إدريس عثمان

إدريس عثمان (مالكي ـ النيجر)

ولد عام ١٤٠٠هـ (١٩٧٩م)في مدينة (مرادي) في دولة النيجر، ونشأ في أسرة متحفّظة مالكية المذهب.

تعلّم (إدريس) القراءة والكتابة والفقه على يد والده منذ نعومة أظفاره، وأدخله المدرسة القرآنية وهو في سنّ الثمانية، فتعلّم القرآن واختتمه وله من العمر اثنتا عشرة سنة.

ثمّ واصل دراسته في مدارس أكاديمية أخرى كانت تهتمّ بالتثقيف الديني للطالب أيضاً، حتى أنهى الإعدادية في إحداها بشهادة (جيد جداً)، وانتخبوه بعد لذلك لتدريس القرآن الكريم للطلاب.

وإضافة إلى الدروس الفقهية واللغويّة التي كان يتلقّاها في الحلقات طلب منه بعض الشباب أن يؤسّس حلقة علميّة لشباب المنطقة لتعلّم الفقه المالكي، فاستجاب لطلبهم وبدأ بتدريسهم.

سمع (إدريس) ذات يوم أنّ إحدى المعاهد الشيعية تجري امتحاناً لقبول الطلاب، فقرّر المشاركة، ولكنّه فوجىء بتحذيرات له من التواصل مع الشيعة بذريعة أنّهم يفضّلون عليا عليه السلام على رسول الله صلي الله عليه وآله، وأنّ في ذهابه لذلك المعهد خطراً كبيراً.

فاستشار أحد أصدقاءه الذي كان قد درس في هذا المعهد في هذا المجال، فقال له بأنّ التعاليم التي تلقّاها في هذا المعهد كانت السبب في شفاء قلبه وروحه من الأمراض النفسية التشكيكية.

إثر ذلك قرّر (إدريس) المشاركة في الاختبار، فشارك، وبعد بضع أسابيع أعلنت النتيجة حيث وجد نفسه قد نجح بالرتبة الأولى في مدينته، ولم تمض إلّا فترة وجيزة حتى أرسل المعهد تقريراً للناجحين بالحضور في مدينة (نيامي) العاصمة ابتداءً من العام الدراسي لعام ٢٠٠٠م.

يقول (إدريس): سافرت إلى (نيامي) تلبية لطلب المعهد مع مجموعة من الأصدقاء، ولكنّا كنا خائفين حيث أنّ بعض علمائنا حذّرونا من الشيعة وأمرونا باجتناب عقائدهم، وقالوا: ادرسوا عندهم علم التاريخ واللغة العربية فحسب.

في اليوم الثاني من دراسته هناك ألقى أستاذ اللغة العربية خطبة وجيزة في درسه رأى فيها (إدريس) وأصدقاؤه بعض التهم لبعض الصحابة، فهاجموه بالكلام الشديد، فطلب منهم المناقشة واحداً واحداً، وكان كلّما يردّ عليه أحدهم يجبه بسهولة، وحينما يساعده الآخر بذكر حديث أو استدلال يبسط الأستاذ عليه الحجج الغالية على أدلّته.

ومن هنا بدأ (إدريس) بجمع الأدلة والبراهين لمناقشة أساتذته في المعهد الشيعي.

مناقشات وفترة اضطراب:

يقول (إدريس) عن الفترة التي أمضاها في المعهد قبل الاستبصار: دخل المسؤول على الطلاب في أحد الأيام، فبادرته بالسؤال قائلا: يا أستاذ! اشرح لنا بصورة وجيزة موقف الشيعة بالنسبة للصحابة، وخاصة الخلفاء الراشدين.

فأجابنا بأنّ الشيعة تأخذ بأوامر الله ورسوله صلي الله عليه وآله، وأثبتت الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الشريفة أنّ عليّاً كان الخليفة الأوّل لرسول الله صلي الله عليه وآله بعد وفاته، وبعد هذا الجواب تواصل النقاش الشديد بيننا وبين الأستاذ، فطلبنا منه الاستدلال من القرآن الكريم والحديث الشريف، فأتانا بالآيات الكريمة والروايات الشريفة، ومن جهة أخرى حاولنا إثبات خلافة أبي بكر ففشلنا، فسألنا أنفسنا: فكيف بعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان؟!!

وكنّا في كل حصّة لمادّة الشبهات والردود نستعد للمواجهة العلميّة، فيبطل الأستاذ حججنا، ويتفوّق علينا بكلماته المنطقيّة، وكان من عادة بعض الطلاب النظر إليّ لدفع الشبهة حين يطرح الأستاذ أسئلته، فكنت أفكّر في كيفية الاستدلال لإبطال حجته بلغة يفهمها الجميع.

اخترت أن أطرح عليه الشبهات المتعلّقة بالتّهم الموجّهة ضد المذهب الشيعي ليضعف بذلك، ويعجز عن الإجابة، فأنقذ نفسي وإخواني من الضلال!!

ولكن عجباً لعلماء الشيعة وطلابهم، فحينما كنت أطرح الشبهة على الأستاذ في كل مكان وزمان كان يجيبني باطمئنان وطلاقة لسان وثقة بالنفس، وبهذا حدث في أعماقي زلزال شديد ورعب عظيم، فعشت المشقّة والمحن قبل اعتناقي للمذهب الحق، مذهب أهل البيت عليهم السلام.

المنهجية في البحث:

بعد استماعه لاستدلالات شيعة أهل البيت عليهم السلام قرّر (إدريس) بدء البحث بنفسه للوصول إلى ما يقنعه منطقياً، واشترط على نفسه في هذا المجال البحث في المجالات التالي:

ـ البحث حول مسألة الخلافة في مصادر أهل السنة، وخاصّة في ما يرتبط بحياة بعض الصحابة، وبالخصوص المبشّرين منهم بالجنة، وعن الخلافات في ما بينهم والحروب الدامية الشهيرة لدى المؤرخين، وغير ذلك ممّا يتعلّق ببعضهم من الانحرافات التي يقول بها الشيعة.

ـ البحث عن نشأة الشيعة والتشيّع، وتأسيسها تاريخياً في الإسلام، والبحث بصورة موجزة عن حياة بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام، خاصّة من عاش منهم مع الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله، وغير ذلك من صفاتهم وأدعيتهم المشوّقة.

كما وعد نفسه ـ إضافة إلى البحث في الأمور المذكورة ـ بما يلي:

أوّلاً: الإتصاف في موطنه.

ثانياً: أنّه إذا ثبتت الحجة على قضيّة فلابدّ من قبولها.

ثالثاً: أن يكون مخلصاً لله سبحانه وتعالى في بحثه.

كما كان يدعو الله تعالى باستمرار لأن يهديه إلى الصراط المستقيم، الطريق الذي لا غبار فيه، وكان كلّما صلّى ووصل إلى الآية الكريمة: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ يرجو منه تعالى الهدى للسير على طريق الحق.

الكتب التي تأثّر بها:

يقول (إدريس) عن الكتب التي تأثّر بها في طريق الاستبصار:

وممّا كان له دور كبير في استبصاري الكتب التالية: المراجعات، نشأة الشيعة والتشيّع، ثمّ اهتديت وغيرها من كتب الدكتور التيجاني السماوي، الاعتصام بالكتاب والسنة، وغيرها.

وممّا جعلني أشكّ أكثر من ذي قبل بالنسبة لمذهبي السابق: كتاب (أضواء على السنة المحمّدية)، فقد أبكاني أشد البكاء ما فيه من حلقات الحقد والإهانة والحروب الدامية التي شنّها أهل البغي في الإسلام على أهل الرسالة الإسلامية الحقّة.

كما تأثّرت بكتاب (أخلاق أهل البيت عليهم السلام)(1)، فقد أعجبني الكتاب وبدّل حياتي أحسن تبديل، وقدّمني لكلّ ما يقرّبني إلى الله تعالى.

وهناك كتب متفرّقة منها الصحاح الستّة التي يعتقد أهل السنة والجماعة أنّها أصحّ الكتب بعد كتاب الله عزّ وجلّ، حقاً ساعدتني هذه الكتب في التشيّع لمذهب أهل البيت عليهم السلام.

الاستبصار والتبليغ:

بعد ما يقارب السنتين من البحث والتحقيق في مصادر الفريقين اقتنع (إدريس) تماماً بالمبادىء التي اتّضحت من خلالها رؤية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فأعلن عن استبصاره وانتمائه لهذا المذهب، وكان ذلك عام ١٤٢٢هـ (٢٠٠٢م) في المعهد الشيعي بمدينة (نيامي) عاصمة النيجر.

كما أصبح بعد الاستبصار من مبلّغي المذهب الشيعي، يقول (إدريس): في السنة الدراسية ٢٠٠٢ ـ ٢٠٠٣م أصبحت ممّن يبلّغ مذهب أهل البيت عليهم السلام في المعهد الشيعي، فكنت أناقش وأجادل الطلاب الجدد والقدماء المتشدّدين بالتي هي أحسن، فأستشهد بالمصادر التاريخية وغيرها، فكانت الحقيقة تتبيّن جلياً أمامهم، فمنهم من كان يهتدي في نهاية المطاف، ومنهم من يضلّ وإن كانوا أقلّية.

____________

1- الظاهر أنّ المستبصر يقصد الكتاب الذي قام بتأليفه السيد مهدي الصدر.