محمود جاف

محمود جاف (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٨٠ه (١٩٦١م) في مدينة ديالى بالعراق، نشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ثمّ ترك وطنه لظروف خاصّة وسكن في إيران، وبمرور الزمان تعلّم اللغة الفارسيّة، وبدأ يتعرّف على العقائد والأفكار والثقافة الشيعيّة، ولكنّه حاول أن لا يتأثّر بها ؛ لأنّه كان يعتقد بأنّ المصادر التي تعتمد عليها الشيعة مغايرة لمصادر مذهبهم ؛ ولهذا لا يصحّ الاعتماد على عقائد الشيعة، ولكن مالفت انتباهه ولاسيّما عند استماعه المحاضرات الدينيّة هو استشهاد الشيعة بكتب أهل السنّة، فدفعه هذا الأمر إلى التأمّل والتأنّي.

واشتدّ دافع «محمود جاف» للاهتمام بالمسائل الدينيّة واتّجه نحو البحث ومطالعة الكتب، واستماع المحاضرات، وانتقاد الشيعة لبعض الصحابة، واستشهادهم بكتب أهل السنّة، فلم يتحمّل «محمود» هذه المرّة الأمر، فقصد الكتب ليراجع فيها أرقام المجلّدات والصفحات التي بيّنها الشيعة من أجل إثبات عقيدتهم حول الصحابة.

وكانت المفاجأة كبيرة عندما وجد «محمود جاف» صحّة ما يقوله الشيعة حول الصحابة، وبيّن له البحث بأنّ من حقّ كلّ مسلم دراسة حياة الصحابة، وإخضاعهم للجرح والتعديل ؛ لأنّ الصحابة لم يكونوا معصومين، بل فيهم العادل، وفيهم الفاسق، وفيهم من وقف مع رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم في كلّ المواقف، وفيهم من وقف بوجه رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم في بعض الحالات، ومنهم من آذى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وتجاوز الحدود الدينيّة والاخلاقيّة أمامه، فلا داعي لرفض التاريخ والتمسّك بنظريّة يكذّبها الواقع الخارجي.

موقف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من الصحابة:

يستغرب الباحث عندما يجد تعصّب بعض المسلمين على عدالة جميع الصحابة، في الوقت الذي يكون لرسول اللّه‏ موقف آخر إزاء صحابته منها:

قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم : «بينما أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم.

فقال: هلمّ.

فقلت: إلى أين؟

فقال: إلى النار واللّه‏.

قلت: ما شأنهم؟

قال: إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أرى يخلص منهم إلاّ مثل همل النّعم»(1).

وقال صلى الله عليه و آله و سلم : «إنّي فرطكم على الحوض، من مرّ عليّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثمّ يحال بيني وبينهم، فأقول: أصحابي.

فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي»(2).

الصحابة والتنافس على الدنيا:

قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم : «إنّي فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، وإنّي واللّه‏ لأنظر إلى حوضي الآن، وإنّي أُعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإنّي واللّه‏ ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها(3). ويجد كلّ متأمّل في تاريخ صدر الإسلام بأنّ الصحابة تنافسوا على الدنيا حتّى سُلّت سيوفهم في هذا المجال، وتقاتلوا، وكفّر بعضهم بعضاً.

وقد اشتهر عن بعض الصحابة بأنّهم كنزوا الذهب والفضّة، وقد ورد – على سبيل المثال – في خصوص ممتلكات الزبير:

١ – «إنّ الزبير ترك من العروض بخمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم». واقتسم مال الزبير على أربعين ألف ألف»(4).

٢ – «اقتسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف»(5).

٣ – عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كانت قيمة ما ترك الزبير أحدىً وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف»(6).

٤ – «عن عروة قال: كان للزبير بمصر خطط، وبالاسكندريّة خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلاة تقدم عليه من أعراض المدينة»(7).

٥ – كان للزبير أحد عشرة داراً بالمدينة، ودارين بالبصرة، وداراً بالكوفة وداراً بمصر»(8).

وما ورد في خصوص ممتلكات طلحة بن عبيد اللّه‏:

١ – قال عمرو بن العاص: حُدّثت أنّ طلحة بن عبيد اللّه‏ ترك مائة بهار، في كلّ بهار ثلاث قناطر ذهب، وسمعت أنّ البهار جلد ثور»(9).

٢ – خلّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب(10).

٣ – قُتل طلحة بن عبيد اللّه‏ وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومئتا ألف درهم، وقوّمت أصوله وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم»(11).

٤ – «كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبيد اللّه‏ من العقار والأموال، وما ترك من الناضح ثلاثين ألف ألف درهم، ترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار والباقي عروض»(12).

وما ورد في خصوص ممتلكات عبد الرحمن بن عوف:

١ – «عن عثمان بن شريد قال: ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير، وثلاثة ألف شاة بالنقيع، ومائة فرس ترعى بالنقيع، وكان يزرع الجرف على عشرين ناضحاً»(13).

٢ – «إنّ عبد الرحمن بن عوف توفّي، وكان فيما ترك ذهب قطّع بالفؤوس حتّى

مجلت أيدي الرجال منه»(14).

٣ – «بلغ ثمن ماله [أي: مال عبد الرحمن بن عوف] مائة وستّين ألف درهم»(15).

وما ورد في خصوص تصرّف عثمان بن عفّان ببيت مال المسلمين:

١ – «كان من جملة ما نقم به على عثمان عنه أنّه أعطى ابن عمّه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية، وأعطى الحارث عشر ما يباع في السوق، أي سوق المدينة، وأنّه جاء إليه أبو موسى بكيلة ذهب وفضّة فقسّمها بين نسائه وبناته، وأنّه أنفق أكثر بيت المال في عمارة ضياعه ودوره، وأنّه حمى لنفسه دون إبل الصدقة»(16).

٢ – «كان لعثمان عند خازنه يوم قّتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهيت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار»(17).

٣ – «وكان قد صار له أموال عظيمة… وله ألف مملوك»(18).

٤ – «بني في المدينة وشيدها بالحجر والكلس، وجعل أبوابها من الساج والعرعر، واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة»(19).

وعموماً تكشف هذه الوثائق لكلّ باحث حقيقة بعض الصحابة، ولو أضفنا إلى هذه الأمور مسألة سفك الدماء التي تلطّخت أيدي الكثير من الصحابة بها، فسيتكوّن لدينا انطباع مغاير تماماً لمسألة عدالة الصحابة، عندها سوف نتحرّر من الهالات المزيّفة التي حاول البعض رسمها على هؤلاء بصورة مطلقة.

نعم كان في الصحابة المؤمنون الأخيار الأتقياء، الذين بذلوا كلّ ما لديهم من غالٍ ونفيس في سبيل إعلاء كلمة الحقّ، ولكن كان فيهم أيضاً من في قلوبهم مرض ومن ختم اللّه‏ على سمعهم وأبصارهم فهم لا يعقلون. ومهمّتنا كباحثين هو إعمال قاعدة الجرح والتعديل على هؤلاء وغربلتهم من أجل معرفة من يمكننا الاعتماد عليه في معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه و آله و سلم .

____________

1- صحيح البخاري ٧: ٢٠٨، كتاب الرقاق باب في الحوض.

2- صحيح البخاري ٨: ٨٧، كتاب الفتن، صحيح مسلم ٧: ٦٧، كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبيّنا صلى الله عليه و آله و سلم .

3- صحيح البخاري ٢: ٩٤، باب الجنائز ٤: ١٧٦، كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوّة في الإسلام.

4- سير أعلام النبلاء ١: ٦٥.

5- الطبقات الكبرى، لابن سعد ٣: ١١٠.

6- المصدر نفسه.

7- الطبقات الكبرى ٣: ١١٠.

8- صحيح البخاري ٤: ٥٢.

9- طبقات ابن سعد ٣: ٢٢٢.

10- سير أعلام النبلاء ١: ٤٠.

11- المستدرك للحاكم ٣: ٣٦٩.

12- الطبقات الكبرى لابن سعد ٣: ٢٢٢.

13- المستدرك للحاكم ٣: ٣٠٩.

14- الطبقات الكبرى لابن سعد ٣: ١٣٦.

15- تخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ٢: ٨٩.

16- السيرة الحلبيّة للحلبي ٢: ٢٧٢.

17- تاريخ الإسلام ٣: ٤١٦، البداية والنهاية ٧: ٢١٤.

18- دول الإسلام للذهبي ١: ٢٣.

19- مروج الذهب للمسعودي ٢: ٣٤٩.