حوار في الحرمين

حوار في الحرمين

حوار شيّق جرى في الحرمين: مكة المكرمة و المدينة المنورة، بين السيد شفيعي فاضل من فضلاء قم المقدّسة و الدكتور أبو النور الجزائري

تعريب: الشيخ فضيل الجزائري
أستاذ في حوزة قم العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

لا توجد آلية، في تصورنا، أحسن و أنجع من عملية الحوار الهادئ لتقريب وجهات النظر، و للاقتراب من فكر الآخر. و قد أشار القرآن الكريم إلى هذه الآلية الحضارية في عدة آيات مباركة منها قوله تعالى في أوّل سورة المجادلة { قد سَمِعَ اللهُ قولَ التي تجادِلُكَ في زَوجِها و تشتكي إلى اللهِ و اللهُ يسمَعُ تَحاورَكما إنّ اللهَ سميعٌ بصير }المجادلة/الآية 1، و قوله تعالى تعالى:{ و دخل جنّتَه و هو ظالَمٌ لنفسه قال ما أظن أن تبيدَ هذه أبداً * و ما أظن الساعةَ قائمةً و لئِن رُدِدت إلى ربّي لأجدنَّ خيراً منها منقلباً * قال له صاحِبُه و هو يحاوره أكفرتَ بالذي خلقك من ترابٍ ثمَّ من نطفة ٍثمَّ سواك رجلاً ٍ} الكهف/الآيتين/35-36. و أساس هاتين الآيتين تبيّنه آية شريفة أخرى هي قوله تعالى:{ قُل من يَرزُقُكُم من السماواتِ و الأرضِ قُل اللهُ و إنا و أيَّاكم لَعَلَى هدًى أو في ضَلالٍ مُّبينٍ } فالمسألة لا تخلو من أحد الشقّين فإمّا أن أكون أنا مع الحقّ و أمّا أن تكون أنت مع الحقّ، و الذي يكشف مكنون الحقّ و خفاياه هو الحوار الهادئ و المفيد الذي يحركه قلبٌ لا يريد إلاّ الحق و الحقّ فقط. و النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) مع يقينه التام بربه و بقضيته – كيف لا!؟ و هو الذي وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى – قد فسح المجال للحوار مع المخالف حتى ينجلي الحق و يظهر لمن له قلب يعي و لب يُبصِر.

لكن مع شديد الأسف لم نجد لهذه الآلية العظيم مكانة تُذكَر في تاريخنا الذي أسسته السياسة و لا زالت إلى يومنا هذا تعبث به من خلال عبثها بعقول النّاس ( و النّاس عموماً في غفلة كبيرة من أمرهم ). لكن من شرّفه الله تعالى بالإنتماء إلى مدرسة أهل البيت أهل العصمة و الطهارة يَجِدُ تاريخَ هؤلاء المخلَصين حافلاً بالمناظرات المليئة بالحوارات الهادئة المفيدة التي كانت سبباً في تغيّر مسار حياة الآلاف من النّاس. و يجد عيّنات من الحوارات القيمة و العالية المضمون لو عُرِضَت على العقل الحرّ لما تمالك نفسه في اختيار صراطهم المستقيم. من ذلك على سبيل المثال حوارات أمير المؤمنين عليه السلام مع الصحابة في بيان حقه المغصوب يحاججهم بغدير خم و غيره من الأدلة الناصعة بعيداً عن كل عنفٍ و تجاوزٍ في كلام لا يليق بالمروؤة و مقتضيات الدين، و كذلك ما ألقته سيدتنا و مولاتنا الزهراء عليه السلام أمام الصحابة في خطبتها الغراء ذات النفس المحمدي العلوي، و حوارات الإمام الحسين (عليه السلام)  في مسيره إلى كربلاء و في أرض الطف نفسها، فإنّه عليه السلام ما فتئ يبيّن لهم بأسلوب متين و هاديء غيَّهم و ضلالهَم و يحثّهم على التوبة، لكن قلوبهم كانت قاسية مظلمة فلم تسغ إلى حواراته النورانية و الهادية. و كذلك الإمام الصادق ( عليه السلام ) الذي كان يحاور من ينتمي إلى الدين الإسلامي كأبي حنيفة و غيره من علماء المخالفين و من هو خارج دائرة الدين من الزنادقة و الملاحدة، بحيث يخرج الرجل و هو في غاية الإعجاب بعلم الإمام و سعة صدره الشريف و قوة تحمله لسوء أدب المحاور و تغطرسه. و تمثل حوارت الإمام الرضا عليه السلام في مجالس المأمون مع المتشرّعة و غيرهم من أهل الكتاب و الملاحدة غايةَ ما يمكن أن تصل إليه أداب الحوار و المناظرة، لقوة حجته عليه السلام و عمق علمه، الأمر الذي جعل المأمون يخشى من انقلاب الآية عليه ففعل ما فعل ( و إلى الله المشتكى ).

فالحوار هو الوسيلة الحضارية الوحيدة التي تجعل الإنسان الحرّ ينفتح على أفكار الغير و على الحضارة التي تقع خارج دائرته و معتقداته. و من دون هذه الآلية يقع لا محالة في ما وقع فيه من يحمل في قلبه إلاّ الحقد و البغض و الذي ما فتيء يكفِّر و يزندق غيره لمجرد أن يرى فكرة ظهرت في الأفق لا تتماشى مع ما لُقِنَ المسكين من أفكار لا يدري مفادها و لا من لقّنه إياها يدري معناها، كما لمسنا ذلك بأنفسنا من خلال التأمل في مكتوباتهم و مسطوراتهم المتروسة بالجهل بقسميه: البسيط و المركب.

فمن يحرم نفسه من الحوار الهاديء و آلياته الحضارية تجده يلجأ إلى آليات غير إنسانية في مخاطبة غيره و مناظرتهم من قبيل الشتم و التكفير و الإقصاء و ما شابه ذلك من وسائل تنتمي إلى عالّم التخلف و الظلامية. و العجيب أنّ المخالِفَ يجادلك من منطلق ما يؤمن به هو، و بتعبيرنا الحوزوي ينقض عليك على أساس ما يتبناه هو من مباني علمية، غافلاً المسكين أنّ هذه الطريقة تنطوي على مغالطة من باب المصادرة على المطلوب، فمن حقنا الرد عليه قائلين: نحن لا نؤمن بما تتبناه من مباني علمية ( لو كانت مبانيه علمية في الواقع!؟ و هذا أوّل الكلام )، فيتحتم عليك بيان ما تبني عليه من أصول و مباني. و قد عشت شخصياً تجربة من هذا النوع في الحج من سنتين كان ذلك في المزدلفة أين ألتقيت بدكتور مغربي يدرس في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قسم الدراسات العليا و كان في صدد كتابه أطروحة دكتوراه في الشيخ محي الدين بن عربي مؤسس العرفان النظري، فقلت له: إذا تسمح أناقشك في مضمون الأطروحة فرفض فألحيت عليه فرفض، فأدركت أنّ الرجلَ ما يفهم شيء عن مدرسة محي الدين بن عربي. فدخلنا في حوارٍ مذهبي فأسقطته في الدور و المصادرة على المطلوب 6 مرات فقلت له أنت عاجز على إثبات دينك للبوذي و اليهودي ناهيك لشيعي مثلي ) إن شاء الله إذا ساعدنا القدر نقصّ عليكم مغامرات تبليغية شيقة مع المخالف عشتها في موسم الحج المبارك.

أخي القارئ الكريم أنقل لك في هذه المقالة جلسات نورانية و حوارات علمية عميقة شيقة جرت بين فاضل إيراني من فضلاء قم المقدسة هو السيد محمد شفيعي حفظه الله تعالى صاحب التأليفات القيمة منها: “الفطرة الدينية في الإنسان” و هو بحث قيم في بابه يشرِّح فيه معنى الفطرة في مجالات متعددة و يبيّن دور الفطرة في مجال التوحيد و في مجال العبودية و منشأ الدين، و “معرفة المبدأ” و غيرها من الرسائل العلمية المفيدة، و بين شاب مثقف جامعي جزائري ( أبو النور ) دكتور في الأديان من أصول باكستانية، يحسن التكلم بخمس لغات: 1. العربية،2. الفارسية، 3. الأنجليزية، 4. الأردو، 5. الفرنسية. شاب متوقد الذهن كثير الوعي، منفتح على الحوار و يعرف جيداً قيمة المحاورة و المناظرة، يتقن آليات الحوار و يحسن إثارة المساءلة، نلمس ذلك كله من خلال هذه الحوارات القيمية و الجملية. و هذه الجلسات كانت في الحرمين: مكة و المدينة، يبلغ عددها أحدى عشرَ حواراً، حوارات يملأها الصفاء و المودة من الطرفين و الحرية في طرح المسائل و الرد عليها. تشعر و أنت تقرأ هذه الحوارات و المساجلات أنّ الحقّ لا يظهر للضمير الحرّ و العقل النيّر إلاّ ببركة الحوار الهاديء الذي يتجلى فيه العمق العلمي و قوة الحجة و انفتاح قلبيّ المتحاورين على الحقيقة و الحقيقة فقط بعيداًَ عن الموروث البالي و التقاليد المتخلفة و التعصّب الأعمى.

و إليك أيها القارئ الكريم الحوار الأوّل من تلك الحوارات النورانية في بقعة مقدسة خرجت من لسانٍ سيدٍ ينتصر لحقانيّة أجداده الطاهرين بالحجة البالغة و المنطق القويم في مقابل عقل جزائري يحمل من الوعي و المعرفة ما يكفيه لقبول الحقّ و الانفتاح عليه.

هدانا الله تعالى و أياكم إلى الصراط المستقيم و أنار لنا دربنا بجاه محمد و آله الطاهرين.

بسم الله الرحمن الرحيم

اللقاء الأوّل: مطار جدة:

وصلنا إلى مطار جدة، بقصد زيارة بيت الله الحرام، في الساعة السابعة و النصف صباحاً من بداية شهر ذي الحجة من السنة 1417هـ.ق. و بعدما انتهت الإجراءات العادية على مستوى إدراة المطار، بقينا ( عموم الحجاج بما فيهم البعثة الإيرانية ) في المطار تحت الخيام الكبيرة ننتظر حتى تأتيَ نوبتنا للتحرّك اتجاه مكة المكرمة. بعد وجبة الصباح ذهبت أتجول بين البعثات الأُخَر من البلدان الاسلامية ذات الثقافات المتنوعة و العادات المختلفة، أرى أفراداً أشكالها مختلفة و ألبستها متعددة في حالة ذهاب و إياب، الأمر الوحيد الذي يجمعها تحت دائرة الأخوّة الإسلامية هو حبل الله المتين.

مصادفة: أرى رجلاً من بعيد متجِهاً نحوي و بعدما اقترب مني قال:”السلام عليكم” ضاغطاً علي يدي بحرارة، و بدون مقدمات قال لي:”أنا من حجاج الجزائر، أحب إيران كثيراً”*. و أنا بدوري سلمت عليه بحرارة ثم جلسنا معاً و شرعنا في الكلام تفوح منه الأخوة المخلصة.
* الشيخ الفضيل:
يكن الشعب الإيراني للجزائر – دولة و شعباً – احتراما كبيراً لا يمكن لي وصفه، و هذا الأمر لمسته بنفسي في الجمهورية الإسلامية، فمجرد أن يعرِفَ أحدُهم أنك جزائري تتغيّر معاملته. و السرّ في ذلك يرجع في تصوري إلى عدة عوامل، أعرض لبعضها فيما يلي:
1. الثورة الجزائرية العظيمة التي تشكل ثمرة ناذجة لعطاء دام سنين طويلة من التضحيات و الجهاد ضد العدو. فالثورة الجزائرية جاءت في فترة كان النّاس لا يعرفنون ما تعنيه المقاومة و الصمود، بخاصة أنّ الجزائر ابتليت بأخبث أنواع الاستعمار، من جهة يدعي العلمانية و إذا تجده يبني كنائس ضخمة في البلد، و يحاول أن يفرض دينه الخرافي على الأمة المسكينة.

و من جهة يدعي الحرية و المساواة و إذا تجده يقتّل العزّل و الأبرياء و يميّز بين أحط الجنسيات الغربية ( الأرجل السوداء ) و بين الشعب الأصلي. فهذه الثورة التي انطلقت من لاشيء هزّت دولة تعد من أكبر الدول قوة و عدة، و هذا الذي جعل الشعب الإيراني ينبهر بها و يجعلها نموذجاً يقتدي به في تحركه الثوري. و هذا الأمر سمعته من عدة شخصيات كبيرة إيرانية في خطبهم و تصريحاتهم، يقولون: نحن تعلمنا المقاومة و النهج الثوري من الجزائريين و يفتخرون بهذا كثيراً. لكن مع الأسف الشديد تشنجت العلاقات بين الدولتين في حين من الدهر و خسرنا بسبب ذلك مع الأسف الشديد كثيراً من الخيرات كان من الممكن أن ينتفع بها الشعبان الكريمان.
2. موقف الجزائر – دولة و شعباً – من الثورة الإيرانية، فالشعب الإيراني لا ينسى أبداً تلك المواقف المشرِفة لشعبنا تأييداً لثورة فتية نهضت ضد الاستكبار العالمي بجناحيه.
3. إنّ الجزائر هي التي مثلت مصالح إيران في إمريكا لمدة 13سنة.
4. وقوف الجزائر إلى جنب إيران في حربها مع البعث السافل.
5. مسألة الرهائن. قال لي أحدُ الإيرانيين العرب يشتغل قي سفارتنا: اتصل بي المسؤون هنا في إيران في بداية الثورة، فقالوا لي: كلم السفير الجزائري المحترم و قل له: أنّه يشرفنا لو تتكفل دولتكم بمسألة الرهائن. فقال لهم السفير: لماذا الجزائر بالخصوص؟ فقالوا: لا نثق إلاّ بالجزائر.
6. الجزائر فقدت وزيراً كان يُعَدُ من كبار الدبلوماسيين على مستوى العالم في هذا السياق أي مساعدة الجمهورية.

هذه العوامل كله جعلت الإيرانيين يعشقون كل ما له صلة بالجزائر الحبيبة، و هذه حقيقة لمستها أنا شخصياً في الجمهورية. ركبت يوما ما سيارة خاصة إلى مكان ما و بعدما سلّمت على صاحب سيارة و رد السلام، قال لي: من أين الأخ الكريم؟ قلت له: من الجزائر، هل تعرف الجزائر؟ فأجابني قائلاً: كيف لا أعرف ذلك و هو البلد الوحيد الذي ساعدنا في الحرب مع البعث. و غيرها من المفردات تشبه هذه عشتها هنا زادتني فخراً و عزة.

بدأ يتحدث معي باللّغة الفارسية بلكنة باكستانية و عندما عرّف نفسه الشريفة تبيّن لي أنّه من أصول باكستانية سافر وَالِدُه إلى الجزائر و حصل هناك على الجنسية الجزائرية. يتكلم بخمس لغات بطلاقة:1. اللّغة الإنجليزية، 2. اللّغة الفرنسية، 3. اللّغة الفارسية، 4. لغة الأردو، و 5. اللّغة العربية. طالب في قسم الدكتوراه تخصص تاريخ الأديان. قال لي: اسمي أحمد حسن. سألته: ما هي “كنيتك”؟ أبو النّور: في إيران ألاَ يتنادون فيما بينهم بالكنية؟ قلت: قال الإمام الثامن عليه السلام:{ إذا ذكرتَ الرّجلَ و هو حاضر فكنّه و إذا كان غائباً فسمّه }[ 1 ] ( سرّه كثيراً هذا الكلام ).

من الصفات التي أتمتع بها أنّ روحي جياشة و حارّة [ يقصد السيد من هذا الكلام أنّه نشط و متفاعل مع الغير ]. قلت له: أخوك من طلاب الحوزة العلمية بقم المقدسة، أدرِّس في الحوزة العلمية و الجامعة تخصصات متنوعة من جملتها الفقه، الأصول، الفلسفة، التفسير، المعارف الإسلامية، الأخلاق الإسلامية و تاريخ الإسلام. ( سرّه كثيراً كوني مدرساً في الحوزة و الجامعة معاً )

فَرِحَ أبو النّور كثيراً بتعرَّفه عليًّ، قال: أنا من أتباع المذهب الشافعي لكنّي دائماً أستفسر الشيعةَ الإمامية من الطلاب، في الجامعة و خارج الجامعة، عن آرائِهم و عقائدِهم، و قد سألتهم في هذا الخصوص أسئلة كثيرة و دائماً أحصل على أجوبة أكثر إقناعاً و أشد طراوةً من السابق. و مضافاً إلى ذلك أنا مسرور جداً بالتعرّف على شخصكم الشريف و أمل أن أهتدي من الضياع الذي أنا فيه. ثم قال: إذا تتفضل عليّ بإعطائي عنوانكم بمكة و المدينة حتى نرتِّبَ لقاءات علمية مع سماحتكم، و هكذا يمكن لي الاستفادة من شخصكم الشريف كثيراً في مجال تخصصي ( تاريخ الأديان ). سررت كثيراً باقتراحه هذا و رحبت به و قلت له: أنا في خدمتك و كلي رغبة في تحقيق ذلك، طبعاً: مع شرط واحد. قال: أي شرط؟ قلت له: أتكلم فقط في العقائد الشيعية الإمامية و آرائهم – الشيعة الإثنا عشرية التي يقال لهم كذلك الجعفرية، و لا شأن لي بعقائد سائر الفرق الإسلامية و آرائهم.
قال: أنا جدّاً مشاتق إلى ذلك، و غير خفي: أنّ المذهب الإمامي هو المذهب الوحيد – في عصرنا هذا – الذي استطاع أن يجذب عَطشَى الحقيقة الصافية، و منطق الشيعية الإمامية هو الوحيد الذي لفت الأنظار بمواقفه الواقعية ضد الاستكبار العالمي.

ثم قال لي: هل عندكم كتابٌ يتناول عقائد الشيعة الإمامية و آرائهم بشكل مضغوط؟ قلت له: أٌلِّفَت تقريباً في كل عصر كتبٌ من هذا النوع، من جملتها: كتاب الإنتصار للسيد المرتضى (ق.س)، و كتاب نهج الحق من تأليف العلاّمة الحلّي (ق.س)، و في عصرنا هذا كتاب أصل الشيعة و أصولها لشيخ النجف الكبير محمد حسين كاشف الغطاء (ق.س)، و كتاب الشيعة في الإسلام للعلاّمة الطباطبائي (ق.س).*
*الشيخ فضيل:
يمثل السيد الجليل الشريف المرتضى مرجع الشيعة في عصره، صاحب الكتب النفسية في جميع المجالات، أشير في هذه العجالة إلى جملة منها: 1. الأمالي في الأدب الذي يقول فيه الفخر الرازي: لو لم يكن للسيد إلاّ هذا الكتاب لكفى في بيان قوة باعه في العلوم و المعارف. 2. الشافي في الإمامة و هو كتاب نفيس في بابه لم يؤلف مثله في الإمامة، كتبه في الرد على أستاذه القاضي عبد الجبار المعتزلي الذي خصّص جزءاً من موسوعته الكبيرة المغني للإمامة ردّ فيه على الشيعة الإمامية في قولهم بإمامة أهل البيت عليهم السلام. و ناقشه السيد الحساب و لم يترك مفردة تتصل بالإمامة إلاّ و فصّل فيها القول و أبطل كل أدلة أستاذه المعتزلي. و الكتاب مطبوع في أربع مجلدات في قم المقدسة. 3. الذخيرة في علم الكلام يمثل دورة كلامية كاملة على النمط القديم، طبع مؤخراً في قم المقدسة. 4. جمل العلم و العمل هو كتيب نفيس في العقائد مع صغر حجمه أملاه على طلابه في بغداد. 5. الذخيرة في علم الأصول و هو كتاب في علم أصول الفقه يمثل موسوعة في هذا الباب لا زال يعتمد عليه في بحث الخارج في الحقل الأصولي إلى يومنا هذا. 6. الإنتصار و هو كتاب ينتصر فيه للفقه الإمامي في مقابل الفقه الزيدي، فهو كتاب ينتمي إلى فقه الخلاف، كتاب نفيس جداً في بابه. 6. الصرفة في بيان إعجاز القرآن. 7. شرح للخطبة الشقشقية. 7. قصيدة غراء أنشأها في الإمام الحسين ( عليه السلام ) نفيسة جداً. و غيرها من الكتب النفسية مفقودة إلى الآن. رحم الله السيد المرتضى.
نهج الحق للعلاّمة الحليّ ( ق.س) يمثل دورة عقائدية و فقهية طُبِعُ في قم بتقديم السيد رضا الصدر ( رحمه الله ) شقيق الإمام موسى الصدر، و هذا الكتاب ردّ عليها الفضل روزبِهان الأشعري فردّ على الردّ الشهيد السعيد القاضي المرعشي الشوشتري الذي قتله المخالفون عندما عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة كما هي سيرتهم عبر التاريخ، في كتابه النفيس إحقاق الحق. و علّق على هذا الردّ أحد أحفاده السيد المرعشي النجفي المدفون بقم المقدسة صاحب المكتبة العظيمة، طبع الكتاب و التعليقة في أكثر من 30 مجلد تحت عنوان التعليقة على إحقاق الحق. و قد استغرقت مدة تأليف هذه التعليقة 20 سنة كما صرّح بذلك السيد الجليل نفسه. و تُعَدُ هذه التعليقة مفخرة علمية لا يمكن لشخص واحد كتابتها، لكن الله تعالى قد وفقّ السيد لكتابتها. و قد أوصى السيد المرعشي (ق.س) بضرورة مطالعة الكتاب لما ينطوي عليه من كنوز لا توجد في غيره من الكتب. و الجميل هو أنّه رحمه الله تعالى لم يأت بشيء من كتب الشيعة، بل كل ما أتى به موجود في كتب العامة. رحم الله تعالى العلاّمة الحلي و المرعشيين و أسكنهم فسيح جنانه. و لكتاب “نهج الحق” شرح آخر نفيس للعالم الكبير محمد حسن المظفر ردّ فيه على روزبِهان الأشعري، و الكتاب طبع طبعة محققة تحقيقاً علمياً رائعاً في 6 مجلدات من طرف مؤسسة أهل البيت بقم المقدسة مؤخراً.أصل الشيعة و أصولها: كتبه مرجع الشيعة الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ق.س) لمّا رأى العامة يتكلمون عن الشيعة الإمامية بدون علم و فهم، و قصته مع أحمد أمين صاحب “فجر السلام” معروفة لما زار هذا الأخير مع وفد من جامعة القاهرة النجفَ الأشرف. فلمّا التقوا بالشيخ في بيته عاتب الشيخُ الدكتور أحمدَ أمين المصري عتاباً خفيفاً قائلاً له ( بالمعنى ): لماذا ذكرت في كتابك المهدوية عن الإمامية أمور لم نسمع بها قط. فقال له أحمد امين: لم تكن عندي مصادر كافية. فعلّق الشيخ على هذا الكلام بقولته المشهورة: عسى عذرٍ أقبح من ذنب. فقال له: أنظر مكتبات النجف تجدها متروسة بكتب أهل السنة و ما عندنا عقدة في مطالعة كتب المخالفين. أقول: صدقت يا شيخنا العزيز، الذي نأسف له هو أنك إذا تسأل المخالف ما تعرف عن الشيعة الإمامية؟ يجيبك ببعض الخرافات تحملها واهمته الضعيفة، من قبيل: تقولون أنّ جبرائيل عليه السلام أخطأ و أنزل الرسالة على محمد في عِوَض أن ينزلها على علي ابن أبي الطالب، و تقولون بتحريف القرآن، و شتم الصحابة و البداء الذي يلزم منه الجهل على الله تعالى، و تعظمون الأئمة و تجعلونهم آلهة، و ما شابه هذه الخرافات التي تنبئ عن أن الجماعة مبتلون بالجهل المركب الغليظ.

أقول لهم كلمة – و أنا المستبصر الذي كان في صفهم في حين من الدهر: يكفي هذا الدجل على أهل البيت و أتباعهم المستضعفين، و يكفي هذا الكذب في عزّ النهار. قد رزقني الله نعمة الاستبصار و سافرت إلى منبع علوم أهل البيت ( قم المقدّسة ) و درست ما كفاني لفهم الحقيقة من مصدرها، فلم أجد ما تتشدقون به من قرون. و هذا الذي جعلني أتمسك بأهل البيت أكثر فاكثر.كنا على مذهب يلقّننا تناقضات تمجها فطرتنا النقية و يرفضها عقلنا الخالص، فيقال لنا: لا تسأل! لا تناقش! هذه بدعة! هذا شرك! كنا نعيش تحت إرهاب فكري عَقَدي فضيع لا تتحمله الفطرة السوية. و حينما سافرت إلى قم المقدسة بقصد التعلّم و التفقه وجدت الحرية الفكرية هي الحاكمة و لا قداسة لشخص و لا لفكرة في مجال العلم و المعرفة، و المِلاك هو الحقو الحقيقة فقط. زارني شاب جزائري من العاصمة وهابي المشرب في قم المقدسة و مكث عندي بعض الأيام، قلت له: ما نمتاز به نحن الشيعة هو الحرية الفكرية، فيمكن لك التكلّم في كل شيء حتى في التوحيد، إذا تريد أن نبدأ من الله تعالى هل هو موجود أم لا؟ فأنا مستعد للمباحثة و الحوار. فقال لي: هذا الذي أريده فقد وضعوا في أذهاننا برامج مصنوعة مسبقاً ( قالها لي بالفرنسية: LES LOGICIELS BIEN PREPARES ). نعم: برامج مُقَولَبَة توضع في ذهنك تعيش بها إلى آخر أيامك، و ليس من حقك أن تسأل و تناقش في مفردات هاته البرامج. و العجيب إنك إذا تسأل هذا الذي وضعها في ذهنك هل تحضر معي عند الحساب و العقاب؟ يجيبك بكل وقاحة: لا، تكون لوحدك أمام الله تعالى. إذن: لماذا لا تتركني هنا لوحدي أقرر مصيري؟ و لماذا أنت الذي تحدد لي مُسبَقاً من أتبع و ماذا أعتقد و ماذا أفعل؟! فإذا راح شخصُ يخطب إمرأة لأجل الزواج يتأمل في كل صغيرة و دقيقة تخص عملية الزواج التي لا تقاس أبداً بأصل الدين. فإذن: كيف يتهاون العبد في أصل الدين الذي يترتب عليه الفلاح الأخروي أو الخسران الأخروي و بئس القرار.قال لي: أنا لا أعتمد على المدارس و العلماء في الوصول إلى الحقيقة. فقلت له: إذن كيف تعرف الحقيقة؟ قال: بنور يقذه الله تعالى في قلبي. قلت له: على أي أساس يقذف الله تعالى هذا النور في قلبك؟ قال: على أساس التقوى. قلت له: التقوى على أساس العبادة، و العبادة على أساس الشريعة، فعبادتك كلها على أساس الشريعة التي قنننها الإمام مالك. قال: نعم. قلت له: كيف تنطلق من مذهب مالك الذي يورثك التقوى التي تورثك بدورها النور الإلهي الذي تميّز به الحق عن الباطل، و في الوقت نفسه تقول: أنا لا أعرف الحقيقة من العلماء. فالنور الذي وصل إلى هذا المسكين هو نور مالِكي و ليس نوراً الإلهياً.
فقال لي: ماذا أفعل الألوهية تقتضي العبودية. قلت له: اترك الصلاة و الصوم و كل شيء و أبدأ البحث عن الحقيقة من جديد، و إذا متّ – لا قدّر الله تعالى – و لم تصل إلى الحقيقة في فترة البحث فالله تعالى لا يحسابك و لن يحاسبك و لو حاسبك لكان فعله خلافاً لعدله، و الله تعالى لا يظلم أبداً. فسكت و لم يجد جواباً. فأعطيته كتيباً في واقعة الغدير فقرأه فتعجب كثيراً من الواقعة لانّه لم يكن يعرف عنها شئياً مطلقاً ( كما هو الحال لدى شريحة كبيرة من أهل السنة ). و لما رجع إلى الوطن قال لزوجته أنّ الشيعة يذكرون واقعة تاريخية لا نسمع بها أبداً و هي واقعة الغدير. و قد رجع منهارَ الذات –أخبرتنا بذلك زوجته – بسبب ما شاهده من حقائق في قم المقدسة. قلت له: قل للنّاس في الجزائر لم أر من الشيعة في قم المقدسة ما يشين إلى غيرهم من الفرق الأُخَر و لم أشاهد التكفير و ما شابه ذلك، بل استقبلوني و حاوروني بكل حرية و احترام و لم أشاهد أي تقصير منهم في مقتضة الضيافة و باقي الخدمات. و قلت له: أمّا لو ذهب الشيعي إلى معاهد الوهابية و مدارسهم الله أعلم بمصيره و عاقبته.

هذا هو الوضع عندنا: تهم و كذب و افتراءات لم تجد لها مستنداً و أصلاً في كتب مدرسة أهل البيت، يتهمون الشيعي أنّه يشتم الصحابة و الصحابة في مخيال السني شخصيات مقدسة، فإذا جئت إلى هذه المسألة بالذات و بحثت عنها في مكنونات التاريخ لا تجد لهذه القداسة عيناً و لا أثراً إلاّ في ثلة من الصحابة التي ألتفت حول أهل البيت عليهم السلام. و أمّا البداء الذي يتهموننا به فلولا البداء ما صحّ الدعاء و زيارة الأرحام و صلاة الإستسقاء و غيرها من مفردات الدين، فلا أدري كيف يفسّر السني هذه الأمور بعيداً عن مفردة البداء. و التقية التي هي من أرفع السلوكات الحضارية كيف ينكرها العاقل الذي يعيش في صراعات قد تؤدي بالشخص إلى ما لا يحمد عقباه. و غيرها من مفردات عَقَدَية و تشريعية التي لا أطيل عليكم في ذكرها.

الشيعة في الإسلام كتاب مختصر يعرض فيه السيد الطباطبائي (ق.س) لمسائل عَقَدَية و تشريعية، و الكتاب عرّبه الأخ جواد علي كسار و طبعته مؤسسة أم القرى.

أبو النّور: قبل كل شيء: أوّد الإشارة إلى مسألة و هي أنّه إذا صدر مني شيءٌ سطحي في ظاهره فلا يرجع هذا إلى عدم اعتنائي بالمسائل المهمة، بل أريد فقط السماع إلى الأجوبة.

قلت له: أنت جامعي و محقق و سيرة الجامعيين أنّهم يسألون بطريقة حيادية و يريدون الحقيقة فقط، و بالتالي: سل بأي شكل تراه منساباً لك.

أبو النّور: أنا مسرور جداً بالروحية التي تتمتعون بها.

و في تلك الأثناء مرّ علينا أحدُ الأصدقاء يرتدي لباس علمائنا سلّم علينا من بعيد و تابع طريقه. نظر إليه أبو النّور و قال: عفواً: هل أنّ كلَّ الإيرانيين يضعون عمامة على رأسهم؟ قلت: لا، فقط العلماء و طلاب العلوم الدينية. قال: و هل للّون الأبيض أو الأسود فلسفة خاصة؟ قلت: بلى، فمن يرجع نسبه إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) عن طريق فاطمةَ عليها السلام فعمامته سوداء وغيرهم يرتدي عمامة بيضاء.

أبو النّور: لماذا يُختّص من يرجع أصله إلى النبي الأكرم بلقب “السيد” في مجتمعاتنا؟ و هل لهذه المسألة أصل تاريخي؟

الجواب: “السيد” هو لقب يخاطب به من ينتسب إلى العترة و آل النبي الأكرم (عليهم السلام)، و إن كان يطلق لغوياً على كبار القوم أيضاً [ ما يعادل كلمة آغا في الفارسية و MONSIEUR بالفرنسية و SIRبالأنجليزية ]. يذكر أحمد عطية في القاموس الإسلامي ج3، ص: 585:”السيد من ألقاب التعظيم يخاطب به الأجلاء من الرجال، مؤنثه سيدة و الجمع سادة. و السيد من الألقاب التي يخاطب بها المنتسب إلى البيت النبوي، و يطلق بخاصّة في صيغة المذكّر و المؤنّث على ذراري فاطمةَ و عليّ عليهما السلام”.
طبعاً: هذا اللقب منشأه هو الأحاديث النبوية، كما ينقل ذلك المتقي في كتابه المعروف كنز العمالج1، ص:400: هذا الحديث:{أنا سيد ولد آدم و عليّ سيد العرب }[ 2 ] و في حديث آخر:{ أنا السيد المسؤول في المشهود }[ 3 ]. و ذكر السامرائي في كتابه “القبائل و البيوتات الهاشمية في العراق” ص:7-8:”و في الحجاز يسمّى السيد “شريفاً”.

أبو النّور: عِمامة رسول الله ماذا كان لونها؟ قلت: كان لنبيّنا الأكرم (صلى الله عليه و آله) عِمَامَةُ سوداء بإسم السحاب[ 4 ] يضعها على رأسه الشريف في الأيام المهمة و المصيرية، من جملة تلك الأيام: غزوة الخندق و فتح مكة حينما دخل منتصراً حيث لبسها بجوار الكعبة المشرفة، و من تلك الأيام المباركة أيضاً التي لبس فيها العمامة السوداء يوم الغدير: يوم الثامن عشر من ذي الحجة يوم إبلاغ ولاية الأمير عليه السلام. ثم قلت له: ذكر هذا المطلب العلاّمة الجليل الأميني في كتابه الغدير الشريف[ 5 ].

أبوالنّور: تصفّحت مرة كتاب الغدير و أدري أنّه كُتِبُ في واقعة الغدير و مسألة الإمامة، و لم أطالع الكتاب مطالعة دقيقة، أمّا فيما يتصل بعمامة رسول الله السوداء المسماة بالسحاب فإنّي قرأت عنها في “وفاء الوفاء” للسمهودي من علمائنا[ 6 ].

ثمّ أضاف: من أيّة مدرسة تخرّجتم علمياً؟ قلت له: مراكزنا العلمية متعددة من جملتها: النجف الأشرف في العراق و هي من أعرق حوزاتنا العلمية و حوزة قم المقدّسة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية و هناك مراكز فرعية أّخَر.*
* الشيخ فضيل: السيد شفيعي تخرّج من حوزة قم المقدسة، و لا بأس بالإشارة إلى تاريخ هذه الحوزة العظيمة. أوّل من أسس هذه المدرسة العظيمة أستاذ الإمام الخميني ( ق.س) في الفقه و الأصول الشيخ الكبير عبد الكريم الحائري (ق.س) و كان ذلك بناءً على استخارة لمّا كان في حوزة آراك. فالحوزة بقم المقدسة مرّت إلى الآن بمراحل أربعة: 1. المرحلة الأولى: عصر أساتذة الإمام الخميني (ق.س) يقع على رأس هذه الجماعة المباركة الشيخ عبد الكريم الحائري (ق.س) و الشيخ رضا الأصفهاني (ق.س) و السيد رفيعي قزويني (ق.س) و السيد صدر الدين الصدر (ق.س) والد السيد موسى الصدر (ق.س) و الشيخ علي أكبر يزدي (ق.س) و الشيخ الجليل شيخ عشيرة قم أبو القاسم القمي (رحمه الله) و أستاذ الأمام في العرفان الشيخ الكبير الشاه آبادي ( رحمه الله ) و غيرهم من الأجلة. و هذه الثلّة الطاهرة تمثل فحول علماء الشيعة في عصرهم و بهم قامت حوزة قم المقدسة حشرهم الله تعالى مع أهل البيت عليهم السلام. و تأتي بعد هذه الطبقة طبقة الإمام الخميني (ق.س) و هي كذلك تحتوي على فحول من العلماء منهم السيد محمد حسين الطباطبائي (ق.س) صاحل الميزان الشريف و السيد رضا الكلبيكاني (ق.س) و الشيخ الآراكي (ق.س) و السيد المرعشي النجفي (ق.س) و السيد الداماد (ق.س) و غيرهم من العلماء الربانيين. ثم يأتي دور الطبقة الثالثة و هي تتشكل عموماً من طلاب الإمام الخميني (ق.س) و السيد محمد حسين الطباطبائي (ق.س)، من أبرز هذه الطبقة الشهيد مرتضى المطهري (ق.س) الشهيد السيد بهشتي (ق.س) و الشيخ جوادي آملي (دام ظله) و الشيخ حسن زاده آملي (دام ظله) و الشيخ مصباح يزدي (دام ظله) و السيد جلال الدين الآشتيناني (ق.س) و السيد علي خامنئي (دام ظله) و غيرهم كثير رحم الله الأموات منهم و حفظ الأحياء منهم. أمّا الطبقة الرابعة فهم تلامذة من ذكرنا من علماء الطبقة الثالثة و هم كثيرون لا يمكن لي ذكرُ أسمائهم كلهم، و هم أساتذتنا الأجلاء حفظهم الله تعالى و سدد خطاهم. و تمتاز هذه الطبقة المباركة من الناحية المعرفية بميزات لم تكن في الطبقات السابقة، و ذلك للظروف التي نعيشها في فترتنا الحساسة. من تلك الميزات السيطرة على اللغات الأجنبية من لغة أنجليزية و آلمانية و غيرهما من اللّغات الحيّة، و الإحاطة بما يطرح في المحافل العلمية في الجامعات العالمية و بالخصوصالجامعات الإمريكية من فلسفة عامة و فلسفة الأخلاق و الفلسفة التحليلية و التأويليات و نظرية المعرفة و العرفان و فلسفة الدين و الكلام الجديد و فلسفة المنطق و غيرها من الحقول المعرفية. و هذا الأمر تجلى في الترجمات المتنوعة و الدقيقة و الدراسات المقارنة في كل الحقول المذكورة التي يقوم بها طلاب العلوم الدينية، و هذه ظاهرة علمية لم تكن معهودة في الحوزة الكلاسيكية، أغنت الدراسات الحوزية و أدخلت إلى الحوزة مسائل جديدة لم تكن مطروحة في السابق.
فالآن تطرح على مستوى الحوزة العلمية بقم المقدسة دراسات علمية عميقة في كل التخصصات و تقام مؤتمرات عالمية في كل فصل من فصول السنة تقريباً و يستدعى إلى حوزتنا أكبر الشخصيات العلمية في العالم، و من الشخصيات التي زارتنا في قم المقدسة فيلسوف الدين الكبير جان هيك مؤسسة التعددية الدينية و صاحب التأليفات القيمية و النفيسة في مجال فلسفة الدين التي ترجم أغلبها إلى اللّغة الفارسية و المتكلم الكبير بلانتينجا الرئيس السابق لآكاديمية الفلسفة بغرب إميريكا و مؤسس مدرسة نظرية المعرفة الدينية التجديدة و صاحب الكتب القيمة في فلسفة الدين و التي ترجم كثير منها إلى اللّغة الفارسية بأقلام شيوخ معمّمين. و من زارنا من علماء العامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي انبهر بالعمق العلمي الموجود في قم المقدسة.

تشرّفت بزيارة المدينة المنورة في موسم الحج من سنتين و في الليلة التي وصلت فيها إلى المدينة التقيت في مكان إقامتنا بدكتور تونسي سني يحمل ثقافة جيدة، كنت في جماعة من طلاب الحوزة و كان هذا الدكتور المحترم ضيفاً عندنا فأثار مسائل علمية متعددة تتصل بموضوعات مختلفة فدخلنا في نقاش معه فكلما يثير مسألة من المسائل يجدنا أسوع فهماً منه فيها و لمس فينا العمق العلمي و الحجة القوية حين بسط البحث. طال الحديث معه تقريباً ساعة و نصف فاعتذرت له و تركت الحوار و النقاش لأنّي وصلت في الحين من جدة و كنت مرهقاً بسبب السفر. فلما انصرفتُ و ذهبتُ إلى غرفتي قال لمن كان معنا من الطلاب: ماذا تدرسون في حوزتكم في قم؟ فقال له صديق لي: ندرس ما قبل الفيلسوف سقراط إلى الفيلسوف كواين ( يعدّ كواين من كبار عقول القرن العشرين، و عالم إميريكي متخصِّص في فلسفة العلم و فلسفة المنطق و نظرية المعرفة و … و يعد من ألمع الشخصية العلمية التي انتجتها الجامعات الإميركية في القرن العشرين ) يريد صديقي أن يقول من هذا الكلام الكنائي: أنّ الحوزة العلمية بقم المقدسة تُدرَسُ فيها النظريات القديمة و الحديثة و ليست كما تتصورون أنّها ظلامية و متخلفة، فقال له الدكتور: لهذا أنتم أقوياء إلى هذه الدرجة، كنت أتصوركم تعيشون في عالمَ بعيداً عن عالمنا ( يقصد الدكتور أنّنا نحن طلاب العلوم الدينية ظلاميون و متخلفون كما يعتقد فينا ذلك أغلب المثقفون بالثقافة الحديثة مع الأسف ) فقال لصديقي: لكنّي الآن غيرتُ رأي فيكم 180 درجة. و كان معنا ابن أخته من باريس فقال له الدكتور المحترم: أريد منك أن تعلّمني مناسك الحج على طريقة أهل البيت عليهم السلام فلا أحج على طريقة أهل السنة ( هذا كان ببركة هذا اللقاء الذي لم يستغرق 90 دقيقة).

فحوزة قم المقدسة الآن تشّع بالمعارف العميقة و النظريات الجديدة في كل المجالات، و تحوي الحوزة على أكثر من 15 جامعة للدراست العليا و ما يعادل 500 مؤسسة علمية، و هناك مؤسسات تهتم بالإعمال الآلي، و هناك معاهد لدراسة اللّغات الأجنبة.

فيمكن لي الجزم كل الجزم بأنّ حوزة قم المقدسة هي أكبر حوزة للدراسات الدينية على مستوى كل العالم و لا يجاريها في هذا المجال لا معاهد الفاتيكان في روما و لا معهد باريس الكاتوليكي و لا الأزهر في مصر و لا مؤسسة أُخَر في أية منطقة في العالم، و هذا الذي أقوله حقيقة يقرّ بها كل من زار قم المقدسة و شاهد مؤسساتها عن قرب.

فيكفي هذه الحوزة فخراً أنّها المدرسة الوحيدة التي تُدرَّسُ فيها الفلسفة الإسلامية بمدارسها الأربعة: 1. حكمة المشاء، 2. حكمة الإشراق، 3. الحكمة الإيمانية،و 3. الحكمة المتعالية، و العالم كله ما زال يتصور أن الفلسفة الإسلامية قد انتهت مع وفاة فيلسوف قرطبة ابن رشد، و يكفيها فخراً أيضاً أنّها الحوزة الوحيدة في العالم التي يُدرَّسُ فيها العرفان النظري يُدرَّسُ فيها فصوص الحكم للشيخ محي الدين ابن عربي، و يكفيها فخراً أنّ الإجتهاد الفقهي و الأصولي ما زال مستمراً و بقوة لا نظيرة لها. و أمّا الدراسات القرآنية من التفسير الموضوعي إلى التفسير الترتيبي فالحمد لله هناك دراسات عميقة و قيمة بخاصة ما يطرحه الشيج جوادي آملي ( دام ظله ) من دراسات و بحوث عميقة في هذا المجال. و ما يميّز حوزة قم المقدسة عن باقي المدارس الدينية في العالم الإسلامي هو الحرية الفكرية في طرح الآراء و النظريات ( سنشير في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى إلى النظريات العلمية العميقة التي تطرح في الحوزة و ذلك في مجالات متعددة من فلسفة و فقهية و أصولية و تفسيرية و كلامية و عرفاينة و … )، ففي الحوزة لا قداسة لشخص من الأشخاص و لا لفكرة من الأفكار في مجال العلم و المعرفة، نعم: القداسة في الأخلاق و احترام شخص الأستاذ هذا مسلّم و هذا من أخلاقيات الإسلام و الإنسانية، أمّا في مجال الأخذ و الرد المعرفيين فلا قداسة لشيء من الأشياء، فكل ما يطرح من نظريات أو آراء يخضع للنقاش الشديد و يمحّص تمحيصاً علمياً بما لا مزيد عليه. و هذا الذي جعل مذهبنَا قوي الحجة و متين الطرح لا يمكن للغير أن يصمد أمامه. فعلى الشيعي أن يفتخر بمدارسه و حوزاته العلمية و ليطمئن قلبه أنّ حوزته قادرة على مجابهة أية فكرة جديدة و لا تخاف أيّ جديد في مجال الفكر و المعرفة.

الآن الحوزة العلمية بقم المقدسة منفتحة انفاتحاً كبيراً على الفكر الغربي، لكن – كما يقول الأساتذة في قم – انفتاح الحوزة على الفكر الغربي انفتاح فعلي ( تأثيري ) أي أنّه انفتاح يؤثِر تأثيراً إيجابياً على تطور الحوزة في مجال تخصّصها، على خلاف ما يحدث في المدارس السنية و العلمانية و غيرها فإنّ انفتاح هؤلاء انفتاح إنفعالي ( خضوعي ) انعكس سلبياً على ثقافة الأمة مع الأسف الشديد.

أردت من خلال هذه الكلمات القليلة الإشارة إلى مكونات هذه المدرسة الشيعية العظيمة حتى يعرِفَ الشعي الموالي ماذا وراءه من ركائز علمية و معرفية و من أين يستمد غذاءه المعرفي و حتى يعرِفَ أيضاً قوة مدارسنا و حوزاتنا العلمية، مما يزيده عزة و فخراً بمذهبه و انتمائه العَقَدي. و أخوكم الفقير إلى الله تعالى درس ما يعادل 14 سنة في هذه المدرسة العظيمة و نهل من هذا النبع الزلال علوماً لا توجد و لن توجد في غير حوزاتنا المباركة و أشكر الله تعالى على هذه النعمة العظيمة و الله وليّ التوفيق.

أهمية مسألة الإمامة و الخلافة

بعد صلاة المغرب أسرعت إلى زيارة أبي النور فوجدته سبقني إلى الموعد. سلّمت عليه، فسارع إلى استقبالي بفرح و سرور، قال لي متبسِماً: أعلم أنّكم تجمعون بين صلاة المغرب و العشاء و أنّ رسول الله كان يجمع بين الصلاتين من حينٍ إلى آخر، لكن المشهور الآن بيننا هو عدم الجمع بين الصلاتين. الآن: لا نتعرّض لهذه المسألة، عفواً.

  1. أبو النّور: لماذا تتناولون، في حوزاتكم العلمية و جامعاتكم، مسألة الإمامة و الخلافة؟ مع أنّنا اليوم في حاجة ماسّة إلى الوحدة الإسلامية و العمل على إيجاد الأخوة بين المسلمين أكثر من كل فترة سبقت؟*

الجواب: أشكرك على هذه المساءلة القيمية التي أثرتها. لا شك أنّ حفظ وحدة الأمة و رعاية أصول الأخوة الإسلامية بين أفراد الأمة الواحدة أمر ضروري لا يمكن لنا تجنبه، وبهذا نكون: 1. “يَدُ واحدة” أمام العدو، 2. أمة راقية و رأسها مرفوع أمام الأمم الأُخَر، متمتعة بالإكتفاء الذاتي في كل الجوانب، مستقلة استقلالاً واقعياً. 3. تحكمها على مستوى شؤونها الداخية روابط المحبة و الرحمة و الوفاء. و بالتالي لا يصح طرح هذه الموضوعات في كل موضع و في كل فرصة تتاح لنا، و هكذا نسد الطريق أمام العدو الذي يتحيّن الفرص دائماً لإيجاد الفرقة بين أفراد الأمة و تمزيق أواصرها و تفكيك لحمتها. لأنّ طرح هذه المسائل و المواضيع يحتاج إلى مُناخ مناسب و مجال خاص حتى تُقيَّمَ و تُعالجَ بعيداً عن كل تعصب و حساسية مفرطة. و لا شك أنّ المؤسسات العلمية و الثقافية هي المكان الملائم لطرح أمثال هذه المسائل. و الحمد الله بصفتي مدرِساً للمعارف الإسلامية من مدة طويلة في جامعات بلادي أتعامل مع الطلاب ( شيعة و سنة ) فيما يتصل بذه المسائل بعيداً عن كل ما يثير الشغب و الفوضى الفكرية، و لم نر في طرحنا لمسألة الإمامة في دروسنا أية نتيجة عكسية و غير مرضية.
بطبيعة الحال: إنّ إثارة أمثال هذه المسائل يتطلب من الشخص أن يكون صدرُه رحباً و واسعاً و أن يكون واعياً ما فيه الكفاية و أن يكون محيطاً إحاطة علمية شاملة بالحقائق و المعارف الإسلامية. و لا ننسى أنّ مسألة الخلافة كانت و لا تزال أهم ما طرح و ما يطرح في مجتمعنا الإسلامي في جميع أطواره و مراحله.

و لا يخفى على أحد أهمية دراسة مسألة الخلافة، يقول الشهرستاني صاحب كتاب “الملل و النحل”:”و أعظم الخلاف بين الأمة خلاف الإمامة؛ إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان”. و بالتالي: يجب علينا دراسة أمثال هذه المسائل الأساسية في مراكزِنا العلمية بطريقة ودية و أخوية؛ و ذلك لغايتين: الأولى: حتى يلتفت الفريقان إلى أمثال هذه المسائل الشائكة، الثانية: و حتى لا نعطي للعدو الفرصة لإثارة الفتنة بين المسلمين.
* الشيخ فضيل:
بعيداً عن السائل أخينا المحترم أبي النور الذي قال: أسأل حتى أحصل على الجواب فقط، و هذا من حقه الكامل. بعيداً عن السائل: هل هذا الطرح معقول في حد ذاته أم لا؟ المخالف دائماً يأتي بهذا الكلام الذي لا يمكن لأحد ينتمي إلى دائرة الإسلام العامة أن ينكره. من ينكر الوحدة بين المسلمين و قيمتها السياسية و غير السياسية؟! لكننا نقول: الوحدة ثمرة عملية تتجلى في الساحة السياسية و غير السياسية من ثقافية و غيرها، ترتكز على أساس عقَدَي لا شك في ذلك. حينها من حقنا هذا السؤال: ما هو هذا الأساس العَقَدي؟ من شقّ الأمة إلى شقين أليست مسألة الإمامة؟! جماعة تقول: وظيفة تعيين الإمام ( قائد الأمة ) يقع على عاتق الأمة على أساس عملية الإنتخاب، و هذا الذي حدث في السقيفة، و جماعة و هي من سارت في خط أهل البيت (عليهم السلام) تقول: إنّ تعيين الإمام وظيفة الله تعالى و لا دخل للأمة في هذا الأمر مطلقاً، و هذا ما حدث في غدير خم. فالوحدة بين المسليمن في نظر المخالِف لا تتم إلاّ إذا نسينا و تناسينا هذه المسألة الخطيرة.

و نحن نقول: إذا جئنا لنوحِّد بين المسلمين في حيثية هي التي شققتهم إلى فرقتين فعملنا هذا يشبه من يحاول أن يداوي المريض بالبرد بسقيه الماء البارد. ما أريد أن أقوله هو: إذا حاولنا أن نوحِّدَ بين المسلمين بعيداً عن مسألة الخلافة معنى هذا أنّنا نطالب من الطرف الثاني أن يتنازل عن مسألة ( الإمامة ) التي يراها تمثل لباب الدين و أسّه الذي يقوم عليه. فعملية غض الطرف عن هذه المسألة الشائكة و التساهل في أمرها هو – في تصورنا – تبرير لما قام به من تسبب في هذه الفرقة و سعى في هضم حق الغير. و هذه الفعلة لا أسميها وحدة، بل أسميها تنازلاً لصالح المخالف.

من حقك أن تسأل: ما هو العمل حينئذٍ؟ أجيبك قائلاً: الحل الوحيد لوحدة الأمة هو تعرية مسائل التاريخ و كشف خفاياه للأمة و وضع كل الحقائق أمام النّاس في جوٍ من المحبة و الودّ الكامل و في مراكز علمية متخصصة بعيداً عن كل تأثير خارجي سياسي أو غير سياسي ، و على الأمة أن تتحمل مسؤوليتها آنذاك. أمّا أن نأتي و نغطي على أعمال أرتكبت بإسم الأمة ( الإجماع المزعوم ) أدت إلى تمزيق الأمة في عقيدتها و شوكتها فهذا منطق النعامة التي تضع رأسها في الرمل و تترك جثتها مكشوفة فتقع صَيْداً للآخرين.

فالسؤال، في تصورنا، لا أساس له من الصحة. فطرح الإشكالية بهذه الكيفية معناه: أيها الإمامية تخلوا عن معتقدكم الأساس ( مسألة الإمامة ) و لنكن يداً واحدة ضد العدو. أيُّ يدٍ هذه التي نقف بها ضد العدو، اليد التي شتتت الأمة في الماضي. و هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أني ضد الوحدة الإسلامية، بل الوحدة الإسلامية تشكل استراتجية لا يمكن لنا التخلي عنها و يجب علينا العمل على أساسها مهما كلفنا ذلك من مشاق و صعوبات. لكن لنحاول تأسيسها على أصول متينة قوية لا تخدم طرفاً معيناً من الأمة يرى نفسه هو المحور الذي تدور عليه أمور الأمة، بل نحاول أن نبنيها على أصول تخدم الأمة كافة بحيث تشعر كل جماعة بوجودها و كيانها في دائرة الإسلام العامة، و لا تعيش حيف الإقصاء بالتكفير و الإحاءات المجرِّحة و ما شابه ذلك من آليات غير متحضرة. حينها نكون قلباً واحداً و نكون حقاً يداً واحدة ضد العدو.

  1. أبو النّور: هل يشكّل الإعتقاد بوجود الإمام و تأسيس النظام السياسي الإسلامي، في رؤيتكم السياسية و العَقَدَية، ضرورة من الضروريات أم لا؟

الجواب: أقول لك بدون مبالغة أنّ الإهتمام بالعقائد السياسية أمر ضروري في مذهبنا. الإنسان المسلم يختلف من هذه الحيثية عن سائر النّاس؛ فإنّه مكلَّف في حياته أن يبحث عن هذه الحقيقة و هي:”من هو القائد الذي تقع على عاتقه الأمور الدينية و الإجتماعية؟” كما قال النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ):{ من مات و لم يعرِف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية }[ 8 ]. و هذا الحديث الشريف معتبر و مشهور تقرّ به جميع المذاهب الإسلامية، و يتمتع بموقع خاص في مجامعنا الحديثية و الكلامية و في تاريخنا الإسلامي، و ينطوي على بلاغ خطير و إرشادات مهمة هي:
1. يجب على كل مسلم أن يعرِف أمام زمانه و قائده السياسي و العَقَدي؛ لانّ حاكمية الله تعالى تتحقق في المجتمع في ضوء حاكمية خلفاء الحق.
2. الإمام المعصوم موجود بين النّاس في كل العصور و الأزمنة، شأنه في ذلك شأن القرآن الكريم الذي له حضور عيني ( واقعي ) في المجتمع، و النّاس مُكَلفون بالرجوع إليه و العمل على مقتضى هديّه. فكذلك الإمام المعصوم و خليفة الله متواجد بين النّاس فيتعيّن عليهم متابعته عليه السلام. و بَدْهِيٌّ أنّه كما أنّ القرآن الكريم حجة إلهية فمصداق العترة الطاهرة بصفته إمامَ عصرِه حجة إلهية كذلك.
3. و في عصر الغيبة الكبرى التي أخفى الله تعالى فيه وليَّه الحجة عليه السلام لمصلحة إلهية في البين [ لانعلم بأسرارها كاملاً ]، يجب معرفة نوابه و الوسائط بينه و بين المجتمع و العمل على إتباعهم. و هذا ما يشير إليه توقيعه المبارك:{ وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم و أنا حجةُ الله عليهم }[ 9 ].

أبو النّور: أريد منكم لو توضّحوا هذه المسألة العَقَدية أكثر؟

قلت له: أشكرك على أنّك لا تصغي إلى ما أطرحه على شخصك الشريف من مطالب فحسب، بل أراك تريد المزيد منها. نعم: نحن الإمامية نعتقد أنّ الأرض لا تخلو أبداً من وجود الإمام، كما يشير إلى ذلك الإمام الصادق عليه السلام:{ لو بقيت الأرضُ بغيرِ أمامٍ ساعةً لساخت }[ 10 ]. و ليس عبثاً أن يذكِّر النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) أصحابه دائماً قائلاً:{ من أحبَّ أن يَركِبَ سفينة النجاة و يتمسك بالعروة الوثقى و يعتصم بحبل الله المتين فليوال عليّاً و ليعاد عدوّه و ليأتمَّ بالأئمة الهداة من وُلْدِه }[ 11 ].

فبالنظر إلى النُقَاطِ المثارةِ فوق نسأل: أليس طرح مسألة الإمامة و الخلافة في المراكز العلمية و بخاصة بين الشباب أمراً ضرورياً؟ أليس طرح هذه المسألة في مقابل ما يثيره الأعداء – طبقاً لهواهم – من مسائل متعلقة بالإمامة أمراً ضرورياً؟ ألا يُعَدُّ التساهل في هذا الأمر خيانة؟ يجب عليّ أن أذكِّرك بهذه النقطة و هي أنّ أصل ضرورة وجود الإمام عليه السلام لا ينكره أحد، و موردُ الخلاف هو من له الصلاحية أن ينصّب الخليفة؟ هل الله تعالى هو الذي ينصّبه أم هي وظيفة يضطلع بها النّاس: أهل الحل و العقد؟ و إلى هذه النُقطة أشار أحدُ مشاهير أهل السنة ( سعد التفتازاني ) في كتابه “شرح العقائد النسفية”:”الإجماع أنّ نصب الإمام واجبٌ و إنّما الخلاف في أنّه يجب على الله أو على الخَلق”[12 ].

في تلك الأثناء نظر أبو النّور إلى ساعته و قال: نتوقف بمقدار ما أؤدي صلاة العشاء ثم إن شاء الله بعد الصلاة نستأنف الحوار حتى أستفيد من حضرتكم. افترقنا و قلوبنا عامرة بالمحبة.

كيفية انتخاب قائد الأمة ( الخليفة ) في الرؤية الإسلامية:

بعد مدة زرت أبا النور في المكان المحدد، كان – في ما يبدو- مسروراً جداً، و هو في هذه الحالة قال لي: يبدو إنّي أزعجتكم كثيراً، و ذلك لأنّي أنا الذي يسأل فقط و أنتم الذين تجيبون، و هذا يتعبكم. لا يمكن لي أن أستضيفكم – هنا – حتى أقدّم لكم شيئاً نرفع به الملل. قلت له: أنا كذلك أعتذر لك، أمَلُ أن أستضيفكم في فندقنا بمكةَ المكرمة و المدينة.

طرح أبو النور، مع الاعتذار، ما كان يجول في ذهنه الشريف:

  1. أبو النّور: في نظركم: الحكومة الإسلامية من أيّ نوع من أنواع الحكومات هي؟ إنتخابية أم إنتصابية؟ و من أين تكتسب مشروعيتها؟*

الجواب: كلنا يعلم ما هي أنواع الحكومات، هناك حكومة ملكية تتمثل في حاكمية الفرد الواحد على الجماعة، و هناك حكومة جمهورية تقوم على الديمقراطية أي حاكمية الشعب على الشعب، و عندنا الحكومة الإلهية التي تختلف في جوهرها عن النوعين السابقين. و باعتبار أنّ دار الوجود و ما تنطوي عليه من موجودات ( بما فيها الإنسان ) ملك الله تعالى، فيجب أن يكون قانون الله تعالى هو الحاكم على دار الوجود، و بالتالي فالله تعالى هو الذي يجعل خليفة له ( النبيّ ) يقع على عاتقه تطبيقُ القانون الإلهي. و السبل التي بها يعرِفُ النّاس هذا الخليفة متعددة منها المعجزة أو التنصيص عليه من طرف الخليفة السابق عليه و المرتبة العلمية العالية التي يتمتع بها هذا الخليفة و أخلاقه السامية. و هذه السنة الإلهية أي حاكمية الله تعالى على الإنسان تحققت من زمان آدم عليه السلام إلى انقراض العالم و سوف تتحقق بواسطة المعصوم وفقاً لمثلث الهداية: 1. النبي، 2. الرسول و 3. الإمام.

و هذه السنة الإلهية سارية من آدم إلى الخاتم ( عليهما السلام ) و من الخاتم إلى فناء الدنيا، فلم تخل الأرض من وجود قائد معصوم و لن تخلوَ من ذلك أبداً. و النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) نصّب بأمر الله تعالى في صحراء غدير خم أميرَ المؤمنين عليّا عليه السلام خليفة له في أمته، و في الواقع قد عرَّف للنّاس ( أفراد الأمة ) من أختاره الله تعالى و اصطفاه لهذا المنصب العظيم و المبارك. و أمير المؤمنين عرّف الإمام الحسن عليه السلام بأمر الله تعالى، و هكذا إلى زمان غيبة إمام الزمان الحجّة بن الحسن ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ). و في زمان الغيبة الصغرى نصّب الإمام عليه السلام “النواب الأربعة” و جعلهم وسائط بينه و بين الأمة، و بهذا التنصيب [ المشروعية ] أعطاهم الحاكمية الظاهرية. و في الغيبة الكبرى نصّب الإمام عليه السلام الوليّ الفقيه ( مرجع التقليد الواجد للشرائط ) نائباً عنه عليه السلام بالنيابة العامة و أعطاه قيادة الأمة و الحاكمية على النّاس.

و قد أشار الإمام السابع عليه السلام إلى هذه المسألة الخطيرة بقوله:{ إنّ لله على النّاس حجتين: حجةً ظاهرةً و حجةً باطنةً، فأمّا الظاهرةُ الأنبياءُ و الرسلُ و الأئمةُ و أمّا الباطنةُ العقول }[ 13 ]و تتجلى هذه الحجة في مصاديقها في سياق التاريخ. و في عصر الغيبة شاء الله تعالى – لمصلحة إلهية- أن لا يكون الإمام المعصوم ( عليه السلام ) على رأس الحكومة الظاهرية، بل يحكم النّاس من خلال نوابه بالنيابة العامة [ مراجع التقليد ]. و هذا هو السبب الذي جعل ولاية الفقيه تتمتع في عصر الغيبة الكبرى بمكانة خاصّة.
* الشيخ فضيل:
تُعَدُ مسألةُ المشروعية من أهم المسائل التي تطرح في مجال فلسفة السياسة، و هذه المفردة تطرح أوّل ما تطرح حينما تثار هذه المساءلة: على أي أساس ( عقلي أو شرعي ) تحكمني الجماعة الفلانية ( في الحكم الديمقراطي ) أو الفرد الفلاني ( في الحكم الملكي أو الإلهي)؟ عندنا أصل فطري و شهودي لا يحتاج إلى توجيه معرفي مطلقاً و هو “لا حاكمية لأحد على أحد” أقرت بهذا الأصل الأساس الأديان الإلهية و العقول السليمة. و السؤال الذي يُثار في الذهن: من أين نشأت المشروعية في عالم الحكم و السياسة؟ أيّ: ما هو الملاك و المعيار الذي على أساسه يصح لجماعة ( أو لفرد ) تطبيق القانون على الرعية و على الرعية أن تطيعها و تخضع لها؟

سؤال في غاية الأهمية و الخطورة و لا زال إلى يومنا هذا من دون جواب في حقل فلسفة السياسة. و يبقى شوكة في عين النظام الليبرالي الغربي الذي يعتمد على آلية الديمقراطية في تسير أموره السياسية. و غير خفي: إنّ النظام الديكتاتوري و الملكي لا تعني قصة المشروعية عنده شيئاً من الأشياء، تتمثل المشروعية – في النظامين – في القوة، فإذا لم يعجبك النظام و قمت لتعترض عليه عملياً تُرمَى في السجون إلى آخر حياتك أو تزاح من الدنيا بسهولة تامة. إذن: لا كلام لنا مع هاذين النظامين اللذين لا يَشكُ أحدُ في كونهما من مخلّفات الظلامية و عصور التخلف ( و يمكنك إضافة إلى هذه الخانة نظام الأمراء الذي أرادت جماعة من المتخلفين فرضه على شعبنا الجزائري العزيز ). فلنركّز على النظام الليبرالي الذي يدعي الحرية السياسية و حرية الفرد في مجتمع يسميه “المجتمع المدني”. كيف تُتَصور المشروعية في النظام الليبرالي؟ قبل الإجابة على هذه المساءلة نشير إلى مغالطة علمية غرقت فيها شريحة كبيرة من السياسيين و المفكرين، و هي إنّه ليس لدينا في عالَم السياسة و ممارسة العمل السياسي نظام ديمقراطي، عندنا نظام ليبرالي يقوم على أسس ثلاثة: 1. الحرية الفردية، 2. الحرية الإقتصادية، و 3. الحرية السياسية. و يقصدون بالحرية السياسية أنّ الحاكم في النظام اليبرالي يستمد المشروعية من المجتمع المدني على أساس العقد الإجتماعي كما قرر ذلك جان جاك روسو في العقد الإجتماعي و غيره من العلماء الذين بحثوا هذه المسائل. و الإنصاف – من باب: لا تبخسوا النّاس أشياءَهم – أنّ القوم قد قطعوا شوطاً كبيراً في هذا المجال، و هذا لا يعني أنّنا نوافقهم على هذا المسار بكل مكوناته.

فالنظام اليبرالي هو نسق سياسي و إجتماعي يقوم على الحريات الثلاثة السابقة، و تمثل هذه الحريات مكتسبات ناضل من أجلها الغرب سنين طويلة حتى وصل إليها، و في نهاية المطاف تمكّن من القضاء على الحكم التيوقراطي الذي كان يحكم بإسم الله كذباً و افتراءاً و قضى كذلك على الحكم الملكي الظلامي المتخلف. أمّا الديمقراطية فهي مجرد آلية لإيصال من يرتضيه المجتمع المدني إلى سدة الحكم. فالديمقراطية آلية من آليات المجتمع المدني تسمح لأفراد هذا المجتمع بالتصويت – بكل حرية – على من يرغبون في برنامجه السياسي و الاقتصادي و الثقافي، و إذا لم يعجبهم هذا البرنامج في الفترة المحددة له قانونياً لهم أنّ يغيّروا الحكومة على أساس الآلية نفسها.

نرجع إلى بحثنا و نسأل بدورنا هذا السؤال: ما معنى المجتمع المدني؟ المجتمع المدني هو كيان متشكل من مؤسسات في إطار الدولة العام من قبيل الأحزاب السياسية التي تمثل المحور في العمل السياسي و الجمعيات بتجلياتها المتعددة من ثقافية و إعلامية و علمية و نقابية و غيرها، و يقع هذا الكيان خارج الحكومة و منه تنبثق مشروعية الحكومة. و الآلية الوحيدة التي توصل الحكومة و مشروعها إلى سدة الحكم وفقاً لهذا النسق هي الإنتخابات ( صناديق الإقتراع ). فمن أخرجته صناديق الإقتراع إلى الحكم و لو بنسبة 51 % من الأصوات فله المشروعية التي تؤهله لتطبيق مكونات برنامجه في حدود ما يسمح به الدستور الذي يمثل إجماع الأمة و الركيزة القانونية التي تقوم عليها الدولة. و على أفراد المجتمع المدني الخضوع لهذه الحكومة قانونياً وفقاً للعقد الإجتماعي.

و هنا يكمن بيت القصيد: كيف نوجّه حاكمية هذا النظام على من لا يقبله و لا يقِر له بالمشروعية المكتسبة من خلال صناديق الإقتراع و الإنتخابات. و بعبارة ثانية: كيف نوجِّه علمياً و عملياً خضوع الأقليات للحكومة المنبثقة على أساس الآليات التي يخضع لها المجتمع المدني؟ فالمسألة لها حلّان لا ثالث لهما: الأوّل: الخضوع للحكومة الفعلية و الركون لها، و هذا يخالف الأصل الأوّل ( الحرية الفردية ) من الأصول التي بُنيَ عليها النظام الليبرالي، أو الخروج من الوطن و السفر في أرض الله الواسعة ( الحركةُ برَكَةُ كما يقال )، و هذا الحل بات الآن غيرَ عملي بخاصة في عصر الحدود المعترف بها دولياً و قانون التأشيرات و ما شابه ذلك، مضافاً إلى مخالفة هذا الأمر لأصل المجتمع المدني الذي يسمح لكل فرد أن يشارك في بناء الدولة سياسياً و اقتصادياً و ثقافياً. فالحلان يسببان خللاً معرفياً و عملياً في نسق الليبرالية. فما هو العمل إذاً؟!
هذه الإشكالية ما زالت شوكة في حلق النظام الليبرالي و لم يعثر زعماء الفقه السياسي إلى الآن على حلٍ ناجع لها.

من المشروع لك أن تقول: الإشكالية تصدق كذلك على النظام الديني و الحكم الإلهي؟ نقول في الجواب: ( لنتفق مسبقاً: الحكم الإلهي الذي نتحدث عنه – هنا- هو الذي يستمد مشروعيته من أهل البيت ( عليهم السلام )، و لا علاقة لنا بالأطروحات الأُخَر مطلقاً.فمقصودنا إذاً من الحكم الإلهي هنا الحكم الذي يستمد مشروعيته من الله تعالى من خلال العترة الطاهرة وفقاً لما جاء في حديث الثقلين الشريف: { قال: إنّي فَرَط على الحوض، و أنتم واردون عليَّ الحوض، و إنَّ عُرضَه ما بين صنعاء و بُصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلِفوني في الثقَلَين.
فنادى منادٍ: و ما الثقلان يا رسول الله؟
قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله – عزَّ و جلَّ- و طرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلّوا، و الآخر الأصغر عترتي، و إنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترق حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا و لا تقصروا عنهما فتهلكوا }
و السؤال: من أين يستمد أهل البيت عليهم السلام أو نوابهم ( مراجع التقليد الجامعون للشرائط) المشروعية في إدراة الأمة و مؤسسات الدولة؟ الجواب واضح: تستمد العترة الطاهرة المشروعية من الله تعالى، و أساس هذه المشروعية ( الحجية في العرف الديني ) هو العصمة التي ترتكز – كما حُقق ذلك في مجاله الخاص و سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه بالنفصيل- على العلم الشهودي أي الكاشفية التامة للمصالح و المفاسد الواقعيتين. و هذه الوجودات المقدسة هي الوحيدة التي تملك هذه المشروعية الإلهية على أساس ما تتمع به من عصمة التي تقوم على الكاشفية المطلقة للمصالح و المفاسد أو بالإصطلاح الفلسفي الكمالات الوجودية، و وفقاً للرؤية العرفانية هي الوحيدة التي يمكن لها تحقيق مقتضيات الأسماء الحسنى في الحقيقة الإنسانية ( مهما كان إنتماء من تتمثل فيه هذه الحقيقة ).

فإذا قلت: كيف الحل مع من لا يقبل هذه المشروعية و لا يخضع لها من الكفار و أهل الكتاب و غيرهم من العلمانيين و ما شابه ذلك؟ فأنتم مبتلون بالإشكالية نفسها التي طرحتموها في وجه اليبرالية؟!

نقول: نضطر إلى بيان مسألة تتصل بالحقيقة الإنسانية، هذه الحقيقة مكونة من أبعاد ثلاثة هي 1. البعد الحيواني، 2. البعد المعنوي و 2. البعد الإلهي. و سرّ الخلق و الإيجاد الإلهي هو البعد الثالث أي البعد الإلهي، فإذا نظرنا إلى هذا البعد فلا يحق للإنسان مهما كان دينيه و مهما كان اتجاهه في الحياة أن يردّ هذه المشروعية، شريطة أن يبقي على إنسانيته و لا يتمرد عليها. و لماذا عليه أن يخضع لهذه المشروعية؟ الجواب هو أنّ البعد الإلهي في الإنسان ينسجم مع هذه المشروعية تمام الإنسجام، فيد التكوين جعلته بهذه الكيفية لمصلحة ترجع إلى الإنسان نفسه ماداميحمل هذه الحقيقة في أعماقه.

نعم: لو اختُزِلَ الإنسانُ في البعد المعنوي فقط لكان له الحق في طرح هذا السؤال ( السؤال عن أساس المشروعية ). هذا البعد ( المعنوي ) الذي يتجلى فيه المجتع المدني يتميّز بأمرٍ مهمهو التربية: التربية المعرفية و الثقافية و التربية الاقتصادية (التخطيطُ الحَسَن لكسب الثروة و توزيعها بشكل عادل) و التربية الرياضية. و هذا هو سرّ بروز المعاهد العلمية و الجامعات و المؤسسات الإقتصادية و الرياضية في المجتمع المدني. و هذه المؤسسات أسّسها الإنسان لتربية بعده الحيواني حتى لا يطغى عليه و يدمِّرُه. و الغاية التي يسعى إليها الفرد في المجتمع المدني هي الجاه القائم على أمرين أساسيين: 1. المقام الإجتماعي و المال و 2. رعاية القانون ( الفرار من القصاص ). و رعاية القانون ( الفرار من القصاص ) طريق في المجتمع المدني إلى الجاه. و السرّ في التركيز على القانون و رعايته في المجتع المدني حتى يستفيد الفرد أكثر من حياته المتجلية في جاهه:{ و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب }.

و حينما اكتشف المجتمع الغربي المشروعية الزائفة التي كانت تدّعيها الكنيسة المتواطئة مع النظام الملكي الظلامي، عمد إلى النظام الليبرالي العلماني الذي يعني فصل الكنيسة عن السياسة و إدارة المجتمع ( و لا يعني فصل الدين عن المجتمع كما قد يفهم البعض ذلك، فالدين له تأثيره الكبير على سياسة دوَل كبيرة: كإميريكا و آلمانيا و غيرهما من الدول ). و السرّ في عدول الغرب إلى النظام الليبرالي القائم على المجتمع المدني هو انتفاء المشروعية التي كانت تدعيها الكنيسة و النظام الملكي، فرجع إلى الأصل العقلائي الأساس:”لا حاكمية لأحد على أحد”، فسلّم الحكم للشعب يحكم نفسه بنفسه، و هذه هي الليبرالية و آليتها الأساس هي المجتمع المدني الذي يرتكز على الديمقراية و حرية الشعوب في إختيار من يمثلها في الحكم.

أمّا البعد الحيواني فتتجلى فيه طبيعة الإنسان التي لا تحسِن إلاّ الجذب بالقوة الماسكة و الدفع بالقوة الغاضبة، تجذب ما ينسجم مع غرائزها الحيوانية و تدفع ما لا ينسجم معها أيضاً، و إذا عارضها معارض في ذلك عمدت إلى تدميره و الفتك به. و هذا سرّ بروز الأنظمة الدكتاتورية و غيرها من الأنظمة التي لا تعرف معنىً لإنسانية الإنسان. فالإنسان إذا اختُزِلَ في هذا البعد يكون أخس من الحيوان فهو مجرد دابة لا تحسن إلاّ العلف قيمتها تعادل ما يخرج من دبرها كما أشار إلى ذلك الأمير عليه السلام.

و أمّا البعد الإلهي في الإنسان، الذي يرتكز على الفطرة الإلهية المكنونة في أعماق الإنسان، فلا يؤمن بحاكمية البعد الحيواني على الحقيقة الإنسانية، بل يرى هذا البعد دمّاراً للحقيقة الإنسانية إذا بقي الإنسان على مستواه. و خير من وصف هذا البعد هو الصحيفة المقدسة القرآن الكريم:{ و العصر إنّ الإنسان لفي خُسر … }العصر/1. فالبعد الإلهي في الإنسان يرتكز على مفردة الإيمان الذي تورث الإنسان الرشد و التكامل نحو الحق تعالى:{ فليستجيبوا لي، و ليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون } البقرة/ 186.

و أمّا موقف هذا البعد من البعد المعنوي المتجلي في المجتمع المدني فيؤمن به إذا كان هذا البعد خادماً للبعد الإلهي، فإن لم يكن كذلك فإنّه يراه لعباً و لهواً كما يصفه القرآن الكريم بذلك. و هذا الذي وصل إليه في نهاية المطاف إتجاه ما بعد الحداثة في الغرب الذي يقول أنّ العقل الغربي أنتج حضارة اختزلت الحقيقة الإنسان في حيوان يعيش الإستهلاك و الترفيه فقط. فالحياة التي ينشدها البعد الإلهي هي الحياة الطيّبة:{ من عمل عملاً صالحاً من ذكر و أنثى و هو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة }النحل/97. حياة تتجلى فيها حقيقة الإنسان في أعلى صورها يوم القيامة:{ يا أيتها النفس المطمئنّة أرجعي إلى ربك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي و ادخلي جنّتي }الفجر/ 27-30. يقول العرفاء هذه الجنة نسبها الله تعالى إلى ذاته المقدسة هي جنة الذات التي تمثل أعلى مقامات القرب الإلهي. فالإمام المعصوم هم الوحيد الذي يتمكن من وضع الإنسان في محضر الله و يجعله يتذوق معنى الحياة و معنى أشياء الكون ( أيات الحق تعالى ).

بعد هذه المقدمة الطويلة نطرح هذه المساءلة: من له الصلاحية و المكنة تكويناً ( العصمة ) و تشريعاً ( الحجيّة ) للأخذ بيد الإنسان – مهما كان دين هذا الإنسان و مهما كان مذهبه العَقَدي –و يعرج بحقيقته نحو الحق تعالى الذي تناديه هذه الحقيقة من أعماقها؟ الجواب: هو من أصطفاه الله تعالى العالمِ بحقائق الأشياء أزلاً و أبداً، و من نصّبه لهذه المهمة العظيمة. فكل من يستشكل على هذا الإصطفاء الإلهي فقد أعطى المشروعية للشيطان؛ لأنّ الشيطان هو أوّل من سنّ هذه السنة السيئة المخالفة لإرادة الله تعالى، و تبعه على ذلك البعض إلى عصر السقيفة و ما بعدها ( أوصي القاريء العزيز مطالعة الكتيب الذي كتبه صديقي المستبصر السيد يحيى اليمني الذي بيّن فيه نظرية الإصطفاء الإلهي كما تعرضها الرؤية القرآنية، و كشف الجماعة التي عارضت هذه السنة الإلهية من زمن الشيطان مروراً على قصة قابيل و هابيل إلى زمن السقيفة. عنوان الكتيب:”بنور القرآن اهتديت” كتيب نفيس جداً – جزاك الله خيراً أخي يحيى العزيز ) . نعم: من يقول أنا لست إنساناً، أنا حيوان و لي الحق أن أعيش كما يحلو لي في بعدي الحيواني أو المعنوي. نقول له: من حقك ذلك، لكن لا تتكلم معنا بلغة العقل و الحريات الإنسانية و المعنويات، و إذا اتفق و كلمتنا بهذه الأمور فأنت منافق عليم اللّسان و خبيث القلب. أنت مجرد حيوان بل أخس من الحيوان. فليحكمك قانون الغاب و الوحوش. إذن: مشروعية أهل البيت و حكومتهم عليهم السلام ترتكز على شيء يشكل لبّ الحقيقة الإنسانية، و خارج هذه الحقيقة ( البعد الإلهي ) فلا مشروعية و لا شيء من هذا القبيل، بل هناك يُدمرُ الإنسانُ و يفني نفسَه بنفسِه كما نرى ذلك بالعيان في النظام الغربي و غيره من الأنظمة البعيدة عن هذا خط أهل البيت.

قد يقول قائل: إذا كانت يدُ التكوين جعلت الإنسانَ يستجيب إلى مشروعية الأئمة (عليهم السلام) على أساس الحقيقة التي ينطوي عليها -كما تزعمون – فلماذا نرى التمرّد و الانحراف في دار الوجود؟ نقول: الوجوب الذي يفرضه العقل و الشرع على الحقيقة الإنسانية أمام من اصطفاه الله تعالى لهذا المنصب الإلهي المقدس وجوب تشريعي أي أنّ الإرادة التكوينية الإلهية شاءت أن تكون هذه الاستجابة و الطاعة لمن لهم هذه المشروعية الإلهية باختيار الإنسان حتى يتميّز بهذا التشريف الإلهي عن غيره من المخلوقات. فالتكليف الشرعي تكليف في صورته أمّا في حقيقته هو حق للإنسان، فالهندسة الإلهية التي صممت حقيقته اعطته هذا الحق تكويناً فجاء التكليف لتحقيق هذا الحق فعلاً و واقعاً. و التكليف أساسه الاختيار حتى نُصحِح الثواب و العقاب، فالإرادة التكوينة شاءت أن يتلبس الإنسان بهذه الكمالات الوجودية ( التي هي حق له في الواقع ) على أساس اختياره الذي قد يستعمله في طريق مخالف للتكليف فيتمرد على حقيقته.

  1. أبو النّور: في رأيكم، كيف يعرِفُ النّاسُ إمامَهم؟

الجواب: للإجابة على هذه المساءلة يتعيّن عليّ الإشارة إلى جملة من النقاط فيما يلي:
ألف. الإمام -مع عدم كونه نبياً- منصوب من الله تعالى شأنه في ذلك شأن النبي، و الرسول بصفته مبلِّغاً لتعاليم الله تعالى هو الذي يعرِّف الإمامَ للنّاس.
ب. بيّن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أسماء الأئمة بمشخصاتها، من خلال أحاديثه المباركة، للنّاس.
ج. يعرِّف الإمامُ السابق الإمامَ اللاحق وصياً له حتى يستمِرَ خطُ الإمامة و تدوم قيادة الأمة و يتّم بذلك تطبيق ما أتى به النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) على المصاديق اللازمة و المناسبة.[ 14 ]
د. خصوصيات يتمتع بها الإمام المعصوم عليه السلام منها: المعجزة.[ 15 ]

5. أبو النّور: في نظركم ما هي السياسة و من هو السياسي ( القائد )؟

الجواب: للسياسة معانٍ متعددة و استعملات مختلفة، من جملتها: تكميل النفوس و تدبير الأمور و إدراة المجتمع بنحوٍ أحسن، و “الإمامة الفاضلة” و هذا المعنى هو الذي يشير إلى السياسية الإلهية التي يتزعّمها الأنبياء و الأولياء و الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ). فقد جاء في الرواية:{ فوِّضَ إلى النًّبي أمرُ الدّينِ و الأمّةِ ليسوسَ عبادَه }[ 16 ]، يقول الشيخ الطوسي في ذيل الآية المباركة { هو الذي بعث في الأمّيّين رسولاً … و يعلّمهمُ الكتاب و الحكمة }: المراد من الحكمة هو “كيفية تسيير أمور الحيات الدنيوية الذي يعلمها الأنبياء للنّاس”[ 17 ]و جاء في الزيارة الجامعة في حقّ الأئمة:{ و ساسة العباد }، و على هذا الأساس قال الإمام المجتبى عليه السلام:{ ندبّنا الله لسياسة الأمّة }[ 18 ].

تأسيساً على هذا تضحى أصول السياسة في الرؤية الدينية عبارة عن:
ألف. إنّ حاكمية الله تعالى الصحيحة لا تتحقق على أرض الواقع إلاّ إذا كان على رأس الحكومة من اصطفاه الله تعالى لذلك، و هم من يشكّل “مثلّث الهداية”:”النبي، الرسول و الإمام”، فهؤلاء هم الذين يستطيعون تطبيق الأوامر الإلهية تطبيقاً عينياً واقعياً في حياة النّاس اليومية، و تكون إرادتهم فانية في إرادة المولى تعالى:{ إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ لتحكم بين النّاس بما أراك الله }النساء/الآية105، فالساسة الحقيقيون هم فقط من يحققُ إرادة الله تعالى و يطبق تعاليمه تعالى على أرض الواقع.

عقد البخاري في صحيحه باباً يشير فيه إلى تعبّد النبي الحقيقي بتعاليم السماء:”باب ما كان النبي يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أو لا يجيب حتى ينزل عليه الوحي، و لم يقل برأيٍ و لا قياس، لقوله تعالى:{ لتحكم بما أراك الله }”.[ 19 ]نعم: السياسة الحقيقية هي الإجراء الصحيح و الدقيق للأوامر الإلهية في دائرة القيادة و هداية النّاس، و الساسة الحقيقيون هم أنبياء الله تعالى و أوليائه.

أبو النّور: ففي نظركم أنّ الساسة الحقيقيين هم: النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) و الأئمة المعصومون؟

قلت: طبعاً: بإمكان أتباعهم الواقعيين العارفين بالإسلام و بسيرة النبي و الأئِمَة معرفة كاملة … أن يكونوا ساسة إسلاميين. ثمّ قلت له: عفواً: هل تريد أن نستمر قليلاً في بحثنا؟ قال: بلى. قلت: أريد أن ألفت إنتباهك إلى حديث معروف عندنا بإسم حديث جابر.

حديث جابر:
قال جابر: أوصى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في آخر أيام حياته الظاهرية لأبنه الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بالإمامة في أمته بعده، و جعل أبناءه الآخَرين: الحسين ( عليه السلام ) و محمد بن الحنفية و غيرهما من رؤوس الشيعة … شهوداً على ذلك:{ يا بنيّ! أمرني رسول اللهُ أن أدفَعَ إليك كُتُبي و سلاحي كما أوْصي إليّ رسولُ الله و دفع إليّ كتبه و سلاحه و أمرني أن آمرك إذا حضرت الموتَ أن تدفعه إلى أخيك الحسين عليه السلام }، ثم ألتفت إلى الحسين عليه السلام مخاطباً له: { أمرك رسولُ الله أن تدفعه إلى ابنك هذا } ثم أخذ بيد السجّاد و قال: { يا بنيّ! و أمرك رسولُ الله أن تدفعه إلى إبنك محمد بن عليّ وأقرأه من رسول الله و منيّ السلام }، ثمّ نظر إلى الحسن عليه السلام و قال: { يا بنيّ! أنت وليّ الأمر }.[ 19 ]

ففي هذا الحديث الشريف يشير الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بصراحة تامة إلى إمامة جملة من الوجودات على لسان رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أشارت روايات أُخَر إلى أسمائهم الشريفة, ولم تكن رواية جابر في صدد بيان سائر أسمائهم عليهم السلام. و كما هو واضح لم يكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) في هذا العمل الجليل إلاّ مبلغاً لتعاليم الله تعالى، و لهذا حينما سأله جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري:”هذا شيء منك أم من الله تعالى؟” فقال رسول الله:{ و الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله }. فولىّ جابر بن النظر يريد راحلته، و هو يقول:”اللّهم إن كان ما يقول محمد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم”، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره، و قتله، و أنزل الله تعالى:{ سأل سائل بعذابٍ واقع [] للكافرين ليس له دافع [] من الله ذي المعارج }المعارج/الآية 1.[ 21 ]

و لمّا وصل دعبل الخزاعي إلى مَرو و دخل على الإمام الرضا (عليه السلام) و ذكر إمام الزمان (عجّ) فيما ذكر في كلامه، قال له الإمام الرضا (عليه السلام): { يا دعبلًُ! الإمام بعدي ابني ( محمد ) و بعد محمد ابنه عليّ و بعد عليّ ابنه الحسن و بعد الحسن ابنه الحجّة القائم، و هو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره }[ 22 ]. نفهم من هذه الأحاديث أنّ أسماء الأئمة عليهم السلام كانت معروفة قبل ولادتهم الشريفة.

أبو النّور: حقيقة: أستفدت منكم كثيراً فيما يتصل بآراء الشيعة الإمامية. يبدو لي أنكم تعبتم، و يظهر أنّ توقفكم هنا ( جدة ) لمدة قصيرة. غداً تتحرك قافلتنا في اتجاه مكة المكرمة. متى تتحركون أنتم إلى مكمة المكرمة؟

قلت له: نحن الإرانيين لكون عددِنا كبيراً جداً (عددنا يتجاوز 150 ألف نفراً ) نُقسَم إلى فوجين: الأوّل: يتحرك نحو المدينة المنورة ثم بعد ذلك يذهب إلى مكة المكرمة، و الثاني: ينتقل بعد انتهاء مراسم الحج إلى المدينة المنورة. و في هذه الأثناء أطلعت أبا النور على مكان قافلتنا و أعطيته عنوان الفندق الذي سنقيم فيه بمكة المكرمة.

أيات الشورى و مسألة الخلافة:

كنت جالساً مع بعض الأصدقاء في مطار جدة فإذا حضور أبي النور يلفت نظري من دون شعور مني. و قفت و حضنته. قال مسروراً: تأخّرت رحلتنا إلى مكة و سنبقى هنا غداً أيضاً. فالظاهر إنّي سأزاحمكم مرة أخرى و لهذا جئتكم. أصرّ على إخراجي من الجمع الذي كنت معه، و قال: لديّ بعض الأسئلة فقط، فلا أخذ كثيراً من وقت نومكم و استراحتكم، طبعاً: سمعت منكم نكات ( علمية ) جديدة.

  1. أبو النّور: ألا تشير آيات الشورى، في نظركم، إلى حق النّاس في انتخاب الخليفة؟

الجواب: لا شكّ أنّ الآيات المرتبطة بالشورى لا علاقة لها بمسألة الخلافة مطلقاً، و على هذا الأساس عيّن أبو بكر، لمّا اقترب نعيُه، عمراً خليفة له على الأمة، و عمر أيضاً أوكل المسألة إلى شورى خاصة حدد عددها بنفسه، و أراد منها تعيين شخص منهم للخلافة. و إن كانا يدريان، كما تدلّ على ذلك شواهدٌ من التاريخ، أنّ لا حق لهما في هذا الأمر، باعتبار أنّ مسألة الإمامة حقٌ إلهي و لا حضَّ للنّاس فيها. و من يتأمل جيداً في الآيات من قبيل قوله تعالى:{ و شاورهم في الأمر }آل عمران/الآية 159 و قوله تعالى:{ و أمرهم شورى بينهم }الشورى/الآية 38، تتضح له بجلاء هذه الحقيقة و هي أنّ للنّاس فيما يتصل بشؤونهم الحقَّ أن يدلوا بآرائهم و أن يتدخلوا في مسائل تعيّن مصيرهم، و الآيات السابقة تشير إلى هذه الحقيقة. لكن في الأمور التي هي خارجة عن دائرة صلاحيتهم و لا تدخل في حيّز وظيفتهم فليس لهم حق التدخل فيها. فهل للنّاس الحق في تعيين النبي؟! و هل يُأخذ برأيهم في هذا الأمر؟! و هل قبول القرآن بصفته وحياً إلهياً و قانوناً للحياة موكول لآراء النّاس؟! و هل تعقل عملية الانتخاب فيما يتصل بهذه الأمور؟!

لا شكَّ أنّ الجواب بالنفي، فمسألة الإمامة كذلك تنتمي إلى المقولة نفسها، فالإمامة شأنها في ذلك شأن النبوّة تُعَدُ من المسائل المختّصة بالسماء و من الأمور الإلهية و لا شأن للنّاس بها. فمن هذه الناحية لا يوجد أيّ تفاوت بين النبوّة و الإمامة. فالآيات فوق لا تشمل القيادة العامة ( الزعامة على الأمة )، بل تختّص بشؤون النّاس اليومية كما تشير إلى هذه الحقيقة بجلاء الآية 36 من سورة الأحزاب:{ و ما كانَ لمؤمنٍ و لا مؤمنةٍ إذا قَضَى اللهُ و رَسولُهُ أمراً أن يَكُونَ لهم الخِيَرَةُ من أمرِهِم و من يَعْصِ اللهَ و رَسُولَه فقد ضَلَّ ضَلالاً مُبيناً }، و الآية الكريمة:{ أطيعوا اللهَ و الرَّسولَ و أُوْلى الأمرِ منكم }النساء/الآية59. و لا شكّ أنّ الأمر الإلهي المتجلي في الآية الكريمة: { يا أيّها الرَّسول بلّغ ما أُنزِلَ إليك من ربِّك و إن لم تفعل فما بلّغت رسالَتَه و الله يعصمك من النّاس }المائدة/67 يؤكّد على أنّ مسألة الإمامة مثلها مثل النبوّة من الأمور الإلهية التي لا يحقّ للنّاس أن يدلوا برأيهم فيها.

و بالتالي: ليس من حقّ النّاس أن يدلوا برأيهم في مسائل من قبيل: من هو إمام الزمان؟ هل إمامكم الغائب يظهر أم لا؟ و في أيّ زمان يظهر؟ فهذه المسائل تتعلّق بالله تعالى و لا دخل للنّاس فيها، فيجب التفكيك بين المسائل [ أي: التفكيك بين ما هو من صلاحية الأمة و ما هو مختّص بالله تعالى ].

دور الإمامة:

أبو النور: يبدو أنكم تعبتم كثيراً، أعتذر لكم كثيراً، أمَلُ أن تبيِّنوا وفقاً لرؤياكم تأثير الإمامة في الجتمع.

  1. أبو النّور: في رأيكم ما هو دور الإمامة في حياة النّاس الفردية و الجماعية؟

الجواب: دور الإمامة في حياة النّاس دور حيوي و مصيري شأنها في هذا المهام شأن النبوّة، نشير فيما يلي إلى جملة من أبعاد هذا الدور:
1. الإدارة السياسية الصحيحة التي تفضي إلى تطور المجتمع و تكامل أفراده، و هذا ما تعنيه “الإمامة الفاضلة”؛ فإنّ المراد من لفظة الحكمة في قوله تعالى:{ و يعلّمهم الكتاب و الحكمة … الآية } هو كيفية التديّن و الإلتزام الديني و كيفية العيش بنحو أحسن و أفضل. يقول الشيخ الطوسي في تفسيره الشريف التبيان في تفسير قوله تعالى: { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتابَ و الحكمةَ و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين }:”فإنّ الحكمة هي العلم الذي يعمل عليه فيما يخشى رَسُولاً أو يجيب أمر الدين و الدنيا”.[ 23 ]
2. التفسير الصحيح لأحكام القرآن و السنة النبوية لا يتمّ إلاّ بالإمامة ( و سرّ إقتران العترة الطاهرة بالقرآن الكريم كما نلمس ذلك في حديث الثقلين الشريف، يجب البحث عنه في هذه النكتة ). فعن طريق الإمامة نتمكن من فهم القرآن فهماً صحيحاً و عن طريق الإمامة أيضاً نتعلم كيفية إجراء الأحكام عملياً. فمن لم يؤمن بمسألة الإمامة يعجز عن فهم القرآن و لا يتيّسر له الوصول إلى مفاهيمه الراقية و إجراء تعاليم الدين بطريقة صحيحة.
3. الدفاع عن الأحكام و تعاليم الإسلامي و العمل على حفظها في مقابل الغزو الثقافي و تحريف الشياطين.

  1. الوساطة في قبول الأعمال عند الله تعالى، يقول النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ):{ لا ينفع عبداً عملُهُ إلاّ بمعرفةِ حقنا }[ 23 ]و يقول أيضاً:{ لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام و ألف عام و ألف عام بين الركن و المقام و لقي الله عزَّ و جلَّ مبغِضاً لعليّ بن أبي طالبٍ و عِترتي، أكبّه الله على منخره يوم القيامة في نار جهنم }.[ 24 ]5. المعرفة الصحيحة بوقائع التاريخ و حقائق العالَم.

التأمل الجيّد و الدقيق في كل عنصر من العناصر الخمسة السابقة يوصلنا إلى هذه الحقيقة و هي أنّه لا يمكن لغير الإمام المعصوم أن يدير المسار الإنساني، و إلى هذه الحقيقة يشير رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) في الرواية الشريفة: { ألزِموا مودتنا أهل البيت فإنّ من لقيَّ اللهَ و هو يَودُنا دخل الجنّةَ بشفاعتنا و الذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عملُهُ إلاَّ بمعرفة حقنا }[ 25 ].

  1. أبو النّور: هل الإمامة، في رأيكم، تُعتَبرُ من أصول الدين أم من فروعه؟ كان أحد الطلاب من الشيعة يقول:”الإمامة من أصول الدين”، و كان يقول:”أصول الإعتقاد عندنا خمسة: 1. التوحيد، 2. العدل، 3. النبوة، 4. الإمامة، و 5. المَعاد”، فيما كان طالب آخر يقول: أنّ العدل و الإمامة من أصول المذهب. ما هو رأيكم فيما يتعلق بهذه المسألة؟*

الجواب: الإمامة لا تنحصر في البعد السياسي و الإجتماعي فقط، بل لها بعد عَقَدي أيضاً و تعد مسألة من مسائل أصول الدين؛ ذلك لأنّ مسألة النبوّة تشكّل أصلاً من أصول الدين فالإعتقاد بها و بالخاتمية وحتمية استمرار الإسلام و بقائه في العالَم يوجب علينا الإعتقاد بمن يحقق هذه الاستمرارية و إدامة النبوة، و هي الإمامة.

نسأل: هل النّاس بعد وفاة النبي الأكرم ( فدته روحي ) مكلَّفون بالتكاليف الإلهية أم غيرُ مكلفين؟ فإذا كانوا مكلفين فمن يعلّمهم هذه التكاليم و يبيّنها لهم؟

أبو النّور: فوراً قال: من القرآن.

قلت: و من يفسِّر القرآن؟!

قال: من عنده عِلمٌ بالقرآن.

قلت: إذا اتفق و وقع اختلاف في الرؤى فما هو المعيار أو الملاك الذي على أساسه نرجِّخ الصحيح منها ( الرؤى ) من غير الصحيح؟!

قال أبو النّور: المعيار هو من كان أعلمَ بحقائق الدين و كان اشتباهه أقل و كان على أساسٍ من دينه.

قلت: بغية الوصول إلى من وصفت عرّفنا اللهُ تعالى، من خلال أنبيائه، بالأئمة المعصومين، و لمّا كان دينُنا عالمياً و آخرَ دين ارتضاه اللهُ لعباده و كان النّاسُ في زمان رسول الله محتاجين في أمور دينهم و دنياهم إلى إنسان معصوم يتمثل في شخص النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) فبعد ارتحاله إلى ربه يبقى هذا الإحتياج قائماً، فيتعيّن وجود الإمام المعصوم (عليه السلام) لسدّ هذا الاحتياج و هذا النقص، فالاعتقاد بالإمامة نشأ من الاعتقاد بالنبوّة و الخاتمية.**

فلا يمكننا القول، على هذا الأساس، أنّ الإمامة ليست من أصول الدين، و أولائك الذين ظنّوا أنّ الإمامة من أصول المذهب لم يتأملوا جيداً في هذه المسألة الخطيرة و لم يلتفتوا إلى أهميتها الفائقة، أو أنّهم تفوهوا بهذا الكلام تبعاً لمصلحة في البين، و إلاّ فلا يمكن الشك أبداً في هذه القضية. و يكفي حجيّة في هذا المجال ما قاله الأمير عليّ عليه السلام: { جُعِلَتِ الموالاةُ أصلاً من أصولِ الدِّين }[ 26 ].

يقول العالم السني الكبير ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة في ذيل قول الأمير عليه السلام:{ عليكم بطاعة من لا تُعَذََّرون في جهالتِهِ }:”من جهل إمامة عليّ (عليه السلام) و أنكر صحتها و لزومها فهو عندنا مخَّلد في النّار لا ينفعه صلاة و لا صوم؛ لأنّ المعرفة بذلك من الأصول الكلّية التي هي أركان الدين، و لكنا لا نسمي منكر إمامته كافراً بل نسميه فاسقاً و خارجاً و مارقاً و نحو ذلك، و الشيعة تسمّه كافراً”.[ 27 ]

و من الأمور التي يتجلى فيها الإعتقاد بالإمامة قبول العبادة أو ردّها كما جاء ذلك في حديث رواه الشيخ الكليني (ق.س) في الكافي الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ):{ لأعذِّبن كلَّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله و إن كانت الرعيّة في أعمالها برّة تقيّة و لأعفونَّ عن كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من الله و إن كانت الرعيّة في أنفسها ظالمة قاسية }.[ 28 ]

و حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ):{ … أمّا لو أنّ رجلاً قام ليلَه و صامَ نهارَهَ و تصدَّقَ بجميع ِمالِه و حجَّ جميعَ دهرِهِ و لم يعرِف ولايةَ ولي الله فيواليه و يكون جميع أعماله منه إليه، ما كان له على الله حقٌّ في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان }[ 29 ]. فهذان الحديثان الشريفان يشريان إلى هذه الحقيقة بجلاء تام، فالعبادة لا تقبل عند الله تعالى إلاّ إذا كانت على أساس الاعتقاد بالولاية و إمامة أهل البيت عليهم السلام.
مضافاً إلى ذلك الحديث الشريف المشهور الذي رواه الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن أجداده الطاهرين في طريقه إلى مرو في نشيابور على جماعة من فحول العلماء و المحدثين بشير أيضاً إلى هذه الحقيقة. و الحديث رواه الشيخ الصدوق في كتابه الشريف “عيون أخبار الإمام الرضا” عن الإمام الرضا عليه السلام عن أجداده الطاهرين إلى أن تصل السلسلة الذهبية المباركة إلى شخص الرسول الشريف إلى جبرئيل عليه السلام إلى الله تعالى الذي يقول:{ كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي }[ 30 ]ثم علّق على ذلك عليه السلام:{ بشروطها و أنا من شروطها }[ 31 ]. و معنى هذا الكلام الإلهي هو أنّ التوحيد الذي ينجي يوم القيامة هو التوحيد المشروط بالإعتقاد بإمامة المعصوم، و في غير هذه الصورة لا يفضي إلى الفلاح الأخروي و لا يوصل إلى النجاة يوم القيامة.

* الشيخ فضيل:
نشكر كثيراً أخينا أبا النور على إثارته لهذه المساءلة المهمة. لكن من حقنا أن نسأل بدورنا: هل هذه المساءلة صحيحة في حد ذاتها أم أنّها غيرُ صحيحة؟ الجواب: صحيحة من حيثية و غير صحيحة من حيثية أخرى. كيف ذلك؟! نقول: من يتأمل في واقعة الغدير العظيمة و السياق الذي حدثت فيه، يعلم يقيناً أنّ مسألة الإمامة هي “أس الإسلام” كما يقول الإمام الرضا (عليه السلام) و “نظم الأمة” كما يقول الإمام عليّ (عليه السلام). فإنّ واقعة الغدير العظيمة بدأت بهذه الآية المباركة:{ يا أيّها الرَّسول بلّغ ما أُنزِلَ إليك من ربِّك و إن لم تفعل فما بلّغت رسالَتَه و الله يعصمك من النّاس } المائدة/67، فهذا الخطاب ذو اللهجة الشديدة الموّجه إلى شخص النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) ينبئ عن أنّ ثمة مسألة خطيرة في البين و على النبي أن يبلّغها لأمته، و هذه المسألة كما نلمح ذلك من الآية المباركة تساوي الإسلام ( و بقول الإمام المعصوم أس الإسلام ) فالله تعالى يقول:”… و إن لم تفعل فما بلّغت رسالتَه …” أي أنّ تبليغك لولاية عليّ يعادل أو يفوق ما بلّغته يا أيّها الرسول مدة 23 سنة، فإن لم تبلّغ الولاية فما بلّغت الإسلام.
و في وسط واقعة الغدير العظيمة جاء الخطاب النبوي الشريف “… أيّها النّاس! من أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله و رسوله أعلم. قال: إنّ الله مولاي، و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم والِ من ولاه وعادِ من عاداه و أحبَّ من أحبّه و ابغضِ من أبغضه و انصر من نصره و اخذل من خذله و أدرِ الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائبَ…” إلى آخر الحديث. و هذا المقطع من الواقعة العظيمة يشير بجلاء تام إلى الولاية التدبيرية بقرينة تصدير الكلام بهذه العبارة الشريفة “… من أولى النّاس بالمؤمنين من أنفسهم…” و بهذا تسقط كل الإحتمالات التي أثارها المخالِف منقبيل المحبّة و النصرة و غيرها من التوهمات الباردة. فالأولوية التي يشير إليه النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أولوية تدبيرية قيادية و حكومية، أيّ أنّ عليّاً ( عليه السلام ) هو الخليفة من بعدي في الأمة و هو القائد من دون منازع. مضافاً إلى مبايعة أفراد الأمة لأمير المؤمنين تحت الخيمة التي دامت ثلاثة أيام بلياليها و من بين من بايع في اللحظة الأولى الشيخان، و إذا تأملنا في ما جاءفي مقطع آخَر من الواقعة و هو قوله تعالى:{ اليَومَ أكملتُ لكم دينَكم و أتممتُ عليكُم نعمتِي و رضيتُ لكُم الإسلامَ ديناً }المائدة 3، يتبيّن لنا مضافاً إلى النقاط السابقة أنّ الإسلام الذي رضيَ عنه الله تعالى هو الإسلام الذي زينته ولاية الأمير و ولاية أبنائه العترة الطاهرة عليهم السلام. فالإسلام بولاية أهل البيت كان نعمة تامة و بولايتهم كان كاملاً؛ فإنّ التمام من كل الشيء هو الذي يعطي ماهية الشيء و قوامه و الكامل من كل شيء هو الذي يؤتي ثماره و يُنتفع به. فالإسلام المرضيّ هو الإسلام الذي يقوم على ركنين أساسيين هما: رسالة النبي الأكرم و ولاية عليّ (عليهما السلام)، و إلى هذه الحقيقة يشير النبي الأكرم بقوله الشريف:{ الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الربّ برسالتي و ولاية علي بن أبي طالب من بعدي – و قال:- من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم وال من ولاه و عاد من عاده و انصر من نصره و اخذل من خذله }. و يشير إلى هذه النقطة المهمة الإمام الصادق عليها السلام أيضاً في الدعاء بعد صلاة الغدير:”شهادة الإخلاص لك بالوحدانية بأنّك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت و أنّ محمداً عبدك و رسولك و عليّاً أمير المؤمنين و أنّ الإقرار بولايته تمام توحيدك و الإخلاص بوحدانيتك و كمال دينك و تمام نعمتك و فضلك على جميع خلقك و بريّتك فإنّك قلت و قولك الحقّ:{ اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمة و رضيت لكم الإسلام ديناً } اللّهم فلك الحمد على ما مننت به علينا من الإخلاص لك بوحدانيتك إذ هديتنا لموالاة وليّك الهادي من بعد نبيك المنذر و رضيت لنا الإسلام ديناً بموالاته”نور الثقلين،ج1، ص: 589. فالإمام الصادق عليه السلام جعل الولاية تمام التوحيد:”و أنّ الإقرارَ بولايته – أيّ عليّ – تمام توحيدك و الإخلاص بوحدانيتك…”.
و الحقيقة نفسها نلمسها في قول الإمام الحسن العسكري عليه السلام:”إنّ الله – عزَّ و جلَّ- بمنّه و رحمته لمّا فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمةً منه إليكم، لا إله إلاّ هو ليميز الخبيثة من الطيّب، و ليبتلي ما في صدوركم، و ليمحّص ما في قلوبكم، و ليتسابقوا إلى رحمته، و لتتفاضل منازلكم في جنّته. ففرض عليكم الحج و العمرة و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و الصوم و الولاية و جعل لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض و مفتاحاً إلى سبيله، و لولا محمد ( صلى الله عليه و آله ) و الأوصياء من ولده كنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض، و هل تدخل القرية إلاّ من بابها. فلمّا منّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم ( صلى الله عليه و آله ) قال عزَّ و جلَّ:{ اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناًَ }نور الثقلين،ج1،ص:590.

و المقطع الأخير من هذه الواقعة العظيمة يشير إلى أنّ ولاية عليّ ( عليه السلام ) أمر إلهي و لا دخل للنّاس فيه و لا دخل حتى لشخص الرسول الأكرم فيه أيضاً، بل الرسول مبلّغ فقط لهذه الأمانة الإلهية العظيمة. يقول الله تعالى:{ سأل سائل بعذابٍ واقع [] للكافرين ليس له دافع [] من الله ذي المعارج }المعارج/الآية 1، فهذه الآية نزلت بعد حوارٍ مختصر وقع بين رسول الله و جابر بن النضر حينما سأله هذا الأخير:”هذا شيء منك أم من الله تعالى؟” فقال رسول الله:{ و الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله }. فولىّ جابر يريد راحلته و هو يقول:”اللّهم إن كان ما يقول محمد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم”، فما وصل إليها ( راحلته ) حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته و خرج من دبره، و قتله.

نخلص من التحليل السابق إلى أنّ الإسلام يمثل دائرة كبيرة تنطوي على أصول و فروع تطوف كلها حول مركز واحد هو الولاية: ولاية الله تعالى بالذات و الحقيقة و ولاية النبي الأكرم و أهل بيته بتبع ولاية الله تعالى، و كل من خرج عن محيط هذه الدائرة المباركة فهو لا محالة خارج عن دائرة الإسلام الأصيل. و بالتالي: تُعَدُ الإمامة على ضوء هذا التحليل أصلاً من أصول الدين، بل تعد أس الإسلام و نظم الأمة كما لمسنا ذلك في الروايات الشريفة. و الفارق الوحيد بين النبي و الإمام هو في “الحدوث و البقاء”حيث أنّ وظيفة النبي تتمثل في تأسيس الدين على أساس الوحي المنزل و وظيفة الإمام تتمثل في حفظ الدين المؤسَس، و ما يؤيّد هذا المطلب الحديث المتفق عليه: { من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية }.
أمّا كون المساءلةِ صحيحةً من حيثية أخرى فلأنّ دائرة الولاية المباركة تقع في مقابلها دائرة أخرى أنشأتها عوامل سيشير إليها السيد بالتفصيل في هذا الحوار المبارك فلا أعرض لها هنا. هذه الدائرة تدعي التمسّك بالإسلام المنزّل على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، بل تدعي أكثر من ذلك تدعي أنّ الإسلام الصحيح و الوحيد هو الذي بيدها و غيرها لا حض له من هذه النعمة الإلهية. و يدخل تحت محيط هذه الدائرة القاصِر و المقصّرِ، نركّز في كلامنا على القاصِر ( و هم أغلبية العامة ) فهذا النوع إذا لم تساعده الضروف على معرفة الحقيقة و الوصول إليها فالحكيم العادل محال أن يعذبه يوم القيامة، و هذه مفردة كلامة و عَقَدية تُدرَسٌ في الحقل الكلامي تحت عنوان نظرية الخلاص الأخروي ،فلا أريد الآن الإفاضة في مكوناتها و لوازمها. و هذا الكلام لا ينطبق – في تصورنا – على من ينتمي إلى دائرة الإسلام العامة فقط، بل ينطبق حتى على من هو خارج عن دائرة الإسلام من المسيحيين و غيرهم.

أمّا المقصِّر فحكمه يختلف، فهذا يعلم الحقيقة أو له القابلية لمعرفة الحقيقة و تجده يتقاعس عن البحث عن الحقيقة. أذكر حينما زارنا شيخ من كبار علماء السنة في قم المقدسة و جاء إلى جامعة الإمام الخميني الدولية أين ألقى كلمة على الطلاب هناك، قال له أحد الأصداق من المغرب: شيخنا العزيز! أنتم – و الحمد لله – لكم مقوعكم الخاص في العالم السني، حبذا لو تقولون كلمة فيما يتصل بالشيعة تنصفونهم بها. فقال الشيخ – و هو الرجل المعتدل في تقديرنا:”لنا خطوط حمراء لا يمكن لنا تجاوزها”، و حينما سأله الدكتور رشيد بن عيسى ( حفظه الله تعالى ) في مناسبة أخرى عن رأيه في المتعة، فقال له:”نقول بأشياء لسنا مقتنعين بها”. هذه التصريحات من شخصية كبيرة كهذا الشيخ الجليل ( الذي لا ننكر خدماته للإسلام و المسلمين و مواقفه المعتدلة، فهذا أمر محفوظ له لا شك في ذلك ) تثير فينا العجب، فهل الحقّ يا شيخنا العزيز له خطوط حمراء؟! و النبي الأكرم يقول في حق عليّ عليه السلام:{ اللّهمَّ أدِرِ الحَقَّ مع عليّ حيث دَارَ }.

فهذه الدائرة التي تقع في مقابل دائرة الولاية ما دام المنتمون إليها يقرِّون بالشهادتين:”لا إله إلاّ الله و محمد رسول الله” فلا يحِقّ لنا و لا لغيرنا إخراجهم عن دائرة الإسلام العامة في الظاهر، و هذه هي فتوى جميع مراجعنا العظام ( دام ظلهم).سألنا الشيخ جعفر السبحاني ( دام ظله ) عن حكم الوهابية من ناحية الإيمان و الكفر، قال:”لا نكفر أحداً ينطق بالشهادتين حتى و أن كان وهابياً”.
نعم: من يتلفظ بالشهادتين تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرية و لا يصح لاحد أن يخرجه عن دائرة الإسلام. و بالتالي: إذا نظرنا إلى المسألة من هذه الحيثية فالإمامة تُعَدُ من أصول المذهب. فالمسألة ننظر إليها من حيثيتين: حيثية ذاتية و نفسية ناظرة إلى الواقع فالإمامة هي أصل من أصول الدين و أسّه الأساس، و حيثية قياسية و إضافية ( أي بالقياس إلى الدائرة الأخرى ) فالإمامة تعد أصلاً من أصول المذهب. فمن هذه الحيثية نصحِّح مساءلة أخينا أبي النور العزيز.

و هل لمسألة الإمامة حيثية فقهية؟ نقول: نعم: الأمة مكلّفة بتكليف أساس هو التولي و التبرّي، فنحن مُطَالبون بهذا العمل النفساني و هو أن نوالي من نصّبه الله تعالى ولياً على الأمة و هم أهل البيت عليهم السلام و أن نتبرأ من أعدائهم و من ناصب لهم العداء. و باعتبار أنّ عملية “التولي و التبرّي” فعل من أفعال النفس فيحتاج إلى تكليف شرعي و يندرج تحت الفقهيات. فمن هذه الناحية – أي من ناحية تكليف أفراد الأمة بالنسبة إلى الوليّ و الإمام- تعد الإمامة من فروع الدين. و الله تعالى هو العالِم.

و الآن لنرى موقف العامة من هذه المسألة العظيمة و كيف ينعتون الشيعة في كلامهم الذي لا يخلو من الأدب الرفيع؟!!!، يقول شارح المقاصد:”لا نزاع أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق حيث أنّ مقصودَ الشارِع قصد تحصيل أمور كلية من إقامة الحدود و سدّ الثغور، و تجهيز الجيوش، و لا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقاية”. أقول: قولك “لا نزاع” قول لا يخلو من غرابة، فهذا زميلك في العقيدة الشهرستاني في كتابه “الملل و النحل” يقول:”و أعظم خلاف بين الأمة خلافة الإمامة، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان …” و يقول في ص: 162 من الكتاب نفسه:”ما كان في الدين و الإسلام أمرٌ أهمّ من تعيين الإمام …” فانظر إلى كلام الشهرستاني هذا و تأمّل في كلام صديقه في المعتقد التفتازاي صاحب “شرح المقاصد” الذي يمثل عينَ التعصّب و الرجم بالغيب. و العجيب أنّ الرجل يقول بكل وقاحة:”أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق” ثم يعلل كلامه بقوله:”حيث أنّ مقصود الشارِع قصد تحصيل أمور كلية من إقامة الحدود وسدّ الثغور و …” من حقّنا أن نقول له: من أين علمت مقصود الشارِع المقدس، و هل خفيّهذا القصد على أمير المؤمنين باب مدينة العلم، قد يكون هذا الأمر هو مقصود الشارع لكن على أساس الولاية التي تمثل “أس الإسلام” و “نظم الأمة” و ليس على أساس بيعة أهل الحل و العقد. إنّ العامة يتفوهون بكلامات تنطوي في داخلها على ما ينفيها و يبطلها.
و قال القاضي روزبِهان الأشعري في ردّه على كتاب نحج الحق للعلامة الحليّ (ق.س):”مبحث الإمامة عند الأشاعرة ليس من أصول الديانات بل من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلَّفين”. و قال أبو حامج الغزالي في كتابه “الإقتصاد في الإعتقاد”:”نظام أمر الدين مقصود لصاحبالشرع (عليه الصلاة و السلام) قطعاً، و هذه مقدمة قطعية لا يتصور النزاع فيها، و نضيف إليها مقدمة أخرى و هي أنّه لا يحصل نظام الدّين إلاّ بإمام مطّلع فيحصل من المقدمتين صحة الدعوى و وجوب نصب الإمام …” نقول للغزالي: الكلام ليس في وجوب نصب الإمام هذا أمر مسلّم، بل الكلام كل الكلام في من ينصّب هذا الإمام؟ العامة تقول: يقع هذا على عاتق الأمة و هذا ما حدث في السقيفة و غيرها، و الخاصة تقول: هذا أمر إلهي و لا دخل للنّاس فيه، و هذا ما حدث في غدير خم. و يقول ابن حجر المكي في كتابه “الصواعق المحرِقة” بعدما نقل جملة من الأحاديث يشهد رجال مذهبه بضعفها و وهنها:”و زعم الرافضة لعنهم الله أنّ ذلك كان تقية …”. و يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير ج12، ص: 28، ط: تهران في بيان الآية { إنّما وليّكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذّين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون } بعد بيان الحجة الخامسة:”و ذلك يوجب القطع بسقوط هؤلاء الروافض لعنهم الله”!. و يقول عبد الرحمن بن حماد آل عمر في كتاب تحت عنوان “دين الحق” طبعته دائرة الإفتاء و الإرشاد بمكة سنة 23/2/1395هـ.ق تحت الرقم 948-5:”و من الفرق الخارجة عن الإسلام و إن كانت تدّعيه و تصل و تصوم و تحجّ، فرقة من فرق الشيعة … يسبّون أفضل المسلمين بعد نبيّهم أبي بكر و عمر رضي الله عنهما (!!) و يسبّون عائشة رضي الله عنها ( !! ) و يستغيثون بعليّ و أبنائِه في وقت الشدّة و الرّخاء، و يدعونهم من دون الله، و يسمّون أنفسهم بالشيعة أي شيعة آل البيت…”. نقول لهذا الرجل المسكين: كلامك هذا ينطوي على ثلاث فرضيات مسبقة في باب الفكر النقدي هي: 1. من ذكرت أسماءهم هم أفضل المسلمين بعد النبي، 2. و أنّ الله تعالى رضِي عنهم، 3. أنّ الشيعة يدعون الأئمة من دون الله تعالى. و 4. النتيجة التي تتفرع على تلك الفرضيات هي: الشيعة خارجون عن الإسلام. أقول لك: أحسنت يا عالم الصبيان! ما ذكرته من الفرضيات كلها محل اختلاف غير مسلم بها حتى بينكم أنتم العامة، فكيف تفرِع عليها هذه النتيجة و تكفِر على أساسها جماعةً كبيرة من المسلمين. كيف يرضى الله على إمرأة تسببت في قتل لا أدري كم من نفس محترمة في حرب الجمل. و من أين ضمِنتَ رضى الله في حق الشيخين و فاطمةُ خصمُهما يوم القيامة. لا أدري ما يقول هذا الرجل في هذه الأمور لعله يفضل منطق النعامة و يضع رأسه في الرمل و لا يكلِّف نفسه التحقيق في هذه الأمور، و قد يفضي به التحقيق إلى التنازل عن أمر كلنا يعلم ما هو ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ).
و يقول الدهلوي في كتابه “التحفة الإثني عشرية” ص: 298:”إنّ مذهب الشيعة له شباهة تامة و مناسبة عامة مع فرق الكفرة و الفسقة الفجرة أعني اليهود و النصارى و الصائبين و المشركين و المجوس”!!

أقول لهذا الرجل و لأمثاله: أنا مستبصر و كنت في دائرتكم حيناً من الدهر و وفّقني الله تعالى للدراسة في أكبر مدرسة للعلوم الدينية الشيعية فلم أجد ما تقوله أيّها المسكين الجاهل بالجهل المركب، بل وجدت العلم العميق و المعرفة اليقينية و التقوى و الولاء الصحيح لله تعالى و أوليائه. و الآن – و لله الحمد – وصلت المعلومات إلى النّاس و بدأ الحق ينتشر بينهم، فماذا تقولون إذا اكتشف النّاس كذبكم و غشكم للأمة الغافلة التي استضعفتم أفرادها. اتصل بنا شابُ من الجزائر و قال لنا: كنا نسمع عنكم الكثير الكثير من الأمور التي لا يقبلها العقل و لا يقر بها الإسلام، و لكن الآن نرى الشيعة في الفضائيات بأعيننا و تبيّن لنا أنّ ما كان يُقَالُ في حقهم كذب و افتراء.

و السؤال الذي يُثار – هنا – و على العامة أن يبّنوا موقفهم منه هو “إذا كانت الإمامة من فروع الدين و تنتمي إلى الفقهيات -كما تدّعون – فلماذا تكفِّرون الشيعة و تلعنونهم و تدرِجونهم في دائرة الكفرة و الفسقة الفجرة أعني اليهود و النصارى و الصائبين و المشركين و المجوس؟! ألا تقولون أنّ مسائل الفروع تخضع لعملية الإجتهاد و من أصاب في اجتهاده له أجران و من أخطأ فيه له أجر واحد؟! لكنّكم – مع الأسف الشديد- ليس تحرموننامن الأجر الواحد فحسب، بل تدخلوننا جهنم مع هدية لسانها لا يحسن إلاّ اللعن و الشتم. و مضافاً إلى ذلك أنّكم تقولون أنّ من يخرج عن السلطان يُقتل بالسيف، كيف يقتل و هو المسكين متبِّع لاجتهاده في المسألة؟! من هنا تقولون: الإمامة من فروع الدين و تندرج تحت الفقهيات التي تمثل دائرة يُعذَرُ فيها من أخطأ في اجتهاده، و تقولون من يرفض نظريتنا في الإمامة هو ملعون و كافر و … و من يخرج عن السلطان يقتل بالسيف. لا أدري كيف يجمعون بعقلهم الضعيف بين هذه المتناقضات. فبأي مبرر و ملاك أعطيتم الحق لأنفسكم في مسألة تخضع لعملية الاجتهاد و حرمتم الشيعة هذا الحق فيما وصلوا إليه من نتيجة من خلال عملية اجتهادهم؟! أليس هذا من ضعف العقل أو ادعاء الحق الذي أساسه السلطة و القوة فقط.
** الشيخ فضيل: لقائل أن يقول: كيف تكون الخاتمية دليلاً على الإمامة؟ في حين أنّ المفكر الإيراني عبد الكريم سروش ينفي الولاية على أساس الخاتمية، فإنّ الرجلَ يتوّهم أنّه لا معنى للإمامة مع تحقق الخاتمية؛ على اعتبار أنّ الخاتمية هي أقصى ما يصل إليه مقام النبوة فالاحتياج إلى الإمام حينئذٍ تحصيل للحاصل و فضلة؟! نقول في الجواب: كلام سروش صحيح لو كانت الإمامة واقعة خارج دائرة الخاتمية، فلا معنى في هذه الحالة للإمامة لأنّ الخاتمية تعني وصول مقام النبوة إلى أوجّه و بالتالي لا نحتاج إلى من يؤمِّن مقتضى الرسالة و سلامة استمراريتها. لكن المتأمل في أحداث الولاية – بخاصة واقعة الغدير العظيمة – يتبيّن له بجلاء تام أنّ الإمامة هي أساس الخاتمية. فالخاتمية تمثل ماهية قِوامها الإمامة و ببركتها تمّت النعمة و اكتمل الدين و رضي اللهُ الإسلامَ لنا دِيناً. و إذا شِئنا التكلم بلسان فني و علمي نقول: الإمامة هي علة الخاتمية في مقام الثبوت و الواقع، و الخاتمية هي دليل على الإمامة في مقام الإثبات و العلم؛ على معنى أنّ الإمامة هي التي تحُقِّقُ الخاتميةَ في الواقع، فلا معنى للخاتمية من دون الإمامة التي تؤمّن استمرارية الرسالة و عدم انحرافها عن مسارها الصحيح. و من غير الإمامة يقيناً سيتسلل الإنحراف إلى ساحة الدين و حريم الرسالة، الأمر الذي يجعلُ اللهَ تعالى الحكيم مضطراً إلى إرسال الرسل من جديد، و هكذا تستمر السلسلة لا إلى نهاية.

و من هنا نعلم يقيناً أنّه إذا هندس اللهُ الحكيمُ الخاتميةَ التي تعني انقطاع النبوة فقد ضَمِنَ يقيناً رسالتَه بمؤمِّنٍ يقع داخل دائرة الرسالة، و هذا المؤمّن هو الإمامة و الولاية. و هذا الذي وقع فعلاً يوم غدير خم أين تمّ تنصيب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إماماً للأمة، و بتنصيبهإماماً و ولياً اكتمل الدين و تحقق معنى الخاتمية. فالخاتمية تشكل دليلاً علمياً على مسألة الإمامة أي إذا علمنا بأنّ الله تعالى الحكيم بالحكمة المطلقة قد ختم النبوة بشخص النبي محمد الشريف (صلى الله عليه و آله) نعلم يقيناً لا يعتريه شكٌ أنّه تعالى قد جعل من يحافظ على هذه الدين من الانحراف و التحريف، و نعلم يقيناً أيضاً أنّ هذا الحافظ يمتاز بخصوصيات تناسب هذه الوظيفة العظيمة، و من تلك الخصوصات العصمة. و لهذا السبب أثار السيد في الحوار علاقة الإمامة بالخاتمية.

  1. أبو النّور: من هم خُلفَاءُ النبي الأكرم الأثنى عشر طبقَ عقيدتكم؟ و لماذا تحصرونهم في إثني عشر خليفة فقط؟

الجواب: قد أشرنا في أجوبتنا السابقة إلى هذه المسألة و ذكرنا أنّ الإمامة أو الخلافة أمر ألهي شأنها في ذلك شأن النبوّة، و لا دخل حتى للنبي الأكرم في تعيين أشخاصهم الشريفة و في تحديد عددهم أيضاً. فتنحصر وظيفة التبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) في إبلاغ هذا الأمر الخطير و العظيم عن الله تعالى إلى الأمة، فهو مكلّف بتبليغ من هو خليفته بمشخصاته الكاملة بأمر الله وحي منه تعالى. من تلك المشخصات: أ. الأئمة كلهم من قريش و عددهم هو إثنا عشر خليفة:{ لا يزال هذا الدين حتى تقوم السّاعة و يكون عليهم إثنا عَشَرَ خليفةً كلُّهم من قريش }[ 32 ]و { لا يزال هذا الإسلام عزيزاً إلى اثني عَشَرَ خليفة }[ 33 ]. و قد اعترف الفضل بن روزبِهان الذي كان أشد المخالفين لمسألة الإمامة بصحة هذا الحديث في كتابه “وسيلة الخادم إلى المخدوم”، يقول:”الحديث فوق صحيح، لكن المراد منه هو الخلافة المعنوية لا الخلافة الظاهرية”[ 34 ]. لكن هل يعقل أن يكون المراد من هذا الحديث هو الخلافة المعنوية فقط؟!ب. الرسول قد بيّن أهمية مسألة الإمامة لجميع المسلمين:{ من مات و لم يعرِف إمامَ زمانه مات ميتة الجاهلية }[ 35 ]و الحديث يدل على هذه الحقيقة و هي أنّه أوّلاً تجب على النّاس معرفةُ إمامِهم و ثانياً تحب معرفة الإمام في كل الأدوار و الأزمان، لأنّ الحديث مطلق لا يختصّ بعصر دون عصر. ج. الأئمة من ولد أمير المؤمنين عليه السلام، كما يذكر ذلك الخزاز القمي في كتابه كفاية الأثر:أن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) قال لأمير المؤنين ( عليه السلام):”أنت الإمام أبو الأئة أحَدَ عَشَرَ”[ 36 ]. و كما في الحديث الذي أجاب به النبي الأكرم علىنعثل اليهودي حينما سأله هذا الأخير عن عدد الأئمة من بعده، فقال النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله):{ إنّ وصييّ عليّ بن أبي طالب و بعده سبطاي الحسن و الحسين و تسعة أئمة من صلب الحسين. قال: يا محمد! فسمّهم؟ قال: إذا مضى الحسين فابنه عليّ فإذا مضى عليّ فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه عليّ فإذا مضى عليّ فابنه محمد فإذا مضى محمد فابنه عليّ فإذا مضى عليّ فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجة المهدي. فهؤلاء اثنى عشر }[ 36 ].

نحصل من البيانات السابقة على النتائج التالية:
1. إنّ خلفاء رسول الله هم من عرّفهم الرسول نفسه خلفاءً له في أمته.
2. إنّ خلفاء رسول الله لا يفارقون القرآن، فهم المفسرون الحقيقيون لمفاهيم القرآن و المبيّنون لما ينطوي عليه من حقائق.
3. عدد خلفاء رسول الله لا يتجاوز إثنى عشر إماماً.
4. الإسلام بصفته ديناً خالداً و القرآن بدوره كتاب خالد، فخلفاء رسول الله أيضاًَ خالدون [ على معنى أنّ مصداق عنوان الإمامة باقي لا ينقطع إلى يوم القيامة ]. و تشكل غيبةُ إمام الزمان ( عجّل الله تعالى فرجه الشريف ) في زماننا تفسيراً لهذا الحضور الدائمي. و حضوره ( عليه السلام ) يمثل حضوراً خاصاً، و في عصر الغيبة يحكم أمته – لمصلحة في البين – من خلال نوابه، بل يحكم كل العالَم بالولاية الكبرى. و هذه الحقيقة يشير إليها حديث أمير المؤنين ( عليه السلام ): { اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائمٍ لله إمّا ظاهراً مشهوراً و إمّا خائفاً مغموراً؛ لئلاّ تبطل حجج الله و بيّناته }ثم قال: { أُولئك خلفاء اللهِ في أرضه و الدّعاة إلى دينه }[ 38 ].

أبو النّور: هل تسمون ممثلي الأئمة خلفاء أم لا؟

الجواب: يمكنك العثور على جواب مساءلتك في هذا الحديث النبوي:{ اللّهم ارحم خلفائي } و لما سئل: من هم خلفائك يا رسول الله؟ قال:{ الذين يأتون من بعدي و يروون حديثي و سنتي }. و لفظة “خلفاء” في الحديث الشريف عامة تشمل الفقهاء و العلماء و المحدثين و من له نظر صائب في حقائق الإسلام. و هذا الحديث يمثل أحدَ الأدلة التي يرتكز عليها العلماء في إثباتهم لمسألة ولاية الفقيه.[39 ]و باعتبار أنّ مراجع التقليد يمثلون الامتداد لخط خلفاء النبي ( الأئمة عليه السلام ) فيُطلَقُ عليهم من هذه الحيثية إسمُ الخلفاء أيضاً.

أبو النّور: يبدو إنّي أخذت من وقت نومكم و استراحتكم، نحن غداً نبقى هنا و إذا بقيت قافلتكم هنا هي الأخرى فيكون هذا لفائدتي فأستطيع الاستفادة من حضرتكم كثيراً.
ودّعني و افترقتنا بعد ذلك

الخلافة أمر إلهي:

تأخرت حركتنا نحو مكة المكرمة هذه الليلة لأسباب غير معلومة، و بقينا إلى الغد تحت حرارة الخيام، زرت أبا النور في حدود الساعة العاشرة، سرّ كثراً بمجرد أن رأني و قال لي: ليلة البارحة دعوت الله تعالى في قلبي كيّ تتأخر قافلتكم يوماً آخر كي أستفيد من حضرتكم أكثر. قلت له: دعاؤك أسجتيب لقد تأخرت قافلتنا فعلاً، و نحن ننتظر متى يعلن المسؤولون ساعة الحركة. قال أبو النور: فرصة و غنيمة: أريد السؤال عن خلافة أهل البيت.

  1. أبو النّور: هل الإمامة ( الخلافة ) تختّص فقط بأهل البيت؟

الجواب: الإمامة مَنصَبُ إلهي شأنها في ذلك شأن النبوّة. فهل يرضى أحدٌ منا أن يكون أبو سفيان نبيّاً من أنبياء الله و لو في فترة زمنية محددة؟! و هل إذا زكّاه شخصُ من الأشخاص يصير نبيّاً من أنبياء الله؟! يقيناً لا. فالإمامة أمر إلهي و تعيين الإمام يتمّ من طرف الله تعالى فقط، حتى شخص النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) لا دخلَ له في هذا الأمر مطلقاً، بل تقتصر وظيفته في إبلاغ النّاس من عيّنه الله تعالى لهذا المنصب العظيم و الترويج لإمامته بين أفراد أمته،[ 40 ]و يبيّن لهم السبل التي يهتدون على أساسها إلى مسألة الإمامة و معرفة الإمام و يخرجون بذلك من الضلالة0

و أحسن السبل لتعريف الإمام عبارة عن 1. النصّ و الوصيّة، 2. الأحقيّة و الأولوية، 3. اللياقة و الفضيلة. و الرسول الأكرم لم يدّخر وسعاً في هداية النّاس و إرشادهم إلى هذه السبل المذكورة فوق. فما فَتِيء النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) يرشد الأمة و يلفت إنتباهها إلى حقّانية أهل بيته الأطهار من خلال أحاديث الشريفة كما نلمس ذلك في كتب العامة و الخاصة. و ينعتهم ( عليهم السلام ) بأنّهم خلفائه الراشدون كما نقل ذلك كل من النسائي و أبو داود في كتبهما: { عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي }[ 41 ].
فالخلفاء الراشدون كما يشير إلى ذلك الحديث السابق و سيتبيّن لنا أيضاً من خلال ما نذكره من أحاديث خلال هذا الحوار المبارك هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام).

أبو النّور: لا تعترفون بالخلفاء الرشادين الأربعة؟! اليوم، بخاصة بين أهل السنة، التعبير بالخلفاء يصدق على أبي بكر، عمر، عثمان و أمير المؤمنين (عليه السلام). فما هو رأيكم بالنسبة إلى هذ المسألة؟

قلت: التعابير التي جاء لسان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) هي: الخلفاء، الأئمة، الراشدون و المهديون. و الأحاديث النبوية شخّصت من هم الخلفاء الراشدون، و هم الأئمة الأثني عشر المعصومون، و لم يَثبُتْ أنّ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لقّب غيرهم بهذه الألقاب، و يتحتّم على من يقتدي بسنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يتبّعه في هذا الأمر. نعم: استخدم النّاس هذه العناوين في غير مصاديقها الحقيقيين.

  1. أبو النّور: هل حدّث النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) – في حياته الظاهرية- أمته عن خلفائه و أوصيائه؟

الجواب: ذكرهم رسول الله ( صلى الله عليه و آله )بعناوين مختلفة، ينقل الجويني، الذي وصفه الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ بالإمام المحدث الأوحد الأكمل، في كتابه “فرائد السمطين” الحديث:{ أنا سيد النبيين وعليّ بن أبي طالب سيد الوصيين، و إنّ أوصيائي بعدي إثنا عشر أوّلهم عليّ بن أبي طالب و آخرهم المهدي }[ 42 ]. و في رواية جاءت في صحيح مسلم يقول فيها رسول الله:{ لا يزال أمر النّاس ماضياً ما ولّاهم إثنا عشر رجلاً كلّهم من قريش }[ 43 ]. و جاء أيضاً في صحيح مسلم:{ إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش }[ 44 ]، و رواية أخرى من صحيح مسلم يقول فيها الرسول الأكرم ( صلى الله عليه و آله ):{ لا يزال أمر النّاس عزيزاً إلى اثنيّ عشر خليفة كلّهم من قريش }[ 45 ].
و جاء في صحيح مسلم أيضاً:{ لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم السّاعة و يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش }[ 46 ]، و في رواية ينقلها أبو سعيد الخدري أنّ النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) قال: { يا حسين! أنت الإمام ابن الإمام أخو الإمام، تسعة من ولدك أئمة أبرار تاسعهم قائمهم. فقيل: يا رسول الله! كم الأئمة من بعدك؟ قال: اثنا عشر تسعة من صلب الحسين }[ 47 ].

  1. أبو النّور: من هم “أولى الأمر”؟ و لمذا لا نرى أسامي أئمتكم المعصومين في القرآن الكريم؟

الجواب: كتب بعض المحققين في سبب نزول الآية الكريمة:{ أطيعوا الله و أطيعوا الرّسول و أولى الأمر منكم }النساء/الآية 59:”نزلت في أمر المؤمنين حين خلفه رسول الله في المدينة، قال:{ تخلفني على النساء و الصّبيان } ،فقال:{ أمّا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له: اخلفني في قومي و أصلح. فقال الله:{ و أولى الأمر منكم } قال [ بعض المحققين أي مجاهد ]: عليّ بن أبي طالب ولاّه الله الأمر بعد محمد في حياته حين خلفه رسول الله بالمدينة، فأمر الله العباد بطاعنه و ترك خلافه”. و عن عليّ قال: { قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ): شركائي الذين قرنهم الله بنفسه و بي و أنزل فيهم { ياأيّها الذين آمنوا أطيعوا الرسول … } الآية، فإن خفتم تنازعاً في أمر الله فارجعوه إلى الله و الرسول و أولى الأمر. قلت: { يا نبي الله! من هم؟ } قال له النبي: { أنت اوّلهم }[ 48 ]. و أيضاً لما سئل الرسول الأكرم عن مراد الآية المباركة قال لهم:{ أنّها نظلت في عليّ و الحسن و الحسين } و أضاف قائلاً:{ و أوصيكم بكتاب الله و أهل بيتي }.

و نقل المحدث السني الشهير الحسكاني ( نسبة إلى حسكان قرية في ضواحي نيشابور في أرض خراسان ) في كتابه “شواهد التنزيل” أنّ أبا بصير الرواوي المعروف أنّه قال: سألت الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن شأن نزول الآية { أَطيعُوا اللهَ و الرَّسولَ و أُولِى الأَمرِ مِنكُم }النساء/الآية 59، فقال:{ نزلت في عليّ بن أبي طالب. فقلت: إنّ النّاس يقولون: فما منعه أن يسمي عليّاَ و أهل بيته في كتابه؟! فقال أبو جعفر: قولوا لهم: إنّ الله أنزل على رسوله الصلاة و لم يسم ثلاثاً و أربعاً حتّى كان رسول الله هو الذي يفسّر ( فسّر خ ل) ذلك، و أنزل الحجّ فلم ينزل طريق استرعاء حتّى فسّر ذلك لهم رسول الله، و أنزل { أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم } فنزلت في عليّ و الحسن و الحسين، و قال رسول الله: أوصيكم بكتاب الله و أهل بيتي إنّي سألت الله أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك }[ 49 ]*
* الشيخ فضيل: أنقل لك عزيز القاريء ما جاء في التعليقة الشريفة على إحقاق الحق فيما يتصل بأسباب نزول هذه الآية المباركة ج3، ص: 424: 1. العلاّمة المفسِر الشهير بأبي حيان الأندلسي المغربي المتوفى سنة 756 هـ.ق حيث أورد نزول الآية في تفسيره البحر المحيط في حق عليّ و الأئمة من أهل البيت: ج3 ص: 278، ط: مطبعة السعادة بمصر. 2. العلاّمة النيشابوري في تفسيره ج5، ص: 79، بهامش الطبري ط المينمة بمصر. عن عليّ بن أبي طـالب رضي الله عنه: { حقّ على الإمام أن يحكمَ بما أنزل الله و يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الرعية أن يسمعوا و يطيعوا } 3. العلاّمة المير محمد صالح الكشي الترمذي في “مناقب مرتضوي” ص: 56، ط: بمبي بمطبعة محمدي، نقل عن ابن مردويه في المناقب عن الإمام جعفر الصادق: أنّ المراد من “الأولى الأمر” بالأصالة عليّ بن أبي طالب و غيره بالتبع. و نقل عن الفخر الرازي في تفسيره عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام:{ إنّ المراد بها الأئمة الإثنا عشر } و قد تقدم. و نقل عن كشف الغمة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سألنا عن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عن “أولى الأمر”، فقال:{ أوّلهم بعدي عليّ، ثم الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم عليّ بن موسى ثم محمد بن عليّ ثم عليّ بن محمد ثم الحسن بن عليّ ثم محمد بن الحسن حجة الله في أرضه }.

  1. العلاّمة أبو بكر بن مؤمن الشيرازي في رسالة الاعتقاد ( كما في مناقب الكاشي ) روى عن ابن عباس في قوله تعالى: { أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولِى الأمر منكم } أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام حيث خلفه رسول الله في المدينة فقال: يا رسول الله! اتخلفني في النساء و الصبيان. فقال رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ): أما ترضى أن تكون منيّ بمنزلة هارون من موسى حين قال: { اخلفني في قومي و اصلح }، فقال – عزّ و جلّ-: { و أولى الأمر منكم }. 5. العلاّمة الشيخ سليمان القندوزي في “ينابيع المودة” ص: 116 ط: اسلامبول، روى عن المناقب بسنده عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول – و أتاه رجل فقال: أرني أدنى ما يكون به العبد مؤمِناً، و أدنى ما يكون به العبد كافِراً، و أدنى ما يكون به العبد ضَالاً، فقال له: { قد سألت ففهم الجواب: أمّا أدنى ما يكون به العبد مؤمِناً أن يعرِّفه اللهُ تبارك و تعالى نفسَه فيقِر له بالطاعة و يعرِّفه نبيَه (صلى الله عليه و آله) فيقِر له بالطاعة و يعرِّفه أمامَه و حجتَه في أرضه و شاهِدَه على خلقِه فيقِر له بالطاعة } قلت: يا أمبر المؤمنين! و إن جهل جميع الأشياء إلاّ ما وصفت؟ قال: نعم: إذا أُمِر أطاع و إذا نُهِيَ انتهى. و أدنى ما يكون به العبد كافِراً من زعم أنّ شيئاً نهى الله عنه و أنّ الله أمره به و نصبه ديناً يتولى عليه و يزعم أنّه يعبد الله الذي أمره به و ما يعبد إلاّ الشيطان. و أمّا أدنى ما يكون العبد به ضالاً أن يعرِفَ حجةَ الله تبارك و تعالى و شاهِدَه على عبادِه الذي أمر الله – عزّ و جلّ- عبادَه بطاعتِه و فرض ولايته. قلت: يا أمير المؤمنين! صفهم لي؟ قال: الذين قرنهم الله تعالى بنفسه و بنبيه، فقال: { يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللهَ و أطيعوا الرسولَ و أولِى الأمر منكم }. فقلت له: جعلني الله فداك أوضح لي؟ فقال: الذين قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في مواضع و في آخر خطبة يوم قبضه الله عزّ و جلّ إليه:{ إنيّ تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي إن تمسكتم بهما: كتاب الله – عزّ و جلّ- و عِترَتي أهل بيتي، فإنَّ اللطيف الخبير قد عهد إليّ أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كهاتين و جمع مسبحتيه و لا أقول:كهاتين و جمع مسبحته و الوسطى، فتمسكوا بهما و لا تقدموهم فتضلوا }. 6. العلامة القندوزي أيضاً في ينابيع المودة ص: 114، ط اسلامبول، روى في المناقب عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) حين خلفه رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) بالمدينة، فقال: يا رسول الله! أتخلفني على النساء و الصبيان، فقال: أما ترضى أن تكون منيّ بمنزلة هارون من موسى { اخلفني في قومي و اصلح }. و رُوى في المناقب عن الحسن بن صالح عن جعفر الصادق ( عليه السلام ) في هذه الآية قال: أولو الأمر هم الأئمة من أهل البيت ( عليه السلام ).

و روى في المناقب بالسند عن عيسى بن السري، قال: قلت لجعفر الصادق ( عليه السلام ): حدثني عمّا ثبت عليه دعائم الإسلام إذا أخذت بها زكى عملي و لم يضرني جهل إذا جهلت، قال: شهادة أنّ لا إله إلاّ الله و أنّ محمداً رسول الله و الإقرار بما جاء به من عند الله و حق في الأموال من الزكاة و الإقرار بالولاية التي أمر الله بها ولاية آل محمد ( صلى الله عليه و سلم ). قال رسول الله: { من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية } قال الله – عزّ و جلّ-: { أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و الأولى الأمر منكم } فكان عليّ ( صلوات الله عليه ) ثم صار من بعده حسن ثم حسين ثم من بعده عليّ بن الحسين ثم من بعده محمد بن عليّ و هكذا يكون الأمر. إنّ الأرضَ لا تصلح إلاّ بإمام و من مات و لم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، و أحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هيهنا و أهوى بيده إلى صدره يقول حيمئذٍ لقد كان على أمر حسن.

أبو النّور: ما هو رأيّ المذاهب الإسلامية بالنسبة إلى أهل البيت؟

الجواب: تقسم المذاهب الإسلامية فيما يتعلق بهذه المسألة إلى فرق ثلاثة: 1. فرقة مخالفة لأهل البيت، 2. فرقة تحترم أهل البيت لكنّها لا تعتقد بأمامتهم و ولايتهم و بالتالي لا تقتدي بهم و لا تتخذهم أسوة في شؤونها و حياتها، 3. فرقة أخرى تحترم أهل البيت كالفرقة السابقة وتزيد عليها أنّها تعلن المحب لأهل البيت ( عليهم السلام ) كما أوصى بذلك رسول الله ( صلى الله عليه و آله ):{ لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتىّ أكُونَ أحَبَّ إليهِ من وَالِدِهِ و وُلدِهِ }. و نلمح ذلك أيضاً في القرآن الكريم:{ إنّمَا وَليُّكُمُ اللهُ و رَسُولُهُ } المائدة/الآية 55، و بطبيعة الحال أنّ التوليّ مسألة أخرى و هي محبّة من يحبهم رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و هم أهل بيت العصمة و الطهارة[ 50 ]. 4. فرقة رابعة تذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه الفرقتان السابقتان و تؤمن بالنصوص التي تثبّت الخلافة لأهل البيت من قبيل الحديث الشريف:{ لا يزال أمرُ الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش } و تذعن بمقام أهل البيت المعنوي.

فشخصية مثل الفضل بن روزبِهان الذي يعد من الطراز الأوّل من علماء السنة ( يضعه صاحب إحقاق الحق في خانة النواصب في كتابه إحقاق الحق الذي كتبه في الرد على الفضل ) يرى أنّ خلافة أهل البيت مكملة للنبوّة و يثبِّت لهم الخلافة المعنوية و يرى أنّ الخلافة الظاهرية لا تناسب شأنهم. يقول:”فإن أريد بالخلافة وراثة العلم و المعرفة و إيضاح الحجّة و القيام بإتمام منصب النبوّة فلا مانع من الصحة”[ 51 ] و أمّا الخلافة الظاهرية أي الحكومة و التدبير فلا يؤمن بها الفضل بن روزبِهان. 5. الشيعة الإمامية ترى أنّ أمثال هذه الأحاديث تؤيّد واقعة الغدير و ما جاء في حديث الثقلين الشريف، و بالتالي يتمتع أهل البيت ( عليهم السلام ) في نظر الشيعة بالمقامين: المعنوي و الظاهري و لا يليق لهذين المقامين إلاّ هذه الوجودات المقدسة.

نظر أبو النّور في هذه الأثناء إلى ساعته و قال: الجو حار جداً، إذا تجيز نتجوّل قليلاً في السوق هناك ( ثم ترحكنا سوياً )

فلسفة الإمامة

تبسّم أبو النّور و قال: أعتذر لعدم تمكني ليلة البارحة من تقديم شيء لكم، فتذكرت بعد ذلك أنّ هناك مأكولات في الجهة الثانية من السوق، فلهذا أريد أن نذهب إلى تلك الجهة. جلسنا بجنب مطعم في السوق و شربنا بعض المشروبات. اشتر أبو النّور كيلو من الموز و وضع على الطاولة و قال: الآن اطمأن قلبي و أتصور أنكم إذا تعبتم على الأقل سوف ترتحون قليلاً. ثم استمرّ في البحث السابق سائلاً:

  1. أبو النّور: ما هي فلسفة الإمامة؟

الجواب: فلسفة وجود الإمامة في المجتمع الإنساني هي فلسفة رسالة الأنبياء نفسُها؛ لأنّه في باب احتياجات النّاس المختلفة يتحتّم الإلتفات إلى هذه الحقيقة و هي أنّ النّاس يسعون في بحثهم عن الحقائق الوجودية إلى رفع احتياجاتهم الأساسية، و قد يستعينون في بعض الموارد بحواسهم الخمسة و في الموارد التي تخرج عن دائرة الحواس يعمدون إلى قدراتهم الباطنية كالعقل و الشهود الباطني، و لكن في الدوائر التي تقع خارج مدركات العقل يستعينون بالأنبياء و الوحي الإلهي و يستفيدون من الإمدادات الغيبية.

و غير خفي أنّ حقائق الوجود تنقسم إلى المحسوسات و المعقولات و الأمور الغيبية و الماورائية، و لكل مجال سلّمه [ العروجي ] الخاص، و مدرسة الأنبياء لها بدورها سلّمها الخاص الذي به يعرج النّاس إلى كمالاتهم التي تؤمِّن لهم السعادة و رفع الإحتياجات المكنونة في أعماقهم. فعلى أساس التعبّد بما جاء به الأنبياء و اتّباع مدرستهم يصل النّاس إلى سعادتهم الحقيقية؛ لأنّهم من خلال هذا الطريق ( سبيل الأنبياء ) يصلون إلى حقائق الوجود التي لا يتيسّر لهم الوصول إليها من غير هذا الطريق.

و من تلك الحقائق التي يصل إليها الإنسان من خلال الوحي: 1. الوصول إلى الحقائق الوجودية التي تقع خارج دائرة الحواس و قدرة العقل، 2. الوصول إلى أنجع القوانين الفردية و الإجتماعية و أنفعها في باب العمل و أوسعها دائرة في هذا المجال، 3. الوصول إلى تاريخ البشرية الصحيح المختّص بالماضي و المستقبل، 4. الوصول إلى أرقى المناهج التربوية و أنفعها وأشدّها تأثيراً في هذا المجال، 5. الوصول إلى أرفع القوانين الأخلاقية و أرقاها، 6. وجود الإمام يؤثِّر في تكامل النفوس و يشكل عاملاً أساس في الوصول إلى القرب الإلهي.

يشكل الإمام أسوة الإنسان الكامل و المرشد الحقيقي إلى الحق تعالى و هذه المسألة تمثل أساس احتياجات النّاس؛ لأنّ البحث عن الإسوة و الميل إليها من أشد الأمور التي تحتاجها الحقيقة الإنسانية، و بدَهِيٌّ أنّ ما جعل الإنسان يختار مناهج الأنبياء و الأئِمة و يركّز عليها أكثر في الموارد الستة السابقة هو ما توفّر فيهم من العصمة و الصدق و العدل.

و ما هو الأهم في البين هو الإلتفات إلى هذه النكتة و هي هل أنّ النّاس في العصور المتأخرة يحتاجون إلى الوحي و الأنبياء كما كان الأمر كذلك بالنسبة لمن عاصر الأنبياء أم لا؟ و كيف يستفيد النّاس من مدرسة الوحي مع انقطاع الوحي و تحقق الخاتمية؟ و على الرغم من التقدّم العلمي العميق الذي أوجده الأنبياء في حياة النّاس يبقى الاحتياج إلى الأنبياء قائماً، فالأمر الوحيد الذي يرفع هذا الإحتياج و يحل هذه المشكلة بخاصة في فترة الخاتمية هي الإمامة التي تمثل استمرارَ خط النبوّة و ترجمة حقيقية لتعاليمه. و الفارق الوحيد الموجود بين النبيّ و الوصيّ هو أنّ النبي يتلقى الوحي من أمين الوحي جبرئيل عليه السلام و الوصيّ مكلَّف بحفظ ما أنزل على قلب النبي الشريف ( أيّ الوحي المدوَّن في كتاب الله و سنة نبيه ) و بيانه للنّاس، و تقع على عاتق الإمام أيضاً جميعُ ما كان يتمتع به النبي من مسؤوليات و ذلك في جميع الموارد.

فتوفّر العلم [ الشهودي ] و العصمة و الصدق و العدل في الإمام أمر ضروري حتى يَثِقَ به النّاسُ و حتى يتمكنَ من جذبهم إلى ما يطرحه عليهم من تعاليم جاءت في الوحيّ المدون، و بالتالي يلتزمون بها و قلوبهم مليئة بالطمأنينة و السكينة، و ليس عبثاً أن يجيء الكلام عن العترة الطاهرة مقروناً بالكلام عن الكتاب العزيز في وصية النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله ):{ إنِّي تَارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلينِ كِتابَ اللهِ و عِترَتِي أهلَ بَيتي مَا إن تَمَسَّكتُم بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدي }[ 52 ].

يمكن لنا لمسُ سرَّ تقارنِ القرآن الكريم و أهل البيت في النكات التالية: أ. القرآن كتاب غير عاد و بالتالي لا يتأتى لأي أحد أن يفهم أسراره و يغوص في أعماقه و يستخرج مكنوناته و جواهره ( العَقَدَية و العملية ) و يضعه في متناول النّاس. ب. لا يمكن الفصل بين القرآن عن مفسريه الحقيقيين ( الأئمة المعصومون ). ج. مادام القرآن موجوداً بين النّاس فالعترة الطاهرة أيضاً موجودة عينياً بين النّاس. د. تفسير القرآن و تبيين حقائقه من طرف غير المعصوم لأ اساس له من الصحة و لا يمكن الاعتماد عليه؛ لأنّ العلم الخاص الذي يلازم كل من العصمة و الصدق مخصوص بأهل البيت ( عليهم السلام ). هـ. الرضا بالقرآن و اتباعه هو رضا بالعترة و اتباعها لا محالة، و احترام القرآن هو احترامٌ للعترة الطاهرة و الإهانة بالقرآن هي لا شك إهانة بالعترة الطاهرة أيضاًً.

النتيجة: إنّ فلسفة الإمامة في المجتمع الإنساني هي فلسفة رسالة الأنبياء العظام نفسها، فالإمامة هي تجلّي النبوّة و استمرارها بين النّاس. و بالتالي إنّ كل ما يُشترط في النبي من علم و عصمة و عدالة و إعجاز و ما شابه ذلك يشترط في الإمام أيضاً، فكما أنّ وجود النبوّة أمر ضروري للمجتمع الإنساني فوجود الإمامة هو أمر ضروري أيضاً. يقول الإمام ( عليه السلام ):{ لَولاَ الحُجَّةُ إذاً لساخت بأهلها }[ 53]. فلا يمكن، بناءً على هذا، الوصول إلى سعادة الدارين بدون وجود الإمام و بمعزل عن هدايته.

  1. أبو النّور: من أين يتلقى الأئمة المعصومون علومهم و معارفهم المختلفة؟ هل تتنزّل عليهم ملائكة الوحي؟

الجواب: إنّ المنابع التي يستقي الإمام منها علومه ( الأحكام الإلهية و غيرها ) هي القرآن الكريم و السنة النبوّية فقط، ينقل الصفار في صائر الدرجات:” حدثنا محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سأله سورة و أنا شاهد فقال جعلت فداك بما يفتى الإمام؟ قال: بالكتاب. قال: فمالم يكن في الكتاب؟ قال: بالسنة. قال: فما لم يكن في الكتاب و السنة؟ فقال: ليس من شئ إلاّ في الكتاب و السنة. قال: ثم مكث ساعة، ثم قال: يوفق و يسدد و ليس كما تظن”[ 54 ].

و قال الإمام الباقر في هذا الصدد:{ بل كلُّ شيء نقوله في كتابٍ و سنةٍ }، و قال لمّا سئل عن المسألة التي ليست في القرآن و السنة كيف يبيّن حكمها:{ ليس من شيءٍ إلاّ في الكتاب و السنة }[ 55 ]. و قال أيضاً:{ لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان من قبلنا و لكنّا حدّثنا ببيّنة من برنا بيّنها لنبيّه فبيّنها لنا }[ 56 ].

  1. أبو النّور: ما معنى هذا الحديث { أصحابي كالنّجُوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم }؟ أعني: إذا كانت الحكومة و قيادة المجتمع الإنساني حقَّ المعصوم فقط فما هو مراد النبي من الحديث السابق؟[ 57 ]الجواب: أوّلاً: لا شكَّ أنّ الحديث الشريف لا يصدق على بعض الصحابة؛ على اعتبار أنّ جملةَ منهم معلومةُ الحال و ملفَها مكشوفُ لدى الأمة فلا يمكن أن يصدق عليه عنوان “أصحابي” الذي جاء في الرواية الشريفة. ثانياً: إذا اعتقدنا أنّ مفهومَ “أصحابي” يصدق على أفراد حقيقية فلا يشمل إلاّ الأئمة المعصومين و من لم ينحرف عن الصراط المستقيم من قبيل أبي ذر الغفّاري و المقداد و سلمان.

و قد سأل موسى نصر الرازي الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن الحديث السابق فأجابه الإمام:{ هَذَا صَحيحٌ يُرِيدُ مَن لم يُضَلَّ بَعدُ وَ لم يُبَدِّل }. إذن: مدلول الحديث الشريف هو أن من يصدق عليه عنوان “الصحابي” هو من لم يَنْحَرِفْ عن صِراطِ الحقّ و لم يغيِّرْ و لم يُبدِّلْ. فالحديث، مع فرض صحته، ينطبق فقط على من لم يتبع طريق الضلالة، فالحديث بمثابة قضية مشروطة أي أنّ أصحابي هداة بشرط أنّ لا يغيّروا و لا ينحرفوا عن الخط. و إليك ما دار بين الرازي و الإمام الرضا ( عليه السلام ):{ عن محمد بن موسى بن نصر الرازي ، عن أبيه قال :سئل الرضا ( عليه السلام ) عن قول النبي ( صلى الله عليه وآله ):”أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” و عن قوله:”دعوا لي أصحابي”، فقال:”هذا صحيح يريد من لم يغير بعده ولم يبدل”، قيل: وكيف نعلم أنهم قد غيروا و بدلوا؟ قال:”لما يرونه من أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال”:ليذادن رجال من أصحابي يوم القيامة عن حوضي، كما تذاد غرائب الإبل عن الماء، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لا تدرى ما أحدثوا بعدك، فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول بعدا لهم وسحقا، أفترى هذا لمن لم يغير و لم يبدل”}[58]. ثالثاً: و قد حكم بعض المحققين على الحديث بالجعل و سنده غير معتبر منهم القاضي عياض المالكي في كتابه “شرح الشفا” و العلاّمة مرتضى العسكري في كتابه “خمسون و مائة صحابي مختلق”. وذلك لأنّه يوجد في سنده الحارث بن عصين و حمزة بت أبي حمزة المتهمان بالكذب و مجهزلان الهوية [ 59 ]. و ممن اعترف أنّ الحديث موضوع المحدث السلفي ناصر الدين الألباني في كتابه “سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة”[ 60 ].

أبو النّور: خجلت منكم لأنّي اتعبتكم كثيراً بإثارتي لهذه المساءلات التي اضطرّتكم إلى الكلام حولها. يبدو أنّ قافلتنا أوشكت على الحركة اتجاه مكة فأودّعمكم الآن و إن شاء الله تعالى سنزوركم في مكمة المكرمة.

[ 1 ] ابن سعبة: تحف العقول، فصل الإمام الثامن، ص: 443،ط: مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
[ 2 ] البحار/ج4/ص: 98، الباب 3 الحديث 2.
[ 3 ] نهج الإيمان، الفصل 23، في ذكر المؤاخات ( نقلاً عن كتاب: “ألقاب السادة” الحسيني الأشكوري، ص: 15. و دائرة المعارف الشيعية العامة ج10، ص: 573.
[ 4 ] الذهبي، ج11، ص: 548، طبعة دار الكتب العربي … عن جابر قال: إنّ رسول الله دخل يوم الفتح عليه عمامة سوداء.
[ 5 ] العلاّمة الأميني، الغدير، ج1، ص: 290-293. المجالس السنية، ج2، ص:19.
[ 6 ] السمهودي، و فاء الوفاء، ج4، ص: 1204.
[ 7 ] الشهرستاني، الملل و النحل، ج1، ص: 30.
[ 8 ] أصول الكافي، ج1، ص: 376-377. الهيثمي، مجمع الزوائد، ج5، ص: 224. أعيان الشيعية، ج1، ص: 53. التفتزاني، شرح عقائد النسفية، ص: 51. مسند أحمد، ج5، ص: 61، الحديث 16434. التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص: 239. تفسر صدر المتألهين، ج4، ص: 401. و الملاحظ أنّ الحديث جاء في المجامع الحديثية بعبارات مختلفة، مثلاً: في بعض النسخ جاءت كلمة “جاهلية” من دون “أل”، أو مثلاً: في مكان “لم يعرِف” جاء “ليس عليه إمام”، كما نلمح ذلك في الحوار جرى بين الحجّاج و عبد الله ابن عمر الذي قال له: حديث سمعته عن رسول الله: { من مات و ليس عليه إمام فمات ميتة جاهلية } مسند أحمد، ج2، ص: 205، ح 5526، ص: 330، ح 6387. و كذلك نقل الحديث عن عبد الله ابن عمر بهذه العبارة { من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية }مسند أبي داود الطيالسي، ص: 259. و جاء كذل بعبارة أخرى { من مات و ليس في عنقه بيعة إمام، مات ميتة جاهلية } الغدير، ج1، ص: 55.
[ 9 ] الصدوق، إكمال الدين، ص: 484.
[ 10 ] الصدوق، علل الشرائع، ص: 196-198. إكمال الدين، ص: 202-204.
[ 11 ] العلامة الشوشتري، إحقاق الحق، ج5، ص: 113، ج7، ص: 159، و ج18، ص: 473.
[ 12 ] أعيان الشيعة، ج1، ص: 53.
[ 13 ] ابن شعبة، تحف العقول، فصل الإمام السابع عليه السابع، ص: 386.
[ 14 ] راجع حديث جابر في نهاية هذا البحث.
[ 15 ] راجع البحث:”أشهد انّ عليّاً وليُّ الله” من هذا الكتاب.
[ 16 ] المحدّث القمي، سفينة البحار، مادة: الحسن.
[ 17 ] تفسير التبيان، ذيل تفسير الآية الأوّل من سورة الجمعة، ج10، ص: 4.
[ 18 ] المحدّث القمي: سفينة البحار، مادة حسن.
[ 19 ] صحيح البخاري، ج9، الباب 8، ص: 124.
[ 20 ] أصول الكافي، ج1، ص: 298. البحار، ج5، ص:322، الحديث الأوّل.
[ 21 ] العلامة الأميني، الغدير، ج1، ص: 122. العلامة الشهيد الشوشتري، مجالس المؤمنين: مجلس الغدير.
[ 22 ] القندوزي، ينابيع المودّة، ج3، ص: 310.
[ 23 ] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار،ج68، ص: 101.
[ 24 ] إحقاق الحق، ج4، ص:248، و ج20، ص: 315 و 290. الحمويني، فرائد السمطين، ج1، ص: 332، طبعة بيروت الطبعة الأولى. ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق، ج3، ص: 164، الحديث رقم 1204. الكنجي الشافعي، كفاية الطالب، ص: 312، طبعة دار إحياء تراث أهل البيت.
[ 25 ] العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص: 101.
[ 26 ] العلاّمة الأميني، الغدير، ج1، ص: 388.
[ 27 ] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج18، ص: 373، ط: تهران، إسماعليان.
[ 28 ] أصول الكافي، ج1، ص: 376.
[ 29 ] المجلسي، بحار الأنوار، ج23، ص: 294، الحديث 33. و ج68، ص: 333، الحديث 10.
[ 30 ] بحار الأنوار، ج49، ص: 127.
[ 31 ] عيون أخبارالرضا، ج2، ص: 135، الحديث 2.
[ 32 ] صحيح مسلم، ج3، ص: 1453. مسند أحمد، ج5، ص: 94، الحديث 20319. الصواعق المحرِقة للهيثمي، ص: 20.
[ 33 ] السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص: 10. صحيح مسلم، ج3، ص: 1453، الحديث 7.
[ 34 ] الفضل بن روزبِهان، و سيلة الخادم إلى المخدوم، شرح دعاء إثنيّ عشر معصوماً، فصل التبريّ و التوليّ، ص: 30، 283، الطبعة الجديدة.
[ 35 ] سلسلة الأحاديث الضعيفة،ح1، ص: 354، الحديث 350. التفتازاني، شرح المقاصد، ح5، ص: 239.
[ 36 ] كفاية الأثر، ص: 151.
[ 37 ] القندوزي، ينابيع المودّة، ج3، ص: 282، الباب 76.
[ 38 ] نهج البلاغة، ص: 497، الحكمة رقم 147.
[ 39 ] ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني رحمه الله تعالى.
[ 40 ] تربية الروح [ بالفارسية ]، ج2، فصل الإنتظار.
[ 41 ] أبو داود، السنن، ج4، ص: 200، الحديث 4607. سلسلة الأحاديثالضعيفة، ج1، ص: 82.
[ 42 ] فرائد السمطين، ج2، ص: 313، الحديث 563-564.
[ 43 ] صحيح مسلم، ج3، ص: 1452، الحديث 6. كنز العمال، ج12، ص: 32-33.
[ 44 ] صحيح مسلم، ج3، ص: 1452 الحديث 5.
[ 45 ] صحيح مسلم، ج3، ص: 453، الحديث 7 و 8. مسند أحمد، ج6، ص: 97 الحديث 20347، و ص: 101 الحديث 20375، و ص: 108 و 109 و 122 الحديث. رجع إلى ليالي بشاور تأليف سلطان الواعظين، ص: 572.
[ 46 ] صحيح مسلم، ج3، ص: 1453 الحديث 10. مسند أحمد، ج6، ص: 93 الحديث 20319. الهيثمي: الصواعق المحرِق، ص: 20. مجمع الزوائد، ج5، ص: 190.
[ 47 ] البحراني، عوالم العوالم، ج17، ص: 74 الحديث 3.
[ 48 ] الحسكانبي، شواهد التنزيل، ج1، ص: 190-191، مؤسسة الطبع و النشر.
[ 49 ] إحقاق الحق، ج3، ص: 424، و ج14، ص: 348.
[ 50 ] فضل بن روزبِهان، و سيلة الخادم إلى المخدوم، في شرح صلوات أربعة عشر معصوماً، فصل التبري و التولي، الطبعة الجديدة، ص: 283، بتحقيق جعفريان، ص: 30.
[ 51 ] العلامة المظفر، دلائل الصدق، ج2، ص: 315. فضل بن روزبِهان، وسيلة الخادم إلى المخدوم، ص: 30.
[ 52 ] القندوزي، ينابيع الموّدة، ج1، ص: 74 و 113 و 119 و 349. السيد شرف الدين الموسوي، المراجعات، ص: 19-22.
[ 53 ] أصول الكافي، كتاب الحجّة، ج1، ص: 178-179. كفاية الأثر، ص: 89.
[ 54 ] بصائر الدرجات، ص: 301. الكافي الشريف، ج1، ص: 2، الحديث 10.
[ 55 ] المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص: 175-176.
[ 56 ] المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص: 172، الحديث 2.
[ 57 ] سلطان الواعظين الشيرازي، ليالي بيشاور، ص: 607.
[ 58 ] عيون أخبار الرضا، ج2، ص: 87، الحديث 33. المجلسي، البحار، ج28، ص: 19.
[ 59 ] سلطان الواعظين، ليالي بيشاور ( الكتاب المعرَّب )، ص:607.
[ 60 ] ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة، ج1، ص: 78 و 82، ذيل رقم المسلسل 58 و 61. و للتحقيق أكثر ارجع إلى كتاب “خمسون و مائة صحابي مختلق” للعلاّمة السيد مرتضى العسكري، و “نظرية عدالة الصحابة” لأحمد يعقوب