ظاهرة على الحق.

تأليف: مروان خليفات.

maqalat_hadith

قراءة في حديث : لا تزال طائفة ظاهرة على الحق

هذا الحديث مما يحتج به السلفية كثيرا في دعوة الناس لمنهجهم، وفي بحثنا هذا سنرى مدى انطباقه عليهم.

أخرج البخاري عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : (( لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة‘ باب لا تزال طائفة من أمتي 9/181

وأخرج مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)) كتاب الأمارة، باب قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا تزال طائفة 3/1523

وفي رواية: (( قوم من أمتي)) المصدر نفسه

وفي رواية: (( عصابة من المسلمين)) المصدر نفسه، صفحة: 1524 وهناك طرق أخرى للحديث في سنن الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء في الشام، سنن ابن ماجة: المقدمة، حديث رقم، 6،7،8،9،10

مسند أحمد: 3/436، 5/24 و25 و279

من استدل به:

1ـ ابن تيمية، حيث قال: (( وهم ـ أهل السنة ـ الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة)) مجموعة الفتاوى: 3/105

2ـ ابن كثير، حيث قال بعد ايراد الحديث: (( هم أهل السنة والجماعة المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين)) تفسير ابن كثير: 4/433

3ـ ابن القيم ، ذكر الحديث في (( إعلام الموقعين)) تحت عنوان (( الأدلة الدالة على اتباع الصحابة)) 4/149

4ـ محمد ابن عبد الوهاب ((مؤلفات الشيخ الأمام محمد بن عبد الوهاب)) 3/32

5 ـ ابن أبي العز الحنفي (( شرح العقيدة الطحاوية)) 72

لا شك أن هذه الطائفة الظاهرة على الحق التي أشار لها الحديث هي الطائفة الناجية نفسها التي أشار لها حديث الافتراق، واستدلال السلفيين في غير محله، فالحديث عام وكل طائفة تستطيع أن تدعي أنها المعنية بهذا الحديث.

وقد ذهب ابن تيمية إلى أن هذه الطائفة متواجدة بالشام وإلى قيام الساعة! وهذا يوصد الباب أمام السلفية للاحتجاج بهذا الحديث، لأن موطنهم نجد، ومن هناك صدر الفكر السلفي ولا يزال إلى أنحاء مختلفة من العالم.

قال ابن تيمية: ( إن النصوص عينت أنهم بالشام كقول معاذ وكما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال: (( لا يزال أهل الغرب ظاهرين))

قال الأمام أحمد: وأهل الغرب هم أهل الشام. وذلك أن النبي كان مقيما بالمدينة فما يغرب عنها فهو غربه، وما يشرق عنها فهو شرقه، وكان يسمي أهل نجد وما يشرق عنها أهل المشرق كما قال ابن عمر…)

مجموعة الفتاوى: 4/273

يبدو لي أن لو كان ابن تيمية يعلم أن نجد ستكون موطنا لكثير من أتباعه لبحث عن مخرج يجعل به من نجد موطن الطائفة الظاهرة، لكنه لم يترك مجالا لغيره، فقال: ( والنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر، فهو اخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة) المصدر نفسه

إنه من لطف الله بالمسلمين أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين للناس طريق الخير والفلاح، وفي المقابل أشار ببيان واضح لموطن الشر ، لكي يحذروه ولا ينخدعوا به .

عن عبدالله بن عمر قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو المشرق ويقول : “ها إن الفتنة ههنا ، إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان ” صحيح البخاري ( كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، 4/ 251

صحيح مسلم ( كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان، 4/2228

وعن ابن عمر قال: ذكر النبي ” اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان” صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب من قبل المشرق،9/97

وعن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: ” رأس الكفر نحو المشرق” صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال 4/258

وعن أبي مسعود يبلغ به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: ” من ههنا الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين( الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم) أهل الوبر عند أصول أذناب الأبل والبقر في ربيعة ومضر”

صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قول الله تعالى: ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى” 5/12

قال ابن تيمية: ( وقد استفاضت السنن عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الشر أن أصله من الشرق) مجموعة الفتاوى: 4/273

تنص هذه الروايات على أن أصل الشر من الشرق أو المشرق، وهو رأس الكفر ومنه يخرج قرن الشيطان، ولأن نجد تقع شرق المدينة وظاهر النصوص تعنيها، قام السلفيون وخلافا لظاهر النصوص ودون أي قرينة وفسروا الأحاديث السالفة بالعراق، مخالفين بذلك ابن تيمية وابن حنبل، ملتفين على كل الأحاديث والقرائن التي فيها، كل هذا، لكي ينقذوا حركتهم التي انطلقت من هناك.

إن المتأمل في النصوص السابقة يتضح له بكل يسر أن الشرق يعني نجد، فحين قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما في رواية ابن عمر: ” اللهم بارك لنا في يمننا” قال بعض من حوله: (وفي نجدنا) فهم يقصدون نجدهم التي هي شرق المدينة، ويؤكد هذا قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مباشرة

: ” هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان” وهي مضمون عباراته الأخرى حول الشرق والمشرق.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة ج3 ص 94 فسروا المشرق بعدة معان ومن ضمنها نجد دون أي انكار!

ثم إن الروايات تشير إلى مكان قريب ودليله قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ههنا” في بعض الروايات ، وهي قرينة كافية لتوضيح كلامه( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون القفز إلى بلاد أخرى بعيدة كل البعد عن المدينة! إن نجد هي المقصودة ،وهكذا فسرها أحمد بن حنبل وابن تيمية فقد قال كما مر قال الأمام أحمد: وأهل الغرب هم أهل الشام. وذلك أن النبي كان مقيما بالمدينة فما يغرب عنها فهو غربه، وما يشرق عنها فهو شرقه، وكان يسمي أهل نجد وما يشرق عنها أهل المشرق كما قال ابن عمر…)

مجموعة الفتاوى: 4/273

إن تفسير الحديث بالعراق هو خلاف الظاهر، ويعد قفزا صريحا فوق القرائن الموجودة في الحديث، فهناك أحاديث ـ على افتراض صحتها ـ ذكرت العراق بالاسم صريحا، فلماذا لم يذكره هنا صريحا؟ وجغرافيا لا يقع العراق جهة المشرق من المدينة، بل إنه إلى الشمال أقرب منه إلى الشرق.

إن تحذيرات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لنا من نجد وما يخرج منها من فتن تضع علامات استفهام كبيرة على الاتجاه الفكري السائد فيها، ولو كانت الحركة السلفية هناك حركة خير واصلاح ويحبها الله ورسوله، لكان عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يبين لأمته هذا الأمر في حديث ما ويستثني هذه الطائفة ويبشر بها، لئلا يغرر بالناس ويخدعهم ـ حاشاه ـ، وهذا ما لا وجود له، بل تراه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبعث لنا بإشارات من بعيد يزيد فيها بيانه حول نجد ويؤكده.

عن ابي سعيد قال: قال علي: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذهبة وتربتها وكان بعثه مصدقا إلى اليمن فقال: ” أقسمها بين اربعة الأقرع بن حابس وزيد الطائي وعيينه بن حصن الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري”. فقام رجل غائر العينين ناتيء الجبين مشرف الجبهة محلوق، فقال: والله ما عدلت، فقال: “ويلك من يعدل إذا لم أعدل إنما أتألفهم” فأقبلوا عليه ليقتلوه، فقال: “اتركوه فإنه من ضئضىء هذا قوم يخرجون في آخر الزمان يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”

السنة، لابن أبي عاصم ج2 ص 426 ، رقم الحديث: 910 ، وصححه الألباني

فهم حديث (لا تزال طائفة)

جميع الروايات تبدأ بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): ” لا تزال أو لا يزال ” وهو فعل يدل على استمرار وجود هذه الطائفة ، ولن أتحدث عن وجود هذا الفكر قبل ابن تيمية وخلو الزمن منه، ولكن الملاحظ أن الأفكار التي جاء بها ابن تيمية ـ والتي عليها بناء المدرسة السلفية اليوم ـ قد اختفت لفترة ثلاثة قرون تقريبا، ولم تجد لها اتباعا ، فبعد عهد ابن تيمية وتلاميذه ولنقل تلاميذ تلاميذه، لا نجد ذكرا لأفكار هذه المدرسة أو أحدا نادى بها، حتى ظهر محمد بن عيد الوهاب وأحياها من جديد، أي من سنة ثمانمائة للهجرة تقريبا إلى سنة 1150 هجرية تقريبا، والحال أن الحديث ينص على استمرار وجود هذه الطائفة ظاهرة على الحق!

فهل يستطيع أحد أن يدلنا على مكان تواجد هذه الطائفة خلال فترة ثلاثة قرون وأعلامها وتراجمهم وكتبهم؟!

إن الحديث أكثر ما ينطبق على الشيعة الأمامية، فهم موجودون عبر فترات التاريخ من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم ظاهرون على الحق بما عندهم من قوة حجة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله.

وقد وصفهم الحديث بأنهم مخذولون ” لا يضرهم من خذلهم” وهي صفة حسنة، وهذا منطبق عليهم، فأنهم تبعا لأئمة أهل البيت “ع ” تعرضوا لشتى أنواع البلاء، فهم منبوذون من قبل سائر المسلمين، وقد عاشوا مستضعفين ما بين شريد، أو محبوس أو قتيل، وكم من عالم رباني قدم حياته قربانا لموالاته لأئمة العترة، والغريب أن هذا الظلم واقع من الحكام الظلمة وأعوانهم من مشايخ البلاط من المسلمين،

ومن هذا الخذلان التضييق عليهم، وهضم حقهم، ومنعم من شعائرهم في بعض البلاد، ومصادرة كتبهم ، كل هذا واضح للعيان وهومن أصدق مظاهر الخذلان، بعكس غيرهم من سلفية وأشاعرة، فدعم الحكام لهم، وتسهيل أمورهم، من معاش وغيره مما لا يخفى على أحد. فهؤلاء لا يزالون محل عناية الحكام، فلم يكونوا يوما مخذولين، فهنيئا لشيعة أهل البيت “ع” هذا الوصف ” لا يضرهم من خذلهم” وهو كذلك لم يضرهم، ولم يثنهم عن القيام بدورهم.

أشكل علي أحدهم مستبعدا انطباق هذا النص على الأمامية فقال: إن الأمامية لا عزة لهم ولا منعة ولا ظهور حتى العصر الحديث ، بل في بعض مراحل التاريخ كان أصحاب الأئمة يعدون على الأصابع حتى كان الرجل منهم لا يكاد يجد زوجة إمامية !

وقال أيضا: إن معنى الظهور ـ ظاهرين على الحق ـ في الحديث هو البروز والمجاهرة لا التستر والتخفي،

فأجبته : إن البروز والمجاهرة من مصاديق الظهور، ولكن لا شك أن الظهور يكون قبل كل شيء بامتلاك الحجة والبرهان ، ثم البروز والمجاهرة به إذا سمحت الظروف بذلك، وإلا ما الفائدة من البروز والمجاهرة دون امتلاك الحجة والبرهان؟!

كما أنه لا يمكن قبول معنى الظهور بأنه فقط البروز والمجاهرة فنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد تخفى وستر دعوته أحيانا فهل معنى هذا أنه لم يكن ظاهرا على الحق؟

قال العيني في عمدة القاري ج 25 – ص 141 ” باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. قوله: ظاهرين أي: غالبين على سائر الناس بالبرهان أو به أو بالسنان ”

إن حال الأمامية يختلف كذلك حسب الحال الذي هم فيه، فالشيعة في لبنان بارزون ومجاهرون بدعوتهم لا يخشون أحد، لقوتهم ووجود الحرية لديهم، بل حتى أنهم مجاهدون ولا يخفى هذا على أحد. وفي بلاد أخرى أقليات متخفية من بطش ذوي السلطة. وظهور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواجهة الاستكبار العالمي لا يخفى على أحد.

وفي قول الله تعالى : ” ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ”

هل كان هؤلاء على الباطل قبل أن يمن الله عليهم ويجعلهم الوارثين؟

أوليس هؤلاء هم أهل الله الظاهرين على الحق بالرغم من استضعافهم؟ إن وصف هؤلاء بالاستضعاف أقرب ما يكون إلى الأمامية لاشتراك الطائفتين في كونهما مستضعفتين ؟ والحديث ينص على أنهم مخذولين ( لا يضرهم من خذلهم) وهذه الصفة لا تنطبق على السلفية فمنذ ظهور ابن عبد الوهاب والحكومات تدعم الفكر السلفي بمليارات الدولارات، ولهم حرية التعبير في كل البلاد، فهل تنطبق على هؤلاء صفة الخذلان التي جاءت في الحديث بالرغم من دعم الحكام لهم عبر التاريخ؟ ومن الذي خذلهم ؟ وأسئلة عديدة أخرى تحول دون انطباق الحديث عليهم.

ثم هل كان ظهور ( السلفية) دائما وفي كل بقاع الارض ؟ لا شك أن التسنن مر بفترات كان ضعيفا فيها، كفترة البويهيين والحمدانيين والفاطميين، والفترة المغولية الشيعية والفترة الصفوية وفترات أخرى، ومنذ سقوط الدولة العثمانية فلا غلبة ولا ظهور لأهل السنة وإنما الغلبة لأهل الكفر من انجليز وفرنسيين وايطاليين وأمريكان. فاين ظهور اهل السنة بالحق مع أن الحديث ينص على استمرار ظهورهم حتى يأتي أمر الله؟!

هل ظهورهم بالعنتريات، وإقامة الندوات والمؤتمرات؟! هذا مع ان مليوني يهودي يسيطرون على مليار وربع المليار مسلم بفضل خضوع اهل السلفية لليهود والكفار داخل بلدانهم.

بل لا نبالغ إذا قلنا أن القوى الإمبريالية العالمية تسيطر عليهم ويوجهونهم كما شاءوا وهم لا يكادون يشعرون.

فهم أدوات طيعة بيد أهل الكفر، وليس لهم حول ولا قوة فأين ظهورهم المدعى؟ !

فالحديث الآن لا ينطبق عليهم، وكل الظهور السياسي لهم إنما هو بسماح من الغربيين.