الشيخ محمد الطوري

سماحة الشيخ محمد الطوري

* غينيا – كوبيا – تامبالاما

* مواليد عام (1955م)

* اعتنق التشيع عام (1990م)

السيرة الذاتية:

ولدت في قرية اسمها تامبالاما في منطقة كوبيا في غينيا في أفريقيا عام 1955م، وبعد إتمامي السابعة من عمري بدأت الدراسة، حيث كانت عاداتنا حينذاك أن كل مولود يبدأ الدراسة في سنين السابعة من العمر فما فوق ولا توجد هناك أي مدرسة في حينها، وكنا نقرأ في الألواح الخشبية حيث لم تتوفر لدينا الكتب المدرسية. وحينما بدأت أتعلم مرض والدي وتوفي على أثره (رض)، وفي وقت اشتد مرض والدي أوصى والدتي بان ادرس عند خالي (فودي الشيخ السيش) القرآن الكريم إذ لا يوجد غيره.

وتمكنت أن أقرأ القرآن من أوله إلى نصفه وبعد ذلك، تركت الدراسة وسافرت إلى السنغال في عام 1970، ثم إلى غامبية في عام 1973 وبعد إلى مالي في عام 1974، ثم رجعت إلى غينية في عام 1976، وبعد ذلك سافرت إلى سيراليون في عام 1978، وفي نهاية عام 1990 سافرت إلى سوريا ودخلت الحوزة العلمية وبدأت مجدداً أعود إلى دراستي من جديد، فشرعت في دراسة المقدمات في الحوزة العلمية الزينبية وقد استقبلني فيها سماحة العلامة السيد محسن خاتمي (دامت بركاته) وبعد إتمامي المقدمات درست السطوح، وأنا ما زلت مشغولاً في التحصيل تحت ظل سماحة العلامة السيد جعفر الحسيني الشيرازي (دامت بركاته)، وأدرس البحث الخارج على يد سماحة العلامة الشيخ فاضل الصفار (دامت بركاته).

فاسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يأخذ بأيدينا إلى الصواب، ونبذ العناد والتعامي عند الحقائق والفحص عما فيه الفوز في يوم الحساب، كما أسأله سبحانه أن يجزي أساتذتي خير الجزاء، لما أولوني من عناية ورعاية وتسديد، آمين يا رب العالمين.

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد لله خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، لا نشرك بالله شيئاً، ولا نتخذ من دونه ولياً، والحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير.

اللهم صل على محمد وآله، وأبلغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانته بنيتي إلى احسن النيات، وبعملي على احسن الأعمال، اللهم وفر بلطفك نيتي وصحح بما عندك يقيني، وأصلح بقدرتك ما فسد مني.

اللهم صل على محمد وآله واكفني ما يشغلني الاهتمام به عنك، واستعملني بما تسألني غداً عنه، واستفرغ أيامي فيما خلقتني له، وأغنني وأوسع عليّ في رزقك، ولا تفتني بالنظر إلى محارمك، وأعزني ولا تبتلني بالكبر، وعبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب، وأجر للناس على يديّ الخير ولا تمحقه بالمن، وخب لي معالي الأخلاق، واعصمني من الفخر بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين.

قال الله تعالى: ( فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) .

وفي الرواية الشريفة عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) :

(افضل الناس رأياً من لا يستغني عن رأي مشير).

من الأسباب التي دعتني لاعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) :

إن الأسباب التي دعتني لاعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) كثيرة وسوف أشير إلى بعض منها:

1- رأيت أن العمل بهذه المذهب -الجعفري- مجزي وتبرأ به الذمة بلا شك ولا ريب، لأنه مذهب يتصل بالله تعالى مباشرة عن طريق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، فقد أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) بحديث الثقلين وغيره، وقد أفتى به الكثير من العلماء السنة من السابقين واللاحقين.

2- لقد ثبت عندي وبالأدلة القوية، والبراهين القاطعة، والحجج الدامغة الرصينة الواضحة التي هي كالشمس في رابعة النهار لا تغطيها السحب، أحقية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في الكتاب والسنة والإجماع والعقل، وأنه هو المذهب الحق الذي أخذه الشيعة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، عن جبرئيل عن الرب الجليل، وليس فيه دخل، ولن يرضون عنه بدلاً إلى يوم البعث، ولا يختلف آخرهم عن أولهم في ذلك، وهذا ليس من باب التعصب وإنما الدليل والحجة والبرهان.

ما ورد في كتاب الله:

أما الكتاب فقوله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) . فإن حبل الله هو أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الإثني عشر، وهم سلسلة واحدة تتصل بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) فقد روى الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، وهو من كبار علماء العامة حيث قال: أخرج الثعلبي بسنده عن أبان بن ثعلب عن جعفر بن الصادق (عليه السلام) قال: (نحن حبل الله الذي قال الله عز وجل: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ).

وقال أيضاً: أخرج صاحب كتاب المناقب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) إذا جاء أعرابي فقال: يا رسول الله سمعتك تقول: ( واعتصموا بحبل الله) فما جعل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبي (صلى الله عليه وآله) بيده في يد علي، وقال: تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين.

وقوله تعالى: ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) .

حيث أن القرآن الكريم في هذه الآية الشريفة تأمر بمودتهم، فقد اتفق المفسرون من الشيعة أن هذه الآية نزلت بحق أهل البيت (عليهم السلام) ، وهي تخصهم فقط، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من أولاد الحسين (عليهم السلام) .

ومن مثل هذا جاء في كتب أهل السنة والجماعة وصحاحهم ومسانيدهم في تفسير هذه الآية المباركة، و اعترافهم بأنها نزلت في حق العترة الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام) .

قال الزمخشري: روي أنها لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله: من هم قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال (صلى الله عليه وآله) : (علي وفاطمة وأبناؤهما) .

ورواه عنه كذلك الفخر الرازي في تفسيره حيث قال: فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي (صلى الله عليه وآله) وإذا ثبت هذا وجب أن يكون مخصوصين بمزيد من التعظيم، ويدل عليه وجوه:

1- قوله تعالى: ( إلا المودة في القربى)  إذ أن نفي النفي إثبات ويفيد هنا الحصر.

2- لاشك أن النبي (صلى الله عليه وآله) يحب فاطمة (عليها السلام) حيث قال (صلى الله عليه وآله) : (فاطمة بضعة من يؤذيني ما يؤذيها).

وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أنه كان يحب علياً والحسن والحسين، وإذ ثبت ذلك وجب على الأمة مثله، لقوله تعالى: ( واتبعوه لعلكم تهتدون) .

ولقوله تعالى: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) .

3- أن الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله: (اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمد وآل محمد) وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب.

يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبكم فـــرض من الله في القرآن أنزله

كفـــاكم من عظيم القدر أنكم من لـــم يصل عليكم لا صلاة له

وأورد الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي حيث قال: أخرج احمد في مسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت الآية:( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) ، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين وجبت لنا مودتهم قال: (علي وفاطمة والحسن والحسين).

وأخرج ابن المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي هريرة قال: قال رسول لله (صلى الله عليه وآله) :

(والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه؟ وعن ماله مم كسبه وفيم أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت).

أقول: الحب هنا بمعنى الطاعة، إذ لو يكن هنا هذا المعنى لما كان للوجوب فائدة، وهذا يعني أن على الأمة الإسلامية برمتها وجوب الطاعة لأهل البيت (عليهم السلام) وبصورة مطلقة من دون استثناء بمعنى: أنه كما تجب الطاعة لله ولرسوله، كذلك هي مقرونة بأهل بيته (عليهم السلام) أيضاً، إذ هم من نور واحد كما سيأتي ذكره في محله إن شاء الله.

وأما السنة الشريفة:

فلقوله (صلى الله عليه وآله) : (أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدي أبداً فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).

إن كثيراً من علماء العامة فقد نقلوا هذه الرواية إلى حد يبلغ (66) مرة وفي الكتب المعتبرة، فقد ورد في مسند أحمد عن الركين بن الربيع، وفي صحيح مسلم عن طريق ابن حشيمة النسائي، وصحيح الترمذي عن سلمان الأعمش.

وقال (صلى الله عليه وآله) : (إن أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك). واستجابة لقول النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) علينا أن لا نتخلف عن هذه السفينة التي توصلنا إلى شاطئ الأمان، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) يحذرنا هنا من التخلف عنها، لأن التخلف نتيجته الحتمية الهلاك والضلال وهو واضح من الرواية، فعلينا أن نركب تلك السفينة، ونتمسك بحبل الله المتين، لنحصل على النجاة، والسعادة في الدنيا والآخرة، إذ لا بديل لمن لا يركب هذه السفينة المعطاء، ومن لا يهتدي بنورها لا محال له من الضلال والهلاك.

إذ لا سبيل آخر لنجاته، وطريق النجاة هو التمسك بحبل الله المتين وركوب تلك السفينة المباركة، سفينة أهل البيت (عليهم السلام) ، فوجه التشبيه هنا الهلاك للذين تركوا سفينة نوح ولم يركبوها، إذ هلكوا كلهم ولم يبق أحد منهم، ولم يبقى ذكر ولا أثر لهم وخسروا الدنيا والآخرة، وهكذا أيضاً أن من ترك سفينة أهل البيت (عليهم السلام) سوف يكون مصيره الهلاك، ولم يحصد شيء في الدنيا وفي الآخرة.

وسيكون مصير أعداء آل محمد الحسرة والندامة والخيبة والخذلان، ولاشك في هذا ولا ريب نتأمل جيداً، حيث ورد صحيح البخاري وكنز العمل عن ابن عمر قال: قال أبو بكر: (ارقبوا محمد (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته).

وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به – فحث على كتاب الله ورغّب فيه – ثم قال: وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي).

إذن لانفكاك بين العترة الطاهرة من أهل بيت النبوة (عليهم السلام) وبين كتاب الله العزيز، لأنهم (عليهم السلام) لا ينطقون إلا عن وحي القرآن، ولا يدلون إلا عليه، فالاعتصام بهم لا ينفك عن الاعتصام بالقرآن، فهما معاً طريق الهداية وسبيل النجاة، وما هما إلا دعامتان قام عليهما سقف الشريعة الإسلامية السمحاء.

وكما لا ننسى أن القرآن أوصى بمودتهم (عليهم السلام) -كما أشرنا لذلك- وأن حب آل محمد (عليهم السلام) لم يختص بطبقة دون طبقة أو فرقة دون أخرى، فقد اتحدت قلوب المسلمين جميعاً على حبهم.

ومن تتبع سيرة أئمة المذاهب الأربعة لمس إخلاصهم وحبهم لأهل البيت (عليهم السلام) ، حيث أفتى أبو حنيفة بنصرة زيد بن علي (عليه السلام) وحمل إليه الأموال، كما أفتى بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله الحسني لحرب المنصور، كل ذلك في سبيل حبه لأبناء الإمام علي (عليه السلام) وبغض أعدائهم.

وحث الإمام مالك على خلع المنصور والخروج عليه، وأفتى من بايعوه بفساد البيعة لأنهم بايعوا مكرهين، ولا بيعة لمكره، وضربه المنصور بالسياط.

وأما الشافعي فحبه لأهل البيت أشهر من أن يذكر، وقد اغرق في هذا الحب حتى قيل أنه رافضي -وهو القائل:

يـــا راكبـــــاً قف بالمحصب من منى واهتف بسـاكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيــج إلى منى فيضاً كمــــلتطم الفرات الفائض

إن كــــان رفـــــض حب آل محمد فــلـيشــــهد الثقلان إني رافضي

وسئل الشافعي عن الإمام علي (عليه السلام) فقال: ماذا أقول في رجل أنكر أعدائه فضله حسداً وطمعاً وكتم أحباؤه فضله خوفاً وغرقاً وفاض ما بين هذين ما طبق الخافقين.

أما الإمام احمد بن حنبل فإن مسنده مشحون بفضائل علي (عليه السلام) ويقال أنه ألف كتاباً كبيراً في فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ، وأن نسخة منه كانت في خزانة مشهد الإمام (عليه السلام) بالنجف، ونقل أيضاً، أنه تتلمذ على الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) .

وقد قتل الحجاج على حب أهل البيت (عليهم السلام) آلاف الرجال، وفيهم الصحابي والتابعي والفقيه والزاهد والمحدث، وأخبار ذلك متواترة في كتب التاريخ والتراجم.

وإذا التمسنا تفسيراً لهذه المودة والتعظيم وجدناه في الدين والعقيدة في كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) وجدناه في علومهم وشمائلهم، فإنهم لم يرثوا عن النبي (صلى الله عليه وآله) شرف الانتساب إليه فحسب وإنما ورثوا علومه وشمائله. وأحب الخلق إلى الله ورسوله من أحب النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) ، أو حفظ شيئاً من علومه، أو عمل بأوامره أو اتصف ببعض صفاته، فكيف بأقرب الناس إليه، وأحبهم لديه ووراثي علومه وأخلاقه، وإضاءة على دينه وشريعته؟.

وأما الإجماع:

فقد اتفقت جميع فرق المسلمين بأن حب آل محمد (صلى الله عليه وآله) من الواجبات، ولقد أشرنا سابقاً أن معنى الحب هو الطاعة: أي أداء الطاعة لأهل البيت (عليهم السلام) في جميع الأمور، وشؤون الحياة والعمل بأوامرهم والانتهاء بنواهيهم.

ذكر الفخر الرازي والزمخشري في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعكم في شيء فردوه إلى الله والى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) .

أن ( أولي الأمر منكم) : هم أمراء الحق الذي ثبت على سبيل الجزم أن يكون معصوماً، وجاء الكشاف الإمام جار الله محمود بن عمر الزمخشري هذا المعنى مع اختلاف يسير.

وقد فسرت لنا الروايات أن (أولي الأمر) هم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) .

فقد جاء أيضاً عن الشيخ الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ما يؤيد هذا التفسير، حيث يقول: بعد ذكر السند إن (أولوا الأمر هم الأئمة من أهل البيت).

وفي قوله تعالى: ( وقفوهم إنهم مسؤولون) .

فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) . فقد روى هذه الحديث الكثير من علماء السنة وأعلامهم مثل العلامة أبو نعيم الحافظ في كتابه (ما نزل من القرآن في علي (عليه السلام) ).

وأخرج سبط بن الجذري حيث قال: ومنها: في سورة الصافات في قوله تعالى: ( وقفوهم إنهم مسؤولون) قال: قال مجاهد: عن حب علي (عليه السلام) .

وروى العلامة البحراني، عن أبي بكر الشيرازي في كتابه، عن معاوية الغرير، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكاً أن يسعر النيران السبع، وأمر رضوان أن يزخرف الخبان الثمان، ويقول: يا ميكائيل من الصراط على متن جهنم، ويقول: يا جبرئيل أنصب نيران العدل تحت العرش، وينادي يا محمد قرب أمتك للحساب.

ثم يأمر الله أن يعقد على الصراط سبع قناطر، طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ وعلى كل قنطرة سبعون ألف ملك قيام، فيسألون هذه الأمة نسائهم ورجالهم.

على القنطرة الأولى يسألون عن ولاية أمير المؤمنين وحب أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) ، فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف، ومن لم يحب أهل البيت سقط على أم رأسه في قعر جهنم ولو كان معه من أعمال البر عمل سبعين صديقاً، وعلى القنطرة الثانية فيسألون عن الصلاة، وعلى الثالثة يسألون عن الزكاة، وعلى الرابعة عن الصيام، وعلى الخامسة عن الحج، وعلى السادسة عن الجهاد، وعلى السابعة عن العدل، فمن أتى بشيئين من ذلك، جاز على الصراط كالبرق الخاطف، ومن لم يأت عذب، وذلك قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسؤولون) .

يعني: معاشر الملائكة قفوهم: يعني: العباد على القنطرة الأولى (فسألوهم) عن ولاية علي وحب أهل البيت.

وأما العقل:

إن العقلاء وأصحاب النظر السليم يحكمون بتقديم العالم على الجاهل، والسابق على المسبوق، والعاقل على المجنون، والقادر على المقدور عليه وهكذا، وقد قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو يخاطب الناس في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة وفي زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان: أتعلمون أن الله عز وجل فضل في كتابه السابق على المسبوق في غير آية، ولم يسبقني أحد من الأمة في الإسلام.

ولأن الوحي نزل في بيتهم، وأهل البيت أدرى وأعرف بما في البيت من غيرهم، فجدير بالعاقل المتدبر أن لا يترك ما صح لديه من الأدلة منهم، ويأخذ من الآخرين والدخلاء، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أرجع أمته إلى أهل بيته (عليهم السلام) إذ اختلفوا في الرأي، فأمرهم أن يأخذوا برأيهم (عليهم السلام) ، وهذا دليل على أنهم طريق الهدى والصواب، وبهم يهتدي الناس إلى الأصلح لهذه الأمة، ومن خالفهم فهو في ضلال وعمى.

ومن هذا وقع في نفسي شيء من الشك والريب في المذاهب الأربعة الأخرى، حيث خالف أصحاب هذه المذاهب رأي أهل البيت (عليهم السلام) ، واعتمدوا بشكل أساسي في الكثير على آرائهم الخاصة، وهذا سبب وقوعهم في الخلافات فيما بينهم في الأحكام وبشكل واضح وملموس، حيث رأيت البعض يحللون مسألة وآخرين يحرمونها وبعضهم يكرهون وآخرين يسننون، فمن باب المثل نرى أن الشافعي يقول: لمس المرأة الأجنبية يوجب الوضوء، والحنفي يقول بخلافه، ويخالفهما مالك حيث يقولك إن اللمس إذ كان بشهوة أو عن عمد وجب الوضوء وإلا فلا .

وأيضاً الشافعي يجيز نكاح البنت من الزنا وخالفه الثلاثة.

والحنفي يقول: بوجوب الوضوء من خرج الدم من بدنه ولو قليلاً وخالفه الثلاثة.

والحنفي يجيز الوضوء بالنبيذ وبكل ماء مضاف وخالفه الثلاثة.

ويجيز مالك أكل لحم الكلاب على قول في المؤدية منها وخالفه الثلاثة.

ويجيز الشافعي أكل لحم الضبع والجري والثعلب، ويحرم أبو حنيفة أكلها ويحلل الشافعي القنافذ بينما يحرمها الآخرون.

هذا جزء من كثير من هذه الخلافات الواقعة بينهم من أول الفقه إلى آخره.

والأعجب من ذلك كله، قد اشتدت الخلافات بينهم حتى وصل الأمر إلى أن كفر بعضهم بعضاً، ورمى بعضهم الآخر بالفسق، فمثلاً أن أصحاب أبي حنيفة، وابن حزم وغيرهم يطعنون في الإمامين مالك والشافعي، وأصحاب الشافعي مثل إمام الحرمين، والإمام الغزالي وغيرها يطعنون في أبي حنيفة ومالك وابن الجوزي، وفي المنتظم اتفق الجميع على الطعن في أبي حنيفة ومن جهات عديدة، حيث قال البعض منهم انه ضعيف العقيدة متزلزل فيها.

وقال آخرون: إنه ضعيف في ضبط الرواية وحفظها، وقالوا فيه: أنه صاحب رأي وقياس وأن رأيه غالباً مخالف لأحاديث الصحاح، وهذا ما ورد في كلام الجوزي.

وجاء في كتاب العامة عن الإمام الشافعي أنه قال: ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة وقال أيضاً: (نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة وإذا فيها مائة وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنة).

وقال الإمام الغزالي الشافعي في كتابه (المتحول في علم الأصول): فأما أبو حنيفة فقد قلب الشريعة ظهراً لبطن، وشوش مسلكها وغير نظامها، وأردف جميع قواعد الشرع بأصل هدم به شرع محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، ومن فعل شيئاً من هذا مستحلاً كفر، ومن فعله غير مستحل فسق، ويستمر بالطعن في أبي حنيفة وبشكل مفصل إلى أن قال: إن أبا حنيفة النعمان بن ثابت كان يعمل بالقياس في الفقه، وأول من قاس إبليس.

وأما جار الله الزمخشري وهو من علماء العامة يقول في كتابه ربيع الأبرار: قال يوسف بن أسباط: رد أبو حنيفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعمائة حديث أو أكثر، وحكى عن يوسف أيضاً: أن أبا حنيفة كان يقول: لو أدركني رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأخذ بالكثير من قولي.

نعم هكذا رأينا هؤلاء كيف يطعن بعضهم البعض يا سبحان الله!! أفهل كانت الشريعة ناقصة لم تتم حتى أتوا بما أتوا به من خلافات دارت رحاها بينهم؟ فهذا يحلل وذاك يحرم، والآخر يجيز وذاك بالعكس، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة). ألم يقل الله تبارك وتعالى في قرآنه الكريم: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) .

وفي آية أخرى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) .

وحسب هذه الآية إن هؤلاء لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر، لأنهم لم يردوا نزاعهم إلى كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) .

فإن كانوا مؤمنون لم تخلفوا عن أهل البيت (عليهم السلام) ولم كم يردوا نزاعهم إلى الله وأهل بيته (عليهم السلام) ويمتثلوا لأمر الله جل وعلا؟ فتأمل جيداً.

التشهد:

ومن خلافاتهم التي أوقعت في نفسي أثراً وشكاً في أمرهم هو التشهد حيث:

أولاً: أن الشافعي والحنبلي قالا بوجوب التشهد.

وقالت الحنفية: التشهد عند المذاهب الأربعة هي كما يلي:

عند الحنفية (التحيات لله، والصلوات والطيبات، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).

أما عند المالكية فهي: (التحيات لله الزاكيات لله، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمداً عبده ورسوله).

وأما عند الشافعية فهي: (التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله).

وأما عند الحنبلية فهي: (التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد).

ثانياً: لاحظ هذه التشهدات كلها، أن صياغتها مختلفة من مذهب إلى آخر، ولا يعرف أي منها هو الذي يعول عليه.

ثالثاً: لاحظ الصياغة بالنسبة للتشهد المكتوب في كتبهم الفقهية، وتحت عنوان التحيات هي التحيات لله والصلوات الطيبات مع التشهد لفظاً ومعنى.

رابعاً: باتفاق جميع فرق المسلمين، إن تعريف الصلاة هو ما بين تكبيرة الإحرام والسلام، وان كلمة السلام هو خروج من الصلاة، وهم في وسط الصلاة يسلمون، وبعد يقولون: (أشهد أن لا اله إلا الله).

ولأجل هذا حينما كان يدرسني أستاذي (الشيخ محمد رمضان باه) (حفظه الله) في كتاب اسمه المقدمة العجيبة إن صح التعبير، ووصلنا إلى هذا الموضوع – التشهد -.

قال لي أستاذي أن التشهد يختلف لفظاً ومعنى عن التحيات لله الزاكيات لله الطيبات، حيث إننا كنا على مذهب مالك، وقال لي الأستاذ: أنا أشك هل هذه الكلمات مطابق للواقع أي المطلوب أم لا؟!!.

فهناك مذهب اسمه مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لا يقولون هكذا، وإنما يقولون: (أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد).

وهذا هو الموافق وأسأل نفسي أي هذين المذهبين أعني مالك أم الذي سمعت عنه (الجعفري) أصح؟!.

وحيث أن الإنسان دائماً يطلب الأفضل والأحق، وهذا هو الذي دعاني أن أفكر واحقق في الموضوع ملياً ولا أكون متعصباً عنيداً.

والمذهب الذي كنت اعتقد به إنما هو تقليداً لآبائي وعشيرتي وأهل مدينتي ومنطقتي التي ولدت فيها، حيث لا يود لأي مذهب آخر في بلدنا (غينيا) إلا المذهب المالكي. ولكنني بفضل الله اهتديت من الباطل إلى الحق، وبفضل أهل البيت (عليهم السلام) ، لأن الله أراد أن يوفق عبده يهيئ له الأسباب، وقد تهيأت له الأسباب التي دعتني لاتخذ هذا المذهب الحق خطاً لحياتي، لأنه مذهب يتصل بأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ومنه إلى الله كيف وهم أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل.

الفعل ينسب إلى فاعله:

إن الدين الإسلامي الحنيف جاء على يد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وامتدت الرسالة الإسلامية شرقاً وغرباً، ولابد لهذا الدين من حفظه بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وليس لأحد المقدرة على حمل الرسالة المحمدية الأصيلة بعد النبي إلا من هو أهل لذلك، فمن تتوفر فيه الشروط اللازمة لحمل أعباء الرسالة.

إن اختيار النبي بيد الله سبحانه وتعالى لأن النبوة سر لا يطلع سواه، فهو يعلم حيث يجعل رسالته، ولا بد لخليفة بعد النبي لحمل الرسالة – كما سيأتي الحديث عنه في موضوع الإمامة، والخليفة لذي يتحمل أعباء الرسالة هو الإمام المعصوم، وكما أن النبي مختاراً من قبل الله، فالإمام والإمامة سر من أسرار الله تعالى، لا يطلع عليه إلا هو بالنظر لخطرها ونيابتها عن النبوة، واشتراط العصمة في ذلك لغاية، لأن من خصوصيات الإمام هي إرشاد الناس إلى الحق وردعهم عن الباطل، فلو جاز عليه الخطأ في الأحكام أو المعصية لكان كمن يطهر المكروب بمكروب مثله، وأن يكون أفضل من رعيته علماً وخلقاً.

ولذا فإن الأئمة الأطهار هم من أهل بيت النبوة، هم الخلفاء تعد النبي (صلى الله عليه وآله) ، وهم الذين قدموا للدين الكثير من التضحيات ما لم يقدمه أحد من العالمين، وعلى رأسهم سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) .

ولذا فهم أعلم بدين الله من أي أحد من البشر، فهم ورثوا العلم من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) .

إذن فلم نحن نترك مذهب أهل البيت، ونتمسك بهذه المذاهب التي لا صلة لها بيت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ؟.

وعلينا أن نتساءل ما هي صلة هذه المذاهب الأربعة ببيت النبوة (صلى الله عليه وآله) ؟ وهل ينطبق عليهم حديث الثقلين؟.

إن هذه المذاهب الأربعة ليست إلا اجتهاد شخصي وبعيدة عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، مع ما علمنا من أن البعض أخذ وتتلمذ على يدهم (عليهم السلام) ، ولكنهم ابتعدوا كل البعد عنهم (عليهم السلام) ، وهم كما يقول المثل: خالف حتى تعرف.

وخير دليل على ذلك اجتهادهم الشخصي، واختلافهم الجذري فيما بينهم من الأصول إلى الفروع، بمعنى من أول التوحيد إلى آخره، الفقه إلى آخره، حتى كفر بعضهم بعضاً -كما ذكر ذلك سابقاً- والكتب المصادر- التي ذكرناها سلفاً- خير دليل وشاهد على ذلك.

ولو لاحظنا الاختلافات الواقعة والموجودة بين المعتزلة والأشاعرة في كون القرآن مخلوقاً أم لا؟‍‍‍‍‍‍ لو راجعنا كتب التاريخ لوجدنا أنه بسبب الاختلافات قد قتل ملايين من المسلمين، فلو عاد هؤلاء واستعانوا بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، لما وصلوا إلى هذه النتيجة، لأن مذهب النتيجة، لأن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هو مجمع العلم والتفقه، وهم مجمع الفضائل وهم المطهرون من كل دنس، والأغنياء من الناس في جميع الأمور، لأن منيعهم واحد، وهم الخلفاء الأمناء على الرسالة بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، فهم حملوا رسالة السماء بكل دقة وأمانة وأنهم المعصومون من الزلل، وهم سفن النجاة وباب الله الذي منه يؤتى.

الناس ابتعدوا عنهم ولذا فنحن لا نجد مثل هذه الخلافات الجذرية موجودة في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وإنما لأنهم لم يأخذوا بما جاء عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) ، في حقهم وأفضليتهم على جميع الناس، فأول من زرع هذه، هم أصحاب هذه المذاهب الأربعة بعد الملوك والحكام الذين طاردوا أهل البيت (عليهم السلام) في كل مكان وزمان.

إن الإمام كالشمس في رابعة النهار تضيء وتنير إلى البشرية جمعاء، ويستفيد منها كل الكائنات والموجودات في هذا الكون، فإذا سحابة وحجبت نورها فهذا ليس ذنب الشمس.

إن أهل البيت (عليهم السلام) نورهم واحد، وهم حصن الله المنيع، وأشير هنا إلى روايتين عن أهل البيت (عليهم السلام) في حقهم: الأولى: عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قال: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه علي زين العابدين، عن أبيه شهيد كربلاء، عن أبيه علي المرتضى قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قال: حدثني جبرئيل (عليه السلام) عن رب العزة سبحانه وتعالى قال: (كلمة لا اله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي).

وهذا الحديث الشريف يسمى بالحديث المذهبي، ألقاه الإمام (عليه السلام) على العلماء الذين جاءوا من كل حدر وصوب لاستقباله في مدينة نيسابور.

قال صاحب كتاب (تاريخ نيسابور): أن علياً الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين (رضي الله عنهم)، لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة، على بغلة شهباء، وقد شق بها السوق فعرض له الإمامان الحافظان، أبو زرعة وأبو مسلم الطوسي، ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يحصى فقالا: أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك عن جدك نتذكرك به.

فاستوقف غلمانه، وأمر بكشف المظلة، وأقر عيون الخلائق برؤية طلعته.

ثم ذكر الإمام الرضا (عليه السلام) سلسلة الحديث هذا.

ونقل في الرواية أن أهل المحابر وأهل الدواوين الذين كانوا يكتبون هذا الحديث الشريف نافوا على عشرين ألفاً.

وروي أنه (عليه السلام) بعد أن قال: (لا اله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي).

فلما مرت الراحلة نادى الإمام (عليه السلام) أهل نيسابور فقال: (بشروطها وأنا من شروطها).

إن كلمة لا اله إلا الله حصن من حصون الله تعالى، ولكنها ليست على إطلاقها موجبة للنجاة من العذاب والأمن من العقاب، ولكن بشروط منها الإقرار بإمامة الرضا (عليه السلام) الذي هو أحد أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

أما سند هذا الحديث الشريف فهو من أروع وأجل الأحاديث المسندة يقول أحمد بن حنبل: لو قرأ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته.

الثانية: جاء في رواية، أن المأمون العباسي سأل الإمام الرضا (عليه السلام) قال: يا أبا الحسن أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب، بأي وجه هو قسيم الجنة والنار؟.

فقال (عليه السلام) : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله عن عباس أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: حب على إيمان وبغضه كفر؟.

قال: بلى، قال الرضا (عليه السلام) : فهو قيسم الجنة والنار.

فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، اشهد أنك وارث علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أبو الصلت الهروي: فلما رجع الرضا (عليه السلام) إلى منزله أتيته فقلت: يا ابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين.

فقال (عليه السلام) : يا أبا الصلت أنا كلمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا علي أنت قيسم الجنة والنار يوم القيامة، نقول للنار هذا لي وهذا لك.

إن هذه الروايات إن دلت على شيء إنما تدل على أنهم (عليهم السلام) من نور واحد وأنه لا فرق بين أولهم وآخرهم، وأن مذهبهم (عليهم السلام) هو المذهب الإلهي الحق، وهم الهداة لرب السماء والقادة لدينه ووحيه، ولا خلاف بينهم فهم المعبرون عن القرآن والناطقون عن الرسول (صلى الله عليه وآله) .

قال القندوزي الحنفي: أخرج أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابان المغازلي الواسطي الشافعي في كتابه المناقب، بسنده عن سلمان الفارسي L قال: سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم (عليه السلام) أوح ذلك النور في صلبه، فلم يزل أنا وعلي شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففي النبوة وعلي الإمامة).

وجاء في الكتاب نفسه عن الحمويني بسنده عن سليم بن قيس الهلالي قال: (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إني وأهل بيتي كنا نوراً واحداً فسعى بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق الله عز و جل آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة، فلما خلق الله آدم (عليه السلام) وضع ذلك النور في صلبه (عليه السلام) وأهبطه إلى الأرض، ثم حمله في السفينة في صلب نوح (عليه السلام) ، ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم (عليه السلام) ، ثم لم يزل الله عز وجل ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة من الآباء والأمهات، ولم يكن واحد منا على سفاح قط).

ولهذا الحديث وجهان:

1- في ما نحن فيه: وهو كون الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) شيئاً واحداً ونوراً واحداً.

2- إن آبائهم وأمهاتهم من آدم (عليه السلام) وحواء كلهم طاهرون، لأن هذا النور لا يمكن أن يكون بل مستحيل أن يكون في نجس أو كافر أو منافق، وبهذا يمكن أن نستدل أيضاً على إيمان علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو ثابت عند أهل العامة أن علي (عليه السلام) لم يسجد لصنم قط.

وهم يشيدون بذلك، فيقولون كرم الله وجهه كيف ذلك، وهو وصي رسول الله وقال في حقه النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) : (علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي).

وقال (صلى الله عليه وآله) : (علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

وقال (صلى الله عليه وآله) : (النظر إلى وجه علي عبادة) فصلوات الله وسلامه عليكم يا أهل بيت النبوة ورحمة الله وبركاته، وأردد ما قاله العلامة المتشيع الحلبي الأنطاكي من الشعر:

لمــاذا اخـتــرت مـذهب آل طــه وحـاربت الأقارب في ولاها

وعفت أهلي ديار آبائي وأهلي وعـيـشــاً أن ممـتـلأ رفــاهـا

لأنــي قـــد رأيـت الـحـق نصاً ورب البيت لم يألف ســــواهـا

فـمـذهـبـي التشـيـع وهو فخر لـمـن رام الـحـقيقة وامتطاها

وهــل يـنـجو يـوم الحشر فرد مشى في غير مذهب آل طــه؟

الخاتمة:

في الخاتمة أولاً: إني أوجه الدعوة إلى علماء العامة في النظر إلى معتقدات الشيعة الأصلية، ومراجعة أصول العقائد والفقه والرجوع إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، فإن هناك كتب ومؤلفات ثرية في مناقشة جميع الآراء، والدعوة إلى الحوار مع علماء الشيعة في الوصول إلى الحقيقة التي غطتها السحب عبر هذه القرون الطويلة، فبعض علماء السنة إذ أنهم يتبعون بعض أسلافهم في إثارة التهم والافتراء والأكاذيب على الشيعة بغير حق ولا تحقيق ومن غير تدبر وسلطان مبين.

إني أدعو علماء العامة إلى التفكير والتعمق في معتقداتهم، وأطلب منهم بإلحاح في أن يحققوا في المسائل الخلافية بينهم وبين الشيعة، فيعرفوا دلائلهم لعلهم يجدوا الحق فيتبعوه، والحق أحق أن يتبع.

كما أنني أؤكد لهم أن يمروا بفتاوى أئمة المذاهب الأربعة، ليجدوا فيها ضعف الرأي وغريب النظر من قبيل جواز نكاح الأم، ونكاح الولد الأمرد في السفر، أو المسح على العمامة والخفين في الوضوء بالنبيذ أو السجود على العذرة اليابسة، والى غيرها من الفتاوى العجيبة والآراء الغريبة.

وقد جمعت هذه الآراء والفتاوى في كتاب الفقه على المذاهب الخمسة، وهو كتاب علي لمؤلفه الشيخ المدقق محمد جواد مغنيه (رض) فإنني انصح بقراءته، ومراجعته حيث يذكر جميع هذه الأمور ومصادرها بدقة.

والأغرب من هذا تسليم سائر علماء العامة لتلك الآراء وعدم نقضها، ولكنهم يطعنون في رأي أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، ويتجرؤن على الرد عليهم والتجاسر على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، ويتهمونهم بالكفر والشرك معاذ الله، وربما أفتوا بجواز قتل الشيعة وإباحة أموالهم.

وبهذه الآراء والأعمال يضعفون مذهب الحق ويضيعون الإسلام الحقيقي جانباً، ويعبدون الطريق للأعداء، ومنهم اليهود والنصارى ليتسلطوا على رقاب المسلمين وبلادهم.

نسأل الله تعالى أن يوحد بين المسلمين، ويؤلف قلوبهم ويلقي بيننا وبينهم المودة والإخاء إنه سميع مجيب.

وفي النهاية أود أن أوجه خالص شكري وامتناني إلى الأساتذة والعاملين في الحوزة العلمية الزينبية، وعلى رأسهم المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) على ما يبذلونه من جهود حثيثة في كافة المجالات والأصعدة لنشر الرسالة المحمدية الأصلية، المتمثلة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وأوجه شكري الخالص إلى أستاذي سماحة العلامة الشيخ فاضل الصفار دامت بركاته على ما أكرمنا به من جهود لإعداد هذا الكتاب المتواضع، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ومن أراد التوسع فليراجع كتابه (لماذا اعتنقت التشيع)..