فؤاد يوسف بولص شماشا

فؤاد يوسف بولص شماشا (مسيحي / العراق)

ولد عام ١٣٨٤هـ (١٩٦٥م) في مدينة «الموصل» بالعراق، نشأ في أُسرة مسيحية، ثُمّ دفعته الظروف للهجرة إلى إيران فاستبصر في إيران عام ١٤٠٦هـ (١٩٨٦م).

الإسلام دين العقل:

يقول «فؤاد»: كنت انتسب إلى عائلة مسيحية تقليديّة، حيث ولدت وأنا لا أعرف سوى المسيحية، وترعرعت على هذا الدين وتعاليم الكنيسة، وكنت أقلّد تعاليم الكنيسة تقليداً أعمى وأعتقد أنّها هي التعاليم الصحيحة، ولا أعرف عن العقيدة شيئاً سوى ما تملي عليّ الكنيسة، حيث إنّ الأب والإبن وروح القدس هم الآلهة الواحدة.

وعندما أتيت إلى إيران الإسلاميّة وعاشرت الإخوة المسلمين وخصوصاً الإخوة الشيعة منهم وأسمع نقاشهم عن عقيدتهم ولا أستطيع أن أجيب على أسئلتهم عن ديني وعقيدتي، فبقيت في شكّ من أمري وبقيت استمع إلى القرآن الكريم ومحاضرات الإُخوة المبلّغين الذين كنت أحضر مجالسهم، والمبلّغين الذين تُبثّ محاضراتهم عبر جهاز الراديو.

فتوجّهت نحو هذه العقيدة السلسة وهذا الدين السمح حيث وجدّته دين العقل والوجدان، ووجدت بأنّ تعاليمه لا تنافي العقل كتعاليم الكنيسة، حيث تجعل من ثلاثة واحد ومن الواحد ثلاثة، فتوكّلت على الله أن يهديني لصراطه المستقيم، فركبت سفينة النجاة باتّباع دين المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) ومذهب أهل بيت النبوّة(عليهم السلام)، وأسأل من الله حسن العاقبة.

يضيف «فؤاد يوسف»: ومن أبرز الأُمور التي تأثّرت بها في استبصاري هي مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، وعندما اطلعت على مأساة كربلاء اهتزّ لها وجداني وضميري، وتوهّجت أحاسيسي، وأدمت قلبي، وجرحت مشاعري، وأسالت دموعي المتدفقة بغزارة وحرقة، فوجدت بأنّ هذه الواقعة المأساوية أحدثت جروحاً في نفسي، وعندما بحثت عن تأثير هذه الواقعة في الواقع الاجتماعي رأيت بأنّه كلّما تجدّد الزمن فقد ازدادت مساحة هذه المأساة أسى ولوعة.

وقد ذكر الخطيب الحسيني الدكتور الشيخ محمّد باقر المقدسي في كتابه «دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلاميّة»:

مأساة الإمام الحسين(عليه السلام) والتعاطف معه:

إنّ كلّ من يقرأ قصّة «كربلاء» وما جرى فيها من مآسي لابدّ أن يحزن بعمق ويتأثّر لما جرى على سيّد الشهداء وعلى أهل بيته وأصحابه، ومن ثُمّ ينشدّ إلى الإمام وينجذب إليه ويتعاطف معه، وهذا ما جرى لكثيرين بعدما قرأوا أو سمعوا فاجعة عاشوراء:

١ – الكاتبة الإنجليزية القديرة (فرايا ستارك):

كانت قد كتبت فصلاً صغيراً عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم «صور بغداديّة» وتبدأ هذا الفصل بقولها: «إنّ الشيعة في جميع أنحاء العالم الإسلامي يحيون ذكرى الحسين ومقتله، ويعلنون الحداد عليه في عشرة محرم الأولى كلّها، حتّى يصل بهم مدّ الأحزان البطيء الذي يستولي على أنفسهم إلى أوجه بمواكب العزاء التي تخرج في اليوم الأخير.

ثُمّ تشير إلى مواكب العزاء و(السبايا) التي تمثل فيها وقائع معركة «كربلاء» كلها. وهي تقول: «إنّ هذه المواكب التي تُقام في «بغداد» والمدن المقدّسة يعرف مجيئها من بعيد بصوت اللدم على الصدور العارية». ثُمّ تصف مجلس تعزية للنساء في «الكويت» أُخذت إليه وهي متنكّرة . . . (1).

وفي فصلها الكبير عن «النجف» الذي كتبته في هذا الكتاب تأتي «فرايا ستارك» إلى ذكر «كربلاء» والحسين كذلك فتقول: « . . . وعلى مسافة غير بعيدة من هذه البقعة جُعجع ابنه الحسين إلى جهة البادية، وظلّ يتجوّل حتّى نزل في «كربلاء» وهناك نصب مخيّمه، بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه .

وما تزال تفصيلات تلك الوقائع واضحة جليّة في أفكار الناس في يومنا هذا كما كانت قبل (١٢٥٧) سنة. وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدّسة أن يستفيد كثيراً من زيارته مالم يقف على شيء من هذه القصّة ; لأنّ مأساة الحسين تتغلغل في كلّ شيء حتّى تصل إلى الأُسس وهي من القصّص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء».

ثُمّ تقول: «إنّ التاريخ قد توقّف في «كربلاء» و«النجف» منذ أن وقعت تلك الفاجعة ; لأنّ الناس أخذوا يعيشون فيهما على ذكرى الكراهيّة لأعداء الحسين المظلوم»(2).

٢ – المستشرق المعروف (البروفسور براون):

كتب عن مأساة الإمام الحسين(عليه السلام) قائلاً: «ذكرى «كربلاء» التي استشهد فيها سبط الرسول بعد تحمّل الأذى والعطش، كافية أن تُحدث في قلب أبرد الناس وأكثرهم تهاوناً وعدم اعتناء بالأُمور حماسة وحزناً وهيجاناً شديداً، وأن تتعالى بالروح إلى معارج الكمال، بحيث تستهين بالالم والموت»(3).

٣ – الأستاذ المصري أبو شريف معروف عبد المجيد:

بعث إليّ رسالة يقول فيها: «ذات يوم كنت أبحث عن إذاعة القاهرة وفي يدي مذياع صغير، وأنا جالس وحدي في غرفتي. كنت أعيش حينها خارج «مصر»، وكان الشوق إليها يغمر قلبي ويستولي على مشاعري، ولم تكن الفضائيات قد ظهرت بعد.

وفجأة، تناهى إلى أذني صوت رخيم عذب، فأوقفت مؤشّر المذياع، كان الأداء مختلفاً تماماً عن كلّ أداء سمعته من قبل، فازدادت دهشتي، كان الرجل يتحدّث عن الإمام الحسين(عليه السلام) وعن الكارثة المريعة التي وقعت في «كربلاء» لا أدري في أيّ شهر من الشهور كنّا، وربّما في شهر محرم.

في تلك الأيّام لم أكن قد عرفت بعدُ البكاء على الحسين(عليه السلام) ومعنى هذا البكاء، ولكنّني وجدت نفسي قد غمرها حزن شديد، فأجهشت بالبكاء، وفاضت الدموع من عيوني بغزارة وحرارة دون إرادة، ورحت أبكي بمرارة وحرقة لم أعهدها من قبل، إلى أن انتهى الحديث الذي استولى على جوانحي قادماً عبر الأثير، وقد تجسّدت أمامي مصيبة أهل البيت الأطهار(عليهم السلام). أعلن المذيع بأنّ الإذاعة هي إذاعة طهران، ولكنّه لم يذكر اسم المتحدّث، ولعله بالطبع كان قد ذكره في البداية، فشعرت بالأسف الشديد لأنّني كنت في شدّة الشوق لمعرفة صاحب هذا الصوت القادم من خلف الحجب والأستار.

ومضت أيّام وشهور وسنوات إلى أن فاجأني الصوت نفسه قادماً من نفس الإذاعة، ولكنّني كنت هذه المرّة في «طهران»..!

قرّرت أن أكشف هذا اللغز العجيب، وأن أعرف صاحب الصوت الحسيني. لم يطل بي البحث، وما لبثت أن علمت أنّه عميد المنبر الحسيني الخطيب البارع والشاعر الأديب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي(قدس سره) وكان أن انفتحت أمام بصيرتي آفاق جديدة واسعة على قتيل العبرات الإمام الحسين(عليه السلام)(4).

٤ – كثير من مسلمي شمال إفريقية:

حدّثني الخطيب السيّد مسلم الجابري قائلاً: «لمّا كنتُ أواصل دراساتي العليا في «باريس» سنة ١٩٨١ وافقت أيّام العشرة الأولى من محرّم، فدعونا المسلمين من شمال إفريقية المتواجدين في «باريس» للحضور ليلة تاسوعاء وعاشوراء في المركز الإسلامي الإيراني، فحضر جمعٌ كبيرٌ منهم، فأسمعناهم مقتل الحسين(عليه السلام) بصوت المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي، فكان الجميع ينصتون ويبكون تفاعلاً مع المأساة الحسينيّة، وكانوا يقولون: إنّ هذا الأمر لم نعلم به، وأظهروا تعاطفهم مع الإمام الحسين(عليه السلام) واشمئزازهم من القتلة المجرمين».

مأساة الحسين(عليه السلام) وانتشار التشيّع:

قال الدكتور جوزيف الفرنسي في تحقيق له تحت عنوان (الشيعة وترقّياتها المحيّرة للعقول): « . . . ومن جملة الأُمور الطبيعيّة التي صارت مؤيّدة لفرقة الشيعة في التأثير في قلوب سائر الفرق هو إظهار مظلوميّة أكابر دينهم، وهذه المسألة من الأُمور الطبيعيّة ; لأنّ كلّ أحد بالطبع ينتصر للمظلوم ويحبّ غلبة الضعيف على القوي، والطبايع البشريّة أميل إلى الضعيف . . . وهؤلاء مصنّفو أوروبّا الذين ذكروا في كتبهم تفصيل مقاتلة الحسين وأصحابه وقتلهم، مع أنّهم لا يعتقدون بهم، أذعنوا بظلم قاتليهم وتعدّيهم وعدم رحمتهم، ويذكرون أسماء قاتليهم بالاشمئزاز.

وهذه الأُمور طبيعيّة لا يقف أمامها شيء، وهذه النكتة من المؤيّدات الطبيعيّة لفرقة الشيعة»(5).

وكان «فؤاد» أيضاً من جملة الذين تأثّروا بالإمام الحسين(عليه السلام)، وكانت إحدى عوامل استبصاره التأثّر من خلال قراءة مقتل الإمام الحسين، بحيث أدّى به ذلك إلى الاستبصار والالتحاق بركب أهل البيت(عليهم السلام).

____________

1- دور المنبر الحسيني، محمّد باقر المقدسي: ١١١ نقلاً عن stark freya baghdadsterches ١٩٣٧.

2- المصدر السابق: ١١٢، نقلاً عن موسوعة العتبات المقدّسة لجعفر الخليلي، قسم كربلاء.

3- المصدر السابق: ١١٢، نقلا عن آداب الكلام لعلي باشا صالح.

4- نفس المصدر: ١١٢.

5- المصدر السابق، نقلاً عن اقناع اللائم للسيّد الأمين: ٣٥٦.