ابحث عن الحق تجد أهله

قصة استبصار السيد ياسين المعيوف البدراني

دير الزور – حطلة

مؤلف كتاب ( يا ليت قومي يعلمون )

ط / مؤسسة العارف / بيروت – لبنان

ابحث عن الحق تجد أهله

لقد انبثق علينا الإسلام الحنيف من عمق الحياة بخطوط القدرة الخالقة من لدن حكيم عليم وهو المدرسة الجامعة التي نتمسك بها نجاة وعلاجاً لكل جوانب الحياة ولكل حاجيات الإنسان الدنيوية والاخروية الجسمية منها والروحية الإسلام يرسم لنا بكل وضوح الأصول العقائدية الخمسة التي هي أساس مذهب أهل البيت (ع) وهي : العدل والتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد .

الإسلام لا يرى التقليد والتعبد كافياً في ممارسة العقائدية التي ذكرناها بل إنه يوجب على فرد البحث عن صحة هذه العقائد وبصورة مستقلة بعيدة عن العاطفة والتقليد الأعمى ذلك لأن الإسلام لا يحصر العبادة بالعبادة البدنية كالصلاة والصوم أو العبادة المالية كالخميس والزكاة لأن هناك ما هو أعظم من هذا وهي العبادة الفكرية التي تحث الإنسان وتطلب إليه التأمل والتفكر في آلاء الله سبحانه وتعالى كما تحثنا على وجوب الاستنتاج الفكري بحثاً عن الحقيقة ووصولاً إليها ذلك لأن الأصول كلها محورها مفهوم الفكر كالعدل والتوحيد والمعاد وبالتبعية النبوة والإمامة إن كتاب الله يحثنا على أن نفكر مخلصين في الذات الألهية كي ما نعرف العدل والتوحيد .

( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة )

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم )

قال سبحانه ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن )

إن القرآن الكريم يحثنا على التدبير والتفكير في وقائع ما وراء الطبيعة ليصبح بمثابة المرئي كقوله سبحانه وتعالى :

( كذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين )

إنه لأمر طبيعي في المجتم وفي ترسبات الاجيال أن يحافظوا وأن يدافعوا عن العقائد المتوارثة ذلك لأن العادة والتلقائية تؤثر حتى على ذوي الشهادات العالية وتجعلهم لا يسيرون إلا على طريق الاتباع والتقليد المتوارث الأعمى برغم أن القرآن الكريم نبهنا وحذرنا أن لا نقبل معتقدات ومفاهيم قديمة قبل عرضها على العقل وعلى قواعد القرآن الكريم وقبل أن نتأمل فيها بعمق وبفكر منفتح .

( وإذا قيل اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ) البقرة 17 .

يقول كتاب الله العظيم إن التقليد الأعمى يوجب الشقاء الأبدي وبشكل خاص لأهل المعرفة لأنه سبحانه وتعالى يقول :

( وقالوا ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) الأحزاب 67

إنه من واجب الإنسان الواعي أن يجعل الفكر والتبصر والتأمل رائداً له في سلوك الطريق التي توصل إلى الحق سبحانه وتعالى آخذاً بالعقائدالصحيحة وتاركاً النزعات القبلية والعنصرية والقومية التي لا تولد عنده إلا القلق الدائم والخوفالمستمر وعدم الاستقرار النفسي .

العلم والإيمان يكمل احدهما الآخر بحيث لا يمكن الفصل بينهما ولو فصلنا لتسببنا في اضرار جسيمة توقعنا بالخرافات والجمود الفكري والدوران في المكان حول النفس يا اخوتي في مثل هذه الحال العقيمة المرة التي نعيشها وسط مذاهب متعددة وطرق إسلامية شتى لم لا نحاول البحث عن المذهب الحقيقي كي نتمسك به ولماذا نأخذ الإسلام من موقع واحد بينما هناك طرق ومشارب عديدة والله سبحانه وتعالى يقول :

(فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه )الزمر 17 .

يقول الإمام علي بن أبي طالب (ع) :

( كونوا أصدقاء الحقيقة قبل أن تكونوا أصدقاء العقيدة ) .

ويقول أيضاً علي (ع) :

( من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ) .

وعلى هذا فمن واجب المسلم أن يدرس وأن يتأمل المذاهب المطروحة في الساحة الإسلامية وأن يعتمد على عقله وتفكيره وعلى عوامل الاستدلال والاطمئنان المتوافرة لديه وعند الاختلاف فإن الحق بين واضح لا يتعدد ولا يأخذ مظاهر وصوراً واشكالاً خلافاً لما يرى ويقول المصوبة المغرضون .

يبدو أن هناك إشكالاً عميقاً يمكن في مناهج الدراسة في الجامعات والمعاهد الدينية حيث تفتصر كل مؤسسة على تدريس اتجاه معين ونمط واحد من العقائد والفقه والعلوم الدينية متجاهلة سائر الاتجاهات والمذاهب الأخرى وإن الا نكى والاخطر من ذلك هو تعبئة الطلاب فكرياً ونفسياً ضد كل ما يخالف مذهب المؤسسة ومنهجها فيتخرج طلاب هذه العلوم بفكر منغلق وعقلية ضيقة محدودة جاهلين الرأي الآخر ومنحازين بتعصب أعمى ضد كل ما لا يوافق فكرهم .

إن احترام العالم يقاس بمدى احترامه للحقيقة لأنها ضالته أينما وجدت وفي كتب الشيعة الإمامية اجتهادات قد لا يعرفها حتى الخواص من علماء السنة ولو أنهم اطلعوا عليها لقويت بالشيعة الإمامية ولا حترموا علماء المسلمين ومذاهبهم ولقويت البواعث على تمهيد السبيل ووحدة الفكر والعقيدة بين الأخوة المؤمنين من حيث يريدون أو لا يريدون .

الحوار يولد التقارب :

إن لله سبحانه وتعالى وهو الخالق السيد العظيم لا يأنف أن يدخل مع عباده الضعفاء في حوار وأن يجيب على تساؤلاتهم وأن يشاركهم ويهديهم حل إشكالاتهم ,

فهل يحق لأحد بعد ذلك أن يترفع عن النقاش والحوار مع أخوانه في العقيدة والاصول .

عندما يقول الكفار والمشركون ويتقولون في نبوة الرسول (ص) ويتهمونه بالكهانة والجنون مدعين أن القرآن لون من ألوان الشعر الذي نسجه محمد ثم نسبه إلى الله يرد عليهم القرآن الكريم مستعرضاً ومناقشاً ويدخل معهم في حوار مثيرأً الوجدان الفطري لتكون محكمة الإنسان الوجدانية الداخلية هي الحكم وليبرز الضمير ليميز بين الصحيح والكذب.

( أم يقولون بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) طور 33 – 35 .

( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ,

إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم

من الجنة والناس أجمين ) هود 118 .

الله سبحانه وتعالى جعل الاختلاف سبباً إلى التمحيص والاختبار لمن يريد أن يتمسك بالحقيقة وإن الصورة المثالية التي تتمناها لوحدة المسلمين يستحيل تحقيقها إلا بوجود قيادة معصومة تخضع لها الأمة وتنفيذ أوامرها لأنها تمثل قيادة الرسول الأعظم (ص) وما جاء به ولكن أين هي هذه القيادة إن القرآن الكريم لم يترك أمراً أو قضية تتعلق بحياة الأمة إلا ورسمها وأوضحها لنا وقد بين الله سبحانه وتعالى القيادة المعصومة التي هي عدل القرآن تلك التي خصها ربها بفضائل عديدة لم يخص بها غيرهم من العباد .

وسنبين للأخ القارئ عصمته هذه القيادة مفصلاً في المواضيع التالية إن شاء الله تعالى .

شرعية الإمامــــــة:

شاءت حكمة الله سبحانه وتعالى أن ينظم هذا الكون تنظيماً ربانياً يسير بدقة متناهية بلا خلل ولا نقص ومن حكمته جل وعلا أن جعل البشرية تسير بنظم سماوية وتشريع رباني لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم جعل لهذه الأمة ولهذا التشريع قادة وقيادة من صفوة الخلق طهرهم الله من حب الدنيا وأرجاسها ومنحهم العلم والمعرفة فمنهم الأنبياء ومنهم الأئمة عليهم السلام هؤلاء هم الذين يستحقون أن يكونوا خلفاء على الخلق وأمناء على الشرع ومنهم نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي خصه الله بالنبوة والإمامة يقول تعالى : ( إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظامين )البقرة 124 .

لقد جعل ‍‍الله سبحانه وتعالى إبراهيم (ع) نبياً ثم خليلاً ثم أعطاه مرتبة ثالثة تشريفاً وهي الإمامة لتكون في ذريته من بعده فكانت في الرسول الكريم محمد (ص) وفي آله بدليل قولنا في كل صلاة اللهم صلي وسلم وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .

لقد ربط الله الآل بالآل أل إبراهيم بآل محمد والحكم دائماً يبدأ بالأهم فالخليفة أهم من الخليفة لأن كل مجتمع وكل أمة تحتاج إلى مرشد فلا بد وأن يكون ذلك المرشد أكمل وأشرف الخلائق في الطهارة والصفاء ورجحان العقل وقوة الإيمان ولن يتسنى ذلك إلا للمعصوم من عند الله ويبطل اختيار من هو أدنى منه مرتبة في الناس قال تعالى :

( ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) سورة ص 26 .

وهذا دليل واضح على أن الله سبحانه هو الذي يختار النبي والخليفة والإمام لأنه أعلم بالناس من أنفسهم ولما كانت الأمة بعد رسول الله في حاجة ماسة إلى إمام وقائد فهل نضع هذه الإمامة والقيادة في غير الذين اختارهم الله ورسوله ؟ هل ننتزع هذا الحق منهم وندع للناس اختيارهم ؟ إن ذلك لعبث وجهل والناس يستطيعوا اختيار المعصوم وليس من حقهم تبديله لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي اختاره قال الله تعالى ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) القصص 68 .

( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات ) ما أرادت الكتابة عن حياة الإمام علي وسيرته وحقه في الإمامة أو عن زهده وشجاعته وعلمه لأن ذلك قد يعجز عنه الكلام ويقصر دونه التدوين لكنني سألجأ إلى أسلوب علمي محاولاً الإفصاح عن الإمامة والخلافة .

الإمامة :

إذا لم تكن الإمامة من الدين فإنه ليس لأحد الحق أن يدخل في الدين ما ليس فيه أما إذا كانت من الدين ونسكت عنها ونحاول إخفائها بدوافعنا الدنيوية فإننا نكون بذلك قد خالفنا ما أمر الله به وهو الذي أمر رسوله في بدء الرسالة واتباعه كله أمره أن يدعو عشيرته الأقربين من بني هاشم ليوسع مدار الدعوة قائلاً سبحانه :

( وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون ) الشعراء 214 .

استجاب الرسول الكريم لأمر ربه ودعا عشيرته الأقربين وهيأ لهم الطعام فحضر أربعون شخصاً من بين هاشم بادرهم الرسول الكريم بقوله:

( يا بني عبد المطلب إن الله بعثني إلى الخلق كافة وإليكم خاصة بإنذاري لكم وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بها العرب والعجم وتنقاد لكم الأمم وتدخلون بها الجنة وتنجون بها من النار شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فمن يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي ) فلم يجبه منهم إلا علي ولقد كان صغير

السن ولكنها حكمة الله اخرج كل من ابن اسحاق ابن جرير والبيهقي في سننه وفي دلائله والثعلبي والطبري في تفسيريهما واخرجه الطبري في

تاريخ السيرة الحلبية ج1 ص 318 ثم أحمد بن حنبل ج1 ص 111 وص 159 والنسائي في خصائصه ص 6 .

ويعيد الرسول الكريم مكررا الدعوة الى قومه فلا يجيبه اجد الا صوت علي لبى الدعوه وتعهد بالمؤازرة والمناصرة فيلتفت إليه (ص) قائلا (اجلس فأنت اخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي).

ابـــــن في الكامل ج 2 ص22

والســـــــــيرة الحلبـــــــــية وابن حنبل في مسنده ج1 ص11 وص159

كما أوردتهالكثير من المصادر الاخرى بالفاظ متقاربة

لقـــد كان علي(ع) سند الدعوة وجدارها القوي الشامخ منذ تباشير فجرها،

وبقيت عناية الله تحف بهذا الإمام والآيات تنزل بحقه حتى جاء الأمر الإلهي بدعوة الرسول إلى الحج ( حجة الوداع ) يوم دعا الرسول الناس

إال الحج0

حتى وصل عددهم إالى مائة وعشرين ألفا صحابي وبعد الحج وفي الرجوع

إلى الأوطان أوقف الرسول الناس ليبلغهم ما أنزل عليه من ربه قائلآ اسمعوا نداء الله:

{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصيك من الناس} المائدة 67 .

قال الناس بهذا أمر موجه لك لتبلغ مالم تبلغه فقال في معرض كلامه من

خطبة حجة الوداع: ( لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا لعل رسل ربي تأتيني

فأجيب أليس الله بمولاي قالوا: بلى قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم

قالوا : بلى فرفع يد علي حتى بان بياض أبطيه وقال: من كنت مولاه فهذا

علي مولاه اللهم والي من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصر واخذل من خذله وأدر الحق معه أينما دار).

فتقدم أكثر الصحابة نحو علي بن أبي طالب، وفيهم عمر بن الخطاب، وخاطب أبا الحسن بقوله بخ بخ لك يا ابن ابي طالب اصبحت وليي كل مؤمن.

مما تقدم نجد أن الولاية هي الخلافة وقد قال تعالى:

{ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} المائدة 55.

نزلت هذه الآية الكريمة بحق الإمام علي (ع) مؤكدة ولايته على المؤمنين

بعد الله ورسوله أما الآية { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} .

فلم ينزل بعدها إلا آية واحدة وهي التي يقول فيها سبحانه وتعالى:

{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }المائدة3.

فكان كمال الدين والتشريع في النبي الامي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان إتمام النعمة بولية وخليفته الإمام علي (ع).

وقال الذين في قلوبهم مرض إنما نزلت هذه الآية بمعنى إكمال الدين

وأما الإمامة بعد الرسول فهي لاتصبح إلا بالمشورة بين المسلمين مفسرين وشاورهم في الأمر ثم أمرهم شورى بينهم بما ليس فيهما من معنى وهدف مخالفين بذلك ما يريده وما دعا إليه الرسول دعوة واضحة في خطبة حجة الوداع، بلى لقد قال الله سبحانه وتعالى وشاورهم ولكنه أكملها بقوله:

{واذا عزمت فتوكل على الله }.

لأن الله سبحانه وتعالى يعرف أن الرسول كامل بالوحي ولاينطق عن الهوى وهو المؤيد، والمسدد من الله وإن خلافة ينص عليها كتاب الله ويوضحها رسوله لاتحتاج إلى بيعة الناس اختلفوا على قولين مشهورين

فريق قال : علي منصب بنص إلهي ، والرسول لاينطق عن الهوى ، والفريق الآخر قال إن الإمام هو أبو بكر باختيار أهل الشورى ، الفريقان يقران أنه لايجوز ترك الأمة بدون خليفة أو إمام ، فهل يمكن للناس أن يكونوا أحسن اختيارا من رب الناس ومن رسوله

قال تعالى:

{ وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } القصص 68.

والله سبحانه هو الذي يحسن اختيار الأكثر تقى وزهدا وعلما والأكثر جهادا والأسبق إلى الإسلام والأصدق إيمانا وقد اتفقت الأمة الإسلامية بمجموعها على أن علي (ع) دون غيره يمتلك كل هذه الصفحات وهو الذي قال فيه رسول الله (ص)

( أعلمكم علي أتقاكم علي أقضاكم علي أسبقكم إلى الإسلام علي لايقضي أحد وفيكم علي).

فالإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأوسع جانبا من أن ينالها الناس بعقولهم وبالتالي أن يكون لهم الحق في تبديل اختيار الإمام بعد أن اختاره الله ورسوله.

الإمامة عميقة عمق تاريخ الخلفية بدءا من قوله تعالى:

{ اني جاعل في الأرض خليفة} البقرة 30.

وبعدها خص الله سبحانه نبيه إبراهيم الخليل بعد الرسالة والنبوة إذ قال تعالى: {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين}.

لقد طلب إبراهيم (ع) من ربه أن يجعلها في ذريته بقوله بلسان حال القرآن { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} إبراهيم 35.

فاستجاب له الرحمن: إليهم بأمرنا { ووهبناله إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحيناإليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين } الأنبياء 33.

وقد فرض تعالى على أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يقولوا في كل صلاة: اللهم صلى وسلم وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم آل إبراهيم ، أولا نجد في ذرية ابراهيم الى ذرية محمد (صلى الله عليه وآله)؟

الذي قضى عمره وهو يوصي قائلا:( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها

نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى) نظائر العقبى للطبري – الصواعق المحرقة ص 282.

قال سيدنا محمد صلى الله عليه وأله و صحبه :(إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الأخر ،كتاب الله حبل ممدودمن السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) صحيح الترمذي ج5 ص663 حديث3788

فالولاية اذن تكون حصراً ولد علي (ع)على يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله) و الولاية اختيار من قبل الله عز و جل و من قبل رسوله لانها زمام الدين ونظام المسلمين و صلاح الدنيا و عز المؤمنين.

قال تعالى :(ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرةُ من أمرهم ) الأحزاب /36.

إن الأنبياء و الأئمة يوفقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لم يؤته غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم.

يقول الأمام الصادق (ع):(إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة إذا وقف بين يدي الله جل جلاله ،الصلوات المفروضات ،و عن الزكاة المفروضة ،و عن الصيام المفروض ،و عن ولايتنا أهل البيت فمن أقر بولايتنا قبلت منه صلاته وصومه و زكاته و من لم يقرأ بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله جل و عز شأنه شئياً من أعماله).

الإمامة ضرورة حضارية:

العقل هو الذي يحدد موصفات و شروط و مؤهلات الحاكم الصالح من خلال معطيات و حدود و مؤشرات الشريعة الإسلامية هذا بالإضافة إلى ما كان في مرحلة القوة و أعني بها مرحلة الرسول المختار .

و الناس و قد يختارون رجلاً غير جدير، و غير مؤهل لتولي مسؤولية الحكومة بدافـــع من الغفلة أو سوء القصد عندما يتزاحم كثير ممن تنقصه الكفاءة لنيل منصب الحاكم فإذا تحقق له ما يريد قام بتطبيق القوانين ،الإجراءات التي تتناسب مع قدراته و كفاءاته السياسية ،لأن الإنسان لا يقدر إلا بقدر ما يعرف ،أما نتيجة عجز هذا الحاكم فإنها تصيب مجموعة الأمة بنتائجها السيئة.

إن تولي الحكم يحتاج إلى أرضية صلبة يملكها المتولي حتى يستطيع تطبيق القانون التشريعي الصحيح على كافة الأصعدة الحياتية اجتماعياً و سياسياً واقتصادياً لأنه يترجم عبر كفاءاته كل طموحات الأمة الفردية و الجماعية مستنداً إلى الضوابط الشرعية و الإنسانية و يجب أن يمتلك الحاكم الصفات الحميدة من تقوى و صبر و شجاعة و كرم و علم و معرفة لأن الحاكم هو أب للجميع , هذا وإن العقل ومنطق الواقع في الصح والخطأ لا يؤمن بحاكمية الجهال والظالمين وأصحاب الشهوات الدنيوية .

إن العقل يرتبط ارتباط عميقاً بشعور أخلاقي وجداني إيماني رفيع يحتم على الإنسان اختيار وانتخاب الأفضل وفي هذه الآيات الكريمة تأكيد علة هذا الاختيار قال تعالى ( قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي إلى الحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) يونس 35 )

وقال سبحانه : ( قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) يوسف 55.

وقال جل جلاله : ( قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم ) البقرة 247 .

وقال : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) البقرة 124 .

يؤكد القرآن الكريم أن الإمامة وقيادة المسلمين الشرعية لا تصح لمن عبد صنماً أو أشرك بالله ولو طرفة عين ولا لمن ظلم نفسه بزنى أو بجرم دنيوي غيره فإذا كان الشرك أعظم هو أعظم الظلم، فكيف يليق المنصب الإلهي، لمن عاش مشركا بالله معظم حياته.

إن الامامة والحكومة الشرعية هي قيادة قائمة بذاتها تتأطر مهماتها في صيانة القانون الإلهي والدعوةله وهي ليست صحيحة في مفاهيم ابن تيمية الذي يعتبر الدين هو الفكر ومهمته المراقبة على السلطة ذلك لأن الدين يحكم من القاعدة لا من القمة فكأنما يريد ابن تيمية لذلك أن يجرد رجال الدين من أي سلطة قيادية .

ولنا في مثال الرسول الأعظم المثل الأعلى والقدوة الحسنة فإنه حين دخل مكة فاتحاً صدع منادياً بلا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده وفي هذا إشارة واضحة كل الوضوح إلى جعل الناس تحت سلطة الحاكم الشرعي وإلى نبذ الحكم الجاهلي والرجعية والتخلف .

أما الإمام علي (ع) فقد كانت جميع حروبه في خلافته ضد الناكثين والقاسطين والمارقين كانت حروبه من أجل هدف جوهري هو عزل المؤهلين لقيادة الحكم الإسلامي .

وفي رسالة الإمام الحسن بن علي (ع) إلى معاوية هذا المقطع :

( فليتعجب المتعجب من توليك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل الدين معروف ولا في الإسلام محمود ابن حزب من الأحزاب وابن أعدى قريش لرسول الله وكتابه , فدع التمادي في الباطل وادخل في ما دخل فيه المسلمون من بيعي وأنت تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أواب حفيظ ).

يقول البخاري في الجزء الأول – كتاب الجمعة – كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والإمام راع ومسؤول عن رعيته .

وفي صحيح مسلم ج6 ص22 : ( من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) .

إن البيعة والولاية لأهل البيت ( ع) ثابتة في رقاب المسلمين في كل زمان ومكان وأخص منها رقاب العلماء الذين يجب عليهم العمل بقدر ما يمكن ويستطاع ذلك لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم – والمسؤولية على قدر المعرفة – الحسابات الدقيقة والمعاني المستدقة في القرآن الكريم ومناداته بالإمامة والولاية لأهل البيت بشكل مبرمج ومحسوب كإرادة الله عز وجل .

ولنضرب الأمثال فنقول :إذا قال لك شخص من أهل الخبرة إن هناك كنزاً تحت التراب على بعد مائة متر مثلاً فإنك إن ذهبت مائة و عشرة أمتار فلن تجد الكنز لإنك لم تراع المقدار المقنن للمساحة .

وإذا أردت أن تشاهد محطة معينة في جهاز التلفاز ولم تضغط على الزر المشار إليه في جهاز التحكم فإنك لن تحصل على المحطة المطلوبة .

وإذا أردت أن تفتح باباً وكان أحد أسنان المفتاح معطوباً مكسوراً فإن الباب لن ينفتح لك ما دامت أسنان المفتاح مقننة للفتح في صناعة متقنة وبصياغة محسوبة حديث شريف للرسول الكريم (ص) قال ( علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ) أخرج الأمام أحمد في مسنده ج 4 – 165 واخرجه ابن ماجه سننه ج1 – 44 – 119 .

حديث : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت من الباب ) أخرجه الحاكم في مستدركه ج 3 – 126 .

فلسفة الإمامة:

ما دام القرآن محفوظاً من الله وخالداً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو إذن أمام عيني نقرآه ونراه في كل زمان ومكان .

وبما أن الإمام هو الهادي والعارف بكتاب الله بعد الرسول فيصبح هو الترجمان للقرآن ويعتبر هو الإمام العلمي .

إذاً العيني هو القرآن والعلمي هو الإمام وسنثبت هذا بالدليل الواضح إن شاء الله الإمام العيني : بما أن القرآن الكريم يشتمل على العقائد والأخلاق والسلوك والأعمال كلها في الدنيا والأخرى فهو متعلق بالإنسان بحيث لولا وجود الإنسان لما كان للعقيدة وجود ولا للخلق تحقق ولا للعمل بالقرآن حصول .

الإمام العلمي:

فإن من علم بظاهر القرآن وباطنه وعرف تفسيره وتأويله واطلع على متشابهه ومحكمه وعمل بفرائضه وكان مؤمناً ومتيقناً بأنه من عند الله فهذا هو القرآن الناطق أي القرآن العلمي والإمام الحقيقي .

ولعلنا نتعرف أكثر من ذلك في قول الإمام الصادق (ع) عندما سأله المفضل بن عمر (رض ) عن الصراط فقال : هو الطريق إلى معرفة الله عز وجل وهما سراطان سراط في الدنيا وسراط في الآخرة .

أما سراط الدنيا فهو الإمام المفترض طاعته على العباد فمن عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على السراط كالبرق الخاطف ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن السراط في الآخرة فتردى في نار جهنم .( كتاب معاني الأخبار ) .

قال تعالى ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يؤمنون ) المائدة 50 .

وقال (ص) ( من مات وليس له إمام من ولدي مات ميتة جاهلية ) مستند الرضى عن كنز الغرائد ويقول الرضا (ع) ( لنا أعين لا تشبه أعين الناس وفيها نور ليس لشيطان فيها نصيب ) .

ويقول الباقر (ع) ( ما من أحد أكذب على الله وعلى رسوله ممن كذبنا أهل البيت وكذب علينا لأنه إذا كذبنا أو كذب علينا فقد كذب الله ورسوله لإننا إنما نحدث عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله ) مستند الإمام الرضى 1-160 .

قال تعالى 🙁 إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) فلولا عصمتهم من الخطأ وصيانتهم من الخطيئة لما كانوا جبالاً ورواسياً ولما كانوا مطهرين في كتاب الله لأنه لو وقع الإمام في الزلل في أي حكم أو عمل أو راح يسهو عن أمور الشرع إذا لابتعد وافترق عن القرآن والرسول

يقول : ( لن يفترقا) .

إن القرآن الكريم لا يدركه ولا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العمل وإن العترة الطاهرة هم الراسخون فما جمع القرآن غير الاوصياء لأن جمعه وإدراك كنهه مشروط بالطهارة التامة التي تعطي التعبير الصحيح إن الطهارة ليست مجرد النظافة للبدن والثياب وإلا لما كانت هذه الطهارة حاصلة بالتراب كما في التيمم ولما ترتبت الطهارة أيضاً بغسل الوجه واليدين في الوضوء وإنما الطهارة هي النقاء من الدنس والنزاهة عن الرجس والغرور علاوة على النظافة الظاهرية لتكون بالتقوى جديرين بأقامة الصلاة .

وقال تعالى : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين ) التوبة 108 .إنهم – الإمام والأئمة – هم الذين يقول الله فيهم سبحانه وتعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) الانعام 90

( ويقول سبحانه وتعالى :

( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) .العلامات هم الأئمة والنجم هو الرسول الكريم .ويذكرهم الإمام علي (ع) في إحدى خطبه بنهج البلاغة فيقول :

( فأين تذهبون وأنى تؤفكون والأعلام قائمة والآيات واضحة والمنار منصوبة فأين يتاه بكم وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزفة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ورود اليهم العطاش ) نهج البلاغة خطبة 87.

كما أشار إليهم سبحانه وتعالى في قوله ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) آل عمران 33.

فالعترة الطاهرة هي القادرة على انطاق القرآن واستماع نجواه وترجمته والعثور على ما فيه من مكنونات فلنرجع إليهم ولنتقدى بهم كي ما نكون من الهادين المهتدين الذين يحبون الرسول وآل بيته وبهم يقتدون .

الترابط العلمي بين القرآن والإمام :

القرآن العيني نور بصر وبصيرة للبعض وعمى بصر وبصيرة للبعض الآخر رجوع إلى الله وشفاء بأذن الله للبعض وسقم للبعض الآخر فكذلك الإمام العلمي اذا تبين للإنسان حقه والحق من حوله ومعه ثم أدار له ظهره وتركه فذلك هو الكفر الصريح وسيجد الكافرون جزاءهم بما كفروا والقرآن الكريم كما وصفه الخالق : ( وآتاكم من كل ما سألتموه ) إبراهيم 24 .

فهو كتاب شامل يعطيك في كل زمان ومكان جواباً ليناً طرياً بقدر ما هو صحيح وهو الينبوع السماوي ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) الرحمن 29 . فيجب علينا ألا نطلب الهداية في غير القرآن لكي لا نضل ضلالاً بعيداً إنه السراط المستقيم الذي لا يعرفه حق المعرفة إلا الله سبحانه ورسوله والراسخون في العلم ألا وهم الإمام والعترة من أهل البيت .

قال تعالى ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ) ومن التلازم المشترك بين القرآن والإمام أن القرآن العيني هو مظهر من مظاهر الله الذي لا شريك له ولا يمكن أن يأتوا بمثله ولو اجتمعت على ذلك الأنس والجن .

أما الإمام العلمي فهو إنسان كامل معصوم وهو مظهر عيني لله ليس كمثله أحد من البشر في تقواه وفي سلوكيته وفي قدرته على شرح وتعليم وتطبيق القرآن الكريم الإمام العلمي هو النجم الذي لا تطاله أيدي المتطاولين وقد عبر الرسول الكريم (ص) عن ذلك بحديثه الشريف بقوله ( أني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنكم لن تضلوا بعدهما ) السيوطي إحياء الميت ص 45 حديث 23

فالنبي نبي وإمام في آن واحد أما الإمام فهو إمام وليس نبي وإن ربط الأثنين بالغيب قائم وسار ما داموا على الحياة والفارق هو أن النبي يتلقى عن طريق الوحي ويرى الملائكة والرؤية عند حكم أما الإمام فلا يتلقى عن طريق الوحي ولا يرى الملائكة والنبي مكلف بالتبليغ والدعوة إلى الناس أما الإمام فتكليفه من باب العموم لكنه هو بذاته مختلف عن الناس لأنه مكلف تكليفاً سماوياً أن يحفظ الشريعة بدون خطأ أو عيب وأن يحل الخلاف والاختلاف بالحق وبما يرضي الله والرسول الشريعة الإسلامية ثابتة لا تتغير أما الخلاف فيحدث بين العلماء حسب تغيرات الزمن وظروفه وأحداثه فإذا كان لا يوجد إمام يرجع إليه الناس فإن الخلاف سيتسع والتشتت سيبقى ويستمر فلا يقوم للأمة بناء صحيح كامل إلا بوجود الإمام والأخذ عنه كما وأن الصحابة لم يكتمل نضوجهم العقلي جميعاً لذلك فقد كانوا يحتاجون إلى أمين بعد الرسول الكريم (ص) وقد وضع الله سبحانه وتعالى لهم الأمين وبين الموازين وأكمل الدين ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) المائدة 3 .

لقد جعل الله من الإمام لطفاً مقروناً بالأسباب الحافظة لخط النبوة وقد عبر الرسول الكريم (ص) عن ذلك بقوله في مواطن كثيرة ( وما ينطق عن الهوى ) منها :

1- علياً إماماً في حياته وذلك ما لم ينله واحد من الصحابة .

2-أعلن ولاية علي (ع) في غدير خم ونزلت بذلك الآية الكريمة :

( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) المائدة 67 .

وجاء في قوله سبحانه وتعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة 55 .

3- قام الرسول الكريم (ص) بإيضاح الترابط بين القرآن الكريم وأهل البيت في حديثه الصحيح ) إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنكم لن تضلوا بعدهما ) السيوطي احياء الميت ص 45 حديث 23 .

– الإمامة ومنطق القرآن :

فلنتأمل ولنتساءل كم قال الرسول الكريم (ص) لعلي :

( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )

لقد طلب الله سبحانه وتعالى إلى موسى الذهاب إلى فرعون وكان متهماً بجرم كبير هو قتل رجل من رجال فرعون فصعب ذلك على موسى وناجى ربه قائلاً ضارعاً إليه .

( قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً ) ص 25 – 34 .

لقد طلب موسى (ع) إلى أن ينصره بأخيه وليس بأي واحد آخر من الناس لأنه أعرف الناس به وهو الذي أشرف على تربيته وإعداده وكذلك ما طلب سيد الأنبياء (ص) من ربه أن يشرح صدره بل إن الله سبحانه وتعالى هو الذي خاطبه قئلا(ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض

ظهرك )الشرح 1-3 فالوزر هو الحمل الثقيل الذي يحتاج صاحبه إلى وزير مؤازر يساعده في حمل هذه الاعباء ويخفف عنه وقد اختار الرسول(ص) الكريم هذا الوزير

المؤازر عندما قال لسيدنا الإمام علي (ع) ( أنت مني بمنزلة هارون من

موسى ) فاختاره بذلك أخاً وولياً وليس كما جاء في بعض التفاسير الضعيفة من أن الملائكة هم الذين فتحوا صدر النبي الكريم (ص) واخرجوا منه العلقة وقد نفذ الرسول الكريم (ص) أوامر ربه حين قال له

( وأنذر عشيرتك الأقربين ) فقام الرسول بدعوتهم قائلاً ( من يسمع لي ويساعدني على هذا الأمر ويكون خليفتي ووزيري ) فلم يستجب له أحد من أهله إلا علي (ع) وكان حديث السن وأعاد الرسول الدعوة على مسامعهم أكثر من مرة فما استجاب له إلا علي فاحتضنه بيديه الكريمتين قائلاً :

( أنت وزيري وخليفتي ) .

ويشهد الله وهو خير الشاهدين على أن علياً هو الوزير والخليفة من بعد الرسول إذ يقول ( ووضعنا عنك وزرك ) والمنى واضح في ذلك وهو أن الله سبحانه وتعالى قد أزر النبي بأخيه علي (ع) الذي صحبه في جميع حروبه ضد المشركين إلا في حرب تبوك التي كانت حرباً استعراضية بقي فيها علي على المدينة بأمر الرسول رغم إلحاحه على الذهاب وقد قال له الرسول عندها :

( يا علي ألا تحب أن تكون خليفتي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) .

حادثة الغار مع الهجرة:

الوحدة الإسلامية أمنية كبيرة للمسلمين جميعاً يسعون جاهدين لتحقيقها إيماناً ومنهم أن في التماسك قوة وعزة ومنعة لكن الطريق صعبة وعسيرة وليست بالأمر السهل اليسير ما دامت العقول مربوطة إلى بيئة معينة وإلى دراسات خاصة ومطالعات محدودة ضيقة وبعيدة عن فهم جوهر الإسلام وسنبقى كذلك ما دام عند الكثير منا خوف من قول الحق خوف من اظهار ما في النفوس وتسترعلى كلمة الحق يطلع واحد منا على ما عند الآخر ويبقى كل منا مجهولاً عند اخيه غامضاً في عقيدته ورأيه وقد يحمله محامل سيئة لا يكون قاصداً أياها لذلك نحن نريد أن يكون للحق حوار وللحقيقة تبيان وإظهار بغير إفراط وتفريط

مثلاً فسرت بعض الآيات الكريمة في ظرف معين من الزمان تفسيراً لم يكن لصاحب التفسير فيه أية حرية في إعطاء رأيه أو أنه كان مجبراً على قول ما لا يؤمن به أو أن معرفته وقدرته على التفسير محدودة فلماذا ونحن الآن في عصر الانفتاح على نور العقل نتمسك بكل ما جاء به الماضي صحيحاً كان أم غير صحيح إن القرآن الكريم يزخر بآيات كثيرة بينها الباري عز وجل وخص بها أهل البيت ويشهد بذلك جميع المفسرين وهي واضحة حتى بجزئياتها الدقيقة فلماذا يعمد بعض الناس إلى تفسير مغلوط وينسبون معانيها إلى غير أهلها إننا من هذا المنطلق نعلق باختصار على هذه الآية الكريمة .

( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) التوبة 40 .

أراد بعض المفسرين لهذه الآية الكريمة أن ينسبوا لأبي بكر (رض) منقبة كبيرة وفضلاً كثيراً محتجين للنبي قائلين أوليس هو صاحب الرسول في الغار ونحن نقول لهم بلى لقد صحب الرسول في الغار لكن هذه التسمية تعبر عن كل رفقة ٍومصاحبة حتى انها وردت في امكنة كثيرة من القرآن الكريم بحق غير الصالحين مثلاً يقول سبحانه وتعالى :

( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً ) الكهف 37 .

ويقول تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) القمر 29 )

ويقول سبحانه : ( فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) لقمان 15 .

ويقول سبحانه 🙁 والصاحب بالجنب وابن السبيل ) النساء 36 .

إن لفظة صحب – صاحب – صحبه – لا تعني المساواة في الفضل وإنما أي صحبه عادية أخرى ولو كانت صحبه الطريق فلماذا نخالف منطق القرآن أن ابا بكر ( رض ) له باع طويل في خدمة الإسلام وارساء قواعده وهو من السابقين إلى طريق الحق واعتناق الإسلام كما وأنه حضر الكثير من المعارك مع رسول الله كما وأنه أدار الخلافة ودفة الحكم بين الناس لمدة سنتين بما هو لائق بالقائد وقد عمل بوصايا الرسول ولم يترك شيئاً احتاجه الإسلام إلا وحاول العمل به لكن وبالرغم من هذا كله فإن الآية الكريمة ليس لها أية علاقة في ماهية الشخصية الإسلامية واعطائها ما تستحق من ثناء بل إنها كانت في صدد الإرادة الإلهية التي تصدرها السماء مخترقة جميع النواميس والقوانين لتنزل على قلب المصطفى الأمين (ص) ذلك القلب الذي جعله الله منهلاً للمعرفة وصلة لوصل بين العبد وربه ليبين وليوضح قيمة العقل .

قال تعالى : ( آلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا )… الخ ) .

هذه الآية الكريمة تذكر حماية الله لنبيه ولرسالته فقط لا لغيرهما وتعطي الدليل على أن خروج النبي كان خروجاً اضطرارياً لا بد منه وأن الذي دفعه إلى ذلك هو عزم المشركين وتصميمهم على قتله فتبدأ الآية ذكر الخروج وحيداً ثم تذكر أن النصر له وحده خاصة حسب سياق الآية ( نصره الله إذ أخرجه ) تتكلم فإفرادية الرسول والتوجيه له وحده ثم تبدأ الآية بعملية الصحبة فتبين الحالة التي نطقت بها السماء عما حدث في بطن الغار تقول بعض الروايات أن أبا بكر

( رض ) لحق بالرسول بعد خروجه ولم يكن به حتى منتصف الطريق المؤدي إلى الغار فالآية لم تقل ثاني اثنين لتبين أهمية الصحبة بل أرادت أن تبين حالة قد طرأت في بطن الغار إما خوفاً لى الرسول وإما خوفاً من الاعداء فأما الخوف على الرسول فإن الله سبحانه قد بعث العنكبوت لتنسج غطاء ً من خيوط العنكبوت على باب الغار وبعث الحمامة أيضاً فعششت وباضت ليبعد الاعداء عن ايجاد الرسول وبالرغم من هذا كله فإن الخوف يعتبر أبا بكر وينهاه الرسول عما اعتراه من الحزن والخوف وأن الله لا ينهي عن شيء شرعه أو أمر به بل ينهي عن كل أمر مسيء وأن الخوف حالة فطرية تعتري جميع المخلوقات عندما تفاجئها بعض المفاجأت ولكن النهي هنا كان موجهاً من الله وبينما أن الحزن بكاء والله يقول بحق يعقوب (ع) ( وابيضت عيناه من الحزن ) لكن الله لم ينه يعقوب (ع) عن حزنه على يوسف (ع) ونحن لا نعرف سبب نهيه عن حزن ابي بكر وأمر نبيه أن ينهاه بلفظ لائم شديد إذ يقول له ( لا تحزن إن الله معنا ) أي لماذا تخاف ما دام الله معنا وآياته تسخر لنا العنكبوت والحمامة وبعد ذلك تخرج الآية إلى افرادية الرسول لوحده ( فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ) فلماذا لا تتعرض الآية للإثنين بالنهي لقد أمر الله سبحانه بإتمام نوره ونصرة نبيه وتأييده من السماء وهذا ما يليق بمقام الانبياء .

إن الصحبة المذكورة بالقرآن لها مفخرة اجتماعية وتقدير عند الناس أما بالنسبة للقرآن فلمنطقه معنى آخر لا ينسجم مع المفاخر والمقاصد الاجتماعية الوضعية لأن المقياس عند الله ليس ما يتراءى من ظواهر الاعمال وليس على ما تقدمه الانساب والاحساب ولقد صحب الرسول (صلى الله عليه وآله) في هذه الهجرة أكثر من ثلاث رجال منهم أبو بكر ومنهم حامل الطعام ومنهم الدليل على الطريق باجرة والمال ومن الآيات التي جمعت الرسول والصحابة في بعض المواطن مثل حنين وقد قال تعالى ( فأنزل الله سكينته على رسول وعلى المؤمنين ) فكانت الآية شاملة بالسكينة لرسول ومن معه جميعاً بخلاف آية الغار التي افردت الألطاف السماوية لشخص واحد فقط وليس للإثنين معاً وهنا يتداعى إلى الفكر حدث هام وحالة حدثت مع بدء الهجرة وهي أن الرسول الكريم عندما علم أنه مطوق من قبل قريش واليهود وأمره الله بالخروج قال لعلي بن أبي طالب (ع) إن القوم يريدون قتلي فعليك أن تنام في فراشي فقال الإمام (ع) أو تسلم يا رسول الله بنومي على فراشك قال نعم يا علي قال والذي بعثك بالحق إني لا أخاف على نفسي أكثر مما أخاف عليك وعلى الإسلام وأخذ الإمام (ع) ثياب الرسول ولبسها ثم نام قرير العين هانيها غير آبه بالقتل المحقق الذي يدلف إليه ولما علم سبحانه وتعالى صدق علي وصدق رغبته في افتداء الرسول وحماية افسلام بعث الله ملاكي الرحمة جبرائيل ليحرسوه من اعداء الله كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) .