السيد باسل خضراء الحسني

السيد باسل بن خضراء الحسني

 

ولد عام 1969م في سوريا بحلب، نشأ في أسرة تعتنق المذهب الحنفي، واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة معهد متوسط للكهرباء بصفة مساعد مهندس.

تفتح آفاق الرؤية:

يقول السيد باسل حول بداية انفتاحه على الآفاق الواسعة من الوعي والمعرفة: كنت في المرحلة الإعدادية حيث بدأت أعي ما حولي وبدأ معي شعور معرفة من أنا، ثم بدأت بالتدريج نحو اكتشاف الحياة ماضيها وحاضرها، ولم أكن متعصّباً بالمفهوم السائد، وكان دأبي التحسّب لكل خطوة أخطوها أو كل كلمة أقولها.
ويضيف السيد باسل: ومن خلال البحث وجدت نفسي أنني أعيش في أجواء قد هيمن عليها التعتيم والتضليل واحتكار العلم، ورأيت المعتقد الذي أنا عليه لم يصل إليّ إلاّ عن طريق الوراثة والتقليد والتبعية، ورأيت نفسي مصداقاً لقوله تعالى حول التبعية العمياء: (إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّة وَ إِنَّا عَلَى ءَاثَـرِهِم ُّهْتَدُونَ ) (الزخرف: 22)، فرفعت يدي بالدعاء إلى الباري عزّوجلّ لينقذني مما أنا عليه، فسرعان ما جاءت الاجابة، فتوفرت لي ظروف أدخلتني في دائرة البحث والخوض في غمار تاريخنا الاسلامي، فدققت وتابعت وسألت وواجهت حتى انتبهت لأمور كنت بعيداً عنها وغافلا عن عمقها.

معرفة عودة نسبه إلى الشجرة النبوية:

يقول السيد باسل حول كيفية تعرّف عائلته على صلة نسبهم بالشجرة الحسنية المباركة: في سنين مضت ذهبت مع والدي لزيارة أحد أقربائنا العائد من فريضة الحج، فتبيّن لنا أنّه قد اكتشف هناك أن اصولنا تنتهي إلى المغرب وترتبط بالشجرة الحسنية الشريفة ثم ذكر قريبي أنّه قرّر السفر إلى المغرب للاستطلاع حول هذا الأمر، وفعلا سافر قريبي إلى المغرب وغاب مدة شهر، ثم عاد وهو يحمل صكاً بالاعتراف من قبل المملكة المغربية بتابعيتنا لهم.
ويضيف السيد باسل: إن ما شّد انتباهي لهذه القضية أنّه كيف يعود نسبنا إلى الشجرة النبوية الحسنية المباركة! وما علاقة وجودها في المغرب مع علمي أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالمدينة المنوّرة، ولماذا تشتّت هذه العائلة وتفرّقت بين الشرق والغرب؟ فسألت قريبي: فوجدته يتهرّب من الإجابة!
ثم سافر أبي أيضاً إلى المغرب للحصول على صك أخر، أو ما يقال في العرف الحالي “الجنسية”، وكان ذلك عام 1980م، وكنت أنا في الصف الثاني الاعدادي، ودام سفره شهراً إلاّ بضعة أيام، ثم عاد ومعه الجنسية المعترف فيها أننا من أنساب العائلات الحسنية، ففرحت بذلك ولا سيما حينما رأيت اسمي مدوّن معه، ثم تبادر إلى ذهني السؤال القديم، فوجهته إلى والدي ولكنه أيضاً لم يجبني على ذلك.

الاهتمام بالكتب الدينية:

بعد أن تبيّن للسيد باسل أنه من ذرية رسول الله ومن سلالة أهل البيت (عليهم السلام) ، حفّزه هذا الأمر على البحث والاهتمام بما له صلة بالدين، ويقول السيد باسل حول كيفية حصوله على أوّل كتابي اسلامي والنتائج التي اعقبت مطالعة هذا الكتاب: أنه صادف في احدى جولاته في دمشق أن وقع نظره على واجهة احدى المكتبات فرأى كتاب “النهاية في الفتن والملاحم” لابن كثير الدمشقي. فسأل البائع عن مضمون ومحتوى الكتاب، فقال له البائع: إن هذا الكتاب يحتوي على مجموعة من الأحاديث النبوية حول الأحداث التي سوف تحدث بعده إلى قيام الساعة. واضاف له قائلا: إن هذا الكتاب يعدّ من الكتب الموثقة والجيدة والكاتب من المعروفين القدماء.
يقول السيد باسل: وقع حبّ ذلك الكتاب في قلبي، وشعرت أنني لا استطيع الاستغناء عنه، فسألت البائع عن ثمن الكتاب فلما اخبرني بذلك تراجعت قليلا إلى الوراء لعدم وجود ما يكفي لشرائه حيث كنت في فترة لم أعمل بها، فتحيّرت في أمري، وبدأت أفكر عن المصدر الذي يمكّنني من خلاله الحصول على هذا المبلغ. فطلبت من والدي هذا المبلغ لشراء ذلك الكتاب، لكنّه حبّذ أن يكون اهتمامي بشراء الملابس أو بعض الأطعمة الخفيفة التي يفضّلها الشبان.
فلم يجد السيد باسل بُداً سوى البحث عن عمل يوفر له المال الذي يريده، فذهب إلى أحد اقربائه الذي كان له دكان خاص بالاصلاحات الكهربائية، وطرح عليه فكرة العمل عنده، فقبل قريبه ذلك، ومن هنا تمكّن السيد باسل من الحصول على ذلك المبلغ وشراء ذلك الكتاب.
ويقول السيد باسل: اخذت الكتاب وانصرفت إلى المنزل وكانت فرحتني غامرة، حيث أنني كنت لأول مرة أشتري بها كتاباً اسلامياً يحتوي على عدد من أحاديث رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقد كنت بالسابق أقرأ قصص وروايات تعني بالقضايا البوليسية والأمور الصناعية.

أوّل حديث نبوي قرّبني إلى التشيّع:

يقول السيد باسل: إنّ أوّل حديث نبوي لفت انتباهي من الكتاب الذي اشتريته، هو إشارة النبي(صلى الله عليه وآله) إلى أنّ اثني عشر خليفة قرشياً سيلون أمر الأمة الاسلامية، ورغم أنني انهيت قراءة الكتاب ولكنّ هذا الحديث بقي في خاطري وبدأت استفسر: من هم الاثنى عشر خليفة المنصوص عليهم حسب الحديث؟ فتلقيت اجابات عديدة من بعض مشايخ أهل السنة من قبيل مدير معهد شرعي في منطقتي “دوما” حيث أنني خضت معه حواراً حول هذا الحديث وغيره، فلم يفصح لي عن مدى مصداقية الأحاديث أو نفيها، بل صاح بي وطردني من المسجد! وبدأت احث الخطى في مناقشة اعلام السنة مثل الدكتور محمد رمضان البوطي، والشيخ الارناؤوط، والشيخ الالباني عندما اقام في سوريا لفترة، والشيخ محمود الحوت مدير معهد شريعة في حلب، والشيخ زكريا خطيب أحد المساجد في قرى حلب، وجرى الحوار حول الأحاديث الموجودة في صحيح البخاري ومدى مصداقيتها. إلى أن قدّم أحد الأخوة الجزء السادس من كتاب البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي، وتساءلت في نفسي لماذا اختار لي هذا الجزء بالتحديد وعندما قرأته ووصلت إلى حوادث سنة 40هـ و61هـ ومقتل الامام علي (عليه السلام) ومقتل الامام السبط الحسين (عليه السلام) خنقتني العبرة، وذرفت عيناي الدموع، وتبيّن لي أن خلف الستار أموراً كثيرة لم تتضح لنا بعد.

مواصلة البحث:

يقول السيد باسل: واصلت بحثي حول الخلفاء بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، إلى أن واجهت حديث الثقلين وخطبة الرسول الأعظم يوم غدير خم ورزية الخميس، فدفعتني شكوكي لطلب الاستيضاح من هذه الروايات عند بعض علماء السنة المعاصرين، فمنهم من أثبت، ومنهم من طلب مني عدم الخوض في هذا المجال، لأنّها: أمور جرت في الماضي، ولكن لم أجد من يشكك في مصداقيتها.
ويضيف السيد باسل: بقيت على هذه الحالة إلى أن صادف أن زرت أحد العلماء السادة من معتنقي مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وهو السيد عبدالمحسن السراوي، فسألته حول بعض الشبهات التي تلقى حول عقائد الشيعة، فبيّن لي المنهج الصحيح والفكر الرشيد عند أهل البيت (عليهم السلام) ثم قام بدرء الشبهات التي ذكرتها له، فهنالك حصص الحق، وتبين لي الواقع واتضحت لي الأمور، فلم أجد بداً سوى اتخاذ قراري النهائي بشأن المذهب الذي ينبغي لي اتباعه.

اعلان الاستبصار في مقام السيدة زينب:

يقول السيد باسل: بعدما تبيّن لي الحق وعرفت المسلك الصحيح من الخاطىء ذهبت إلى مقام السيدة زينب(عليها السلام) وطلبت الاذن منها للدخول واعلنت ولائي لأهل البيت (عليهم السلام) وبراءتي من أعدائهم والذين ظلموهم، فدمعت عيناي وندمت على ما فاتني، ولكنني فرحت أن هداني الله وأحسن عاقبتي في نهاية أمري.

مؤلفاته:

(1) “ومن النهاية كانت البداية“.
يذكر المؤلف في هذا الكتاب كيفية رحلته من المذهب الحنفي إلى المذهب الشيعي الاثنى عشري، ويذكر قصة استبصاره من أوّلها إلى آخرها مع تبييّن الأدلة التي اعتمد عليها والبراهين التي أخذت بيده وانتشلته مما كان فيه. ويذكر ما لاقاه في رحلته هذه، ويشرح الحوارات التي جرت بينه وبين مشايخ أهل السنة، والموانع والعقبات التي لاقاها في طريقه إلى الاستبصار، وغير ذلك من الأمور المرتبطة بقصة استبصاره.

rihla

(2) رحلتي نحو الحقيقة

وقفة مع كتابه: “ومن النهاية كانت البداية

يتحدّث المؤلّف عن هذا العنوان، فيقول:
“قد يستغرب البعض من هذه المقولة، أو يجد بها غموضاً لا تفسير له، لكن من يقرأ السطور القادمة يكتشف مدى صدقي فيها، وربما يمر بمثل هذه الحالة مع بعض الفروقات الثانوية.
فالنظرية الحاضرة الآن وفي كل وقت تقول: إنّ كل بداية لا بد لها من نهاية، أو من بدأ عمل لابد أن ينهيه، والنهاية دائماً تكون نتاجاً للبداية، من يزرع قمحاً يرى قمحاً وليس شعيراً، ومن يزرع خيراً يحصد الخير.
الواقع أن ما حدث معي أن من النهاية كانت البداية وانعكست عندي النظرية الشهيرة من البداية تأتي النهاية، إن النهاية فتحت لي آفاقاً واسعة، وكانت صدفة ليس أكثر وضعت أمامي تساؤلات عديدة تكللت فيما بعد بالإجابة بعد بحث وسعي ومتابعة مضنية.
في إحدى جولاتي في “دمشق” صدف أن وقع نظري على كتاب في احدى واجهات المكتبات وهو كتاب “النهاية في الفتن والملاحم” لابن كثير الدمشقي، فدخلت وسألت البائع وهو رجل متوسط في العمر فقلت له: مامعنى الفتن والملاحم؟ فأجاب مع ابتسامة خفيفة تبين مدى جهلي: إنّ هناك أموراً حدّث عنها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ستحدث بعده إلى قيام الساعة، وأضاف البائع أن هذا الكتاب يعد من الكتب الموثقة والجيدة، والكاتب من المعروفين القدماء”.

حديث الاثنى عشر خليفة:
يتابع المؤلف كلامه السابق ويقول: “أخذت الكتاب وانصرفت إلى المنزل، فبدأت بأوّل الفهرس وإذا بي أتوقف أمام عنوان شدني إليه، وهو إشارة نبوية إلى أن اثنى عشر خليفه قرشياً سيلون أمر الأمة الإسلامية، وفجأة بدأت أحسب عدد الخلفاء قبل أن أتوجه إلى الصفحة المشار إليها، وقلت: إن الخلفاء أربعة هم: أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلي (عليه السلام) فكيف يكونون اثنى عشر خليفة؟! فعدت وجمعت الخلفاء إلى دولة بني أمية، فظهر لي أنهم أكثر من العدد المذكور! وتفحصت أسماء خلفاء بني العباس وجمعتهم ولم أجد حل للحدّ المطلوب، فقلت: ماهذا اللغز المحيّر؟ عليَّ أن أسأل أحد له إطلاع على الأمر، لكن علي أن اقرأ الحديث لعلي أجد مبتغاي، وفتحت الصفحة المطلوبة وانقل لكم ماقرأته حرفيّاً تتميماً للفائدة [“ثبت في الصحيحين من رواية عبدالملك بن عمير عن جابر عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): “لا يزال هذا الدين عزيز أو قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش”(1).
وهؤلاء المبشر بهم في الحديث ليسوا الاثنى عشر الذين زعم فيهم الروافض] هذا كلّه قول ابن كثير في كتابه النهاية(2).
ولا اخفي عليكم استوقفتني آخر جملة في الحديث، وهي وجود دلالة ما على أن هناك اثنى عشر خليفة عند الروافض، فسألت نفسي من هم هؤلاء الذين دعوا بهذا الإسم؟ وما هو قولهم في الخلفاء الاثنى عشر لديهم؟! حاولت البحث عن حديث آخر يساعدني على حلّ اللغز لكن دون جدوى.

توجهت إلى أحد أقربائي وهو شيخ العائلة كما يقال ويدعى بالشيخ “أبو فيصل”(3) وطرحت عليه السؤال التالي: من هم الاثنى عشر خليفة المنصوص عليهم حسب الحديث؟ فأجابني: إنّ الخلفاء هم الأربعة الراشدين، والحسن بن علي (عليه السلام) ، وعمر بن عبد العزيز من الدولة الأموية، فقلت له: هؤلاء ستة فأين البقية؟! فقال لي: لم يظهروا بعد مع اختلاف أن هناك من أتمهم إلى الرقم المطلوب، فقلت له: هل الأمر مزاجي أضع من أحب وأحجب من لا أحب؟! وعاد وقال: الثابت عندي أنهم ستة، وهم ما عددتهم لك! فقلت: من أين ثبت لك هذا؟ فأجاب احيلك إلى صحيح البخاري ومسلم ستجد الشرح الوافي، فطرحت عليه سؤالاً آخر: من هم الروافض ومن هم الاثنى عشر خليفة الذي يستندون عليهم؟ وعندها التفت إليّ وقال: هذا الأمر لا علاقة لي به، وأرجو أن لا تخوض بالأمر كذلك، وهذا الحديث مدسوس!!
عندها تيقنت أن اسألتي لم تجد إجابة شافية، وربما سيأتي يوماً أجد لها إجابة!
ثم يذكر المؤلف انه التقى بعد فترة بأحد السادة من علماء الشيعة وجرى بينهما الحوار التالي بشأن هذا الموضوع:
قلت: سيدي وجدت حديث “إثنى عشر خليفة”(4) في كتاب (النهاية) لابن كثير، والحقيقة انني بحثت حسب إمكاناتي وسألت عدداً من الاساتذة ولي قريب خطيب جمعة ولكن لم أجد لهذه إجابة مقنعة، منهم من تهرب من تفسيره، ومنهم من عدَّ لي الخلفاء حتى تجاوزوا الاثنى عشر، ومنهم من التقط اسماء من كل عصر رجل أو اثنين، ولكن لم أقتنع، وهذه الاحاديث وجدت لها مشابه في البخاري ومسلم(5) مع بعض الاختلاف أرجو أن تفيدني.
السيّد: الصحيح ليس فقط البخاري ومسلم وابن كثير الذين ذكروا هذا الحديث، اذكر لك على سبيل المثال الحمويني في كتابه (فرائد السمطين)، والخوارزمي في (المثالب) و(مقتل الحسين)، والثعلبي في تفسيره وغيرهم كلهم قالوا أو نقلوا عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حديث اثنا عشر خليفه كلهم من قريش، وجاءت روايات اخرى (كلهم من بني هاشم)(6).
وأذكر لك حديثاً من كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي وهو من علماء السنة نقلاً عن الإمام علي (عليه السلام) قال: رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): “لا تذهب الدنيا حتى يقوم بأمتي رجل من ولد الحسين يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”(7).
وعن عباية بن ربعي عن جابر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): “انا سيّد النبيين، وعليّ سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي، وآخرهم القائم المهدي”(8).
قلت: لقد قرأت بعض هذه الأحاديث من الكتاب الذي ذكرته في زيارتي للمكتبة، هل معنى هذا أن هناك خلفاء غير الخلفاء الراشدين؟! وهل يدخل أصحاب المذاهب الأربعة في هذا الحديث؟ علماً أنني قرأت أن بعض هؤلاء تتلمذوا على يد أحد أبناء الإمام علي (عليه السلام) .
السيّد: كما قلت لك: إنّ الائمة الاثنى عشر (عليهم السلام) هم أوصياء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد نص عليهم من الله سبحانه، وهم من أبناء الإمام علي (عليه السلام) ، ولادخل لأبي بكر وعمر وعثمان بالموضوع، ولا أئمة المذاهب السنية الأربعة لذلك وإن تتلمذوا عند بعض أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، ولأنهم خرجوا من اطار المدرسة الامامية، وتركوا الأصول الفقهية، وعملوا بالقياس العقلي، والاستحسان النظري، حتى أن بعضهم اجتهد مخالف النصوص الجلية فوقعوا في لبس التضليل.
قلت: فمن هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذي يتبعهم الشيعة أرجوا ايضاح اسمائهم إذا تكرمت؟!
السيد: ورد حديث متواتر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لدينا محدداً اسمائهم بل وحتى صفاتهم اذكرهم لك:
1 ـ علي بن ابي طالب (امير المؤمنين) 2 ـ الحسن بن علي (السبط)، 3 ـ الحسين بن عليّ (سيد الشهداء)، 4 ـ علي بن الحسين (زين العابدين)، 5 ـ محمد ابن علي (الباقر)، 6 ـ جعفر بن محمد (الصادق)، 7 ـ موسى بن جعفر (الكاظم)، 8 ـ علي بن موسى (الرضا)، 9 ـ محمد بن علي (الجواد)، 10 ـ علي بن محمد (الهادي)، 11 ـ الحسن بن علي (العسكري)، 12 ـ المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

مصداقية صحيح البخاري:
يورد المؤلف في كتابه تجربة مرت به اثناء بحثه عن الحق مع أحد الشيوخ وكان موضوعها صحيح البخاري الذي اعترض المؤلف على بعض احاديثه لمنافاتها العقل وللتناقضات الموجودة في بعضها عندما تقارن بالبعض الآخر فكان هذا الحوار بينهما:
توجهت إلى أحد المشايخ في منطقتي وهو خطيب ومدرس في أحد المعاهد الشرعية.
بدأت أستمع للدرس الذي يلقيه الشيخ وكان حول تفسير سورة “ألم نشرح”، فقال الشيخ: يقول المفسرون أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان في البادية عند مرضعته حليمة السعدية (رض) اذ جاءه شخصان وطرحاه أرضاً على ظهره، ثم شقا بطنه واستخرجا حظ الشيطان منه، ثم خاطا الجرح وذهبا، صدقاً أنني لم أستسيغ الرواية لأنني أحسست أن بها غلواً وشيئاً لايقبله العقل، فوقفت على الفور طالباً السؤال وسمح لي الشيخ بعد طلبي الملح بالسؤال.
قال الشيخ: مالك يابني هل تريد السؤال عن شيء؟
قلت: هل هذه الرواية موجودة في غير كتب التفسير التي ذكرتها؟
الشيخ: نعم هذه القصة مذكورة في كتب السير مثل سيرة ابن هشام وغيرهما.
قلت: وسند هذه الرواية هل هو صحيح؟!
الشيخ: نعم، وهل تشكك بقول العلماء القدامى الذين هم أفضل مني ومنك؟!
قلت: هناك أحاديث لا يقبلها عقل ولا حتى دين، وهذه الرواية يبدو أنّها من جملة تلك الأحاديث.
قال الشيخ: عليك أن تستمع فقط، وإذا وجدت شيئاً عليك السؤال للاستفسار، ثم يبدو أنك تجهل أموراً كثيرة.
قلت: نعم وللأسف يبدو أنني أجهل حقيقة ديني والدعوة المحمدية، ثم كيف عليَّ الاستماع فقط دون أن أسأل واقدم وجهة نظري! هل هو كأس ماء علي شربه دون أن أعرف ما طبيعة الماء فيه!! أم هو حشو أفكار فقط، وعلينا التصديق والتسليم. كيف أقبل أن استمع لرواية لا أجد فيها إلا طعنا بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وخلقه، ثم أنكم تحدثون هذه القصة، ثم بعد ذلك تقولون أن الشيطان اعترض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في صلاته، أو أنه نسي آية من القرآن تذكرها عندما سمع أحد القارئين لها كيف ذلك؟!
الشيخ: هذه أفكار مغلوطة، ويبدو أن أحد مانقل لك أحاديث ملفقة وسمم أفكارك بها، فاحذر يا بنيّ.
نظرت إلى الحاضرين، وقلت له: مارأيك بصحيح البخاري فضيلة الشيخ؟!
الشيخ: لقد قال النووي في كتابه التقريب “ان أول مصنف في الصحيح المجرد: هو صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، وهما أصحّ الكتب بعد القرآن والبخاري أصح كتاب وأكثر فائدة(9)“.
ويقول أحدهم: إذا قرىء صحيح البخاري في بيت ثلاثة أيام حفظ أهله من الطاعون، وأنه ما قرى في سفينة إلاّ حفظت من الغرق، ولا مجال للطعن فيه لأن أحدهم رأى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في نومه وقال له أبلغ محمد بن اسماعيل (أي البخاري) مني السلام وذلك في عصر البخاري.
قلت: إذا هذه الأفكار التي قلتها من البخاري والأفكار التي طرحتها أنا أيضا نقلت من البخاري، وها هو معي جزء منه، وتقدمت ووضعته أمامه، وقلت له: هل قرأت صحيح البخاري كاملاً؟
الشيخ: نعم، أنا ماوصلت لهذه المرحله إلاّ وقرأت الصحاح كلها مع السير.
قلت: لم تمر معك رواية سباق الجري بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجته تاركين الجيش يسير وحيداً، ولم يأتك بالحديث أن المغنيات يغنين أمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وزوجته السيدة عائشه؟ ألم؟! ألم؟!!! طرحت الأحاديث عليه.
وضجّ الحاضرين بالكلام هل هذا معقول ما يرويه؟! هل صحيح ما يقوله هذا الشاب؟؟
نهض الشيخ من كرسيه، وقال للحاضرين: إهدأوا إن هذا الشاب يحمل أفكاراً مسمومة، بها رائحة الفتنة، وربما انه التقى مع هؤلاء الشيعة!!!
فقلت لأحد الشبان الجالسين: أرجو أن تفتح المجلد بباب النكاح واقرأ حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء، وبدأ الشاب يقرأ، قلت له: اقرا بصوت عال حتى يسمع الجميع: “جاء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل حين بُني عليّ فجلس على فراشي وجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من ابائي يوم بدر، وقالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد”.
وقلت للحاضرين: ما رأيكم بهذا الحديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يحضر حفلة زفاف وغناء! فهل يعقل هذا؟! هل تفعلون انتم ذلك؟!.
قال الشاب: لا نفعل، لا يجوز الاختلاط بنساء أجنبيات!!!
قلت: كيف إذا ينسبون للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك؟!
يافضيلة الشيخ إذا كانت أفكاري مسمومة بردي على هذه الاحاديث، فهو نابع من حرصي على كرامة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف لا أرض ذلك على نفسي وأرضاه للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمّا الفتنة فهي السكوت على أحاديث باطلة شرعاً وعرفاً، وأمّا ماذكرته أنني ألتقي مع الشيعة، فأنا لم ألتقي مع أحد منهم، وإذا كان هذا رأيهم مثلي فإننا نتفق على ردّ هذه الأحاديث الضعيفة الباطلة.

غبار دخل أنف فرس معاوية!!:
وهذا حوار آخر للمؤلف مع أحد الشيوخ حول “الصحابي” معاوية بن أبي سفيان، يقول:
سمعت يوماً من أحد أبناء “حلب” أن هناك شيخ خطيب فصيح يخطب في كل يوم جمعة بالناس، وأنهم ليتسابقون إلى مسجده وسماع خطبته، فدفعني الفضول لسماع احدى خطبه.
وللصدفة كانت خطبته تتكلم عن صحابي من الصحابة، حيث كان أخذ على عاتقة أن يتحدث كل يوم جمعة عن واحد عن الصحابة، وصحابي اليوم هو معاوية ابن أبي سفيان، فبدأ يسرد قصة اسلام معاوية، وأنّه كان كاتب الوحي عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد بشره بالجنة وبالخلافة والملك، وبدأ يعد مناقب مختلفة كثيرة وأنه من الصحابة المجتهدين، وتكلم عن فقهه وعن حربه، وإن كان حارب الإمام علي (عليه السلام) فهو اجتهد وأخطأ وله أجر لأنّ الله سبحانه لا يضيع أجر العاملين!
كل هذا وأنا جالس أستمع اليه وأعد الدقائق لانتهاء خطبته العصماء كي أجد فرصة من لقائه، وانتهت الخطبه وقام للصلاة ووقفت جانباً حتى انتهوا، بدء طلابه الخلصاء بتقبيل يديه، فاقتربت منه وسلمت عليه فرد السلام، فطلبت منه أن أطرح بعض الأسئلة فحاول الاعتذار، ولكن قلت له: إنّ خطبتك أعجبتني كثيراً ولي بعض التعليقات عليها، فدعاني إلى غرفته الجانبية مع بعض الاخوه وجلسنا، ومن ثم قال: لي تفضل إسأل؟
قلت: شيخنا، لقد تحدثتم واستفضتم حول الصحابي معاوية بن أبي سفيان، ولكن لم اقتنع بكلامكم هذا لسببين:
أوّلهما: أنني لم أر فضيلة تذكر له وأن النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرو له حديث منقبة.
ثانيهما: إنّ الأحاديث التي ذكرتها كل الرواة فيها تابعين ومشكوك بأمرهم وصدقهم، وكلهم يتحدثون وينقلون الأحاديث من بعض، ولم يذكروا رواية من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يعد اختلاق فضائل له وهو ليس أهلاً لها!
الشيخ: ما هذا الذي تقوله! إنّ ابن المبارك قال: “لغبار دخل أنف فرس معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز” وابن المبارك مشهود له بصدقه.
قلت: أولاً: ابن المبارك هذا تابع التابعين، وهو ليس عندي بمستند.
ثانياً: الفضيلة جاءت لفرس معاوية وليس لمعاوية، فما هو وجه التفاضل فيها؟ ثم إنّ الخليفة عمر بن عبد العزيز قد أجمع عليه العلماء وأنه الخليفة الأموي العادل الأوحد، فلم يكن قبله أحد مثله ولم يأتي أحد بعده في العدل، حتى أن علماء السنة عدّوه الخليفة الراشدي السادس، فأنت تناقض وتضرب بعرض الحائط أقوال جميع العلماء! فهل وجهة نظرك أفضل من هؤلاء الأعلام؟
الشيخ: أنت جئت لتجادل، لم أحسب هذا أبداً.
قلت: ليس الموضوع موضوع جدال، فأنت تذكر أشياء لا يقبلها العقل والناس يستمعون إليك ويأخذون كلامك بجدية، فأنت مسؤول أمام الله على كل كلمة تقولها لأن الناس ستتبع قولك، انت تعرف أن معاوية يعدّ من مسلمة الفتح، وهو آخر من أسلم حتى بعد أبيه خوفاً من القتل، وقد سموا بالطلقاء! فمن أين أتت كل هذه الفضائل له؟! وما كان يوماً كاتباً للوحي، كيف يؤتمن على كتابة الوحي؟! فكل ما كتبه هو رسالة لأحد الولاة في عصر النبوة!

بدأ الشيخ الحوت يتململ ويحاول الخروج، ونهض أحد الحاضرين مخاطباً لي وهو شاب يبدو من تلامذته: أنت كيف تخاطب الشيخ بهذه الطريقه؟ أرجو أن تعتذر وتصحح طريقة كلامك.
قلت: عفواً يا أخي أنا لم أسيء الأدب لشخص الشيخ، وهو يعلم تماماً ذلك، كل ماهنالك هو نقاش فقط.
أحد الحاضرين: هل تقول لنا أنك أعلم من الشيخ؟ أنت لا تعلم من هو.
قلت: أنا لا أقول أنني أعلم منه، ولكن احاول أن اذكره اموراً قد يكون نسيها نظراً للمعلومات الكثيرة التي تمر معه، ثم إنّ الشيخ أشهر من نار على علم ولا حاجه لكم أن تعرفوني عليه ـ حاولت امتصاص غضب الحضور بهذه الكلمات.
الشيخ: يا بني، أرجو أن تكون أقوالك أكثر عقلانية فأنت تسيء لصحابي مجتهد وله باع طويل ومن معه.
قلت: أيّ اجتهاد هذا ياشيخنا الذي تتحدث عنه؟ انهم لم يعرفوا معنى الاجتهاد! لقد سفكت الدماء وابيحت، وغصبت الفروج وانتهكت المحارم، وغيرت الأحكام من جرائه وبدّلت سنن!
فالاجتهاد له شروط وأنت عالم بها! وهي أن يكون موحداً لله سبحانه مؤمناً به، وأن يكون مصدّقاً للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وماجاء به من الشرع، والشرط الثاني أن يكون عالماً عارفاً بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها، وطرق اثباتها ووجوه دلالاتها، وان يعرف الناسخ من المنسوخ وأسباب النزول.
فأين يكون له هذا؟! وهو لم يدخل الاسلام إلاّ متأخراً، ولم يعاشر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ فترة قصيرة جداً، ثم بدأ بتخطيط لدولته وكيانه بعد وفاة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم).
أي اسلام أو اجتهاد يقول له: إن عاهدت شخصاً عليك بإسقاط عهدك معه، وخروجك على إمام الزمان؟ ألم يكن الإمام علي (عليه السلام) إمام زمانه بإجماع الناس كلهم فخرج عليه، وعبأ الجيوش لقتاله من شذاذ الافاق الموجودين بالشام، ثم أرسل إلى قتله ذلك الشقي ابن ملجم “لعنه الله” وعندما استشهد الإمام شكر الله لهذا!
أيّ اجتهاد مأجور عليه أن يسب الإمام وابنيه سبعين عاماً، ويعاهد الإمام الحسن على ترك الشتم ثم ينقض العهد معه؟
أحد الحاضرين: أيّها الشاب عليك بالصمت، كفى! من أين هذه الافتراءات التي تقولها على أمير المؤمنين؟
قلت: أسألوا شيخكم فهو يعلم من أين هذه الروايات، وأنا لا أفتري على أحد! وإذا كان شيخكم لا يعرف وأنا لا أظن ذلك، فها هي كتب السير والتاريخ والصحاح موجودة، ومن الكتب في هذا المجال التي تعد هامة “ميزان الاعتدال” للذهبي فهو يتحدث عن رواة الفضائل وكذبهم، كما عليكم قراءة كتاب “مروج الذهب” للمسعودي، و”الكامل في التاريخ” لابن الأثير.
أحد الحاضرين: لقد قام معاوية بفتوحات عظيمة سأذكرها لك.
قلت: لا داعي لذكرها فقد بدأ بفتوحاته بقتل الصحابه وتشريدهم وايذاء أهل البيت (عليهم السلام) !
أحد الحاضرين: إنّ الخليفة معاوية كان زاهداً عالماً بالسنن ورعاً، ونظر إلى الشيخ ليأكد له صدقه!
قلت: أي زهد وورع دفعه لقتل ومنع الماء عن الناس؟ وأيّ ورع والخمور تباع وتسقى في عهده؟ وبدأ باعطاء الامارات والولايات لمن لهم عداء لأهل البيت ولا يعرفون من الإسلام إلاّ اسمه! وقد قيل للنسائي: مالك لا تحدث عن فضائل معاوية؟! فقال: “إنّي لا أجد له فضيلة سوى لا أشبع الله بطنك” فكيف سأحدث عنه!!
فضيلة الشيخ، ألا تعلم أن معاوية حين سار بجيشه إلى صفين يوم الاربعاء صلى بالناس الجمعة في هذا اليوم!!
فنهض الشيخ مزمجراً!!!: أنت تقول شيء غير صحيح، ويبدو أنك من هؤلاء.
قاطعته قائلا: هذه الرواية موجودة في “مروج الذهب”(10)، ثم من قصدك هؤلاء؟
الشيخ: أرجو أن تنصرف قبل أن يحلّ غضبي عليك.
قلت: سأنصرف، ولكن عليك أن تقول كلمة الحق وتذكر الأمور كلها، لا أن تلفق وتأتي بأحاديث الكاذبين والوضاعين للحديث وتجعله سنداً لأقوالك.
أحد الحاضرين: يبدو أنك من هؤلاء الشيعة الذين لا يحترمون الصحابة؟
قلت: نعم أنا منهم والحمد لله، أوالي أهل بيت أذهب عنهم الله الرجس وطهرهم، الذين لا تقبل صلاة لنا إلاّ بالصلاة عليهم، ونحن نحترم الصحابة ولكن المخلصين الذين ما بدلوا تبديلاً، نحن نوالي عمار بن ياسر (رض) الذي بشّره النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه سيقتل وتقتله الفئة الباغية، وهذه الفئة هي معاوية وجنده.
عليك أن تراجع كتب السير لترى موبقات معاوية هذا ولا تكتفي بحديث قال شيخي، إنّ من أهم موبقات معاوية، هو تنصيبه ابنه يزيد الذي جعل عباد الله خولاً وماله دولاً، وقام بختم الصحابة من أعناقهم على أن يصبحوا عبيد وخول له! وقتله للإمام الحسن بدس السمّ له عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث وقد اغراها بالمال وأن يزوجها ابنه يزيد، وعندما فعلت جاءته لتستوفي حقها فأعطاها المال، فقالت له: زوجني يزيد كما وعدتني، قال لها: لم تكوني امينة على ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف أئتمنك على ولدي!
الشيخ: يبدو أنك من الذين خرجوا من السنة والجماعة؟
أحد الحاضرين: أيّها الشاب أرجو أن تخرج حتى لا تفسد جلستنا.
قلت: أودّ تنبيهكم لأمر، وهو أن أوّل لفظ لهذه العبارة السنة والجماعة كان في عهد معاوية بن أبي سفيان، فرغم الحروب السابقة وعهد أبو بكر وعمر وعثمان لم تلفظ هذه العبارة إلاّ بعد أن صالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية على شروط، أوّلها ترك شتم أهل البيت على المنابر، والسيرة بالناس بسيرة حسنة، وعلى أن تعود الخلافة إلى الإمام الحسن أو أهل البيت بعد وفاة معاوية. لا أن يولي ولده الفاسق يزيد.
ولكن نقض معاوية العهد وخطب بالناس قائلاً:
“أني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك وانما قاتلتكم لأتأمر عليكم ألا كل شيء اُعطيته الحسن بن علي (عليه السلام)
فتحت قدمي هاتين”(11) ثم اطلق على ذلك العام (عام السنة والجماعة).
روى أبو الحسن علي بن محمد أبي سيف المدائني في كتابه “الأحداث” قال: “كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله “أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب واهل بيته”(12) فقامت الخطباء في كل كورة ومنبر يلعنون الإمام علي (عليه السلام) ويبراؤن منهم ويشتمون أهل البيت! ومن يومها انقسمت الامة إلى فرق كثيرة ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وعمر بن عبد العزيز هو أوّل من أسقط هذا الشتم وأنزل مكانه إنّ الله يأمر بالعدل وبالاحسان وايتاء ذي القربى حقه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر(13).
فهل السنة والجماعة تفسيق الناس وتكفيرهم قولوا لي بالله عليكم؟!
الشيخ: كفى وأطلب الانصراف الآن.
قلت: سأخرج لكن ستتحمل المسؤولية يومئذ (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَ لاَ بَنُونَ ) (الشعراء: 88) وخرجت من المسجد، وسمعت الحاضرين يتجادلون مع بعضهم، وقد سمعت أن أحد الحاضرين الذين كانوا موجودين قد انفصل عنهم، ولكن لا أعلم ماذا أصبح حاله.

وهكذا بامثال هذه الحوارات تقدم المؤلف في بحثه الذي جمع فيه الكثير من المسائل الخلافية مهتدياً إلى حلها وجوابها الصحيح، فكان أن تمسك بالحبل المتين مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وركب سفينتهم سفينة النجاة.

1- صحيح البخاري، كتاب الأحكام: 92، مسلم كتاب الامارة.
2- النهاية في الفتن والملاحم.
3- خطيب جمعة وله قصائد مدح وله فترة طويلة بالخطابه المنبرية وقد حاورته مراراً سيأتي لاحقاً محاوراتي معه.
4- البداية والنهاية: 6 / 141، 145، 182.
5- انظر صحيح البخاري كتاب الاحكام: 4 / 498 (7222)، صحيح مسلم كتاب الامارة: 3 / 1154 (1821).
6- مودة القربى للهمداني: المودة العاشرة ينابيع المودة للقندوزي: 2 / 315.
7- ينابيع المودة للقندوزي: 3 / 291، 2 / 317.
8- ينابيع المودة للقندوزي: 3 / 291، 3 / 296 عن ابن عباس.
9- التقريب للنووي: 2.
10- مروج الذهب: 2 / 72.
11- شرح النهج لابن ابي الحديد: 16 / 15.
12- شرح النهج لابن أبي الحديد: 11 / 44، اخبار الدول العباسية: 47.
13- الكامل لابن الاثير: 4، مروج الذهب: ج2.