صفاء الجنابي

صفاء الجنابي (شافعي / العراق)

ولد عام ١٣٨٥هـ (١٩٦٦م) في بغداد، ونشأ في أسرة شافعيّة المذهب، ولم يكن التشيّع عليه أمراً غريباً ; لأنّه كان يلتقي بالشيعة كثيراً، ولديه إلمام إجمالي بمعتقداتهم غير المحرّفة، ولكنّه لم يكن جادّاً في البحث عن الحقيقة طيلة فترة بقائه على انتمائه الموروث، وعندما قرّر الاهتمام بالبحث العقائدي، وتوجّه نحو قراءة الكتب الدينيّة، خصّص جزءاً من وقته لقراءة الكتب الشيعيّة، فتعرّف على حياة أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) فانجذب نحوهم، وهذا ما أدّى به في نهاية المطاف إلى اعتناق مذهبهم.

منزلة أهل البيت(عليهم السلام):

كانت معرفة «صفاء» بأهل البيت(عليه السلام) معرفة اجماليّة، وكان يرى بأنّ ما يميّزهم عن الآخرين هو كثرة الإيمان والورع والتقوى والزهد والعلم فحسب، ولكنّه عندما توجّه نحو قراءة الكتب عرف بأنّ الأمر يتجاوز الحدّ المألوف، والمسألة إنّما هي مسألة اصطفاء إلهي لذريّة بعضها من بعض، لتكون حجّة الله في أرضه، وأمناؤه في بلاده، والسبب المتّصل بين الأرض والسماء ; ولهذا قال الإمام علي(عليه السلام) حول أهل البيت(عليهم السلام):

«أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى، إنّ الأئمّة من قريش غرسها في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم»(1).

وقال(عليه السلام) في خطبة أخرى حول فضائل أهل البيت(عليهم السلام):

«وناظر قلب اللبيب به يبصر أمره، ويعرف غوره ونجده داع دعا، وراع رعى، فاستجيبوا للداعي، واتّبعوا الراعي. قد خاضوا بحار الفتن، وأخذوا بالبدع دون السنن، وأرز المؤمنون، ونطق الضالّون المكذّبون، نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلاّ من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً.

وأضاف(عليه السلام): فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن، وإن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يسبقوا، فليصدق رائد أهله، وليحضر عقله، وليكن من أبناء الآخرة، فإنّ منها قدم وإليها ينقلب»(2).

اهمّية وجود الإمامة الإلهيّة:

كان هشام بن الحكم عند الإمام الصادق(عليه السلام) فأمره الإمام أن يخبره عن الحوار الذي أجراه مع أحد علماء أهل السنّة حول الإمامة فقال هشام:

بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك عليّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد، وعليه شملة سوداء متّزر بها من صوف وشملة مرتد بها، والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ثمّ قلت:

أيّها العالم إنّي رجل غريب، تأذن لي في مسألة؟

فقال لي: نعم.

فقلت له: ألك عين؟

فقال: يا بني أيّ شيء هذا من السؤال؟! وشيء تراه كيف تسأل عنه؟!

فقلت: هكذا مسألتي.

فقال: يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء!

قلت: أجبني فيها.

قال لي: سل.

قلت: ألك عين؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع بها؟

قال: أرى بها الألوان والأشخاص.

قلت: فلك أنف؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع به؟

قال: أشمّ به الرائحة.

قلت: ألك فم؟

قال نعم.

قلت: فما تصنع به؟

قال: أذوق به الطعم.

قلت: فلك أذن؟

قال: نعم.

قلت: فما تصنع بها؟

قال: أسمع بها الصوت.

قلت: ألك قلب؟

قال نعم.

قلت: فما تصنع به؟ قال: أميّز به كلّما ورد على هذه الجوارح والحواس.

قلت: أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟

قال: لا.

قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟

قال: يا بني إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته،ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشكّ.

قال هشام: فقلت له: فإنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟

قال: نعم.

قلت: لابدّ القلب وإلاّلم تستيقن الجوارح؟

قال: نعم.

فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يصحّح لها الصحيح، ويتيقّن به ما شكّ فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لها إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك تردُّ إليه حيرتك وشكّك؟!

قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً.

ثمّ التفت إليّ فقال لي: أنت هشام بن الحكم…

…فضحك أبو عبد الله(عليه السلام) وقال: يا هشام من علّمك هذا؟

قلت: شيء أخذته منك وألّفته.

فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى(3).

مقام الإمامة:

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّكم لا تكونوا صالحين حتّى تعرفوا، ولا تعرفوا حتّى تصدّقوا، ولا تصدّقوا حتّى تسلّموا أبواباً أربعة لا يصلح أوّلها إلاّ بآخرها، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيهاً بعيداً.

إنّ الله تبارك وتعالى لا يقبل إلاّ العمل الصالح، ولا يقبل الله إلاّ الوفاء بالشروط والعهود، فمن وفي لله عزّ وجلّ بشرطه، واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده، واستكمل ما وعده.

إنّ الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى، وشرع لهم فيها المنار، وأخبرهم كيف يسلكون، فقال:

﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى(4).

وقال: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(5).

فمن اتّقى الله فيما أمره لقي الله مؤمناً بما جاء به محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا، وظنّوا أنّهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون.

إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى. ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى. وصل الله طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله، وهو الإقرار بما أنزل من عند الله عزّ وجلّ، خذوا زينتكم عند كلّ مسجد، والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنّه أخبركم أنّهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإتياء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار، إنّ الله قد استخلص الرسل لأمره، ثمّ استخلصهم مصدّقين بذلك في نُذُره، فقال: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّة إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ(6).

تاه من جهل، واهتدى من أبصر وعقل، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(7).

وكيف يهتدي من لم يبصر وكيف يبصر من لم يتدبّر؟!

اتبعوا رسول الله وأهل بيته، وأقرّوا بما نزل من عند الله، واتّبعوا آثار الهدى، فإنّهم علامات الأمانة والتقى، واعلموا أنّه لو أنكر رجل عيسى بن مريم(عليه السلام)، وأقرّ بمن سواه من الرسل لم يؤمن، اقتصّوا الطريق بالتماس المنار، والتمسوا من وراء الحجب الآثار، تستكملوا أمر دينكم، وتؤمنوا بالله ربّكم»(8).

إنّ الكتب الشيعيّة التي قرأها «صفاء»، والأحاديث الشريفة التي تأمّل فيها دفعته إلى المزيد من البحث، وأملت عليه النتيجة وهي اعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)،فأعلن استبصاره عام ١٤٠٨هـ (١٩٨٨م).

____________

1- نهج البلاغة ٢: ٢٧، الخطبة ١٤٤.

2- نهج البلاغة ٢: ٤٤، الخطبة ١٥٤.

3- الكافي للكليني ١: ١٦٩ – ١٧٠.

4- طه (٢٠): ٨٢.

5- المائدة (٥): ٢٧.

6- فاطر (٣٥): ٢٤.

7- الحج (٢٢): ٤٦.

8- الكافي للكليني ١: ١٨١ – ١٨٢، ح٢.