حسين كاكاوند

حسين كاكاوند (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٩٠هـ (١٩٧١م) في «قضاء رانية» التابع لمحافظة «السليمانية» في العراق، ونشأ في عائلة كردية شافعية المذهب، واصل دراسته إلى المرحلة المتوسطة، وله دراسة دينية في المذهب الشافعي عند العلماء في المساجد.

استبصر سنة (١٩٩٤م)، ودرس في الحوزة العلمية في قم، ومارس التبليغ الديني، وتدريس الأحكام الشرعيّة، وتعليم القرآن في كردستان العراق، ساهم في تأليف بعض الكراسات الدينية، وترجم بعض الكتب إلى اللّغة الكرديّة.

بذرة تشيّعي غُرست في كردستان العراق:

يقول «حسين»: «استبصر أحد الشيوخ في منطقتنا، وكان يحدّثنا عن التشيّع وسماته، وخاصة في الجانب العلمي، وكان من أخلاقه وأسلوبه في التبليغ أنّه لا يطلب منّا التشيّع مباشرة، بل يقول إذهبوا بأنفسكم، ولا حظوا ما لدى الجانبين من أدلّة، وبعدها يكون أمركم بيدكم إن شئتم تشيّعتم وإلاّ فلا ; لأنّ القضيّة قضيّة دين، والدين أعزّ ما عند الإنسان المسلم فيجب أن يهتمّ به، ولكن لا يؤمن بشي إلاّ عن اقتناع كامل، وبرهان جليّ، وإمارات صادقة.

هذا، وقد أعجبتني هذه الفكرة بشكل ممتاز لما فيها من انفتاح على المذاهب الأُخرى، وعدم إكراه في الاقتناع بمذهب معيّن، وبالفعل هاجرت إلى الحوزة العلمية في مدينة قم المقدّسة بإيران لطلب العلم، وأنا ناو للبقاء على مذهبي الذي أعتزّ به كثيراً، فطلب العلم فضيلة، والاهتمام بالدين أمر واجب.

بدأتّ بالدراسة بشكل جدّي، وأفرحني أنّني وجدت الشيخ السابق ذكره قد سبقني في المجيّ إلى قم، وحصلت بيننا علاقة متينة تخلّلتها الحوارات الدينية الشيعيّة، والمناقشات العلميّة المفيدة التي كانت تطال المناهج الدراسية وما فيها من مضامين عقائدية وفقهية وتاريخية، ولم تقتصر مناقشاتي مع أستاذي السابق فقط، بل شاركت في مناقشات وديّة ومهمّة تطال أمّهات المسائل الدينية الخلافية بين مذاهب المسلمين كان طرفها الآخر أساتذتي في الحوزة، وزملائي الطلبة الذين يشاركوني مقاعد الدراسة.

الإمام علي(عليه السلام) أمير المؤمنين ووصي رسول ربّ العالمين:

يواصل «حسين» حديثه قائلاً: «كان الشي المهم الذي استفدته من مناقشاتي هو أنّي عرفت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، حيث جذبتني مناقبه، وهزّتني كراماته، وهام قلبي بحبّه، وتركزّت معاني ولايته في نفسي فأنا عندما كنت سنّياً كنت أسمع مشايخنا يقولون: علي كرّم الله وجهه، وعندما سألت عن معنى ذلك قالوا: إنّ علي لم يسجد لصنم قط(1)، بينما سجد كبار الصحابة للأصنام أيّام الجاهلية.

فكانت هذه أوّل المناقب العالقة في قلبي، ولكنّها كانت قطرة في أرض يابسة قاحلة، كثر فيها الشوك الذي زرعه الآخرون. والحقيقة أنّ مناقب علي بن أبي طالب(عليه السلام) لا تعدّ ولا تحصى، فبسيفه قام الإسلام، وبجهاده ثبت عموده، وبعلمه أزيحت الشبهات، وما أحسن ما قاله ابن أبي الحديد المعتزلي في إحدى قصائده العلوية:

ألا إنّما الإسلام لولا حسامه كعفطة عنز أو قلامة حافرِ
ألا إنّما التوحيد لولا علومه كعرضة خليل أو كنهبة كافرِ
هو الآية العظمى ومستنبّط الهدى وحيرة أرباب النهى والبصائرِ(2)

هذا ومن خصاله -التي أعتقد أنّها ساهمت في إعطائه تاج الولاية، وشرف الوصيّة- أني وجدته لم يخالف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أبداً، فكانت آثار تربية الرسول عليه واضحة وثمراتها بادية على خلاف الآخرين الذين خالفوا واجتهدوا بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم لا يملكون العلم، وليست لهم السوابق.

نظرة في المذاهب:

يسجّل «حسين» بعض الملاحظات، ويعرض بعض نتائج تجربته، فيقول: يتميّز المذهب الشيعي الإمامي الاثنى عشري عن بقية المذاهب بالعمق العلمي حيث ربّى علماءً كباراً، وهذّب علوماً نقيّة تعتمد على الدليل وتستند على البرهان، وهذه نتيجة طبيعية لتمسكه بالعترة النبويّة الطاهرة، فكما أنّ آل البيت(عليهم السلام) لا يقاس بهم أحد، فكذلك مذهبهم يتميّز عن غيره رغم الظروف الصعبة التي عاشها أتباعه والقمع المستمر لعلمائه من سلاطين الجور وعلماء السوء من بطانتهم.

فخذ مثلاً علم الحديث لدى الشيعة، وقادته بما يفتخر به المذهب السنّي الذي يدّعي أنّ قيامه كان لحماية السنّة النبويّة الشريفة أمام المبتدعين والضالين، فرغم أن رجال الشيعة كانوا مطاردين على مرّ العصور. ممّا أدّى إلى ضياع الكثير من كتبهم، وتراثهم الحديثي، إلاّ أنّا نراهم يعتنون بالسند كما يهتمّون بالمتن، وتطول لديهم المناقشات السندية تحرّياً للصدق والضبط، ويخضع لديهم الحديث لموازين موحدة صارمة.

أمّا إذا لاحظت الجانب الآخر، فرغم ادّعائه العريض واتّهامه للآخرين بعدم الاهتمام بالإسناد كما يهتم هو، ورغم الظروف المساعدة التي مرّ بها رجاله لحماية السلطات لهم على مرّ التاريخ الإسلامي، تجدهم يروون لكلّ من هبّ ودبّ، ولا تحكم قواعد الجرح والتعديل عندهم موازين ثابتة تسير على الكلّ، بل يخضع السند لاجتهادات متقلّبة، وأقوال مختلفة تجمع بين المتناقضات ونجد هذا منهم في الكتب المعتبرة لديهم فضلاً عن غيرها.

____________

1- شواهد التنزيل ١: ٤١٢.

2- التنبيهات على معاني السبع العلويات: ٨٩ ـ ٩٠.