محمد كاظم محمد الدليمي

محمّد كاظم محمّد الدليمي (حنفي / العراق)

ولد عام ١٣٨٢ه (١٩٦٣م) في مدينة «بغداد» عاصمة العراق، وترعرع في أسرة حنفيّة المذهب، واصل دراسته الأكاديمية حتّى تخرج من الإعدادية في قسم الأدب.

شاءت الإرادة الإلهيّة أن يهاجر «محمّد كاظم» إلى إيران حيث سنحت له الفرصة وتفرّغ لقراءة الكثير من الكتب العقائدية واستماع المحاضرات الإسلاميّة، فاتضحت له الكثير من السبل التي تُميّز الخطأ عن الصواب والحقّ عن الباطل. يقول «محمّد كاظم الدليمي»: بعد تمعُّني ودقّتي في قراءة الكتب واستماع المحاضرات لاحظت كثيراً من الفروق بين الحقّ والباطل والخطأ والصواب . . .

حيث كُشفت لي عند تسلسلي في قراءة الرسالة الإسلاميّة الكثير من الوصايا التي أكّد فيها نبيّنا الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم على اتّباع وحبّ أهل البيت عليهم‏السلام، لأنّهم هم المعصومون وهم المطهرون عن الرجس في الآية الكريمة: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(1).

كما أكّد صلى الله عليه و آله و سلم على ولاية أمير المؤمنين عليه‏السلام وخلافته من بعده في واقعة الغدير الغراء.

حديث الغدير:

أحد أهمّ الأدلّة على ولاية أمير المؤمنين عليه‏السلام وخلافته الشرعيّة بعد رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم هو حديث الغدير.

وقد روى هذا الحديث علماء وحفّاظ الحديث ورؤساء أهل السنّة والجماعة، فقسم أخبت وسكن إليه، وآخر زوا عنه كلّ ريبة وشكّ وحكم بصحّة أسانيد جمّة من طرقه وحُسن طرق آخرى وقوة طائفة منها، وهناك أمّة من فطاحل العلماء حكموا بتواتر الحديث وشنّعوا على من أنكر ذلك.

كتاب «الولاية» للطبري:

لكن الأيادي الظالمة التي لم تقتصر على التطاول بالنسبة للتراث الشيعي تعدُت حتّى على التراث السنّي الذي له صلة بأمير المؤمنين عليه‏السلام وفضائله. ففُقد كتاب «الولاية» في جمع طرق حديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه» لمحمّد بن جرير الطبري (ت٣١٠ه ) صاحب التفسير والتاريخ المعروفين، وذلك في

مطلع القرن التاسع الهجري. وقبل هذا التاريخ كان الكتاب مرجعاً لكثير من المؤرّخين والمؤلّفين حيث

ذكروه في كتبهم ورووا عنه الحديث، منهم القاضي أبو حنيفة النعمان (ت ٣٦٣ ه ) النجاشي (ت ٤٥٠ه )، الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ه )، ابن شهر آشوب (ت ٥٨٨ه ) ابن بطريق (ت ٦٠٠ه )، ابن طاووس (ت٦٦٤ه )، الحافظ الذهبي (ت ٧٤٨ه )، ابن كثير (ت ٧٧٤ه ) وابن حجر العسقلاني (ت٨٥٢ه ).

وهو الكتاب الذي يقول عنه ابن كثير: «وقد رأيت له [أي للطبري] كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ مجلّدين ضخمين»(2).

وقال ابن حجر عنه: « . . . وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف ما ذكر وصحّحه واعتنى بجمع طرق أبو العباس بن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر»(3).

وأمّا مؤلّفه الطبري فقد ضُيّق عليه زمن حياته، ومنعوا من دفنه نهاراً بعد موته، قال ابن الأثير في تاريخه: «وفي هذه السنّة [٣١٠ه ] توفّي محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ ببغداد ومولده سنة أربعة وعشرين ومأتين، ودفن ليلاً بداره لأنّ العامّة اجتمعت ومنعت من دفنه نهاراً وادّعوا عليه الرفض، ثُمّ ادّعوا عليه الإلحاد»(4).

ويقول أيضاً: « . . . ودفن في داره لأنّ بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا دفنه نهاراً ونسبوه إلى الرفض»(5). وكلّ هذا لأجل تأليفه لكتاب جمع فيه فضائل أمير المؤمنين عليه‏السلام وأحاديث يوم الغدير(6).

ونقتصر هنا على ذكر شذرات من أحاديث هذا الكتاب والتي نقلها عنه مؤلّفوا الحديث عند الفريقين.

فقد نقل عنه القاضي النعمان في كتابه «شرح الأخبار» قوله: «قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه‏السلام: «أمّا ترضى يا علي [أن تكون] أخي ووصيّي ووزيري ووليّي وخليفتي من بعدي»(7).

وذكر بإسناد آخر رفعه إلى ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم لأمّ سلمة:

«يا أمّ سلمة! اشهدي هذا علي أمير المؤمنين، وسيّد الوصيّين، وعيبة العلم ومنار الدين، وهو الوصي على الأموات من أهلي، والخليفة على الأحياء من أُمّتي»(8). ونقل عنه ابن شهر آشوب في «مناقب آل أبي طالب عليه‏السلام فقال: الطبري في «الولاية» بإسناد له عن الأصبغ بن نباتة، قال قال علي عليه‏السلام: «لا يحبُني ثلاثة، ولد زنا، ومنافق، ورجل حملت به أُمّه في بعض حيضها»(9).

وقال ابن طاووس في كتاب «اليقين باختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين»:

«قال أبو جعفر قال: [الطبري] حدّثنا زرات بن يعلى بن أحمد البغدادي، أخبرنا أبو قتادة عن جعفر بن محمّد، عن محمّد بن بكير، عن جابر بن عبد اللّه‏ الأنصاري، عن سلمان الفارسي، قال: قلنا يوماً: يا رسول اللّه‏ من الخليفة بعدك حتّى نعلمه؟ قال لي: [يا] سلمان: أدخل علي أبا ذر والمقداد وأبا أيّوب الأنصاري، وأمّ سلمة زوجة النبيّ من وراء الباب. ثُمّ قال: اشهدوا وافهموا عنّي: أنّ علي بن أبي طالب وصيّي ووارثي وقاضي ديني وعدتي وهو الفاروق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، والحامل غداً لواء ربّ العالمين، هو وولده من بعده، ثُمّ من الحسين ابني أئمّة تسعة هداة مهديّون إلى يوم القيامة، أشكو إلى اللّه‏ جحود أُمتي لأخي، وتظاهرهم عليه، وظلمهم له، وأخذهم حقّه.

قال: فقلنا له: يا رسول اللّه‏: ويكون ذلك؟

قال: نعم، يقتل مظلوماً من بعد أن يملأ غيضاً ويوجد عند ذلك صابراً . . . »(10).

وعن الحافظ الذهبي في «رسالة طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: محمّد بن جرير الطبري، ثنا عبيد بن غنام، ثنا الأودي، أنبأنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مرّ قال: شهدت عليّاً بالرحبة ينشدهم: «أيّكم سمع رسول اللّه‏ صلى الله عليه و آله و سلم يقول يوم غدير خمّ ما قال»؟

فقام أناس فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللّه‏ يقول: «من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه وانصر من نصره»(11).

اتّباع المذهب الشيعي:

يقول «محمّد كاظم» بعد ذكر أدلّة استبصاره: « . . . كلّ هذه الأُمور جعلتني أنتهج المذهب الشيعي، مذهب أهل البيت عليهم‏السلام، المذهب الذي يفرّق بين الحقّ والباطل». وكان استبصاره عام ١٤٠٨ه (١٩٨٨م) في مدينة طهران بإيران.

____________

1- الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

2- البداية والنهاية ١١: ١٦٧.

3- تهذيب التهذيب ٧: ٢٩٧.

4- الكامل في التاريخ ٨: ١٣٤.

5- البداية والنهاية ١١: ١٦٧.

6- فقد احتمل الذهبي أنّ نسبة الطبري للتشيّع جائت إثر تأليفه لهذا الكتاب، وقال: أظنّه بمثل هذا الكتاب نسب إلى التشيّع رسالة طرق من كنت مولاه فعلي مولاه: ٦٢.

7- شرح الأخبار ١: ١٢١.

8- شرح الأخبار ١: ١١٩.

9- مناقب آل أبي طالب عليه‏السلام ٣: ١٠

10- اليقين باختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين: ٤٨٨، وقال السيّد بن طاووس في ذيلهذا الحديث: «أقول: فهل ترى ترك النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم حجّة أو عذراً لأحد على اللّه‏ جلّ جلاله، وعليه ولو لم يرد في الإسلام إلاّ هذا الحديث المعتمد عليه لكان حجّة كافية لعلي عليه‏السلاموالنبيّ صلى الله عليه و آله و سلم الذي نصّ عليه بالخلافة على الأئمّة من ذريّته.

11- رسالة طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه: ٢٩..